الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
283 - (103) باب الإبراد بالظهر في شدة الحر
1289 -
(579)(237) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّهُ قَال: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلاةِ
ــ
283 -
(103) باب الإبراد بالظهر في شدة الحرّ
1289 -
(579)(237)(حدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل الثقفي البلخي (حدثنا ليث) بن سعد الفهمي المصري (ح وحدثنا محمد بن رمح) بن المهاجر التجيبي المصري (أخبرنا الليث عن ابن شهاب) المدني (عن) سعيد (بن المسيب) بن حَزْن المخزومي المدني (وأبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوت الزهري المدني (عن أبي هريرة) المدني. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان أو مصري وبلخي، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والمقارنة والتحويل ورواية تابعي عن تابعيين (أنه) أي أن أبا هريرة (قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة) أي أخروها إلى أن يبرد الوقت ندبًا، فالباء زائدة أو للتعدية، والمراد بها الظهر لأنها الصلاة التي يشتد الحر غالبًا في أول وقتها، وفي الرواية الأخرى "أبردوا عن الصلاة" قال النواوي: وهو بمعنى أبردوا بالصلاة لأن الباء وعن يَتَقَارَضَانِ معناهما كما سيأتي قريبًا؛ والمعنى أخروها عن الوقت وأدخلوا بها في وقت البرد وهو الذي يتبين فيه انكسار شدة الحر وتوجد فيه برودة ما، يقال أبرد الرجل أي صار في برد النهار و (عن) في قوله (عن الصلاة) بمعنى الباء لأن عن تأتي بمعناها كما يقال رميت عن القوس أي به كما تأتي الباء بمعنى عن كما قال الشاعر:
فإن تسألوني بالنساء فإنني
…
بصير بأدواء النساء طبيب
أي عن النساء.
وكما قال تعالى: {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} أي عنه [الفرقان: 59] وقيل إن عن هنا زائدة أي أبردوا الصلاة، يقال أبرد الرجل كذا إذا فعله في برد النهار (فإن قلت) ظاهره يقتضي وجوب الإبراد (أجيب) بأن القرينة صرفته إلى الندبية لأن العلة فيه دفع المشقة عن المصلي لشدة الحر فصار من باب الشفقة والنفع (فإن قلت) ما الجمع بين هذا وبين
فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيحِ جَهَنَّمَ"
ــ
حديث خباب "شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء فلم يُشْكِنَا" أي لم يُزِلْ شَكْوَانَا (أجيب) بأن الإبراد رخصة، والتقديم أفضل، أو هو منسوخ بأحاديث الإبراد، والإبراد مستحب لفعله عليه الصلاة والسلام له وأمره به، أو حديث خباب محمول على أنهم طلبوا زائدًا على قدر الإبراد لأنه بحيث يحصل للحيطان ظل يمشي فيه اهـ قسطلاني، وعبارة الفتح هنا قوله (إذا اشتد) أصله اشتدد بوزن افتعل من الشدة ثم أُدغمت إحدى الدالين في الأخرى، ومفهومه أن الحر إذا لم يشتد لم يشرع الإبراد، وكذا لا يشرع في البرد من باب الأولى، وقوله (فأبردوا) بقطع الهمزة وكسر الراء أي أخروا إلى أن يبرد الوقت، يقال أبرد إذا دخل في البرد كأظهر إذا دخل الظهيرة، ومثله في المكان؛ أنجد إذا دخل نجدًا وأتْهَمَ إذا دخل تهامة اهـ.
(فإن شدة الحر) تعليل لمشروعية التأخير المذكور، وهل الحكم فيه دفع المشقة لكونها تسلب الخشوع وهذا أظهر، أو كونها الحالة التي ينتشر فيها العذاب ويؤيده حديث عمرو بن عبسة الآتي حيث قال له "أقصر عن الصلاة عند استواء الشمس فإنها ساعة تسجر فيها جهنم" وقد استشكل هذا بأن الصلاة سبب الرحمة ففعلها مظنة لطرد العذاب فكيف أمر بتركها، وأجاب عنه أبو الفتح اليعمري بأن التعليل إذا جاء من جهة الشارع وجب قبوله وإن لم يفهم معناه قاله الحافظ في الفتح (من فيح جهنم) هو بفتح الفاء وسكون الياء وفي آخره حاء مهملة معناه سطوع حرها وانتشاره، ومنه قولهم مكان أفيح أي واسع وأرض فيحاء أي واسعة أي من سعة انتثارها وتنفسها، وهذا كناية عن شدة استعارها كذا في الفتح، وقال علي القاري: أي من غليانها. ومعنى الحديث يحمل على وجهين؛ أحدهما أن شدة حر الصيف من وهج حر جهنم في الحقيقة، وروي أن الله تعالى أذن لجهنم في نفسين نفس في الصيف ونفس في الشتاء فهو منها، وظاهره أن مثار وهج الحر في الأرض من فيح جهنم حقيقة، والوجه الثاني أن هذا خرج مخرج التشبيه والتقريب أي كأن شدة الحر من نار جهنم فاحذروها واجتنبوا ضررها والأول أولى ويؤيده الحديث الآتي "اشتكت النار إلى ربها فأذن لها بنفسين" وسيأتي البحث فيه إن شاء الله تعالى.
وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [2/ 462] والبخاري [533] وأبو داود [452] والترمذي [157] والنسائي [1/ 248 - 249] وابن ماجه [677 و 678].
1290 -
(00)(00) وحدّثني حَرْمَلَة بْنُ يَحْيَى. أَخْبَزَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ؛ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ قَال: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ؛ أَنَّهُمَا سَمِعَا أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ، سَوَاءً.
1291 -
(00)(00) وحدّثني هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِيُّ وَعَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسى -قَال عَمْرٌو: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ- قَال: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو؛ أَنَّ بُكَيرًا حَدَّثَهُ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ وَسَلْمَانَ الأغَرَّ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛
ــ
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
1290 -
(00)(00)(وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (أن ابن شهاب أخبره قال) ابن شهاب (أخبرني أبو سلمة) بن عبد الرحمن (وسعيد بن المسيب أنهما سمعا أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وساق يونس (بمثله) أي بمثل حديث الليث، حالة كون حديثهما (سواء) أي مستويين لفظًا ومعنى فهو تأكيد لمعنى المماثلة، غرضه بيان متابعة يونس لليث بن سعد في رواية هذا الحديث عن ابن شهاب. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
1291 -
(00)(00)(وحدثني هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي السعدي مولاهم أبو جعفر (الأيلي) ثقة، من (10)(وعمرو بن سواد) بن الأسود العامري السرحي أبو محمد المصري، ثقة، من (11)(وأحمد بن عيسى) بن حسان المصري المعروف با لتستري بلدة با لأهواز، صدوق، من (10)(قال عمرو أخبرنا وقال الأخران حدثنا ابن وهب) المصري (قال) ابن وهب (أخبرني عمرو) بن الحارث بن يعقوب الأنصاري مولاهم أبو أمية المصري، ثقة فقيه، من (7)(أن بكيرًا) ابن عبد الله بن الأشج المخزومي أبا عبد الله المدني ثم المصري، ثقة ثبت، من (5)(حدثه) أي حدث عمرًا (عن بسر بن سعيد) مولى ابن الحضرمي الزاهد العابد المدني، ثقة، من (2)(وسلمان الأغر) الجهني مولاهم أبي عبد الله المدني، ثقة، من (3) كلاهما (عن أبي هريرة)
أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "إِذَا كَانَ الْيَوْمُ الْحَارُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلاةِ. فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيحِ جَهَنَّمَ".
قَال عَمْرٌو: وَحَدَّثَنِي أَبُو يُونُسَ عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "أَبْرِدُوا عَنِ الصَّلاةِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيحِ جَهَنَّمَ".
قَال عَمْرٌو: وَحَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ
ــ
رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مصريون واثنان مدنيان أو ثلاثة مصريون وواحد أيلي، غرضه بيان متابعة بسر بن سعيد وسلمان الأغر لأبي سلمة وابن المسيب، وكرر المتن لما بينهما من المخالفة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا كان) ووجد (اليوم الحار) أي ذو الحرارة وهي ضد البرودة وكان تامة (فأبردوا بالصلاة) كذا للأكثر، والباء للتعدية، وقيل زائدة كما مر، ومعنى أبردوا أخروا على سبيل التضمين، وفي رواية "عن الصلاة" فقيل زائدة أو بمعنى الباء أو هي على بابها للمجاوزة أي تجاوزوا وقتها المعتاد إلى أن تنكسر شدة الحر، والمراد بالصلاة الظهر لأنها الصلاة التي يشتد الحر غالبًا في أول وقتها، وقد جاء صريحًا في حديث أبي سعيد المذكور في البخاري فلذلك حمل واضع الترجمة فيها المطلق على المقيد والله أعلم قاله الحافظ في الفتح، وقد حمل بعضهم الصلاة على عمومها بناء على أن المفرد المعرف يعم فقال به أشهب في العصر، وقال به أحمد في رواية عنه في الصيف حيث قال: تؤخر في الصيف دون الشتاء ولم يقل أحد به في المغرب ولا في الصبح لضيق وقتهما اهـ قاله أيضًا في الفتح (فإن شدة الحر) تعليل لمشروعية التأخير المذكور (من فيح جهنم) أي من سعة انتشارها وتنفسها.
(قال عمرو) بن الحارث بالسند السابق (وحدثني) أيضًا (أبو يونس) سليم بن جبير الدوسي مولاهم مولى أبي هريرة المصري، ثقة، من الثالثة، فهو معطوف على بكير ولكن فيه علو السند لعمرو (عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"أبردوا عن الصلاة) أي تأخروا عن فعل الصلاة في أول وقتها إلى وقت حصول البرد يعني الظهر (فإن شدة الحر من فيح جهنم").
(قال عمرو) بن الحارث أيضًا بالسند السابق (وحدثني ابن شهاب) معطوف على
عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِنَحْو ذَلِكَ.
1292 -
(00)(00) وحدّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال:"إِنَّ هَذَا الْحَرَّ مِنْ فَيحِ جَهَنَّمَ. فَأَبْرِدُوا بِالصَّلاةِ".
1293 -
(00)(00) حدَّثنا ابْن رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ؛ قَال:
ــ
بكير (عن ابن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو ذلك) أي بنحو ما حدثني بكير عن بسر وسلمان عن أبي هريرة رضي الله عنه.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
1292 -
(00)(00)(وحدثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (حدثنا عبد العزيز) بن محمد بن عبيد الدراوردي الجهني مولاهم أبو محمد المدني، صدوق، من (8)(عن العلاء) بن عبد الرحمن بن يعقوب الجهني الحرقي أبي شبل المدني، صدوق، من (5)(عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني مولاهم أبي العلاء المدني، ثقة، من (3)(عن أبي هريرة) وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا قتيبة بن سعيد فإنه بلخي، غرضه بيان متابعة عبد الرحمن بن يعقوب لمن روى هذا الحديث عن أبي هريرة، وكرر المتن لما فيها من المخالفة في سوق الحديث (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن هذا الحر) الذي تجدونه وقت الظهيرة (من فيح جهنم) أي من هيجانها وغليانها (فأبردوا بالصلاة) أي أخروا الصلاة عن أول وقتها إلى وقت حصول البرودة.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
1293 -
(00)(00)(حدثنا) محمد (بن رافع) القشيري مولاهم أبو عبد الله النيسابوري، ثقة، من (11)(حدثنا عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحميري أبو بكر الصنعاني، ثقة، من (9)(حدثنا معمر) بن راشد الأزدي أبو عروة البصري، ثقة، من (7)(عن همام بن منبه) بن كامل اليماني أبي عقبة الصنعاني، ثقة، من (4)(قال) همام
هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا. وَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَبْرِدُوا عَن الْحَرِّ فِي الصَّلاةِ. فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيحِ جَهَنَّمَ".
1294 -
(580)(238) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. قَال: سَمِعْتُ مُهَاجِرًا أَبَا الْحَسَنِ يُحَدِّثُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ زَيدَ بْنَ وَهْبٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ
ــ
(هذا) الذي أذكره لكم (ما حدثنا) به (أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر) همام (أحاديث) كثيرة (منها) أي من تلك الأحاديث قوله قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبردوا عن الحر في الصلاة) أي أخروها إلى البرد واطلبوا البرد لها أي أخروها عنه مبردين، قال الأبي: قوله "أبردوا عن الحر في الصلاة" أي أبعدوا بها عن الحر إلى وقت البرودة (فإن شدة الحر من فيح جهنم") أي من غليانها. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم صنعانيان وواحد مدني وواحد بصري وواحد نيسابوري، غرضه بيان متابعة همام لمن روى عن أبي هريرة رضي الله عنه.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث أبي ذر رضي الله عنهما فقال:
1294 -
(580)(238)(حدثني محمد بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري المعروف بغندر (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي البصري (قال: سمعت مهاجرًا أبا الحسن) التيمي مولاهم الصائغ الكوفي، روى عن زيد بن وهب في الصلاة، والبراء وابن عباس وأبي وائل وغيرهم، ويروي عنه (خ م د ت س) وشعبة والثوري ومسعر ومالك بن مغول وغيرهم، وثقه أحمد وابن معين والنسائي، وأحسن شعبة الثناء عليه، وقال في التقريب: ثقة، من الرابعة (يحدث أنه سمع زيد بن وهب) الجهني أبا سليمان الكوفي، من قضاعة، خرج إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقُبض صلى الله عليه وسلم وهو في الطريق، ثقة مخضرم جليل، من (2) مات سنة (96) روى عنه في (8) أبواب (يحدث عن أبي ذر) الغفاري جندب بن جنادة المدني رضي الله عنه.
قَال: أَذَّنَ مُؤَذِّنُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالظُّهْرِ. فَقَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "أَبْرِدْ أَبْرِدْ". أَوْ قَال: "انْتَظِرِ انْتَظِرْ" وَقَال: "إِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيحِ جَهَنَّمَ. فَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنِ الصَّلاةِ".
قَال أَبُو ذَرٍّ: حَتَّى رَأَينَا فَيءَ التُّلُولِ
ــ
وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان كوفيان وواحد مدني (قال) أبو ذر (أذن موذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلال بن رباح (بالظهر) أي نادى بصلاته أي أراد بلال أن يؤذن للظهر (فقال النبي صلى الله عليه وسلم لبلال رضي الله عنه (أبرد أبرد) مرتين أي انتظر البرد (أو قال) النبي صلى الله عليه وسلم والشك من الراوي (انتظر انتظر) مرتين كذلك أي انتظر حصول البرد (وقال) النبي صلى الله عليه وسلم في بيان الحكمة (إن شدة الحر من فيح جهنم، فإذا اشتد الحر فأبردوا) أي فتأخروا (عن الصلاة) مبردين (فإن قلت) الإبراد للصلاة فكيف أمر المؤذن به للأذان (أُجيب) بأنه مبني على أن الأذان هل هو للوقت أو للصلاة؟ وفيه خلاف مشهور، وظاهر هذا يقوي القول بأنه للصلاة لأن الأذان قد وقع وانقضى، أو أن المراد بالأذان الإقامة ويؤيده حديث الترمذي بلفظ "فأراد بلال أن يقيم" وفي رواية البخاري "فأراد المؤذن أن يؤذن للظهر، فقال له: أبرد" وهي تقتضي أن الإبراد راجع إلى الأذان، وأنه منعه من الأذان في ذلك الوقت اهـ قسطلاني.
وقال الحافظ في الفتح: قوله (فقال أبرد) ظاهره أن الأمر بالإبراد وقع بعد تقدم الأذان منه، وسيأتي في الباب الذي بعده بلفظ فأراد أن يؤذن للظهر، وظاهره أن ذلك وقع قبل الأذان فيجمع بينهما على أنه شرع في الأذان، فقال له: أبرد، فترك. فمعنى أذن شرع في الأذان ومعنى أراد أن يؤذن أي يتم الأذان والله أعلم اهـ.
(قال أبو ذر) وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول له ذلك (حتى) أخرنا تأخيرًا كثيرا إلى أن (رأينا فيء التلول) -بضم المثناة الفوقية وتخفيف اللام- جمع تل بفتح أوله؛ وهو كل ما اجتمع على الأرض من تراب أو رمل أو نحوهما، وهي في الغالب مسطحة غير شاخصة لا يظهر لها ظل إذا ذهب أكثر وقت الظهر وبعد تمكُّنِ الفيءِ واستطالتِهِ جدًّا بخلاف الأشياء المنتصبة التي يظهر فيئها سريعًا في أسفلها لاعتدال أعلاها وأسفلها، والفيء ما بعد الزوال والظل أعم منه يكون لما قبل ولما بعد، والتلول
1295 -
(581)(239) وحدّثني عَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، (وَاللَّفْظُ لِحَرْمَلَةَ)، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ قَال: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا. فَقَالتْ: يَا رَبِّ، أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا. فَأَذِنَ
ــ
لانبساطها لا يظهر فيها عقب الزوال فيء بخلاف الشاخص المرتفع، نعم دخول وقت الظهر لا بد فيه من فيء فالوقت لا يتحقق دخوله إلا عند وجوده فيحمل الفيء هنا على الزائد على هذا المقدار. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 176] والبخاري [535] وأبو داود [401] والترمذي [158].
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي هريرة الأول بحديث آخر له بالنظر إلى ما في المتابعة وإلا فهو استطرادي فقال:
1295 -
(581)(239)(وحدثني عمرو بن سواد) بن الأسود العامري أبو محمد المصري، ثقة، من (11)(وحرملة بن يحيى) التجيبي المصري (واللفظ لحرملة أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب قال حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن أنه سمع أبا هريرة) وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي، وفيه التحديث بالإفراد والإخبار بالإفراد والجمع والسماعُ والعنعنةُ والمقارنة، حالة كون أبي هريرة (يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اشتكت النار" الأخروية (إلى ربها) شكاية حقيقية بلسان المقال كما يدل عليه ما بعده بحياة يخلقها الله تعالى فيها قاله القاضي عياض أو شكاية مجازية عرفية بلسان الحال عن لسان المقال كقوله:
شَكَى إِليَّ جَمَلِي طُولَ السُّرَى
…
صَبْرٌ جَمِيلٌ فكِلانَا مُبْتَلى
وقرر البيضاوي ذلك فقال: شكواها مجاز عن غليانها، وأكل بعضها بعضًا مجاز عن ازدحام أجزائها، وتنفسها مجاز عن خروج ما يبرز منها، وصوب النواوي حملها على الحقيقة، وقال ابن المنير: هو المختار، وقال القرطبي: والأول أولى لأنه حَمْلُ اللفظِ على حقيقتِه، ولا إحالةَ في شيء من ذلك، وقد ورد مخاطبتها للرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين بقولها: جُزْ يا مؤمن، فقد أطفأ نورك لهبي، ويضَعَّفُ حمل ذلك على المجاز قوله (فقالت) النار في شكواها (يا رب كل بعض) أجزائـ (ي بعضًا فأذن
لَهَا بنَفَسَينِ: نَفَسٍ فِي الشَّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيفِ. فَهُوْ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْحَرِّ. وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ".
1296 -
(00)(00) وحدّثني إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الأَنْصَارِيُّ. حَدَّثَنَا مَعْنٌ. عن مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ مَوْلَى الأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ،
ــ
لها) ربها تعالى أن تتنفس في كل عام (بنفسين) تثنية نفس بفتح الفاء؛ وهو ما يخرج من الجوف ويدخل فيه من الهواء (نفس في الشتاء، ونفس في الصيف) بجر نفس في الموضعين على البدل، ويجوز رفعهما بتقدير أحدهما، ونصبهما بتقدير أعني (فهو) أي فذلك النفس الذي تتنفس به في الصيف (أشد ما تجدونـ) ـه (من الحر و) ذلك النفس الذي تُنفَّسُ به في الشتاء (أشد ما تجدونـ) ـه (من الزمهرير") أي من البرد الشديد، وفي سياق المؤلف لف ونشر غير مرتب، وهو مرتب في رواية النسائي ولا مانع من حصول الزمهرير من نفس النار لأن المراد من النار محلها وهو جهنم وفيها طبقة زمهريرية والذي خلق الملك من الثلج والنار قادر على جمع الضدين في محل واحد، وفي الحديث أن النار مخلوقة موجودة الآن، وهو أمر قطعي للتواتر المعنوي خلافًا لمن قال من المعتزلة إنها إنما تخلق يوم القيامة اهـ قسط. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري والنسائي.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:
1296 -
(00)(00)(وحدثني إسحاق بن موسى) بن عبد الله بن موسى (الأنصاري) الخطمي أبو موسى المدني ثم الكوفي، ثقة متقن، من (10) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا معن) بن عيسى بن يحيى الأشجعي مولاهم أبو يحيى القزاز المدني، ثقة ثبت، من كبار (10) روى عنه في (15) أبواب (عن مالك) بن أنس الأصبحي المدني، ثقة إمام، من (7)(عن عبد الله بن يحيىيد مولى الأسود بن سفيان) المخزومي الأعور أبي عبد الرحمن المدني، من شيوخ مالك، ثقة، من (6) روى عنه في (2) بابين (عن أبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني (ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان) القرشي العامري مولاهم أبي عبد الله المدني، روى عن أبي هريرة في الصلاة، وزيد بن ثابت وجابر وجماعة، ويروي عنه (ع) وعبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان والزهري وابن الهاد ويحيى بن أبي كثير، وثقه النسائي، له في (م) فرد حديث، وقال في
عَنْ أبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "إِذَا كَانَ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنِ الصَّلاةِ. فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيحِ جَهَنَّمَ". وَذَكَرَ: "أَنَّ النَّارَ اشْتَكَتْ إِلَى رَبِّهَا. فَأَذِنَ لَهَا فِي كُلِّ عَامٍ بِنَفَسَينِ: نَفَسٍ فِي الشَّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيفِ".
1297 -
(00)(00) وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنَا حَيوَةُ. قَال: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَال: "قَالتِ النَّارُ: رَبِّ، أَكَلَ
ــ
التقريب: ثقة، من الثالثة (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم مدنيون، وفيه التحديث بالإفراد والجمع والعنعنة والمقارنة، غرضه بيان متابعة عبد الله بن يزيد لابن شهاب في رواية هذا الحديث عن أبي سلمة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(إذا كان) ووجد (الحر فأبردوا) أي تأخروا (عن الصلاة) إلى وقت حصول البرودة (فإن شدة الحر من فيح جهنم) أي في هيجانها وغليانها (وذكر) رسول الله صلى الله عليه وسلم معطوف على قال (أن النار اشتكت إلى ربها) فقالت: أكَل بَعضِي بعضًا (فأذن لها) ربها أن تتنفس (في كل عام بنفسين نفس في الشتاء) نفس البرد (ونفس في الصيف") نفس الحر.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه ثانيًا فقال:
1297 -
(00)(00)(وحدثني حرملة بن يحيى) المصري (حدثنا عبد الله بن وهب) المصري (أخبرنا حيوة) بن شريح بن صفوان التجيبي المصري، ثقة، من (7) روى عنه في (7) أبواب (قال حدثني يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد) الليثي أبو عبد الله المدني، ثقة مكثر، من (5) روى عنه في (12) بابا (عن محمد بن إبراهيم) بن الحارث بن خالد التيمي أبي عبد الله المدني، ثقة، من (4) روى عنه في (11) بابا (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن المدني (عن أبي هريرة) الدوسي المدني رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم مدنيون وثلاثة مصريون، غرضه بسوقه بيان متابعة محمد بن إبراهيم لعبد الله بن يزيد في رواية هذا الحديث عن أبي سلمة بن عبد الرحمن (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) اشتكت النار إلى ربها و (قالت النار رب أكل
بَعْضِي بَعْضًا. فَأْذَنْ لِي أَتَنَفَّسْ. فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَينِ: نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيفِ. فَمَا وَجَدْتُمْ مِنْ بَرْدٍ أَوْ زَمْهَرِيرٍ فَمِنْ نَفَسِ جَهَنَّمَ. وَمَا وَجَدْتُمْ مِنْ حَرٍّ أَوْ حَرُورٍ فَمِنْ نَفَسِ جَهَنَّمَ"
ــ
بعض) أجزاء (ي بعضًا فَأْذَنْ لي) يا رب، بصيغة الدعاء (أتنفس) بالجزم في جواب الطلب أي أُخرج نفسي من جوفي (فأذن) بصيغة الماضي (لها) ربها أن تتنفس (بنفسين نفس في الشتاء، ونفس في الصيف فما وجدتم) أي فالذي وجدتموه (من) شدة (برد أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم (زمهرير) وهو البرد الشديد، فأو للشك من الراوي (فـ) هو (من نفس جهنم وما وجدتمـ) ـوه (من حر أو) قال (حرور) شك من الراوي وهو الحر الشديد (فـ) ـهو (من نفس جهنم) فسياق الحديث هنا على طريق اللف والنشر المرتب، وفي المصباح: الحر خلاف البرد، والحرور الريح الحارة تكون ليلًا ونهارًا، ويقال إن الحرور بالنهار، والسموم بالليل ويعكس اهـ. قاله القرطبي: و (أو) هنا تحتمل أن تكون شكًّا من الراوي فيكون النبي صلى الله عليه وسلم قال أحدهما فشك فيه الراوي فجمعهما به، ويحتمل أن يكون ذَكَر النبيُّ صلى الله عليه وسلم اللفظين فتكون أو للتقسيم أو التنويع، والحرور اشتداد الحر وفيحه بالليل والنهار فأما السموم فلا يكون إلا بالليل، والزمهرير شدة البرد، وبتأخير الظهر في شدة الحر قال مالك وأهل الرأي ورأوا أنها في ذلك الوقت أفضل وقدر أصحابنا هذا الوقت بزيادة على ربع القامة إلى وسط الوقت وهذا في الجماعة عند أصحابنا، وقد اختلفوا في المنفرد هل يبرد أم لا؟ وقال الشافعي: وتقديم الصلوات كلها للفذ والجماعة أفضل في الثتاء والصيف إلا للإمام الذي ينتاب ويحضر إليه الناس من بعيد فيبرد بالظهر في الصيف دون غيره، ولم يقل أحد بالإبراد في غير الظهر إلا الأشهب فقال به في العصر، وقال يؤخر ربع القامة، ورأى أحمد بن حنبل تأخير العشاء الآخرة في الصيف بالليل كما يؤخر الظهر، وعكسه ابن حبيب فرأى تأخيرها في الشتاء لطول الليل وتعجيلها في الصيف لقصره اهـ من المفهم.
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث؛ الأول حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال وذكر فيه أربع متابعات، والثاني حديث أبي ذر ذكره للاستشهاد، والثالث حديث أبي هريرة الثاني ذكر أصله للاستطراد وذكر فيه متابعتين للاستشهاد والله سبحانه وتعالى أعلم.