الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَقَالَ: "لا شَكَّ أَنَّ ابْنَ خُزَيْمَةَ أَرْحَجُ، وَأَنَّ ابْنَ حِبَّانَ تَوَسَّعَ فِي القَاعِدَةِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ شَارَكَ شَيْخُهُ فِي تَوْثِيْقِ المَجْهُوْلِ، وَ"صَحِيحُ ابْنِ خُزَيْمَة" أَرْجَحُ مِنْ "صَحِيْحِ ابْنِ حِبَّان" (1).
رُتْبُةُ رِجَالِهِ
.
سَبَقَ وَأَنْ ذَكَرْتُ فِي المَبْحَثَيْنِ السَّابِقَيْنِ شَرْطَ ابْنِ خُزَيْمَةَ فِي كِتَابِهِ هَذَا، وَأَنَّهُ لا يَحْتَجُّ فِيهِ إِلا بِأَحَادِيْثَ الثِّقَاتِ المُتَّصِلَةِ الإِسْنَاد، وَأَنَّ العُلَمَاءَ قَدْ عَدُّوْهُ ضِمْنَ الكُتُبِ الَّتِي يُؤْخَذُ مِنْهَا الصَّحِيح الزَّائِد عَلَى "الصَّحِيْحَيْن"، وَجَعَلُوْهُ فِي المَرْتَبَةِ الثَّالِثَةِ بَعْدَ "صَحِيْحِ مُسْلِم"، بَلْ السُّيُوْطِي العَزْو إِلَيْهِ مُعْلِمٌ بِالصِّحَّةِ (2).
وَقَدْ صَرَّحَ جَمْعٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ بِأَنَّ إِخْرَاجَ ابْنِ خُزْيْمَةَ لِلحَدِيْث فِي كِتَابِهِ "الصَّحِيح"، مُعْلِمٌ بِثِقَةِ رِجَالِهِ عِنْدَهُ.
قَالَ الذَّهَبِي فِي "المُوْقِظَة"(3) - فِي أثنَاءِ كَلامِهِ عَلَى الرَّاوِي الَّذِي لَمْ يُوثَّقْ وَلا ضُعِّف: "
…
وَإِنْ صَحَّح لَهُ مِثْلُ التِّرْمِذِي، وَابْنِ خُزَيْمَة فَجَيِّدٌ - أَيْضًا -، وَإِنْ صَحَّحَ لَهُ كَالدَّارَقُطْنِيّ، وَالحَاكِم فَأَقَلُّ أَحْوَالِهِ حُسْنَ حَدِيْثِهِ".
قَالَ الذَّهَبِي: "مِمَّنْ قَوَّى أَمْر عُمْر بن هَارُون البَلْخِي ابْنُ خُزَيْمَة، فَرَوَى لَهُ فِي "المُخْتَصَر" حَدِيْثًا فِي البَسْمَلَة"(4).
(1) الفَتَاوَى الحَدِيْثيَّة (1/ 192).
(2)
جَمْع الجَوَامِع (1/ 20).
(3)
(ص: 78).
(4)
النُّبَلاء (9/ 274).
وَقَالَ البُوْصِيْرِي فِي "مِصْبَاحِ الزُّجَاجَةِ"(1): "هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ، وَعَبْدُ الله بن عُتْبَة أَخْرَجَ لَهُ ابْنُ خُزَيْمَة فِي "صَحِيْحِهِ".
وَقَالَ الحافِظُ فِي "تَعْجِيل المَنْفَعَة"(2) تَرْجَمَة عَبْد الرَّحْمَن بن خَالِد بن جَبَل: "صَحَّحَ ابْنُ خُزَيْمَة حَدِيْثَهُ، وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُوْنَ عِنْدَهُ مِنَ الثِّقَاتِ".
وَقَالَ - أَيْضًا -: "أَخْرَجَهَا ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي "صَحِيْحِهِ"، وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَكُوْنَ عِنْدَهُ مَقْبُوْلًا"(3).
وَقَالَ فِي "التَّهْذِيب"(4) تَرْجَمَة عَبْد الله بن عُتْبَة بن أَبِي سُفْيَان: "أَخْرَجَ ابْنُ خُزَيْمَة حَدِيْثَهُ فِي "صَحِيْحِهِ"؛ فَهْوَ ثِقَةٌ عِنْدَهُ".
وَقَالَ فِيهِ - أَيْضًا - تَرْجَمَةِ عَبْد الله بن عَبْد الرَّحْمَن بن ثَابِت (5): "وَلَكِنْ إِخْرَاجُ ابْنِ خُزَيْمَة لَهُ فِي "صَحِيْحِهِ" يَدُّلُ عَلَى أَنَّهُ عِنْدَهُ ثِقَةٌ".
وَقَالَ - أَيْضًا -: "عُمَر بن حَفْص بن صُبَيْح احْتَجَّ بِهِ ابْنُ خُزَيْمَة فِي "صَحِيْحِهِ" (6).
وَذَكَرَ فِي "نَتائِج الأَفْكار"(7) حَدِيْثًا، وَنَقَلَ تَصْحِيحَ ابْنِ خُزَيْمَة وَغَيرِهِ لَهُ، ثُمَّ قَالَ: "وَلَوْ لَمْ يُوَثِّقَاهُ - يَعْنِي: أَحَدَ رُوَاتِهِ - كَانَ تَصْحِيحُ مَنْ صَحَّحَ حَدِيْثَهُمَا
(1)(1/ 254).
(2)
(1/ 793).
(3)
(1/ 306).
(4)
(2/ 381).
(5)
(2/ 371).
(6)
تَهْذِيب التَّهْذِيب (3/ 218).
(7)
(5/ 286/ المَجْلِس: 508).
يَقْتَضِي تَوْثِيقَهُمَا".
وَقَالَ - أَيْضًا -: "وَقَدْ أخَرْجَ الحَدِيثَ ابْنُ خُزَيْمَة فِي "صَحِيْحِهِ" مِنْ طَرِيْقِهِ، فَكَأَنَّهُ عرَفَ حَالَهُ"(1).
وَقَالَ مُغْلَطَاي فِي رَاوٍ أَخْرَجَ لَهُ ابْنُ خُزَيْمَة فِي "صَحِيْحِهِ": "وَثَّقَهُ الحافظ أَبُو بَكْر بْنُ خُزَيْمَة"(2).
وَقَالَ مَرَّةً: "خَرَّجَ ابْنُ خُزَيْمَة لَهُ حَدِيْثًا فِي "صَحِيْحِهِ"، فَعَلَى هَذَا يَكُوْنُ حَدِيْثًا حَسَنًا بِاعْتِبَارِ سَنَدِهِ"(3).
وَقَالَ العَلامَة العَيْنِي فِي "مَغَانِي الأَخْيَار"(4): "عَبْدُ الرَّحْمَن بن عَبْد الرَّحْمَن بن ثَابِت، أخْرَج ابْن خُزَيْمَةَ حَدِيْثَهُ فِي "صَحِيْحِهِ" يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ ثِقَةٌ عِنْدَهُ".
وَقَالَ المُعَلِّمِي فِي "التَّنْكِيْل"(5): "ابْنُ خُزَيْمَة لا يَرْوِي فِي "صَحِيْحِه" إِلا عَنْ ثِقَةٍ".
وَقَالَ ابْنُ المُلَقِّن: أَثَنَاء تَخْرِيْجِهِ لِبَعْضِ أَحَادِيث "الشَّرْح الكَبِير" وَهُوَ يَتَحَدَّثُ عَنْ حَدِيثِ أَبِي عَيَّاش مَوْلَى بَنِي زُهْرَة: "أَخْرَجَهُ عَنْهُ ابْنُ خُزَيْمَة فِي "صَحِيْحِهِ"، وَقَدْ عُلِمَ شِدَّةَ تحَرِّيْهِ فِي الرِّجَالِ وَاجْتِهَادِهِ"(6).
(1) نَتَائِج الأَفْكَار (5/ 212/ المَجْلِس: 493).
(2)
شَرْح سُنَن ابْنِ مَاجَة (1/ 220).
(3)
شَرْح سُنَن ابْنِ مَاجَة (1/ 339).
(4)
(2/ 606).
(5)
(1/ 463).
(6)
البَدَر المُنِير (16/ 406 - 407).
وَقَالَ العَلامَة الأَلْبَانِي فِي "الصَّحِيْحَةِ"(1) فِي أَثْنَاءِ كَلامِهِ عَلَى عَبْد المَلِك بن الرَّبِيع بن سَبْرَة، وَأَنَّ التِّرْمِذِي، وَابْنَ خُزَيْمَةَ، وَالحَاكِمَ، وَالنَّوَوِيَّ، وَالذَّهَبِيَّ قَدْ صَحَّحُوا حَدِيْثَهُ:"وَتَصْحِيْحُهُم جَمِيْعًا يَعْنِي أَنَّ عَبْدَ المَلِك ثِقَةٌ عِنْدَهُم كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ".
وَقَالَ فِي تَعْلِيْقِهِ عَلَي "صَحِيْحِ ابْنِ خُزَيْمَة"(2): "وَيَكْفِي فِي تَوْثِيْقِهِ أَنَّهُ مِنْ شُيُوْخِ ابْنِ خُزَيْمَة فِي "الصَّحِيح"، وَيَبْعُدُ جِدًّا أَنْ يَكُوْنَ مِثْلُهُ غَيْر صَحِيحٍ، وَاللهُ أَعْلَم".
وَسُئِل العَلامة الأَلْبَانِي رحمه الله:
تَصْحِيحُ بَعْضُ الأَئِمَّة لِبَعْضِ الأَحَادِيث التَّصْحِيْحُ المُجْمَل، وَهَذَا حَدِيْثُ صَحِيحٌ كَإِدْخَالِ ابْنِ خُزْيَمَة حَدِيْثًا فِي "صَحِيْحِهِ" وَيَكُوْنُ أَحَدُ رُوَاةِ هَذَا السَّنَد لَيْسَ مَعَنَا إِلَّا تَصْحِيْح ابْن خُزَيْمَة لِهَذَا الحَدِيث فَهْل تَصْحِيحُ هَذَا يَرْفَعُ مِنْ حَالِ هَذَا الرَّاوِي الَّذِي لَمْ يُوَثِّقْهُ أَحَدٌ؟ .
فَقَالَ رحمه الله:
"هَذَا كَتَصْحِيْحِ ابْنِ حِبَّان لَكْنْ مَعَ النِّسْبَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ العِجْلِي، فَأَيْضًا ابْنُ خُزَيْمَة عِنْدَهُ شَيءٌ مِنْ هَذَا التَّسَاهُلِ لَكِنْ لَيْسَ كَثِيْرًا، لِأَنَّنَا نَجِدُهُ يُخَالِفُ تِلْمِيْذَهُ ابْن حِبَّان فِي كَثِيرٍ مِنَ الرُّوَاةِ حَيْثُ لا يَحْتَجُّ بِحَدِيْثِ مَنْ يَقُولُ فِيهِ: "أَعْرِفُهُ بِعَدَالَةٍ". بَيْنَمَا ابِنُ حِبَّانَ يَقُولُ الأَصْلُ فِي الرَّاوِي أَوْ فِي المُسْلِم العَدَالَة، أَرَدْتُ أَنْ أَقُوْلَ: إِنَّ تَصْحِيحَ ابْنِ خُزَيْمَة أَقْوَى مِنْ تَصْحِيْح ابْنِ حِبَّان،
(1)(6/ 660).
(2)
(2/ 1280/ 2698).
لَكِنْ إِذَا وَقَفْنَا عَلَى تَصْحِيح لَهُ وَفِيهِ رَجُلٌ لَم يُوْثِّقهُ أَحَد سِوَى ابْنِ خُزَيْمَة أَوْ تِلْمِيْذِهِ ابْنِ حِبَّان وَلَيْس لَهُ مِنَ الرُّوَاةِ كَثِيْرُوْنَ فَحِيْنَئِذٍ يُتَوَقّفُ فِي تَصْحِيْحِهِم". (1) اهـ.
تَارِيخ وُجُوْدِهِ وَفُقْدَانِهِ:
يُعَدُّ صَحِيحُ ابْنِ خُزَيْمَةَ مِنَ الكُتبِ الَّتِي أَمْلاهَا عَلَى طُلابِهِ، وانَتْشَرَتَ عَنْهُ فِي حَيَاتِهِ، ثُمَّ اشْتَهَرَتْ رِوَايَتُهُ مِنْ طَرِيْقِ حَفِيْدِهِ؛ لِكَوْنِهِ آخِرِ مَنْ رَوَى عَنْهُ بِنَيْسَابُوْر (2).
قَالَ حَفِيْدُهُ أَبُو طَاهِر مُحَمَّد بن الفَضْل بن مُحَمَّد: "حَدَّثَنِي جَدِّي الإِمَامُ أَبُو بَكْر بِجَمِيْعِ كِتَابِ "الصَّحِيحِ" مِنْ تَأْلِيْفِهِ"(3).
وَقَدْ كَانَ مَوْجُوْدًا وَمُتَدَاوَلًا بِالرِّوَايَةِ عَنْهُ بَأَكْثَرَ مِنْ طَرِيْقٍ، وَأَكَثْرَ مِنْ نُسْخَةٍ فِي عَصْر أَبِي عُثْمَان الصَّابُوْنِيّ المُتَوَفَّى سَنَة (449 هـ)، وَتلْمِيْذِهِ البَيْهَقِي المُتَوَفَّى سَنَة (458 هـ).
أَمَّا الأَوَّلى فَقَدْ عَزَا إِلَيْهِ فِي كِتَابِهِ "عَقِيْدَة السَّلَف وَأَصْحَابِ الحَدِيث"(4)، وَذَكَرَهُ ابْنُ نُقْطَة في "التَّقيِيْدِ" فِي مَسْمُوْعَاتِهِ (5)، وَرِوَايَتُهُ اعْتَمَدَهَا البَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ"(6).
(1) سِلْسِلَة الهُدَى وَالنُّوْر (الشَّرطُ/ 840).
(2)
الإِرْشَاد للخَلِيْلِي (3/ 832).
(3)
شَرْح سُنَن ابْنِ مَاجَة لِمُغْلَطَاي (1/ 317، 352).
(4)
(ص: 214).
(5)
(ص: 206).
(6)
السُّنَن الكُبْرَى (1/ 97).
وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ البَيْهَقِي فَقَدْ رَوَى حَدِيْثًا فِي الذِّكْرِ بَعْدَ الخُرُوْجِ مِنَ الخَلاء مِنْ طَرِيْقِ أَبِي إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن عَبْد الله الأَصْبَهَانِي، عَنِ ابْنِ خُزَيْمَةَ، وَزَادَ فِيهِ "رَبَّنَا وَإِلَيْكَ المَصِيْر". فَعَلَّقَ عَلَى ذَلِكَ البَيْهَقِي فَقَال:"هَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي هَذَا الحَدِيثِ لَمْ أَجِدْهَا إِلا فِي رِوَايَةِ ابْنِ خُزَيْمَة، وَهُوَ إِمَامٌ، وَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي نُسْخَةٍ قَدِيْمَةٍ لِكِتَابِ ابْنِ خُزَيْمَةَ لَيْسَ فِيهِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ، ثُمَّ أُلحقَتْ بِخَط آخَر بِحَاشِيَتِهِ؛ فَالأَشْبَهُ أَنْ تَكُوْنَ مُلْحَقَة بكِتَابِهِ، وَمِنْ غَيْرِ عِلْمِهِ، وَاللهُ أَعْلَم، وَقَدْ أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عُثْمَان الصَّابُوْنِيّ، أَنَا أَبُو طَاهِر مُحَمَّد بن الفَضْل بن مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة، قَالَ: ثَنَا جَدِّي فَذَكَرَهُ دُوْنَ هَذه الزِّيَادَة"(1).
قَالَ شَيْخُنَا العَلامَة أَحْمَد مِعْبَد عَبْد الكَرِيم - حَفِظَهُ الله تَعَالَى -: "وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ الكِتَابَ كَانَ فِي عَصْرِهِ مَوْجُوْدًا وَمُتَدَاوَلًا بِالرِّوَايَةِ عَنِ المُؤَلِّفِ بَأَكْثَرَ مِنْ طَرِيْقِ، وَمُتَدَاوَلا بِنُسَخِهِ كَذَلِكَ" اهـ (2).
وَفِي "بَرْنَامَجِ الوَادِي آشِي"(3): "مُخْتَصَر المُخْتَصَر"، تَأْلِيف: الإِمَامِ أَبِي بَكْر مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة فِي إِحْدَى عَشَر جُزْءًا مِنْ تَجْزِئَةِ الحَافِظ ضِيَاء الدِّين مُحَمَّد بن عَبْد الوَاحِد المَقْدَسِي". اهـ.
وَهُوَ مِنَ الكُتُبِ الَّتِي عَزَا إِلَيْهَا، وَاعْتَمَدَ عَلَيَهَا فِي كِتَابِهِ "المُخْتَارَة"(4).
وَذَكَرَ فِي "ثَبَتِ مَسْمُوْعَاتِهِ"(5) أَنَّهُ دَخَلَ هَرَاةَ وَقَرَأَ عَلَى مُسْنِدِهَا أَبِي رَوْحِ
(1) السُّنَن الكُبْرَى (1/ 97).
(2)
مُقَدِّمَته لـ صَحِيْحِ ابْنِ خُزَيْمَة (ص: ج).
(3)
(ص: 243).
(4)
(1/ 279، 404)، (2/ 139، 144)، (3/ 188، 198)، وَغَيْرُهَا.
(5)
(ص: 71).
عَبْد المُعِز بن مُحَمَّد الهَرَوَي "مَجْلِسًا مِنْ "مُختصر المُخْتَصَر الصَّحِيح" لابْنِ خُزَيْمَة".
وَقَدْ تَعَرَّضَتْ نُسَخُهُ للضَّيَاعِ وَالتَّلَفِ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ إِلَّا القَدْر المَسْمُوْع لِزَاهِر بن طَاهِر الشَّحَّامِي.
قَالَ العَلامَة شَرَفُ الدِّين أَبُو مُحَمَّد عَبْد المُؤْمِن بن خَلَفٍ الدِّمْيَاطِي (705 هـ) فِي مُقَدِّمَةِ كِتَابِهِ "المَتْجَر الرَّابِح"(1): "صَحِيحُ الإِمَام أَبِي بَكْر بْنِ خُزَيْمَة، لَمْ يَقَعْ لِي مِنْهُ إِلا الرُّبْع الأَوَّل".
وَقَالَ تَقِي الدِّين الفَاسِي فِي "ذَيْلِ التَّقْيِيد"(2): سَمِعَ مُحَمَّدُ بن أَحْمَد بن أَبِي الهَيْجَاء عَلَى الحَافِظ صَدْر الدِّين الحَسَن بن مُحَمَّد البَكْرِي الجُزْء الأَوَّل وَالثَّانِي مِنْ "مُخْتَصَر المُخْتَصَر مِنْ صَحِيْحِ ابْنِ خُزَيْمَة".
وَذَكَرَهُ الحَافِظُ العَلائِي المتوَفَّى سَنَة (761 هـ) فِي مَسْمُوْعَاتِهِ وَقَالَ: "كِتَابُ "الصَّحِيح" للإِمَامِ أَبِي بَكْرِ مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة، وَهُوَ المُسَمَّى بِالمُخْتَصَر"، أَخْبَرَنِي بِالقَدْرِ المَرْوِي لِزَاهِر الشَّحَّامِي، وَهُوَ قِطْعَةٌ كَبِيْرَةٌ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى أَوَائِلِ الحَجَّ خَلا مَوَاضِعَ مُفَرَّقَة مِنْهُ، وَذَلِكَ قَدْرُ مُجَلَّدٌ
…
".
وَقَالَ ابْنُ المُلَقِّنُ المُتَوَفَّى سَنَة (804 هـ) فِي مُقَدِّمَةِ كِتَابِهِ "البَدْر المُنِير"(3): "فَإِنِّي رَأَيْتُ قِطْعَةً مِنْ "صَحِيْحِ ابْنِ خُزَيْمَة" إِلَى كِتَابِ البُيُوْعِ".
(1)(ص: 10).
(2)
(1/ 84).
(3)
(1/ 430).
وَقَالَ الحافِظ المُتَوَفَّى سَنَة (852 هـ) فِي "المُعْجَم المُفَهْرَس"(1): "وَالمَسْمُوْعُ لَنَا مِنْهُ القَدْر الَّذِي حَصَلَ لِزَاهِرِ بن طَاهِر، مَسْمُوْعًا عَلَى عِدَّةِ شُيُوْخٍ، وَعُدِمَ سَائِرُهُ، وَقَدْ وَقَعَ لِي مِنْ هَذَا الكِتَابِ "الصَّحِيح" كِتَاب "التَّوْحِيد"، وَكِتَاب "التَّوَكُّل"، وَكِتَاب "القَسَامَة".
وَقَال فِي "المُعْجَم المَؤَسَّس"(2): "وَالمَوْجُوْدُ مَسْمُوْعًا مِنْ "صَحِيح الإِمَامِ أَبِي بَكْرِ بْنِ خُزَيْمَة".
وَقَدْ ذَكَرَ أَنَّ المَسْمُوْعَ لَهُ مِنْهُ مُجَزَّأٌ فِي سِتّةِ أَجْزَاء.
وَقَالَ فِي مُقَدِّمَةِ "إِتْحَاف المَهَرة"(3): "وَلَمْ أَقِفْ مِنْهُ إِلا عَلَى رُبْعِ العِبَادَاتِ بِكَمَالِهِ، وَمَوَاضِعَ مُفَرَّقَة مِنْ غَيْرِهِ".
وَقَالَ السَّخَاوِي: "إِنَّ صَحِيْحَ ابْنِ خُزَيْمَة عُدِمَ أَكْثرهُ"(4).
وَقَالَ ابْنُ فَهْدٍ المَكِّي: "صَحِيحُ ابْنِ خُزَيْمَة لَمْ يُوْجَدْ سِوَى قَدْر رُبْعه"(5).
وَمِنْ طَرِيْقِ زَاهِر بن طَاهِر الشَّحَّامِي رَوَاهُ الحَافِظِ الذَّهَبِي المُتَوَفَّى سَنَة (748 هـ)، وَقَدْ ذَكَرَ أَنَّ سَمَاعَهُ لَهُ كَانَ عَالِيًا، وَبِفَوْتٍ (6).
(1)(ص: 42).
(2)
(1/ 502).
(3)
(1/ 159).
(4)
فَتْح المُغِيْث (1/ 61).
(5)
لَحْظ الأَلحْاظ (ص: 333).
(6)
النُّبَلاء (14/ 367، 368، 382).
وَمنْ طَرِيْقهِ رَوَى "الجُزْء السَّادِس مِنْهُ"، مِنْ تَجْزِئَةِ الحَافِظ ضِيَاء الدِّين مُحَمَّد بن عَبْد الوَاحِد المَقْدَسِي، الحَافِظُ مُحَمَّد بن جَابِرٍ الوَادِي آشِي المُتَوَفَّى سَنَة (749 هـ) فِي "بَرْنَامَجِهِ"(1).
وَمنْ طَرِيْقِهِ رَوَاهُ مغْلَطَاي المُتَوَفَّى سَنَة (762 هـ) كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي "شَرْحِ سُنَن ابْنِ مَاجَة"(2).
وابْنُ المُحِبِّ الصَّامِتْ المُتَوَفَّى سَنَة (789 هـ) وسَمِعَهُ مِنْهُ أَبُو شَامَة مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن يُوْسُف الدِّمَشْقِي المتوَفَّي سَنَة (845 هـ)(3).
وَقَدْ سَمِعَ القِسْم المَوْجُوْد مِنْهُ مِنَ الحافظِ ابْنِ حَجَر رحمه الله جَمَاعَةٌ مِنْهُم:
العَلامَة أَبُو مُحَمَّد حُسَيْن بن حَسَن بن حُسَيْنِ بن عَلي الغَازِيُّ المُتَوَفَّى سَنَة (895 هـ)(4).
وَالعَلامَة أَحْمَد بن سُلَيْمَان بن نَصْرَ الله بن إِبْرَاهِيم البَلَقَاسِي المُتَوَفَّى سَنَة (852 هـ)(5).
وَقَدِ اشْتَهَرَتْ هَذِهِ القِطْعَةُ المُتَبَقِّيَةُ مِنْ "صَحِيْحِ ابْنِ خُزَيَمَة" عِنْد المُتَأَخِّرِيْنَ،
(1)(ص: 243).
(2)
(1/ 317، 346).
(3)
مُعْجَم الشُّيُوْخ لابْنِ فَهْد (ص: 394)، الضَّوْءُ اللامِع (10/ 29).
(4)
الضَّوْءُ اللامِع (3/ 143).
(5)
الضَّوْءُ اللامِع (1/ 310).
فاعْتَمَدُوَا عَلَيْهَا، وَأَكْثَرُوَا مِنَ النَّقْلِ مِنْهَا، وَالعَزْوِ إِلَيْهَا فِي مُصَنَّفَاتهِم، وَمِنْ هَؤُلاءِ:
الحَافِظُ المُنْذِرِي (1)، وَالإِمَام النَّوَوِي (2)، وَالحَافِظُ ابْنُ رَجَب (3)، وَالإِمَامُ ابْنُ دَقِيْقِ العِيْد (4)، وَالحافِظُ ابْنُ عَبْد الهَادِي (5)، وَالحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ (6)، وَابْنُ المُلَقِّنِ (7)، وَالحَافِظُ العِرَاقِيُّ (8)، وَالعَلامَة مُغْلَطَاي (9)، وَالحَافِظ ابْنُ حَجَرٍ (10)، وَالعَيْنِيُّ (11)، وَالسَّخَاوِيُّ (12)، وَالسُّيُوْطِيُّ (13)، وَغَيْرُهُم كَثِيْرٌ.
وَلَكْنْ سُرْعَانَ مَا خَفِيَتْ هَذه القِطْعَةُ وَنَدَرَى تَدَاوُلُهَا.
(1) أَكْثَرَ مِنَ العَزْوِ إِلَيْهِ فِي كِتَابِهِ التَّرْغِيْب وَالتَّرْهِيْب.
(2)
خُلاصَة الأَحْكَام (1/ 83، 164، 286، 291، 363، 404، 582).
(3)
فَتْح البَارِي (1/ 251، 284، 302، 339، 351)، وَغَيْر ذَلِكَ مِنَ المَوَاضِعِ الكَثِيرةِ.
(4)
الإِمَام (1/ 97)، (2/ 103، 135، 139).
(5)
تَنْقِيْح التَّحْقِيق (1/ 11، 93)، (3/ 96، 209)، (4/ 31/ كِتَاب: البُيُوع).
(6)
نَصْب الرَّايَة (1/ 7، 8، 16، 34، 84، 87، 117)، وَغَيْر ذَلِكَ مِنَ المَوَاضِعِ الكَثِيرةِ.
(7)
البَدْر المُنِير (1/ 315).
(8)
المُغْنِي عَنْ حَمْلِ الأَسْفَار (1/ 557، 663).
(9)
شَرْح سُنَن ابْنِ مَاجَة (1/ 130، 213، 357، 470)، وَغَيْرِهَا.
(10)
وَذَلِكَ فِي أَغْلَبِ كُتُبِهِ، وَأَكْثَرَ مِنَ العَزْوِ إِلَيْهِ فِي كِتَابِهِ بُلُوْغِ المَرَام، وَفَتْح البَارِي، وَالتَّلْخِيص الحَبِير.
(11)
شَرْح سُنَن أَبِي دَاوُد (1/ 258، 362، 397)، (2/ 242، 425، 453).
(12)
المَقَاصِد الحسَنَة (برقم: 64، 72، 131، 179).
(13)
أَكْثَرَ مِنَ العَزْوِ إِلَيْهِ فِي كِتَابِهِ الدُّر المَنْثُوْر، وَغَيْرِهِ مِنْ كُتُبِهِ، وَهُوَ أَحَدُ دَوَاوِيْنِ السُّنَّة الَّتِي اعْتَمَدَ عَلَيْهَا فِي كِتَابِهِ جَمْعَ الجَوَامِع.
قَالَ الشَّيْخُ عَبْد العَزِيز الديوبندي الفنجاني: "صَحِيحُ ابْنِ خُزَيْمَةَ مِنَ الكُتُبِ الَّتِي نَدَرَتْ، ثُمَّ افْتُقِدَتْ، فَلَمْ يُسْمَعْ لَهَا عَيْنٌ وَلا أَثَرٌ، إِلَّا مَا يُسْمَعُ فِي "مَكْتبَةِ لَيْدَن"، أَنَّ فِيْهَا مَجَلَّدَيْنِ مِنْ صَحِيْحِ ابْنِ خُزَيْمَة، وَلَمْ يَفُزْ بِهِ مِنَ المُحَدِّثِيْنَ إِلا شَرْذِمَةٌ قَلِيْلَةٌ، مِنْهُم البَيْهَقِي" اهـ (1).
وَقَالَ العَلامَة مُحَدِّث الدِّيَار المِصْرِيَّة أَحْمَد مُحَمَّد شَاكِر: "وَصَحِيْحُ ابْنِ خُزَيْمَةَ لَمْ نرَهُ قَطُّ، وَلا نَدْرِي لَعَلَّهُ يُوْجَدُ مِنْهُ نُسَخٌ مَخْطُوْطَة لَمْ تَصِلْ إِلَيْنَا، وَلَمْ يَصِلْ إِلَيْنَا خَبَرُهَا، وَعَسَى أَنْ يَجِدَهُ مَنْ يُعْنَى بِتَحْقِيْقِهِ وَنَشْرِهِ نَشْرًا عِلْمِيًّا صَحِيْحًا". اهـ (2).
وَلَكِنْ مِنْ نِعْمَةِ اللهِ عَلَيْنَا - وَنِعَمَهُ عَلَيْنَا كَثِيْرَةٌ - أَنْ حَفِظَ لَنَا هَذِهِ القِطْعَة المُتَبَقِّيَة مِنْهُ، فَظَلَّتْ حَبِيْسَةَ الخزائِنِ وَالرُّفُوْفِ، إِلَى أَنْ قَامَ د. مُحَمَّد مُصْطَفَى الأَعْظَمِي - حَفِظَهُ اللهُ تَعَالَى - بِزِيَارَةٍ للقُطْرِ الشَّقِيقِ تُرْكِيا، وَذَلِكَ سَنَةِ 1381 هـ، فَعَثَرَ فِيْهَا عَلَى هَذِهِ القِطْعَةِ الفَرِيْدَةِ، وَالدُّرَّةِ اليَتِيْمَةِ، وَذَلِكَ فِي مَكْتَبَةِ أَحْمَد الثَّالِث باسْتَنْبُوْل، فَعَمِلَ - جَزَاهُ الله خَيْرًا - عَلَى تَحْقِيْقِهَا وَإِخْرَاجِهَا، فَأَخْرَجَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَجْزَاءٍ، وَقَدْ حَازَ بِذَلِكَ قَصَبَ السَّبْقِ فِي إِخْرَاجِهِ لَهَا إِلَى عَالَمِ المَطْبُوْعَات.
قَالَ شَيْخُنَا فَضِيْلَةُ الدُّكْتُور أَحْمَد مِعْبَد عَبْد الكَرِيم - حَفِظَهُ الله تَعَالَى -: "وَمَنْ يَسْتَعْرِضُ فَهَارِس المَخْطُوْطَات العَالَمِيَّة الآن، لا يجَدُ مِنْ هَذَا الكِتَابِ إِلا مَا طُبِعَ، وَهُوَ الأَجْزَاءُ الأَرْبَعَةُ" اهـ (3).
(1) تَعْلِيْقُهُ عَلَى نَصْبِ الرَّايَة (1/ 134).
(2)
مُقَدِّمَة صَحِيح ابْنِ حِبَّان (ص: 14).
(3)
مُقَدِّمَته لـ صَحِيْحِ ابْنِ خُزَيمَة (ص: د).