الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
250 - (62) باب النهي عن بناء المسجد على القبور واتخاذها مساجد ولعن فاعله وعن التصاوير فيها
1075 -
(489)(149) وحدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ. أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَالشَةَ؛ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتَا كَنِيسَةً رَأَينَهَا بِالْحَبَشَةِ، فِيهَا تَصَاويرُ، لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِن أُولَئِكِ، إِذَا كَانَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ،
ــ
250 -
(62) باب النهي عن بناء المسجد على القبور واتخاذها مساجد ولعن فاعله وعن التصاوير فيها
1075 -
(489)(149)(وحدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (حدثنا يحيى بن سعيد) بن فروخ القطان التميمي أبو سعيد البصري (حدثنا هشام) بن عروة بن الزبير الأسدي المدني (أخبرني أبي) عروة بن الزبير بن العوام الأسدي المدني (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد بصري وواحد نسائي (أن أم حبيبة) رملة بنت أبي سفيان بن حرب الأموية أم المؤمنين مشهورة بكنيتها لها خمسة وستون حديثًا (65) اتفقا على حديئين وانفرد (م) بمثلها، روت عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن زينب بنت جحش في الفتن، ويروي عنها (ع) وبنتُها حبيبةُ في الفتن، وسالم بن شوَّال في الحج، وزينب بنت أم سلمة في النكاح، وعنبسة بن أبي سفيان أخوها (وأم سلمة) هند بنت أبي أمية حذيفة المخزومية زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها، روى عنها في (9) أبواب (ذكرتا كنيسة) وهي معبد النصارى (رأينها بالحبشة) أي رأتاها مع من معهما من المهاجرات إليها ولك أن تقول إن التعبير عنهما بنون الجمع على أن أقل الجمع اثنان (بالحبشة) جنس من السودان ضد البيضان والحمران (فيها) أي في تلك الكنيسة (تصاوير) جمع تصوير بمعنى مُصَوَّر أي صور من آدميين يعبدونها، وقوله (لرسول الله صلى الله عليه وسلم متعلق بذكرتا (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أولئكِ) إشارة إلى أهل الحبشة والخطاب للمؤنث التي ذكرَتْ له تلك الكنيسة، وقال الأبي: الإشارة إلى المصنف لا إلى الذين رأت ذلك عندهم لأنه كان قبلهم في الجاهلية الأولى التي هي قوم نوح عليه السلام ومَنْ قبلهم (إذا كان فيهم الرجل الصالح) المؤدي لحقوق الله وحقوق العباد، قال ابن الملك:
فَمَاتَ، بَنَوْا عَلَيَّ قَبْرِهِ مَسْجِدًا، وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ. أُولئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"
ــ
توصيفه بالصلاح على زعمهم (فمات) ذلك الصالح (بنوا على قبره مسجدًا وصوروا فيه) أي في ذلك المسجد (تلك الصور) التي رَأَيتُنَّهَا التي مات أصحابها فالإشارة إلى الصور المنقوشة، والخطاب للتي ذكرتها (أولئك) المصورون تلك الصور (شرار الخلق) وأخساؤهم (عند الله) سبحانه وتعالى (يومَ القيَامة) والمحاسبة والمجازاة، والإشارة في قوله (أولئك) إلى أولئك المصورين، والخطاب مثل ما قبله، قال الأبي: الأظهر في الإشارة أنها لمن نحت وعبد وإن كانت في الظاهر لمن نحت فقط فيحتمل كونهم شرار الخلق بتصويرهم لحديث وعيد المصورين، قال القرطبي: قوله (أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدًا وصوروا تلك الصور) قال الشيخ ابن عرفة: إنما فعل ذلك أَوائِلُهم ليستأنسوا برؤية تلك الصورة ويتذكروا بها أحوالهم الصالحة فيجتهدون كاجتهادهم ويعبدون الله سبحانه كعبادتهم عند قبورهم فمضت له بذلك أزمان ثم إنهم خلف من بعدهم خلف جهلوا أغراضهم ووسوس لهم الشيطان أن آباءهم وأجدادهم كانوا يعبدون هذه الصور ويعظمونها وأنها ترزق وتنفع وتضر فعبدوها فحذر النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل ذلك وشدد النكير والوعيد على فعل ذلك وسَدّ الذرائع المؤدية إلى ذلك فقال "اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد فلا تتخذوا القبور مساجد" رواه مالك في الموطأ من حديث عطاء بن يسار أي أنهاكم عن ذلك، وقال "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد" رواه مسلم، وقال "اللهم لا تجعل قبري وثنًا يعبد" رواه مالك في الموطأ من حديث عطاء أيضًا.
قال الطبري: إن ودًا وسواعًا ويغوث ويعوق ونسرًا أسماء أصنام قوم نوح عليه السلام إنما كانت أسماء صالحيهم في القديم الذين صوروا صورهم كما مر فلما جاء الخَلَفة نُوسِي أصلُ ذلك الفعل وألقى إليهم الشيطان أن سموا تلك الصور بأسماء أولئك الصالحين فسواع هو ابن شيث ويغوث ويعوق ونسر من أولاده اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 51]، والبخاري [427] والنسائي [2/ 42].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله عنها فقال:
1076 -
(00)(00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ. قَالا: حَدَّثنَا وَكيعٌ. حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَهُمْ تَذَاكَرُوا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَرَضِهِ. فَذَكَرَتْ أُمُّ سَلَمَةَ وَأُمُّ حَبِيبَةَ كَنِيسَةً ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ.
1077 -
(00)(00) حدَّثنا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالتْ: ذَكَرْنَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَنِيسَةً رَأَينَهَا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ. يُقَالُ لَهَا
ــ
1076 -
(00)(00)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (وعمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) أبو عثمان البغدادي (قالا حدثنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي (حدثنا هشام بن عروة) بن الزبير الأسدي المدني (عن أبيه) عروة بن الزبير المدني (عن عائشة) رضي الله عنها، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة وكيع ليحيى بن سعيد في رواية هذا الحديث عن هشام بن عروة (أنهم) أي أن الأصحاب (تذاكروا) أي تحدثوا (عند رسول الله صلى الله عليه وسلم شؤون اليهود والنصارى وعبادتهم وكنائسهم (في مرضه) الذي توفي به رسول الله صلى الله عليه وسلم (فذكرت أم سلمة وأم حبيبة) رضي الله تعالى عنهما (كنيسة) رأينها في الحبشة (ثم ذكر) وكيع (نحوه) أي نحو حديث يحيى بن سعيد القطان.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله عنها فقال:
1077 -
(00)(00)(حدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي (حدثنا هشام) بن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) رضي الله عنها، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة أبي معاوية ليحيى بن سعيد في رواية هذا الحديث عن هشام (قالت ذكرن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قال النواوي: هكذا ضبطناه ذكرن بالنون، وفي بعض الأصول ذكرت بالتاء والأول أشهر وهو جائز على تلك اللغة القليلة لغة أكلوني البراغيث، ومنها (يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار) أي ذكرت أزواجه صلى الله عليه وسلم عنده صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات بها كنيسة رأينها بأرض الحبشة يقال لها)
مَارِيَةُ بِمِثْلِ حَدِيثِهِم.
1078 -
(495)(150) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ. قَالا: حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ. حَدَّثَنَا شَيبَانُ عَنْ هِلالِ بْنِ أَبِي حُمَيدٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيرِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالتْ: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَرَضِهِ الَّذِي لَمْ يَقُمْ مِنْهُ: "لَعَنَ اللهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى. اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ"
ــ
أي لتلك الكنيسة (مارية) لأن صورة مريم أم عيسى عليهما السلام تعبد فيها وساق أبو معاوية (بمثل حديثهم) الصواب بمثل حديثهما أي بمثل حديث يحيى ووكيع فالمتابعة تامة وهذا هو الظاهر ويحتمل كون المتابعة في مشايخ المؤلف فالمتابعة ناقصة أي وساق أبو كريب بمثل حديث زهير وأبي بكر وعمرو الناقد.
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة بحديث آخر لعائشة رضي الله تعالى عنها فقال:
1078 -
(490)(150)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (وعمرو) بن محمد (الناقد) البغدادي (قالا حدثنا هاشم بن القاسم) بن مسلم الليثي مولاهم أبو النضر البغدادي مشهور بكنيته، ثقة ثبت، من (9) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا شيبان) بن عبد الرحمن التميمي النحوي مولاهم أبو معاوية الكوفي ثم البغدادي، ثقة، من (7) روى عنه في (7) أبواب (عن هلال بن أبي حميد) الجهني مولاهم الوزان الكوفي، واختلف في اسم أبي حميد قيل عبد الله وقيل عبد الرحمن، وقال ابن أبي حاتم: عن أبيه: اسمه مقلاص، ثقة، من (6) وقيل مختلف فيه (عن عروة بن الزبير عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون واثنان مدنيان وواحد بغدادي (قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه (يعني مات به العن الله) سبحانه وتعالى (اليهود والنصارى) وطردهم عن رحمته، فالجملة دعائية خبرية اللفظ إنشائية المعنى فكأنه قال: اللهم العنهم، وهذا تأكيد في النهي، وجملة قوله (اتخذوا قبور أنبيائهم) وصلحائهم (مساجد) أي معابد وكنائس، مستانفة على وجه البيان لِمُوجِبِ اللعنِ كأنه قيل: لم لعنوا؛ فأجيب بأنهم اتخذوا اهـ أبي، قال الأبي: لما علم النبي صلى الله عليه وسلم أنه ميت عرَّض بفعل اليهود والنصارى لئلا يفعل بقبره مثل ذلك، قال القاضي عياض: وشدد النهي عن ذلك خوف أن يُتَنَاهى في
قَالتْ: فَلَوْلا ذَاكَ أُبْرِزَ قَبْرُهُ. غَيرَ أَنَّهُ خُشِيَ أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا.
وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي شَيبَةَ: وَلَوْلا ذَاكَ. لَمْ يَذْكُرْ: قَالتْ
ــ
تعظيمه ويخرج عن حد المبرة إلى حد النَّكِيرِ فيُعْبَد مِن دون الله عز وجل، ولذا قال صلى الله عليه وسلم:"اللهم لا تجعل قبري وثنًا يعبد" لأن هذا الفعل كان أصل عبادة الأوثان على ما تقدم، ولذا لما كثر المسلمون أيام عثمان رضي الله عنه واحتيج إلى التوسعة في المسجد وامتدت الزيادة حتى أدخلت فيه بيوت أزواجه صلى الله عليه وسلم ومن جملتها بيت عائشة رضي الله تعالى عنها التي دفن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أدير على القبر المشرف حائط مرتفع كيلا يظهر القبر في المسجد فيصلي إليه العوام فيقعوا في اتخاذ قبره صلى الله عليه وسلم مسجدًا ثم بنوا جدارين من ركني القبر الشماليين وحرفوهما حتى التقيا على زاوية مثلثة من جهة الشمال حتى لا يُمْكِنَ استقبالُ القبر في الصلاة ولذلك قالت: لولا ذلك لبرز قبره (قلت) ولكن هذا الوصف إنما يتوافق مع وضع القبر الشريف في العصر القديم ثم طرأ عليه تعديل في العصر المملوكي ثم العثماني بحيث أصبح القبر ضمن حجرة مربعة تعلوه القبة الخضراء فمن صلى خلف الحجرة لم يكن مستقبلًا القبر لوجود الساتر والله سبحانه وتعالى أعلم.
(قالت) عائشة رضي الله عنها (فلولا ذاك) أي خوف اتخاذ قبره مسجدًا بقرينة السياق وقولها (أبرز قبره) صلى الله عليه وسلم بالبناء للمفعول جواب لولا ولفظ البخاري "لأبرزوا قبره" أي لجعلوه بارزًا منكشفًا للناس لكن لم يبرزوه أي لم يكشفوه بل بنوا عليه حائلًا يمنع الترائي والدخول فامتنع الإبراز لوجود خشية الاتخاذ ولولا حرف لامتناع الشيء لوجود غيره كما هو المعلوم في محله (غير أنه) أي غير أن الشأن والحال (خشي) قال النواوي: بضم الخاء بالبناء للمفعول وفتحها بالبناء للفاعل وفاعله ضمير يعود على النبي صلى الله عليه وسلم وهما صحيحان أي لكن أنه خيف (أن يتخذ مسجدًا) أي معبدًا فبنى عليه، قال شراح البخاري: وهذا قالته عائشة قبل أن يوسع المسجد ولذا لما وسع المسجد جعلت الحجرة الشريفة -رزقنا الله العود إليها- مثلثة الشكل محددة حتى لا يتأتى لأحد أن يصلي إلى جهة القبر المشرف مع استقبال القبلة اهـ (وفي رواية) أبي بكر (ابن أبي شيبة ولولا ذاك) بالواو بدل الفاء و (لم يذكر) ابن أبي شيبة لفظة (قالت) عائشة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 34 و 80] والبخاري [1330] والنسائي [2/ 40 - 41].
1079 -
(491)(151) حدَّثنا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِيُّ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسَ وَمَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيبِ؛ أنَّ أَبَا هُرَيرَةَ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "قَاتَلَ اللهُ الْيَهُودَ. اتَخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ".
1080 -
(00)(00) وحدّثني قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا الْفَزَارِيُّ عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ الأَصَمِّ. حَدَّثنَا يَزِيدُ بْنُ الأَصَمِّ عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛
ــ
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة هذا الأخير بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما فقال:
1079 -
(491)(151)(حدثنا هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي (الأيلي) ثقة، من (10)(حدثنا) عبد الله (بن وهب) المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (ومالك) بن أنس المدني (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) المدني (حدثني سعيد بن المسيب) بن حزن المخزومي المدني (أن أبا هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان أيليان وواحد مصري (قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتل الله اليهود) أي لعنهم كما في الرواية الآتية، وقيل معناه قتلهم وأهلكهم، وقوله (اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) استئناف وقع تعليلًا في المعنى لدعائه عليهم لأن اتخاذهم كذا إما لعبادتهم الأنبياء أو لتشريكهم الأنبياء وكلاهما مذمومان كذا في المبارق. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الصلاة، وأبو داود في الجنائز، والنسائي في الوفاة اهـ تحفة الأشراف.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
1080 -
(00)(00)(وحدثني قتيبة بن سعيد) الثقفي البغلاني (حدثنا الفزاري) مروان بن معاوية بن الحارث بن أسماء أبو عبد الله الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (13) بابا (عن عبيد الله) بن عبد الله (بن الأصم) العامري الكوفي، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: مقبول، من (6) روى عنه في الصلاة فقط، قال (حدثنا) عمي (يزيد بن الأصم) عمرو بن عبيد بن معاوية البكائي الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (6) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة
أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَال: "لَعَنَ الله الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى. اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ".
1081 -
(492)(152) وحدّثني هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِيُّ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، (قَال حَرْمَلَةُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال هَارُونُ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ)، أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أخْبَرَنِي عُبَيدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ؛ أنَّ عَائِشَةَ وَعَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالا: لَمَّا نُزِلَتْ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، طَفِق يَطْرَحُ
ــ
منهم كوفيون وواحد مدني وواحد بغلاني، غرضه بسوقه بيان متابعة يزيد بن الأصم لسعيد بن المسيب في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد).
ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث عائشة الثاني وابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال:
1081 -
(492)(152)(وحدثني هارون بن سعيد الأيلي) بفتح الهمزة وسكون التحتانية السعدي مولاهم، ثقة، من (10)(وحرملة بن يحيى) التجيبي المصري (قال حرملة أخبرنا، وقال هارون: حدثنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي مولاهم المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي الأموي (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري المدني (أخبرني عبيد الله بن عبد الله) بن عتبة بن مسعود الهذلي المدني (أن عائشة وعبد الله بن عباس) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي أو اثنان منهم أيليان وواحد مصري واثنان مدنيان وواحد طائفي (قالا لما نزلت) بالبناء للفاعل مع تاء التأنيث أي لما نزلت الوفاة (برسول الله صلى الله عليه وسلم وحضرته هكذا في أكثر الأصول، وفي بعض النسخ لما نزل بضم النون وكسر الزاي على صيغة المبني للمجهول أي نزل ملك الموت والملائكة الكرام به صلى الله عليه وسلم (طفق) بكسر الفاء وفتحها والكسر أفصح وأشهر وبه جاء القرآن، يقال طفق يفعل كذا وهو من أفعال الشروع كقولك أخذ يفعل كذا، ويستعمل في الإيجاب دون النفي ولا بد لها من اسم وخبر إلا أن خبرها يلزم فيه أن يكون فعلًا مجردًا عن أن وقد قدمنا القول في عسى ويوشك؛ أي شرع (يطرح) أي
خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجْهِهِ. فَإذَا اغْتَمَّ كَشَفَها عَنْ وَجْهِهِ. فَقَال، وَهُوَ كَذَلِكَ:"لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى. اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ" يُحَذِّرُ مِثْلَ مَا صَنَعُوا.
1082 -
(493)(153) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَإِسْحاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، (وَاللَّفْظُ لأَبِي بَكْرٍ)، (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ عَدِيٍّ)، عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو؛ عَنْ زيدِ بْنِ أَبِي أُنَيسَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ النَّجْرَانِيِّ؛
ــ
يضع (خميصة له) وهو كساء له أعلام (على وجهه فإذا اغتم) أي عرق واشتد حره (كشفها) أي كشف الخميصة وأزالها (عن وجهه فقال وهو) أي والحال أنه كذلك) أي على تلك الحال من طرح الخميصة على وجهه وكشفها عنه (لعنة الله) سبحانه أي طَرْد الله وإبعاده عن رحمته (على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) أي معبدًا وموضعًا لصلاتهم، حالة كونه (يحذر) من التحذير أي يريد أن يحذر ويمنع أمته أن يفعلوا بقبره (مثل ما صنعوا) أي مثل ما صنعت اليهود والنصارى بقبور أنبيائهم من اتخاذها مساجد والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 275 و 299] والبخاري [3453 و 3454] والنسائي [2/ 40].
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأول من الترجمة بحديث جندب رضي الله عنه الدال على صريح النهي فقال:
1082 -
(493)(153)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (وإسحاق بن إبراهيم) الحنطلي المروزي (واللفظ) الآتي (لأبي بكر قال إسحاق أخبرنا وقال أبو بكر حدثنا زكرياء بن عدي) بن الصلت التيمي مولاهم أبو يحيى الكوفي، ثقة حافظ، من كبار (10) مات سنة (212) روى عنه في (8) أبواب (عن عبيد الله بن عمرو) بن أبي الوليد الأسدي مولاهم أبي وهب الجزري الرقي، ثقة فقيه ربما وهم، من (7) روى عنه في (8) أبواب (عن زيد بن أبي أنيسة) الغنوي الجزري، ثقة له أفراد، من (6) روى عنه في (10) أبواب (عن عمرو بن مرة) بن طارق بن عبد الله الهمداني المرادي الجملي الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (13) بابا (عن عبد الله بن الحارث) الزبيدي بالضم (النجراني) بنون وجيم نسبة إلى نجران بلدة معروفة في اليمن المعروفِ بالمُكْتِب الكوفي، روى عن جندب بن عبد الله وابن مسعود، ويروي عنه (م عم) وعمرو بن مرة
قَال: حَدَّثَنِي جُنْدَبٌ قَال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَبْلَ أنْ يَمُوتَ بِخَمْسٍ، وَهُوَ يَقُولُ: "إِنِّي أَبْرَأُ إِلَى الله أَنْ يَكُونَ لِي مِنْكُمْ خَلِيلٌ. فَإِن الله تَعَالى قَدِ اتَّخَذَنِي خَلِيلًا، كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا. وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلًا لاتَّخَذتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا
ــ
وحميد الأعرج، وثقه ابن معين وأبو زرعة والنسائي وابن المديني، وقال ابن عبد البر: أجمعوا على أنه ثقة، وقال العجلي: مدني تابعي ثقة، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة (قال) النجراني (حدثني جندب) بن عبد الله بن سفيان البجلي أبو عبد الله الكوفي الصحابي الجليل رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته رجاله خمسة منهم كوفيون واثنان جزريان، وفيه التحديث با لإفراد والجمع والإخبار والعنعنة والمقارنة (قال) جندب بن عبد الله (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس) ليال (وهو) صلى الله عليه وسلم أي والحال أنه صلى الله عليه وسلم (يقول إني أبرأ) أي أتبرأ وأتخلص (إلى الله) الذي لا إله غيره من (أن يكون لي منكم) أيها الأصحاب (خليل) أي حبيب أطلعه على سرّي وصاحب أشتكي إليه حاجتي يقال أبرأ من كذا أمتنع منه وأنكره، والخليل هو المنقطع إليه، وقيل المختص بشيء دون غيره، قيل هو مشتق من الخَلة بفتح الخاء وهي الحاجة، وقيل من الخُلة بضم الخاء وهي تخلل المودة في القلب، فنفى صلى الله عليه وسلم أن تكون حاجته وانقطاعه إلى غير الله تعالى، وقيل الخليل من لا يتسع القلب لغيره اهـ نواوي، وفي هامش بعض المتون (قوله إني أبرأ إلى الله) يعني ألتجيء إليه من (أن يكون لي منكم خليل) وخليل هنا بمعنى المفعول أي محبوب، وفي قوله (فإن الله تعالى قد اتخذني) أي جعلني (خليلًا) أي محبًا له (كما اتخذ إبراهيم) عليه السلام أي جعله (خليلًا) أي محبًا له بمعنى الفاعل كما فسرناه، والخليل من الخلة بضم الخاء وهي الصداقة المخللة في قلب المحب الداعية إلى اطلاع المحبوب على سره (ولو كنت متخذًا) لنفسي (من أمتي خليلًا) أي محبوبًا (لاتخذت أبا بكر خليلًا) أي محبوبًا، وفي هذا إشارة إلى أحقيته بالخلافة اهـ أبي؛ أي لو جاز لي أن أتخذ صديقا من الخلق يقف على سري لاتخذت أبا بكر خليلًا ولكن لا يطلع على سري إلا الله ووجه تخصيصه بذلك أن أبا بكر كان أقرب سرًّا من سر رسول الله صلى الله عليه وسلم لما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال: "إن أبا بكر لم يفضل عليكم بصوم ولا صلاة ولكن بشيء كتب الله
أَلا وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ. أَلا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقبُورَ مَسَاجِدَ. إِني أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ"
ــ
في قلبه" أفاده ابن الملك، والتتمة المذكورة موجودة في حديث "إن من أمن الناس على في صحبته وماله أبا بكر" كما في فضائل الصحيحين.
وقيل إنما سمي إبراهيم عليه السلام خليلًا لقوله لجبريل عليه السلام وقد قال له: ألك حاجة، وقد رمي في المنجنيق، قال: أما إليك فلا. فنفى عليه السلام أن تكون له حاجة إلى أحد غير الله عز وجل.
[فائدة] قلت: والفرق بين المحبة والخلة أن المحبة قد تكون من جانب واحد كحبك المال مثلًا، والخلة لا تكون إلا من الجانبين (ألا) حرف تنبيه أي انتبهوا واستمعوا ما أقول لكم (وإن من كان قبلكم) من الأمم (كانوا يتخذون) أي يجعلون (قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد) لصلاتهم (ألا) أي انتبهوا واستمعوا ما أقول لكم (فلا تتخذوا القبور) أي قبري وقبور الصالحين (مساجد) أي مواضع لصلاتكم تستقبلون إليها ألا (إني أنهاكم) وأحذركم (عن ذلك) أي عن اتخاذ القبور مساجد كما اتخذها من قبلكم مساجد، قال النواوي: النهي عن اتخاذ قبره صلى الله عليه وسلم أو قبر غيره مسجدًا هو خوف المبالغة في التعظيم فيؤدي الحال إلى الكفر كما اتفق في الأمم الخالية اهـ قال القاضي عياض: (قوله أنهاكم عن ذلك) أكد النهي عن ذلك خوف أن يتغالى في تعظيم قبره صلى الله عليه وسلم حتى يخرج من حد المبرة إلى حد المنكر فيعبد من دون الله سبحانه وتعالى فيكون وثنًا أي مثل الوثن المعبود في تعظيم الناس له عند الزيارة واستقبالهم له في السجود فيكون شركًا، قال الأبي: والفرق بين الصنم والوثن أن الصنم ما نحت من حجر أو غيره والوثن ما نحت من غير الحجارة نحاسًا أو غيره اهـ، وعبارة القرطبي هنا قوله في حديث جندب (إني أبرأ إلى الله) إلخ أي أبعد عن هذا وأنقطع عنه وإنما كان كذلك لأن قلبه صلى الله عليه وسلم قد امتلأ بما تخلله من محبة الله تعالى وتعظيمه فلا يتسع لمخالة غيره أو لأنه صلى الله عليه وسلم قد انقطع بحاجاته كلها إلى الله ولجأ إليه في سد خلاته فكفاه ووقاه فلا يحتاج إلى أحد من المخلوقين، وقد تقدم القول في الخلة والخليل (وقوله ولو كنت متخذًا من أمتي خليلًا) إلخ هذا يدل على أن أبا بكر أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مخصوص من منح الله تعالى ومن كريم مواهبه ومن محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم له لما ليس لأحد من بعده وهذا مذهب أهل السنة أجمعين من السَّلَفِ المَاضِينَ والخَلَف اللَّاحِقينَ اهـ منه.
وهذا الحديث مما انفرد به الإمامُ مسلم رحمه الله تعالى. وجملةُ ما ذكره المؤلف في هذا الباب خمسة أحاديث الأول حديثُ عائشةَ الأولُ ذكره للاستدلال وذكر فيه متابعَتَين، والثاني حديثُ عائشة الثاني ذكره للاستدلال به على لعن اليهود، والثالثُ حديثُ أبي هريرة ذكره للاستشهاد به لحديث عائشة الثاني وذكَرَ فيه متابعة واحدةً، والرابعُ حديث عائشة وابن عباس ذكره للاستشهاد به لحديثها الثاني، والخامسُ حديثُ جندب بن عبد الله ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة والله سبحانه وتعالى أعلم.
***