الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
282 - (102) باب: أوقات الصلوات الخمس
1274 -
(574)(232) حدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح قَال وَحَدثَنَا ابْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللَيثُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أخَّرَ الْعَصْرَ شَيئًا. قلت
ــ
282 -
(102) باب أوقات الصلوات الخمس
1274 -
(574)(232)(حدثنا قتببة بن سعيد) بن طريف الثقفي البلخي (حدثنا ليث) بن سعد الفهمي المصري (ح قال وحدثنا) محمد (بن رمح) بن المهاجر المصري (أخبرنا الليث) وأتى بحاء التحويل لبيان اختلاف صيغتي شيخيه (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري المدني (أن عمر بن عبد العزيز) بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس الأموي أمير المؤمنين المدني، ثقة، من (4) روى عنه في (5) أبواب (أخر) صلاة (العصر شيئًا) يسيرًا من التأخير عن أول وقتها فهو صفة لمصدر محذوف أي تأخيرًا يسيرًا وهذا يدل على أن تأخيرها إنما كان عن أول وقت الاختيار وإنما أنكر عليه لعدوله عن الأفضل وهو ممن يقتدى به فيؤدي تأخيره لها إلى أن يعتقد أن تأخير العصر سنة، ويحتمل أنه أخرها إلى آخر وقت أدائها وهو وقت الضرورة عندنا معتقدًا أن الوقت كله وقت اختيار كما هو مذهب إسحاق وداود، والأول أشبه بفضله وعلمه وأظهر من اللفظ اهـ من المفهم. وقال القاضي عياض: ولم يكن تأخيرُهُ هو والمُغيرةِ ذلك لِعُذْرٍ لأنهما لم يَعْتَذِرَا، ولا عمدًا مع العلم بالتحديد، وإنما ظنَّا الجوازَ مع أنه لم يكن بهما ذلك عادة لقوله في الآخر أخر الصلاة يومًا، ثم تأخيرهما إن كان عن الوقت المختار فالإنكار بَيِّنٌ لِما فيه من التقريرِ خوفَ الوقوعِ في الوقت المحظور لا سيما تأخير الأئمة المقتدى بهم، وقد يكون تأخيرهما لأنهما يريان أن العصر لا وقت ضرورة لها وهو مذهب أهل الظاهر، أو يكون خفي عليهما أن جبريل عليه السلام هو الذي حدد الأوقات، وخفيت عليهما السنة في ذلك وإحاطة البشر بكلها ممتنعة، وما يقتضيه قول أبي مسعود للمغيرة أليس قد علمت من أن عند المغيرة بذلك علمًا قد يكون باعتبار ظن أبي مسعود لمكان صحبة المغيرة رضي الله عنه.
قال الأبي: (قلت) الأليق في تأخيرهما أنه عن وقت الفضيلة، وأنه إنما كان لاشتغالهما بمهم وإلا فعادتهما المبادرة إلى تحصيل الفضائل ولا يليق أن يظن بهما
فَقَال لَهُ عُرْوَةُ: أَمَا إِنَّ جِبرِيلَ قَد نَزَلَ. فَصَلَّى إِمَامَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. فَقَال لَهُ عُمَرُ: اعْلَمْ مَا تَقُولُ يَا عُروَةُ. فَقَال: سَمِعتُ بَشِيرَ بْنَ أَبِي مَسْعُودٍ
ــ
أنهما أخَّرا عن الوقت المختار إلا أن يقال ما تقدم من أنهما رأيا أن لا وقت ضرورة لها ويبعد، وإلا لأجابا بذلك والذي خفي عن عمر أن يكون جبريل عليه السلام هو الذي حدد الأوقات اهـ إكمال المعلم.
(فقال له) أي لعمر (عروة) بن الزبير (أما) بالتخفيف حرف استفتاح بمنزلة ألا أي انتبه واستمع مني ما أقول لك يا أمير المؤمنين (أن جبريل) الأمين عليه السلام (قد نزل) من السماء إلى النبي صلى الله عليه وسلم (فصلى) حالة كونه (إمام رسول الله صلى الله عليه وسلم بكسر الهمزة ويوضحه قوله في الحديث نزل جبريل فأمني
…
إلح قاله النواوي، وقال شارح المصابيح: هو في جامع الأصول مقيد بالفتح والكسر فبالفتح ظرف وبالكسر إما منصوب بإضمار فعل أي أعني إمام رسول الله صلى الله عليه وسلم أو خبرًا لكان المحذوفة ولكنه بعيد لأنه ليس موضع حذفها. قال الأبي: وهذا إنكار لما أتى به عمر من التأخير، وصدَّره بكلمة أما التي هي من طلائع القسم، قال القاضي: وفيه الدخول على الأمراء وقول الحق عندهم وإنكار ما ينكر عليهم، وفيه العمل بالمراسيل لأن عروة إنما ذكره أوَّلا مُرْسَلًا، وإنما رجع إلى الإسناد حين استثبت عمر وقواه بحديث عائشة الذي لا يُعَارض باجتهاد ونَصَّ في النازِلةِ لأنها كانت صلاة عمر، وفيه ما كان عليه السلف من العمل بخبر الواحد اهـ (فقال له) أي لعروة (عمر) بن عبد العزيز (اعلم) بصيغة الأمر من العلم أي كن حافظًا ضابطًا (مما تقول) وتخبرني (يا عروة) ولا تقله عن غفلة، قيل هذا القول تنبيه من عمر بن عبد العزيز لعروة على إنكاره إياه ثم تصدره بأما التي هي من طلائع القسم أي تأمل يا عروة ما تقول وعلام تحلف وتنكر كذا قاله الطيبي، وكأنه استبعاد لقول عروة صَلى إمام رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أن الأحق بالإمامة هو النبي صلى الله عليه وسلم، والأظهر أنه استبعاد لإخبار عروةَ بَنزل جبريلُ بدون الإسناد فكأنه غلَّظ عليه بذلك مع عظيم جلالته إشارة إلى مزيد الاحتياط في الرواية لئلا يقع في محذورِ الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن لم يتعمده اهـ من العون (فقال) عروة لعمر بن عبد العزيز: كيف لا أدري وقد (سمعت بشير) بفتح الموحدة بعدها معجمة على وزن فعيل (بن أبي مسعود) عقبة بن عمرو
يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا مَسعُود يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "نَزَلَ جِبرِيلُ فَأَمَّنِي. فَصَلَّيتُ مَعَهُ
ــ
الأنصاري المدني، روى عن أبيه في الصلاة، له فرد حديث في (خ م) ويروي عنه (خ م د س ق) وعروة بن الزبير وابنه عبد الرحمن ويونس بن ميسرة وجماعة، وقال العجلي: تابعي ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: له رؤية، قتل يوم الحرة، وقال في الفتح: تابعي جليل ذكر في الصحابة لكونه ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ورآه اهـ، حالة كونه (يقول سمعت) والدي (أبا مسعود) عقبة بن عمرو بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي البدري المدني الصحابي الجليل رضي الله عنه، روى عنه في (3) أبواب، حالة كون أبي مسعود (يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول) وهذا السند من سباعياته رجاله خمسة منهم مدنيون واثنان مصريان أو مصري وبلخي، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والقول والسماع، وفيه ثلاثة أتباع ابن شهاب وعروة وبشير، قال الطيبي: معنى إيراد عروة الحديث أني كيف لا أدري ما أقول، وأنا صحبت وسمعت ممن صحب وسمع ممن صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع منه هذا الحديث، فعرفت كيفية الصلاة وأوقاتها وأركانها، يقال ليس في الحديث بيان أوقات الصلاة! يجاب عنه بأنه كان معلومًا عند المخاطب فأبهمه في هذه الرواية وبينه في روايةِ جَابِر وابنِ عباس انتهى. وقال الحافظ ابن حجر: والذي يظهر لي أن عمر لم ينكر بيان الأوقات وإنما استعظم إمامة جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم اهـ، وهو كذلك لأن معرفة الأوقات تتعين على كل أحد فكيف تخفى على مثله رحمه الله تعالى اهـ من العون، قال القرطبي: والأولى عندي أن حجة عروة عليه إنما هي فيما رواه عن عائشة من أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي العصر والشمس طالعة في حجرتها قبل أن تظهر وذكر له حديث جبريل موطئًا له ومعلمًا بأن الأوقات إنما ثَبَتَ أصْلُها بإيقافِ جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم عليها وتعيينِها له، والله أعلم اهـ من المفهم.
(نزل جبريل) عليه السلام (فأمني) جبريل أي صار لي إمامًا في الصلاة ليعلمنيها، قال القاضي: احتج به من أجاز الائتمام بالمتنفل لأن صلاة جبريل عليه السلام كانت نَافِلَة ويؤيده رواية (أمرت) بفتح التاء، وقد يجاب عنه بأن جبريل مأمور بالتبليغ والتعليم بالفعل وهو واجب عليه (فصليت معه) أي جبريل الظهر أي فعل كل جزء فعله جبريل
ثُم صَلَّيتُ مَعَهُ. ثُم صَلَّيتُ مَعَهُ. ثُم صَلَّيتُ مَعَهُ. ثُم صَلَّيتُ مَعَهُ". يَحسُبُ بِأَصَابِعِهِ خَمسَ صَلَوَاتٍ
1275 -
(00)(00) أَخبَرَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّميمِي. قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أن عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخَّرَ الصَّلاةَ يَوْمًا. فَدَخَلَ عَلَيهِ عُرْوَةُ بْنُ الزبَيرِ. فأخْبَرَ؛ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ أخَّرَ الصَّلاةَ يَوْما. وَهُوَ بِالْكُوفَةِ. فَدَخَلَ عَلَيهِ أَبُو مَسْعُودٍ الأنْصَارِيُّ. فَقَال: مَا هَذَا يَا مُغِيرَةُ؟ أَلَيس قَدْ عَلِمْتَ
ــ
عقب فعله لأن ذلك حقيقة الائتمام (ثم) صلى جبريل العصر فـ (صليت معه، ثم) صلى المغرب فـ (صليت معه، ثم) صلى العشاء فـ (صليت معه، ثم) صلى الصبح فـ (صليت معه) حالة كونه صلى الله عليه وسلم (يحسب) بضم السين مع التحتانية من الحساب لا من الحسبان أي يعد تلك المرات من الصلوات (بأصابعه) أي بعقد أصابعه (خمس صلوات) قال ولي الدين: هو مفعول صليت أو يحسب اهـ من العون.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [3221] وأبو داود [394] والنسائي [1/ 245 - 246] وابن ماجه [668].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي مسعود الأنصاري البدري رضي الله عنه فقال:
1275 -
(00)(00)(أخبرنا يحيى بن يحيى التميمي) النيسابوري (قال قرأت على مالك) بن أنس المدني (عن ابن شهاب) المدني (أن عمر بن عبد العزيز) الأموي المدني (أخر الصلاة) أي صلاة العصر عن وقتها المختار (يومًا) من الأيام (فدخل عليه) أي على عمر (عروة بن الزبير) بن العوام المدني (فأخبره) أي فأخبر عروة لعمر (أن المغيرة بن شعبة) بن أبي عامر بن مسعود الثقفي أبا محمد الكوفي الصحابي المشهور رضي الله عنه قيل أحصن ألف امرأة، مات سنة خمسين (أخر الصلاة يومًا وهو) أي والحال أن المغيرة أمير (بالكوفة فدخل عليه) أي على المغيرة (أبو مسعود الأنصاري) البدري عقبة بن عمرو المدني (فقال) أبو مسعود للمغيرة (ما هذا) التأخير أي تأخير الصلاة عن وقتها المختار (يا مغيرة) وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا يحيى بن يحيى فإنه نيسابوري، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة مالك بن أنس لليث بن سعد في رواية هذا الحديث عن ابن شهاب (أليس) الشأن (قد علمت) يا مغيرة، وفي شروح البخاري
أَن جِبْرِيلَ نَزَلَ فَصَلَّى فَصَلَّى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم. ثُم صَلى. فَصَلَّى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم. ثُم صَلى. فَصَلَّى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم. ثُمَّ صَلّى. فَصَلَّى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم. ثُم صَلى. فَصَلَّى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم. ثُم قَال: بِهَذَا أُمِرْتُ. فَقَال عُمَرُ لِعُرْوَةَ: انْظُرْ مَا تُحَدِّثُ يَا عُرْوَةُ! أَوَ إِن جِبرِيلَ عليه السلام هُوَ أَقَامَ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَقْتَ الصلاةِ؟ فَقَال عُرْوَةُ: كَذَلِكَ كَانَ بَشِيرُ بْنُ أَبِي مَسْعُودِ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ
ــ
في هذه الجملة بحث من حيث إن الشأن في مخاطبة الحاضر ألستَ، فليس ها هنا مسند إلى ضمير الشأن، وجملة قد علمت خبره (أن جبريل نزل) من السماء (فصلى) الظهر إمامًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم (فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم معه (ثم صلى) جبريل العصر (فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم معه (ثم صلى) جبريل المغرب (فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم معه (ثم صلى) جبريل العشاء (فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم معه (ثم صلى) جبريل الصبح (فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم معه، وكرره هكذا خمس مرات؛ ومعناه أنه كلما فعل جبريل جزءًا من أجزاء الصلاة فعله النبي صلى الله عليه وسلم بعده حتى تكاملت صلاته (ثم قال) جبريل عليه السلام (بهذا) العمل الذي علمتك (أمرت) يا محمد أن تفعله كل يوم وليلة، إن قرأنا بفتح التاء على الخطاب أو بهذا التعليم والتبليغ الذي علمتك يا محمد أمرت أنا إن قرأنا بضم التاء، والمعنى على كلا الروايتين ظاهر (فقال عمر) بن عبد العزيز العروة) بن الزبير (انظر) أي فكر وتأمل وتثبت واعلم (ما تحدث) به (يا عروة) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تحرزًا من الكذب عليه صلى الله عليه وسلم، والهمزة في قوله (أو إن) داخلة على محذوف، والواو عاطفة ما بعدها على ذلك المحذوف أي أتنكر علي هذا التأخير، وإن (جبريل عليه السلام هو) الذي (أقام) وحدد الرسول الله صلى الله عليه وسلم وقت الصلاة) فلست مؤخرًا عن ذلك الوقت المحدد فكيف تنكر علي هذا التأخير (فقال عروة) لعمر الأمر (كذلك) أي كما قلت من أن جبريل عليه السلام هو المحدد له صلى الله عليه وسلم أوقات الصلاة أو الكاف متعلقة بيحدث الآتي الواقع خبرًا لكان أي كان بشير بن أبي مسعود يحدث) كذلك أي مثل ذلك الذي قلته (عن أبيه) عقبة بن عمرو الأنصاري البدري من أن المحدد للأوقات هو جبريل عليه السلام وهذا الوجه الأخير
1276 -
(575)(233) قَال عُرْوَةُ: وَلَقَدْ حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ زَوْجُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ فِي حُجْرَتِهَا. قَبْلَ أنْ تَظْهَرَ
ــ
أولى لأن عدم التقدير أولى من التقدير لأن مفعول يحدث محذوف على الوجه الأول والله سبحانه وتعالى أعلم.
قال النواوي: قوله (أخر عمر بن عبد العزيز العصر فأنكره عليه عروة، وأخرها المغيرة فأنكر عليه أبو مسعود الأنصاري واحتجا بإمامة جبريل عليه السلام) أما تأخيرهما فلكونهما لم يبلغهما الحديث أو أنهما كان يريان جواز التأخير ما لم يخرج الوقت كما هو مذهبنا ومذهب الجمهور، وأما احتجاج أبي مسعود وعروة بالحديث فقد يقال قد ثبت في الحديث في سنن أبي داود والترمذي وغيرهما من رواية ابن عباس وغيره في إمامة جبريل عليه السلام أنه صلى الصلوات الخمس مرتين في يومين فصلى الخمس في اليوم الأول في أول الوقت، وفي اليوم الثاني في آخر وقت الاختيار، وإذا كان كذلك فكيف يتوجه الاستدلال بالحديث؟ وجوابه: أنه يحتمل أنهما أخرا العصر عن الوقت الثاني وهو مصير ظل كل شيء مثليه والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ منه.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي مسعود رضي الله عنه تقوية له بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها معلقًا سنده فقال:
1276 -
(575)(233)(قال عروة) بن الزبير بالسند السابق (و) الله (لقد حدثتني عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي العصر والشمس) أي ضوءها باق (في) عرصة (حجرتها) كانت الحجرة ضيقة العرصة قصيرة الجدار بحيث يكون طول جدارها أقل من مساحة العرصة بشيء يسير، فإذا صار ظل الجدار مثله دخل وقت العصر وتكون الشمس بعد في أواخر العرصة لم يقع الفيء على الجدار الشرقي (قبل أن تظهر) وتصعد الشمس أي ضوءها على الجدار الشرقي وينبسط الفيء في عرصتها، وهذا وما بعده من الروايات يدل على التبكير بالعصر في أول وقتها وهو حين يصير ظل كل شيء مثله. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري وأبو داود اهـ من التحفة.
1277 -
(00)(00) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ. قَال عَمْرٌو: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِي، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَمْسُ طَالِعَةٌ فِي حُجْرَتِي، لَمْ يَفِئ الْفَيءُ بَعْدُ.
وَقَال أَبُو بَكير: لَمْ يَظهَرِ الفَيءُ بَعدُ.
1278 -
(00)(00) وحدثني حَرمَلَةُ بن يَحيَى. أَخْبَرَنَا ابنُ وَهبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابنِ شِهَابٍ. قَال: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيرِ؛ أن عَائِشَةَ زَوجَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَتْهُ؛ أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم
ــ
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنهما فقال:
1277 -
(00)(00)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو) بن محمد (الناقد قال عمرو حدثنا سفيان) بن عيينة، وأما أبو بكر فروى عنه بالعنعنة (عن الزهري عن عروة عن عائشة) وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة سفيان بن عيينة لمالك بن أنس في رواية هذا الحديث عن الزهري (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي العصر والشمس طالعة) الضوء وبارزته (في) عرصة (حجرتي) وبيتي (لم يفئ) أي لم يظهر (الفيء) أي الظل الذي بعد الزوال في عرصة حجرتي (بعد) أي الآن أي في الوقت الذي يصلي فيه العصر (وقال أبو بكر) بن أبي شيبة في روايته (لم يظهر الفيء بعد) أي قال بدل لم يفيء لم يظهر والمعنى واحد.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:
1278 -
(00)(00)(وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب قال أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته) وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي، وغرضه بيان متابعة يونس لمالك وسفيان في رواية هذا الحديث عن ابن شهاب، وكرر المتن لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية السابقة في سوق الحديث (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
كَانَ يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشمْسُ فِي حُجرَتِهَا. لَم يَظْهَرِ الفَيءُ فِي حُجْرَتِهَا.
1279 -
(00)(00) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ وَابنُ نُمَيرٍ. قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالتْ: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي العَصْرَ والشمْسُ وَاقِعَة فِي حُجْرَتِي
ــ
كان يصلي العصر والشمس) أي ضوءها باق (في حجرتها) أي في ساحة بيتها لم يطلع ضوؤها على الجدار الشرقي (لم يظهر الفيء) ولم ينبسط (في) ساحة (حجرتها) والظهور هنا غير الظهور السابق في قوله (قبل أن تظهر) والمراد بظهور الشمس في قوله (قبل أن تظهر) خروجها من ساحة الحجرة وارتفاعها على الجدار الشرقي، وبظهور الفيء في قوله (لم يظهر الفيء) انبساطه في ساحة الحجرة، قال ابن حجر: وليس بين الروايتين اختلاف لأن انبساط الفيء لا يكون إلا بعد خروج الشمس اهـ.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديثها فقال:
1279 -
(00)(00)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة و) محمد بن عبد الله (بن نمير قالا حدثنا وكيع) بن الجراح الكوفي (عن هشام) بن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان، غرضه بيان متابعة هشام للزهري في رواية هذا الحديث عن عروة بن الزبير (قالت) عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العصر) في أول وقتها (والشمس) أي ضوؤها (واقعة) أي طالعة (في) ساحة (حجرتي) وعرصتها لم تطلع على الجدار الشرقي.
قوله: (والشمس طالعة في حجرتي لم يفئ الفيء بَعْدُ وفي الآخر والشمس واقعة في حجرتي) قال الأبي: فمعنى لم يفيء الفيء لم يَعُمَّ ساحة الحجرة، وقال القاضي: ومعنى لم تظهر لم تَعْلُ السطحَ، وقيل إلى الجدار، وقيل معنى قَبْلَ أن تظهر قبل أن تزول والجميعُ بمعنىً، وفَسَّر بقوله في الأم والشمس واقعة في حجرتي أي لم تخرج من ساحتها، والحجرة الدار وكل ما أحاط به البناء فهو حجرة وكل هذه الطرق في حديث عائشة حجة على عمر بن عبد العزيز وإن الحكم التعجيل لأن هذا مع ضيق الحجرة، وقصر البناء إنما يتأتى في أول وقت العصر، قال النووي: وأول وقتها أن يصير ظل
1280 -
(576)(234) حدثنا أبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. قَالا: حَدَّثَنَا مُعَاذٌ، (وَهُوَ ابْنُ هِشَام)، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي أيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو؛
ــ
القائم مثله، وإنما لا يتأتى ذلك إلا في أول الوقت لأن الحجرة كانت ضيقة العرصة قصيرة الجدار أقل من مساحة العرصة بشيء يسير فإذا صار ظل الجدار مثله في الشمس لم تزل في أواخر العرصة والفيء لم يكن في جميعها فإذا زاد الفيء على ذلك وارتفع في الجدار الشرقي كان ذلك تمكينًا في الوقت (قلت) والفيء الظل ولا يقال إلا للراجع بعد الشمس، وقال ابن السكيت: الظل ما تنسخه الشمس، وذلك قبل الزوال، والفيء ما ينسخ الشمس وذلك بعد الزوال، ومنه قول حُمَيد بن حُميش:
فلا الظِلُّ مِنْ بعدِ الضُّحى تَسْتَطِيعُه
…
ولا الفيءُ مِنْ بعدِ العِشاء تَذُوقُ
والمقصود من جميع طرق هذا الحديث ضبط أول وقت العصر وأنت تعرف أنه ليس فيه إيضاح لذلك ويأتي ما فيه اهـ من الأبي.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي مسعود الأنصاري بحديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما فقال:
1280 -
(576)(234)(حدثنا أبو غسان) مالك بن عبد الواحد (المسمعي) -بكسر الميم الأولى وفتح الثانية بينهما مهملة ساكنة- البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (10) أبواب (ومحمد بن المثنى) العنزي البصري (قالا حدثنا معاذ وهو ابن هشام) بن أبي عبد الله الدستوائي البصري (حدثني أبي) هشام بن أبي عبد الله سنبر الدستوائي البصري (عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري (عن أبي أيوب) يحيى بن مالك ويقال حبيب بن مالك الأزدي العتكي المراغي نسبة إلى مراغ بطن من الأزد، وقيل موضع بناحية عمان البصري، روى عن عبد الله بن عمرو بن العاص في الصلاة، وأبي هريرة في الرفق، وسمرة بن جندب وابن عباس وجويرية بن الحارث، ويروي عنه (خ م د س ق) وقتادة وثابت البناني وأبو عمران الجوني وغيرهم، وثقه النسائي وابن حبان، وقال العجلي: بصري تابعي ثقة، وقال ابن سعد: كان ثقة مأمونًا، وعده في الطبقة الثانية (عن عبد الله بن عمرو) بن العاص بن وائل السهمي المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلا عبد الله بن عمرو فإنه
أَن نَبِيَّ الله صلى الله عليه وسلم قَال: لا إِذَا صَلَّيتُمُ الْفَجرَ فَإِنهُ وَقْت إِلَى أَنْ يَطلُعَ قَرْنُ الشمْسِ الأَوَّلُ. ثُم إِذَا صَلَّيتُمُ الظُّهرَ فَإِنهُ وَقْت إِلَى أَن يَحضُرَ العَصرُ. فَإِذَا صَلَّيتُمُ الْعَصرَ فَإنهُ وَقت إِلَى أَن تَصفَرَّ الشمسُ. فَإِذَا صَلَّيتُمُ المَغرِبَ فَإِنهُ وَقْت إِلَى أنْ يَسْقُطَ الشَّفَقُ
ــ
مدني (أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا صليتم) أي إذا أردتم أن تصلوا صلاة (الفجر فإنه) أي فإن الزمن الذي بعد الفجر (وقت) لها (إلى أن يطلع) ويظهر (قرن الشمس) أي طرفها (الأرل) بالرفع صفة للقرن أي طرفها السابق الأعلى، وليس في الحديث بيان لأول وقتها فأول وقت الصبح طلوع الفجر وهو البياض المنتشر في الأفق من القبلة إلى الشمال لا المنتشر من المشرق إلى المغرب لأن ذلك هو الفجر الكاذب لأنه يطلع ويذهب (فإن قلت) القياس أن يكون هو المعتبر لأن الفجر هو البياض السابق بين يدي طلوع الشمس وهي إنما تطلع من المشرق صاعدة إلى المغرب فقياس فجرها أن يكون كذلك (قلت) الفجر الصادق هو البياض السابق بين يدي طلوعها وهو أيضًا إنما يطلع من المشرق صاعدًا إلى المغرب لكن لاتساع دائرته يتوهم أنه من القبلة إلى الشمال، وقلنا لاتساع دائرته لأن الدوائر ثلاث: دائرة قرص الشمس، ودائرة الحمرة المحيطة بها، ودائرة البياض المحدق بالحمرة المذكورة وهو السابق بين يدي طلوع الشمس المسمى بالفجر، وما بعدها إلى هنا غير داخل للقرينة، قال المازري: وقَرْن الشمسِ الأولُ أولُ ما يَبْدُو منها واحترز به عما يلي الأرض وهو حجةٌ على الإصطخري في قوله آخرُ وقتها الإسفارُ البيِّنُ، ولا حجة للإصطخري في حديث ما بين هذين وقت من أنه صلاها في اليوم الثاني آخرَ الإسفار، وقال ما بين هذين وقت. قال ابن الملك: قوله (إذا صليتم الفجر) إلخ هذا الحديث إلى آخره بيان لأواخر الأوقات وأوائلُها كانت معلومة لهم بقرينة قوله إذا صليتم، ثم قال عند شرح قوله وإذا صليتم العشاء فإنه وقت إلى نصف الليل، وهذا بيان لوقتها المختار اهـ (ثم إذا صليتم الظهر فإنه) أي فإن ذلك الزمن (وقت) لأدائها (إلى أن يحضر) وقت (العصر) وليس فيه أيضًا بيان لأول وقتها وأوله زوال الشمس عن أعلى درجات ارتفاعها (فإذا صليتم العصر فإنه وقت) لأدائها (إلى أن تصفر الشمس) ليس فيه أيضًا بيان لأول وقتها، وتقدمت أحاديث الحجرة (فإذا صليتم المغرب فإنه وقت) لأدائها (إلى أن يسقط) ويزول (الشفق) الأحمر، وأول وقتها
فَإِذَا صَلَّيتُمُ الْعِشَاءَ فَإِنهُ وَقْت إِلَى نِصْفِ الليلِ".
1281 -
(00)(00) حدثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ -وَاسْمُهُ يَحْيَى بْنُ مَالِكٍ الأَزْدِيُّ ويقَالُ: الْمَرَاغِيُّ. وَالْمَرَاغُ حَيٌّ مِنَ الأزْدِ- عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم؛ قَال: "وَقْتُ الظُهْرِ مَا لَمْ يَحْضُرِ الْعَصْرُ
ــ
مغيب قرص الشمس ببلد لا جبال فيه وهو ببلد به جبل تغيب خلفه أن تطلع الظلمة من المشرق (فإذا صليتم العشاء فإنه وقت) لأدائها (إلى نصف الليل) وأول وقتها مغيب الشفق. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [396]، والنسائي [1/ 260].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فقال:
1281 -
(00)(00)(حدثنا عبيد الله بن معاذ) التميمي (العنبري) أبو عمرو البصري، ثقة، من (10)(حدثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري أبو المثنى البصري، ثقة، من (9)(حدثنا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي مولاهم أبو بسطام البصري، ثقة إمام الأئمة، من (7) روى عنه في (30) بابا (عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري، ثقة مدلس، من (4)(عن أبي أيوب) البصري قال المؤلف (واسمه يحيى بن مالك الأزدي ويقال) له (المراغي) نسبة إلى مراغ -بفتح الميم وبالغين المعجمة- (والمراغ حي من الأزد) ثقة، من (2)(عن عبد الله بن عمرو) بن العاص رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله كلهم مصريون إلا عبد الله بن عمرو فإنه مدني طائفي، غرضه بسوقه بيان متابعة شعبة لهشام الدستوائي في رواية هذا الحديث عن قتادة. وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى في سوق الحديث (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال وقت الظهر ما لم يحضر) وقت (العصر) أفاد بقوله ما لم يحضر أن الوقت ممتد متسع، وأن آخره أول وقت العصر وهو انتهاء آخر ظل المثل، وهذا مثل ما جاء في حديث إمامة جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى به العصر في اليوم الأول حين كان ظل كل شيء مثله، وكلاهما حجة على أبي حنيفة في قوله إن أول وقت العصر إذا كان ظل كل شيء مثليه وهو قول شاذ خالف فيه هذه النصوص وجميع الناس خلا أنه قد حُكي عن الشافعي وقد تبرَّأ من هذا القول أصحاب
وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصفَرَّ الشمسُ. وَوَقْتُ الْمَغرِبِ مَا لَم يَسْقُط ثَوْرُ الشَّفَقِ. وَوَقْتُ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ الليلِ. وَوَقْتُ الْفَجرِ مَا لَمْ تَطْلُعِ الشمْسُ".
1282 -
(00)(00) حدثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا أبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ. ح قَال: وَحَدثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيرٍ. كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ،
ــ
أبي حنيفة والشافعي لظهور فساده ثم تمام القامة بلا فصل بينهما هو أول وقت العصر وهو مشترك بينهما عند مالك وابن المبارك وإسحاق في آخرين تمسكًا بحديث جبريل، وذلك أنه صلى به العصر في اليوم الأول حين كان ظل كل شيء مثله، وصلى به في اليوم الثاني حين كان ظل كل شيء مثليه غير أنهم حملوا قوله صلى في الظهر على أنه فرغ منها في آخر القامة، وصلى في العصر على أنه بدأ بها في أول القامة الثانية اهـ من المفهم (ووقت العصر ما لم تصفر الشمس) أي ما لم تدخلها صفرة، وظاهر هذا أن آخر وقت العصر قبل مخالطة الصفرة وهذا كما قال في حديث بريدة بن حصيب "ثم أمره بالعصر والشمس بيضاء نقية لم تخالطها صفرة" يعني في اليوم الثاني، وهذا الظاهر مخالف لحديث أبي موسى إذ قال فيه "ثم أخر العصر حتى انصرف منها، والقائل يقول: قد احمرت الشمس" وظاهر هذا أنه بعد الصفرة بكثير، ووجه الجمع أن هذا كله تقريب، وإنما التحقيق يحصل بما في حديث جبريل من تقديره بما إذا كان ظل كل شيء مثل شخصه (ووقت) صلاة (المغرب ما لم يسقط) أي ما لم يزل وينعدم (ثور الشفق) أي ثورانه وانتشاره، وفي رواية أبي داود فور الشفق بالفاء وهو بمعناه، والشفق هو الحمرة أو البياض بعدها على الخلاف المشهور في الفقه (ووقت العشاء) أي وقتها المختار باق (إلى) مضي (نصف الليل ووقت) صلاة (الفجر) باق (ما لم تطلع الشمس) أي من طلوع الفجر الصادق إلى طلوع الشمس.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فقال:
1282 -
(00)(00)(حدثنا زهير بن حرب) الحرشي النسائي (حدثنا أبو عامر) القيسي (العقدي) عبد الملك بن عمرو البصري، ثقة، من (9)(ح قال وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا يحيى بن أبي بكير) نَسْر القيسيُّ العبديُّ أبو زكريا البغدادي، ثقة، من (9) كلاهما) أي كل من أبي عامر ويحيى بن أبي بكير (عن شعبة
بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَفي حَدِيِثهِمَا: قَال شُعْبَةُ: رَفَعَهُ مَرَّةً. وَلَمْ يَرْفَعْهُ مَرَّتَينِ.
1283 -
(00)(00) وحدثني أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِي. حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ. حَدَّثَنَا هَمَّامٌ. حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَبِي أَيوبَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "وَقْتُ الظُهْرِ إِذَا زَالتِ الشَّمْسُ. وَكَانَ ظِل الرَّجُلِ كَطُولِهِ. مَا لَمْ يَحْضُرِ الْعَصْرُ
ــ
بهذا الإسناد) يعني عن قتادة عن أبي أيوب عن عبد الله، غرضه بسوقه بيان متابعتهما لمعاذ بن معاذ (و) لكن (في حديثهما قال شعبة رفعه) أي رفع هذا الحديث قتادة إلى النبي صلى الله عليه وسلم (مرة) واحدة (ولم يرفعه) قتادة (مرتين) بل وقفه فيهما على عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فقال:
1283 -
(00)(00)(وحدثني أحمد بن إبراهيم) بن كثير بن زيد البغدادي المعروف بـ (الدورقي) نسبة إلى دورق بلدة من بلاد فارس، أخو يعقوب الدورقي، وهو أصغر من أخيه بسنتين، ثقة، من (10)(حدثنا عبد الصمد) بن عبد الوارث بن سعيد العنبري مولاهم أبو سهل البصري، صدوق، من (9)(حدثنا همام) بن يحيى بن دينار الأزدي العوذي أبو عبد الله البصري، ثقة، من (7)(حدثنا قتادة عن أبي أيوب) يحيى بن مالك المراغي (عن عبد الله بن عمرو) بن العاص رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم بصريون وواحد مدني وواحد بغدادي، غرضه بسوقه بيان متابعة همام بن يحيى لشعبة في رواية هذا الحديث عن قتادة، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من بعض المخالفة للرواية الأولى (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وقت الظهر إذا زالت) ومالت (الشمس) عن وسط السماء إلى جهة المغرب (وكان ظل الرجل) مثلًا (كطوله) أي قدر طول الرجل غير ظل الاستواء؛ أي وصار ظله كطوله أي قريبًا اهـ مرقاة، وقوله (ما لم يحضر العصر) أي وقته بأدنى زيادة، بدل من قوله وكان ظل الرجل لأن صيرورة ظل كل شيء مثله مع أدنى زيادة وقته وقت العصر، وقال في المرقاة: وهذا تأكيد وبيان لقوله وكان، قال أبو طالب في القوت: والزوال ثلاثة؛ زوال لا يعلمه إلا الله عز وجل، وزوال يعلمه الملائكة المقربون عليهم السلام، وزوال يعرفه
وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ. وَوَقْتُ صَلاةِ المَغْرِبِ مَا لَم يَغِبِ الشفَقُ. وَوَقْتُ صَلاةِ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ الليلِ الأَوْسَطِ
ــ
الناس، قال وجاء في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم سأل جبريل عليه السلام هل زالت الشمس؟ فقال: لا، نعم! قال: ما معنى لا نعم، قال: يا رسول الله قطعت الشمس من فلكها بين قولي لا ونعم مسيرة خمسمائة عام، والزوال الذي يعرفه الناس يعرف بمعرفة أقل ظل الشمس وطريق معرفة ذلك أن ينتصب قائمًا معتدلًا في أرض معتدلة وينظر إلى ظله في جهة المغرب وظله فيها أطول ما يكون غداة ويعرف منتهاه، ثم كلما ارتفعت الشمس نقص الظل حتى تنتهي إلى درجات ارتفاعها فتقف وقفة ويقف الظل فلا يزيد ولا ينقص وذلك وسط النهار، ووقت الاستواء ووسط سماء ذلك القائم ثم تميل إلى أول درجات انحطاطها في الغروب فذلك هو الزوال وأول وقت صلاة الظهر، ثم لا يزال إلى أن يصير ظل القائم مثله بعد الظل الذي زالت عليه الشمس وهو آخر وقتها اهـ (ووقت العصر) يدخل بذلك أي من كون ظل الرجل كطوله ويستمر من غير كراهة (ما لم تصفر الشمس) بفتح الراء المشددة وقد تكسر فالمراد به وقت الاختيار اهـ مرقاة؛ أي ما لم تدخلها وتخالطها صفرة لنقصان نورها (ووقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق) ومشهور قول مالك في الشفق إنه الحمرة، وقال مرةَ: البياضُ أَبْيَنُ، وبالأول قال الشافعي والمحدثون، وبأنه البياض قال أبو حنيفة والأوزاعي، وقال بعض اللغويين يطلق عليهما، وقال الخطابي: إنما يطلق على أحمر ليس بقان، وعلى أبيض ليس بناصع (قلت) وإنما كان البياض أبين لأن على الشمس دائرتين؛ حمراء تلي الشمس ودائرة بيضاء بعدها، والدائرة البيضاء هي الأخيرة في الغروب والأولى في الطلوع ولما كانت الحمراء التي تلي الشمس لا تنضبط انضباطَ البياض جُعِلَت آلاتِ الوقت على مذهب أبي حنيفة في أن الشفق البياضُ، ولذا من صلى اليوم العشاء قبل الأذان بيسير تجزئه لأن دائرة الحمرة تكون حينئذ غابت اهـ من الأبي (ووقت صلاة العشاء) يمتد اختيارًا (إلى نصف الليل الأوسط) والأوسط صفةُ الليلِ أي إلى نصف الليل المعتدل لا طويلٌ ولا قصيرٌ، وقيل الأوسط صفةُ النصفِ أي نصفٌ عدلٌ تامٌّ ليس فيه زيادة ولا نقص عمومًا أي نصفٌ من كل ليل سواء طال أو قصر وبه أخذ الفقهاء اهـ من المرقاة باختصار، قال القرطبي: أكثر رواة هذا الحديث لم يذكروا فيها الأوسط وإنما يقولون إلى نصف الليل فقط وتلك الزيادة هي من حديث همام عن قتادة
وَوَقْتُ صَلاةِ الصبْحِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجرِ. مَا لَمْ تَطْلُعِ الشمسُ. فَإِذَا طَلَعَتِ الشمْسُ فَأَمْسِكْ عَنِ الصَّلاةِ. فَإِنهَا تَطلُعُ بَينَ قَرْنَي الشيطَانِ".
1284 -
(00)(00) وحدثني أَحْمَدُ بن يُوسُفَ الأَزدِيُّ. حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ رَزِينٍ. حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ- يَعْنِي ابْنَ طَهْمَانَ
ــ
وكل من روى هذا الحديث عن قتادة لم يذكرها غيره وكان هذه الرواية وهم لأن الأوسط في المقدرات والمعدودات إنما يقال فيما يتوسط بين اثنين فأكثر، اللهم إلا أن يريد بالأوسط الأعدل فحينئذ يصح أن يقال هو أوسط الشيئين أي أعدلهما وهذا الشيء أوسط من هذا ويمكن أن تحمل رواية تلك الزيادة على الصحة ويكون معناه أن النصف الأول أعدل بالنسبة إلى إيقاع الصلاة فيه من النصف الآخر لتأدية الصلاة في الأول وكثرة الثواب فيه اهـ من المفهم (ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر) الصادق ويبقى (ما لم تطلع الشمس) أي شيء منها (فإذا طلعت الشمس) أي أرادت الطلوع (فأمسك عن الصلاة) أي اتركها (فإنها) أي فإن الشمس (تطلع بين قرني الشيطان) أي بين جانبي رأسه وذلك لأن الشيطان يرصد وقت طلوع الشمس فينتصب قائمًا في وجه الشمس مستقبلًا لمن سجد للشمس لينقلب سجود الكفار للشمس عبادة له، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم أمته عن الصلاة في ذلك الوقت لتكون صلاة من عبد الله تعالى في غير وقت عبادة من عبد الشيطانَ اهـ من المرقاة.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فقال:
1284 -
(00)(00)(وحدثني أحمد بن يوسف) بن خالد بن سالم (الأزدي) السلمي أبو الحسن النيسابوري المعروف بحمدان، كان أبوه ينسب إلى الأزد وأمه إلى سليم، ثقة، من (11) روى عنه في (11) بابا (حدثنا عمر بن عبد الله بن رزين) بفتح الراء وكسر الزاي السلمي أبو العباس النيسابوري، روى عن إبراهيم بن طهمان في الصلاة فرد حديث عند (م) وعن ابن إسحاق، ويروي عنه (م د) وأحمد بن يوسف الأزدي وأحمد بن الأزهر وجماعة، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق له غرائب، من التاسعة، مات سنة (203) ثلاث ومائتين (حدثنا إبراهيم يعني ابن طهمان) بن شعيب الهروي النيسابوري أبو سعيد المكي، روى عن الحجاج بن الحجاج
- عَنِ الْحَجَّاجِ -وَهُوَ ابنُ حَجاجٍ- عَن قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي أيوبَ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرو بْنِ الْعَاصِ؛ أَنهُ قَال: سُئِلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ وَقْتِ الصلَوَاتِ؟ فَقَال: "وَقتُ صَلاةِ الْفَجرِ مَا لَمْ يَطْلُعْ قَرْنُ الشَمسِ الأَوَّلُ. وَوَقْتُ صَلاةِ الظُّهرِ إِذَا زَالتِ الشمْسُ عَنْ بَطْنِ السَّمَاءِ. مَا لَم يَحْضُرِ الْعَصْرُ. وَوَقْتُ صَلاةِ العَصرِ مَا لَمْ تَصفَرَّا الشمْسُ. ويسْقُطْ قَرْنُهَا الأَوَّلُ، وَوَقْتُ صَلاةِ الْمَغْرِبِ إِذَا غَابَتِ الشمْسُ مَا لَمْ يَسْقُطِ الشَّفَقُ. وَوَقْتُ صَلاةِ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ الليلِ"
ــ
في الصلاة، وأبي حصين في الجنائز، وأبي الزبير في الصوم، وسماكِ بن حرب في دلائل النبوة، ويروي عنه (ع) وعمر بن عبد الله بن رزين ويحيى بن الضريس ومحمد بن سابق وأبو عامر العقدي وغيرهم، وثقه أحمد وأبو حاتم وأبو داود، وقال ابن معين والعجلي: لا بأس به، وقال في التقريب: ثقة، من السابعة، مات سنة (168) ثمان وستين ومائة (عن الحجاج وهو ابن حجاج) الأسلمي الباهلي الأحول البصري، روى عن قتادة في الصلاة وابن سيرين والفرزدق وعدة، ويروي عنه (خ م د س ق) وإبراهيم بن طهمان ويزيد بن زريع، وثقه ابن معين وأبو حاتم، وقال في التقريب: ثقة، من السادسة، مات سنة (131) إحدى وثلاثين ومائة (عن قتادة) بن دعامة البصري (عن أبي أيوب) البصري (عن عبد الله بن عمرو بن العاص) المدني. وهذا السند من سباعياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وثلاثة نيسابوريون وواحد مدني، غرضه بسوقه بيان متابعة حجاج بن الحجاج لمن روى عن قتادة وكرر المتن لما مر.
(أنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وقت الصلوات فقال: "وقت صلاة الفجر ما لم يطلع قرن الشمس الأول، ) أي طرفها الأعلى السابق في الطلوع (ووقت صلاة الظهر إذا زالت) أي مالت (الشمس عن بطن السماء) أي وسطها إلى جانب الغرب ويمتد (ما لم يحضر) وقت صلاة (العصر ووقت صلاة العصر) يدخل من آخر وقت الظهر ويستمر (ما لم تصفر الشمس) أي ما لم تخالطها الصفرة، وقوله (ويسقط) بالجزم معطوف على تصفر أي وما لم يسقط ويغرب (قرنها الأول) أي طرفها السابق في الغروب (ووقت صلاة المغرب) يدخل (إذا غابت) أي غربت (الشمس) ويستمر (ما لم يسقط) وينعدم (الشفق) الأحمر (ووقت صلاة العشاء) يمتد (إلى نصف الليل) يعني وقته المختار يمتد إلى مضي نصف الليل.
حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ. قَال: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ. قَال: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: لا يُسْتَطَاعُ الْعِلْمُ بِرَاحَةِ الْجِسْمِ
ــ
قال الإمام مسلم رحمه الله تعالى (حدثنا يحيى بن يحيى التميمي قال) يحيى (أخبرنا عبد الله بن يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي اليمامي، روى عن أبيه "لا يستطاع العلم براحة الجسم" في الصلاة، وعن أبيه عن أبي سلمة عن أبي هريرة في الرؤيا، ويروي عنه (خ م) ويحيى بن يحيى، وثقه أحمد، وقال أبو حاتم: صدوق، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال البخاري: أثنى عليه مسدد، له عندهما حديث واحد، وقال في التقريب: صدوق، من الثامنة (قال سمعت أبي) يحيى بن أبي كثير الطائي اليمامي، ثقة، من (5) حالة كونه (يقول: لا يستطاع العلم) أي لا ينال العلم ولا يحصل لمن أراده (براحة الجسم) أي مع راحة الجسم وشهوات النفس، بل لا ينال إلا بترك شهواته وركوب متاعبه وذوق شدائده، وفي بعض الهوامش هذا الكلام لا مناسبة له بأحاديث مواقيت الصلاة ولا وجه لذكره هنا، ومن اعتذر عنه فقد تعسف لم يأت بشيء طائل والله أعلم.
قال السنوسي: قيل في وجه مناسبته لأحاديث الباب إنَّ مسلمًا رحمه الله تعالى أعجبه حُسْنُ سياقِ هذه الطرق التي ذكرها لحديث عبد الله بن عَمرو وكثرةُ فوائدها وتلخيصُ فوائدها وما اشتملَتْ عليه من الفوائد في الأحكام وغيرِها فنَبَّه على أن من له رغبةٌ في تحصيل العلم بمثل هذا الذي فعلته في حديث عبد الله بن عمرو بجَمْعِ جميعِ طرقه فَلْيُعانِق التعبَ وَلْيَهْجر الراحةَ في طريقِ طلب العلم فإني تَعِبْتُ فيه تعبًا كثيرًا، ولقد أجاد مَن قال:
تريدين إدراك المعالي رخيصة
…
ولا بد دون الشهد مِنْ إِبر النَّحْلِ
وقال آخر:
دبَبْتَ للمجد والساعون قد بلَغوا
…
حدَّ النفوس وألْقَوا دُونَه الأُزرَا
وكابدوا المجد حتى مل أكثرهم
…
وعانق المجد من وافى ومن صبرا
لا تحسب المجد تمرًا أنت آكله
…
لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث أبي مسعود بحديث بريدة بن الحصيب رضي الله تعالى عنهما فقال:
1285 -
(577)(235) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُبَيدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ. كِلاهُمَا عَنِ الأَزْرَقِ. قَال زُهَيرٌ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْرَقُ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيمَانَ بْنِ بُرَيدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ عَنْ وَقْتِ الصَّلاةِ؟ فَقَال لَهُ:"صَل مَعَنَا هَذينِ" -يَعْنِي الْيَوْمَينِ- فَلَمَّا زَالتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بِلالًا فَأَذنَ. ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الظُّهْرَ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْعَصْرَ وَالشمْسُ مُرْتَفِعَةٌ
ــ
1285 -
(577)(235)(حدثني زهبر بن حرب وعبيد الله بن سعيد) بن يحيى اليشكري أبو قدامة النيسابوري، ثقة، من (10)(كلاهما عن) إسحاق (الأزرق قال زهير حدثنا إسحاق بن يوسف) بن يعقوب بن مرداس المخزومي أبو محمد (الأزرق) الواسطي، ثقة، من (9)(حدثنا سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي، ثقة، من (7)(عن علقمة بن مرثد) الحضرمي أبي الحارث الكوفي، ثقة، من (6)(عن سليمان بن بريدة) بن الحصيب الأسلمي المروزي، ثقة، من (3)(عن أبيه) بريدة بن الحصيب الأسلمي المروزي رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان مروزيان واثنان كوفيان وواحد واسطي وواحد إما نسائي أو نيسابوري (عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلًا) من الأصحاب لم أر من ذكر اسمه (سأله) أي سأل النبي صلى الله عليه وسلم (عن وقت الصلاة) المكتوبة (فقال له) النبي صلى الله عليه وسلم (صل معنا هذين يعني اليومين) أي المعلومين لِتعَلَّم أوقاتَ الصلواتِ كُلَّها أوائلَها وأواخرَها ووَقْتَ الفضيلةِ والاختيارِ وغيرَهما بالمشاهدة التي هي أقوى من السماع اهـ مرقاة، قال القاضي عياض: قيل وإنما أخر الجواب لِفائدة أن البيان بالفعل أبلغ لأنه يشاهده الجميع والبيان بالقول قد لا يسمعه البعض اهـ. وأجاب الباجي بأنه ليس من تأخير البيان لأن الخطاب هنا بالصلاة، وقد تقدم بيانها، فالسائل إنما سأل عن أمر ثبت بيانه، ولا خلاف أن النبي صلى الله عليه وسلم له أن يؤخر الجواب ولا يجيب أصلًا، وقد اعتذر بعض الشيوخ عن تأخير جوابه صلى الله عليه وسلم مع جواز موته أو موت السائل قبل التعليم باحتمال أنه أوحي إليه أن ذلك لا يكون أو بأن الأصل استصحاب الحياة في مثل يومين اهـ من الأبي (فلما زالت الشمس أمر) النبي صلى الله عليه وسلم (بلالًا) بأذان الظهر (فأذن) للظهر (ثم أمره) النبي صلى الله عليه وسلم بالإقامة (فأقام الظهر) أي للظهر (ثم أمره) بالإقامة للعصر (فأقام العصر) أي أقام لها (والشمس) أي والحال أن الشمس (مرتفعة) في السماء
بَيضَاءُ نَقِيَّةٌ. ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْمَغرِبَ حِينَ غَابَتِ الشَّمْسُ. ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ. ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْفَجْرَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ. فَلَمَّا أَنْ كَانَ الْيَوْمُ الثَّانِي أَمَرَهُ فَأَبْرَدَ بِالظُّهْرِ. فَأَبْرَدَ بِهَا. فَأَنْعَمَ أَنْ يُبْرِدَ بِهَا. وَصَلَّى الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ. أَخَّرَهَا فَوْقَ الَّذِي كَانَ. وَصَلَّى الْمَغْرِبَ قَبْلَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ. وَصَلَّى الْعِشَاءَ بَعْدَمَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيلِ. وَصَلَّى الْفَجْرَ فَأَسْفَرَ بِهَا. ثُمَّ قَال: "أَينَ السَّائِلُ عَنْ وَقْتِ الصَّلاةِ؟ " فَقَال الرَّجُلُ: أَنَا
ــ
(بيضاء نقية) أي خالصة من مخالطة الصفرة؛ أي فصلى العصر في أول وقتها والشمس لم تختلط بها صفرة والمراد صفاء لونها وبقاء حرها (ثم أمره) بالأذان للمغرب والإقامة لها (فـ) أذن و (أقام المغرب حين غابت الشمس) وغربت (ثم أمره) بالأذان للعشاء (فـ) أذن لها و (أقام العشاء حين غاب الشفق) وزال (ثم أمره) بالأذان للصبح (فـ) أذن لها و (أقام الفجر) أي لصلاته (حين طلع الفجر) الصادق وانتشر في أفق السماء هكذا صلى بهم في اليوم الأول (فلما أن كان) وجاء (اليوم الثاني) من اليومين (أمره) أي أمر بلالًا بالإبراد (فأبرد بالظهر) أي أخر أذانه إلى أن يحصل البرد، والإبراد هو الدخول في البرد (فأبرد بها) أي زاد في إبرادها (فأنعم) أي بالغ في (أن يبرد بها) أي في إبرادها؛ والمعنى أي أبرد بصلاة الظهر وزاد وبالغ في الإبراد، يقال أحسن إلى فلان وأنعم أي زاد في الإحسان وبالغ، قال الخطابي: الإبرادُ أن يتفيأَ الأَفياءُ وينكسر وَهَجُ الحرِّ فهو بَرْدٌ بالنسبةِ إلى حَرِّ الظهيرة اهـ تحفة الأحوذي (وصلى العصر والشمس مرتفعة أخرها) أي أخر صلاة العصر (فوق) التأخير (الذي كان) في اليوم الأول؛ والمعنى أخر عصر اليوم الثاني تأخيرًا هو فوق التأخير الذي كان في اليوم الأول، والمعنى أنه صلى الله عليه وسلم صلى صلاة العصر في اليوم الثاني حين صار ظل الشيء مثليه، وقد كان صلاها في اليوم الأول حين كان ظل الشيء مثله، قال القاري في المرقاة: قوله "أخرها" بالتشديد أي أخر صلاة العصر في اليوم الثاني فوق التأخير الذي وجد في اليوم الأول بأن أوقعها حين صار ظل الشيء مثليه كما بينته الروايات الأخر؛ يريد أن صلاة العصر مؤخرة عن الظهر لأنها كانت مؤخرة عن وقتها اهـ تحفة الأحوذي (وصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق) ويزول (وصلى العشاء بعدما ذهب ثلث الليل وصلى) صلاة (الفجر فأسفر بها) أي أدخلها في وقت إسفار الصبح أي انكشافه دماضاءته (ثم) بعدما فرغ من أداء صلوات اليوم الثاني (قال أين السائل) قبل الأمس (عن وقت الصلاة) المكتوبة (فقال الرجل) السائل (أنا) ها هنا حاضر، وأنا السائل
يَا رَسُولَ اللهِ. قَال: "وَقْتُ صَلاتِكُمْ بَينَ مَا رَأَيتُمْ".
1286 -
(00)(00) وحدّثني إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَرْعَرَةَ السَّامِيُّ. حَدَّثَنَا حَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيمَانَ بْنِ بُرَيدَةَ، عَنْ أَبِيهِ؛
ــ
أو السائل أنا (يا رسول الله قال: وقت صلاتكم) أيتها الأمة أي الوقت المختار لها ما (بين ما رأيتم) في اليومين أي هذا الوقت المقتصد الذي لا إفراط فيه تعجيلًا ولا تفريط فيه تأخيرًا قاله ابن الملك، وقال السندي في حواشي سنن ابن ماجه: أي ما بين وقت الشروع في المرة الأولى ووقت الفراغ في المرة الثانية اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 349] والترمذي [152] والنسائي [1/ 258] وابن ماجه [667].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث بريدة رضي الله عنه فقال:
1286 -
(00)(00)(وحدثني إبراهيم بن محمد بن عرعرة) بمهملات القرشي (السامي) بمهملة نسبة إلى سامة بن لؤي بن غالب أبو إسحاق البصري، روى عن حرمي بن عمارة في الصلاة وذكر الحوض، ومحمد بن جعفر غندر في الجنائز، ومعاذ بن معاذ في الزكاة، ووهب بن جرير في الحج، وعبد الرحمن بن مهدي في الفضائل، وعبد الوهاب الثقفي في الفتن. فجملة الأبواب التي روى عنه فيها ستة أبواب تقريبًا، ويروي عنه (م س) وعثمانُ بن خُزَزَاذَ وأبو يعلى وخلق، وثقه ابن معين وابن قانع، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة حافظ، تكلم أحمد في بعض سماعه، من العاشرة، مات سنة (231) إحدى وثلاثين ومائتين (حدثنا حرمي) بصيغة النسبة نظير مكي (بن عمارة) بن أبي حفصة نابت -بنون فموحدة فمثناة- ويقال ثابت بمثلثة الأزدي العتكي مولاهم أبو روح -بفتح المهملة- البصري، روى عن شعبة في الصلاة، وقرة بن خالد في الحج والفضائل، وشداد بن أبي طلحة الراسبي، ويروي عنه (خ م د س ق) وإبراهيم بن محمد بن عرعرة وعبيد الله القواريري ومحمد بن عمرو بن جبلة، قال ابن معين: صدوق، وقال في التقريب: صدوق يهم، من التاسعة، مات سنة (201) إحدى ومائتين، وليس في مسلم من اسمه حرمي إلا هذا (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي البصري، من (7)(عن علقمة بن مرثد) الحضرمي الكوفي (عن سليمان بن بريدة) الأسلمي المروزي (عن أبيه) بريدة بن الحصيب الأسلمي المروزي الصحابي الجليل رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون
أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم. فَسَأَلَهُ عَنْ مَوَاقِيتِ الصَّلاةِ؟ فَقَال: "اشْهَدْ مَعَنَا الصَّلاةَ" فَأَمَرَ بِلالًا فَأَذَّنَ بِغَلَسٍ. فَصَلَّى الصّبْحَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ ثُمَّ أَمَرَهُ بِالظُّهْرِ. حِينَ زَالتِ الشَّمْسُ عَنْ بَطْنِ السَّمَاءِ. ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْعَصْرِ. وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ. ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْمَغْرِبِ. حِينَ وَجَبَتِ الشَّمْسُ. ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْعِشَاءِ حِينَ وَقَعَ الشَّفَقُ. ثُمَّ أَمَرَهُ، الْغَدَ، فَنَوَّرَ بِالصُّبْحِ. ثُمَّ أَمَرَهُ بِالظَّهْرِ فَأَبْرَدَ. ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْعَصْرِ وَالشَّمْسُ بَيضَاءُ نَقِيَّةٌ لَمْ تُخَالِطْهَا صُفْرَةٌ. ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْمَغْرِبِ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ الشَّفَقُ. ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْعِشَاءِ عِنْدَ ذَهَابِ ثُلُثِ اللَّيلِ أَوْ
ــ
واثنان مروزيان وواحد كوفي، غرضه بسوقه بيان متابعة شعبة لسفيان الثوري في رواية هذا الحديث عن علقمة بن مرثد، وكرر المتن لما بين الروايتين من المخالفة في سوق الحديث (أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن مواقيت الصلاة) المكتوبة (فقال) له النبي صلى الله عليه وسلم (أشهد) أي احضر (معنا الصلاة) لتعلم الأوقات التي نصلي فيها (فأمر) النبي صلى الله عليه وسلم (بلالًا) في اليوم الأول أن يؤذن للصبح (فأذن) لها بلال وأقام، فسمى الإقامة أذانًا إذ يحصل بها الإعلام بحضور الصلاة والشروع فيها اهـ من المفهم (بغلس) أي في ظلام، قال ابن الأثير: الغلس ظلمة آخر الليل إذا اختلطت بضوء الصباح (فصلى الصبح) في أول وقتها (حين طلع) وانتشر (الفجر) الصادق (ثم أمره) أي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالًا (بـ) أذان (الظهر حين زالت) ومالت (الشمس عن بطن السماء) ووسطها (ثم أمره بـ) أذان (العصر والشمس) أي والحال أن الشمس (مرتفعة) في السماء (ثم أمره بالمغرب) أي بأذانه (حين وجبت الشمس) أي غابت كقولهم سقطت ووقعت ذكره الراغب، وذكر ابن الأثير أن أصل الوجوب السقوط والوقوع، ومنه قوله تعالى:{فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} (ثم أمره بالعشاء) أي بالإقامة لها (حين وقع الشفق) أي غاب (ثم أمره) أي أمر النبي صلى الله عليه وسلم (الغد) أي في الغد من اليوم الأول، والغد اسم لليوم الذي يلي اليوم الذي أنت فيه (فنور بالصبح) أي بأذانه أي آخره إلى وقت الإسفار وانتشار النور، يقال أسفر النهار إذا أضاء وانتشر نوره أي صلاها وقد استنار الأفق كثيرًا (ثم أمره بـ) أذان (الظهر فأبرد) أي آخره إلى أن حصل البرد وخف وهج الظهيرة (ثم أمره بالعصر والشمس بيضاء نقبة) أي صافية (لم تخالطها صفرة ثم أمره بالمغرب قبل أن يقع) ويغيب (الشفق ثم أمره بالعشاء عند ذهاب ثلث الليل أو) قال شعبة
بَعْضِهِ -شَكَّ حَرَمِيٌّ- فَلَمَّا أَصْبَحَ قَال: "أَينَ السَّائِلُ؟ مَا بَينَ مَا رَأَيتَ وَقْتٌ".
1287 -
(578)(236) حدَثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا بَدْرُ بْنُ عُثمَانَ. حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مُوسَى عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ أَنَّهُ أَتَاهُ سَائِلٌ يَسْأَلُهُ عَنْ مَوَاقِيتِ الصَّلاةِ؟ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيهِ شَيئًا
ــ
عند ذهاب (بعضه) أي بعض الليل (شك حرمي) فيما قاله شعبة (فلما أصبح) النبي صلى الله عليه وسلم من الغد أي دخل في الصباح (قال أين السائل) عن أوقات الصلوات، فقال الرجل: ها أنا السائل يا رسول الله! فقال النبي صلى الله عليه وسلم (ما بين ما رأيت) في اليومين أي ما بين الشروع في الصلوات في اليوم الأول وبين الفراغ منها في اليوم الثاني (وقت) اختيار لهذه الصلوات، ورأيتَ بفتح التاء خطابًا للسائل، وفي بعض الهوامش قوله (أين السائل) إلخ سقط في هذه الرواية ما ثبت في غيرها وهو ظاهر اهـ كما قررناه في حلنا والله سبحانه وتعالى أعلم.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث أبي مسعود بحديث أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنهما فقال:
1287 -
(578)(236)(حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير الكوفي (حدثنا بدر بن عثمان) الأموي مولاهم مولى عثمان بن عفان الكوفي، روى عن أبي بكر بن أبي موسى في الصلاة، والشعبي وعكرمة، ويروي عنه (م س) وعبد الله بن نمير ووكيع وعبد الله بن موسى، وثقه ابن معين والعجلي والدارقطني، وذكره ابن حبان في الثقات (حدثنا أبو بكر بن أبي موسى) الأشعري عمرو بن عبد الله بن قيس الكوفي، ويقال اسمه عامر، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (عن أبيه) أبي موسى الأشعري عبد الله بن قيس الكوفي الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون، وفيه التحديث والعنعنة ورواية ولد عن والده (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أتاه) وجاءه (سائل يسأله عن مواقيت الصلاة) الخمس (فلم يرد) صلى الله عليه وسلم (عليه) أي على السائل (شيئًا) من الجواب بالقول والبيان باللفظ؛ أي لم يردَّ عليه ما يحصل له به بيان ما سأل عنه، وإلا فقد قال له صل معنا هذين اليومين كما جاء في بعض الرواية الأخرى، وفي هذا جواز تأخير البيان إلى وقت الحاجة، وجاز للنبي صلى الله عليه
قَال: فَأَقَامَ الْفَجْرَ حِينَ انْشَقَّ الْفَجْرُ. وَالنَّاسُ لا يَكَادُ يَعْرِفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ بِالْظُّهْرِ. حِينَ زَالتِ الشَّمْسُ. وَالْقَائِلُ يَقُولُ قَدِ انْتَصَفَ النَّهَارُ. وَهُوَ كَانَ أَعْلَمَ مِنْهُمْ. ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ بِالْعَصْرِ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَة. ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ بِالْمَغْرِبِ حِينَ وَقَعتِ الشَّمْسُ. ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ. ثُمَّ أَخَّرَ الْفَجْرَ مِنَ الْغَدِ حَتَّى انْصَرَفَ مِنْهَا. وَالْقَائِلُ يَقُولُ قَدْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ أَوْ كَادَتْ. ثُمَّ أَخَّرَ الظّهْرَ حَتَّى كَانَ قَرِيبًا مِنْ وَقْتِ الْعَصْرِ بِالأَمْسِ. ثُمَّ أَخَّرَ الْعَصْرَ حَتَّى انْصَرَفَ مِنْهَا. وَالْقَائِلُ يَقُولُ: قَدِ احْمَرَّتِ
ــ
وسلم أن يؤخر بيان ما سأله عنه وإن جاز على السائل أن يخترم بالمنية قبل ذلك لأن الأصل استصحاب السلامة والبقاء إلى مثل هذه المدة أو أوحي إليه أنه يبقى إلى هذه المدة (قال) أبو موسى رضي الله عنه (فأقام الفجر) أي أمر بالإقامة لها فأقيمت كما قال في الرواية الأخرى "فأمر بلالًا فأذن بغلس" أي أقام فسمى الإقامة أذانًا إذ يحصل بها الإعلام بحضور الصلاة والشروع فيها (حين انشق الفجر) وطلع (والناس) أي والحال أن الناس (لا يكاد) ولا يقرب (يعرف بعضهم بعضًا) لشدة الظلام، وهذه الحال مشعرة بالتغليس (ثم أمره) أي أمر بلالًا (فأقام بالظهر حين زالت) ومالت (الشمس والقائل) أي والحال أن القائل من الناس (يقول قد انتصف) الآن (النهار) ولم تزل الشمس عن وسط السماء (وهو) أي والحال أنه صلى الله عليه وسلم كان أعلم) بالزوال (منهم ثم أمره فأقام بالعصر والشمس مرتفعة) أي قريبة إلى وسط السماء (ثم أمره فأقام بالمغرب حين وقعت) أي غابت (الشمس، ثم أمره فأقام العشاء حين غاب) وزال (الشفق) الأحمر (ثم أخر الفجر) أي صلاته (من) الوقت الذي صلى فيه اليوم حين صلاها في (الغد) أي في اليوم الثاني (حتى انصرف) وفرغ (منها والقائل) أي والحال أن القائل من الناس (بقول قد طلعت الشمس أو كادت) أي قربت أن تطلع لشدة الإسفار، وأو هنا ليست للشك بل للتشكيك، والإبهام نظير قوله تعالى:{وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147)} (ثم أخر الظهر) جدًّا (حتى كان) وقت صلاته (قريبًا من وقت العصر) أي من الوقت الذي صلى فيه العصر (بالأمس) أي في الأمس وهو اسم لليوم الذي قبل يومك الذي أنت فيه متصلًا به وإلا فيسمى بالأمس الدابر (ثم أخر العصر) عن الوقت الذي صلاها فيه بالأمس جدًّا (حتى انصرف) وفرغ (منها والقائل) أي والحال أن القائل من الناس (يقول قد احمرت
الشَّمْسُ. ثُمَّ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى كَانَ عِنْدَ سُقُوطِ الشَّفَقِ. ثُمَّ أَخَّرَ الْعِشَاءَ حَتَّى كَانَ ثُلُثُ اللَّيلِ الأَوَّلُ ثُمَّ أَصْبَحَ فَدَعَا السَّائِلَ فَقَال: "الْوَقْتُ بَينَ هَذَينِ"
ــ
الشمس) للغروب أي خالطتها الحمرة لقرب غروبها (ثم أخر المغرب) عن الوقت الذي صلاها فيه بالأمس (حين كان) النبي صلى الله عليه وسلم قد صلاها (عند سقوط الشفق) الأحمر وغيبوبته (ثم أخر العشاء) عن الوقت الذي صلاها فيه بالأمس جدًّا (حتى كان) ومضى وتم (ثلث الليل الأول) بالرفع صفة للثلث (ثم أصبح) صلى الله عليه وسلم أي دخل في الصباح (فدعا) أي طلب النبي صلى الله عليه وسلم (السائل) عن مواقيت الصلاة؛ أي طلب حضوره فحضر وقال: أنا السائل يا رسول الله (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم للسائل وللحاضرين عنده (الوقت) أي وقت صلاتكم ما (بين هذين) الوقتين اللذين صليت فيهما في اليومين أي هما وما بينهما، وفي رواية "وقت صلاتكم بين ما رأيتم" يعني أن الوقت هذان وما بينهما فيجوز الصلاة في أوله ووسطه وآخره كما في المرقاة، وفي حديث ابن عمرو الوقت فيما بين أمس واليوم، وإنما أخر جوابه كما مر حتى صلى معه في اليومين لأن البيان بالفعل أبلغ، وفيه جواز تأخير البيان عن وقت السؤال إلى آخر وقت يجب فيه فعل ذلك ذكره الزرقاني في شرح الموطأ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [395] والترمذي [153] والنسائي [1/ 260]- 261، وابن ماجه [667].
قال القرطبي: وقوله (الوقت بين هذين) وقوله (ووقت صلاتكم بين ما رأيتم) وكذلك في حديث جبريل (الوقت بين هذين) هي كلها حجة لمالك وأصحابه على قولهم إن الوقت الموسع كله للوجوب من أوله إلى آخره، وأن المكلف مخير بين تقديم الصلاة وتأخيرها إلى آخر الوقت فأي وقت صلى فيه المكلف فقد أدى ما عليه، وقد تخبط كثير من الناس في هذا المعنى وطال فيه نزاعهم، وما ذكرناه واضح موافق لظاهر الحديث، وقد ذهب بعض أصحابنا وأصحاب الشافعي إلى أن وقت الوجوب وقت واحد غير معين، وإنما يعينه المكلف بفعله، وذهب الشافعي إلى أن أول الوقت هو الواجب وإنما ضرب آخره فصلًا بين القضاء والأداء وهذا باطل بما أنه لو تعين ذلك الوقت للوجوب لأثم من أخر الصلاة عنه إلى غيره، وبالإجماع لا يأثم، وذهب الحنفية إلى أن وقت الوجوب آخر الوقت وهذا أيضًا باطل إذ لو كان كذلك لما جاز لأحد أن يوقع الصلاة
1288 -
(00)(00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ بَدْرِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مُوسَى. سَمِعَهُ مِنْهُ عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ سَائِلًا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلَهُ عَنْ مَوَاقِيتِ الصَّلاةِ؟ بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ نُمَيرٍ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: فَصَلَّى الْمَغْرِبَ قَبْلَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي
ــ
قبل آخر الوقت، وقد جاز بالإجماع ذلك ثم الحديث الذي ذكرناه يرد على هذه الفرق كلها والله أعلم اهـ من المفهم.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي موسى رضي الله عنه فقال:
1288 -
(00)(00)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي (عن بدر بن عثمان) الأموي الكوفي (عن أبي بكر) عمرو (بن أبي موسى) الأشعري الكوفي (سمعه) أي سمع بدر بن عمان هذا الحديث (منه) أي من أبي بكر، حالة كون أبي بكر راويًا (عن أبيه) أبي موسى الأشعري الكوفي رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته أيضًا، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون، غرضه بسوقه بيان متابعة وكيع لعبد الله بن نمير في رواية هذا الحديث عن بدر بن عثمان، وفائدتها بيان كثرة طرقه (أن سائلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن مواقيت الصلاة) المكتوبة، وساق وكيع (بمثل حديث) عبد الله (بن نمير) واستثنى من المماثلة بقوله (غير أنه) أي لكن أن وكيعًا (قال) في روايته (فصلى المنرب قبل أن يغيب الشفق في اليوم الثاني) بدل قول عبد الله بن نمير في روايته "ثم أخر المغرب حتى كان عند سقوط الشفق" فيجمع بين الروايتين بحمل رواية ابن نمير على التقريب أي ثم أخر المغرب حتى كان قريبًا عند سقوط الشفق والله سبحانه وتعالى أعلم.
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب خمسة أحاديث الأول حديث أبي مسعود الأنصاري ذكره للاستدلال وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث عائشة رضي الله عنها ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات، والثالث حديث عبد الله بن عمرو ذكره للاستشهاد وذكر فيه أربع متابعات، والرابع حديث بريدة بن الحصيب ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والخامس حديث أبي موسى الأشعري ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة. والله سبحانه وتعالى أعلم.
* * *