الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَدَم أَخْذه الأُجْرَة على القَضَاء:
قال خالِد بن عَبْد العزيز: "كان عَفِيْفًا عن الأَمْوَال؛ لا يأَخُذُ على القَضَاء دِرْهَمًا، وكان يَطْلب الأَمْوال التي في أَيدي النَّاس مِن الوُقُوْف والصَّدقات، حتى جَعَل لمن دَلّه على شَيء من ذلك عُشْر العُشر، فأخبر عن مال عَبْد الوهاب بن عَبْد المَجِيد، فأرسل إليه فسأله عنه، فأَقَرّ له به، وقال: هَو مِن وقوف في يدي. فأمر بتثبيت الوقوف، فأحيا الوقوف بما أمر به في تثبيتها، وحمد ذلك منه".
وقال عَبْد الوَاحد بن عَتَّاب: "باع أَرْضًا له فأَنْفَق ثَمَنَها في أَيام ولايته".
عزله عن القضَاء:
قال وَكِيع في "أَخْبَار القُضَاة": أخبرني عَبْد الله بن الحَسَن، عن النُمَيْري، قال: سمعت مُحَمَّد بن عَبْد الله الأنصَارِي، وخَلاد بن يَزِيد، وعَبْد الرَّحْمَن بن عَفَّان بن الرَّبِيع، يحدِّث عن أَبِيه، ومُحَمَّد بن عَبْد الله بن حَمَّاد، ومن لا أحصي يُخْبِرُون خَبَر خالد بن طُلَيْق، وخَبَر الوَفْد الَّذين خَرَجُوا في أَمْرِه، ولا أخلص حَدِيث بعضهم من بعض: إنَّ أَخْبار خالِد، وعَجَائبه انتهت إلى المَهْدِي، وكان مُحَمَّد بن سُلَيْمان لا يألو ما أنهي ذلك إليه، وكان عَبْد الله بن مالك يقوم بأمره للجراية عنه، وخرج مُحَمَّد إلى المَهْدِي في بعض خرجاته، فأكب على المَهْدِي يسأله عَزله، حتى أجابه إلى ذلك، فقدم مُحَمَّد البَصْرَة ووجده جالسًا في المسجد للحكم، قال ابن حَمَّاد: وحدثني مَحْبُوب بن هِلال، صاحب الدِّيْوَان، قال: قال لي مُحَمَّد: ائت خالِدًا فانهه عن الجلوس؛ فقد عَزله أَمِير المُؤمنين! قال: فأتيته فأبلغته ذلك عن مُحَمَّد، فقال: أمعه رسالة؟ قال: فأتيت مُحَمَّدًا، فأخبرته، فقال: لهفي على قاضي كذا، أنا أحمل إليه رسالة؟ ! ، أيا عمير، انطلق حتى تسحب برجله من
المسجد. فسبق الخبر إليه عميرًا، فدخل داره ثم خرج مُغْضَبًا إلى المَهْدِي، فوجه مُحَمَّد في أثره عُثْمَان بن الرَّبِيع الثَّقَفِي، وإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الخَطَّابِي، ومُحَمَّد بن عَبْد الله الأَنْصَارِي، ويُوْسُف بن خالِد السَّمتي، ويَزِيْد بن عَوَانة الكَلْبي، وعِيْسَى بن حاضِر البَاهِلي، وقد كان أمرهم قبل خروجهم أن يسمعوا من كل من شكا أو شهد عَلَيه بشيء.
وقال بعضهم: إن المَهْدِي أمر مُحَمَّدًا بذلك. فجمعوا ذلك كله في كتاب ثم خرجوا فركب كل رجلين عنهم في سَفِيْنة، فكان الخَطَّابِي وعِيْسَى بن حاضِر في سَفِيْنَة، والأنصاري وَيزِيْد بن عَوَانة في سَفِيْنَة، وعُثْمَان بن أَبِي الرَّبِيع، ويُوْسُف بن خالِد في سَفِيْنَة، وخرجوا من البَصْرَة ليلًا لِكَثْرَة النَّاس؛ حتى انتهوا إلى بَغْداد، قال بعضهم: وقد كان خالد رُدَّ على عمله، فلمَّا بلغه سَيْرُهم إلى بَغْدَاد قال: لا أبرح حتى أفضحهم فأقام.
وقال بعضهم: لم يرد على عمله، وأمر بالمقام حتى يجمع بينهم.
قال حَمَّاد: فَحَدَّثَنِي أبُو يعقوب الخَطَّابِي قال: قال: لي مُحَمَّد بن سُلَيْمان: قد أَعْياني الأَنْصَارِي إن بحثت إلى المُعْوَنة على خالِد، قلت له: أَطْمعه في القَضَاء! فأطمعه، فكان أَشَدّنا عَلَيه.
قالوا: فَصِرْنا إلى باب المَهْدِي، فلم نَصل في أَول يوم، فَعُدْنا من الغَد، فَجَلَس لنا ودخلنا عَلَيه بُكْرة فلم نَزل بين يديه إلى قَرِيب من الظُّهْر.
فكان أَوّل من تكلم الخَطَّابِي، فأثنى على أَمِير المُؤمِنين، ثم ذكر خالِدًا، وكان خالِد قد ساء بَصَره، وكان تائهًا مُستكبرًا، فقال: من المتكَلّم؟ فقيل له: إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الخَطَّابِي. قال: إن هذا قدم عَلَينا من الجزِيْرَة طارئًا مُخْتلّا،
فولي قَسْم مال فاختار أكثره، وبنى داره بحضرة المَسْجِد فحمل على طريق المُسْلِمين، وأدخل في داره منه أَذْرعًا منه، فَهَدَمْتُ عَلَيه داره، وردت في طريق المُسْلِمين ما أخذ منه.
فتكّلم عُثْمَان بن أَبِي الرَّبِيع، فقال: مَنْ هذا؟ قِيل: عُثْمَان بن أَبِي الرَّبِيع. فقال: ليس هذا من مجالسي هذا يا أَمِير المُؤمنين، هذا صاحب سَخَط، ولهو وباطل، هذا قيض على هِر حمار بدرهم! فقال المَهْدِي: دعوا الفُحْش، واقصدوا لما جِئْتُم له! فقال عُثْمَان: يا أَمِير المُؤمِنِين، ألي يقال هذا؟ ! فإذا لم يكن هذا من مجالسي، من يكون؟ فوالله إني لعالم وإنه لجاهل، وسَتَرى مِصْداق ما أقول يا أَمِير المُؤمِنين! فلنبحث في رجل ترك ثلاث بَنات، وَأَوْصى بمثل نَصِيْب إِحْداهن. فَسَكَت، فقال المَهْدِي: أَجِب! فقال: لم أجيبه يا أَمِير المُؤمنين، وما يصلح هذا؛ إنّما بحسبه الذِّرَاع، فتبسّم المَهْدِي، وعَلِم أن لا علم له.
فقال الأنْصَارِي: يا أَمِير المُؤمِنين، وما يصلح هذا لولاية سُوْق من الأَسْوَاق!
فقال السّمني: صَدق يا أَمِير المُؤمنين، ما أعلمه يصلح لسُوْق من الأَسْوَاق.
فقال خالِد: يا أَمِير المُؤمنين، أما الأَنْصَارِي فَرَجل حَقُوْد، كان يَتَولّى وقفًا من وقوف أهله، فكان سيئ الأَثر فيه، فإذا فأدخلت معه رجلًا فَحَسن أَثر الرَّجل. فَحَقَد ذلك.
وأما ذاك فَيُدّعى السمني ولكنه السبتي يَحْلِق شارِبه، ويبيع الكَنَائس والبِيَع، ويخاصم اليَهُوْد والنَّصَارى.
فقال يُوْسُف، نعم، إني لأخاصمهم فأرد كَثِيْرًا عن ضلالهم وكفرهم! فقال
له المَهْدِي: ولم تَحْلِق شاربك؟ قال السُّنّة يا أَمِير المُؤمنين. قال: ليست بالسَّنة، ولو كان السّنة كُنَّا أَعْلَم بها: حدثني أَبِي، عن جَدِّي، عن ابن عَبَّاس قال:"إحفاء الشَّارِب الأَخْذ مِنْه على أطرته".
ولم يَكُن في القوم أحد أشد عَلَيه من عُثْمَان بن أَبِي الرَّبِيع؛ لأنَّه كان يُظْهِر جَهْلَه، وقال: يا أَمِير المؤمنين، إن هذا سأله سائل عن اسم أم النَّبِي صلى الله عليه وسلم فلم يَدْر ما اسمها، فكتب له بعض من يعني به في الأرض: آمنة. فقال: أمية، فَصَحّف في اسمها.
فلما كَثُر كلام القوم قال لهم عَبْد الله بن مالِك وهو قائم على رأس المَهْدِي: قد غَمَمْتم أَمِير المؤمنين بغلوطكم؛ فَكُفّوا واسكتوا!
فَنَظر أَمِير المُؤمنين إلى عِيْسَى بن حاضِر وكان صامتًا لا يتكلم بشيء، فَظنَّ عِيْسَى أنه يستطعمه الكلام، فقال: ادن إن أَمِير المؤمنين، أَذِن فدَنا حتى قَرُب منه، فقال يا أَمِير المُؤمنين اصطنعته وشَرَّفْتَه ورفعته؛ فإن رأيت أن تستره فافعل. فقال: نعم أَسْتره وأَصُوْنه، وقام عِيْسَى إلى مَجْلِسه، وقال: يا أَمِير المؤمنين إني خَلَفت رجلًا مَرِيْضًا دنفًا، فإنْ رَأى أَمِير المُؤمنين أنْ يأذن لي فَعَل. قال: قد أَذِنْت لكم جميعًا. وأمر لكل رجل منهم بثمانية ألف درهم. وقال بعضهم: اخرجوا. وقد أقام صاحب الشرط الصَّلاة للظهر، فتقدم إليه خالِد فصلى ركعتين، وقال: أَتِمّوا الصَّلاة فإنَّا سفْرٌ، ويقال: لقد قال: وهو في المَجْلِس وهم يختصمون من هاهنا، كأنه يريد أن يأمر ببعض خاصته، قال: فكان المَهْدِي يقول: ندمت ألا أن أقول: أنا هاهنا، فما تأمر؟ وقال: بعضهم: خرجوا مَرْعُوْبِيْن لم يتبين لهم في أمر خالِد شيء. فذهبوا.
فَخَرج عَلَيهم المُعَلى، فقالوا له: هل ظَهَر لك رأي أَمِير المُؤمنين في صاحبنا، فقال: أنتم عيون أهل مِصْرِكم، تسألونني عن أمر سره أَمِير المُؤمنين عنكم ليخبركم بسره؟ ! ثم خرج عَلِيهم لَيْث أخ المُعَلى فسألوه فقال: مثل ذلك، ثم خرج عَلِيهم الفَضْل بن الرَبِيع، فقاموا إليه فبدأهم فقال: قد عَزَله أَمِير المُؤمنين عنكم، فاختاروا رجلًا نُوَلّيه عَلِيكم، فقال له السَّمّني: إن قام هذا أشرت. يعني: الأَنْصَارِي، قال يُوْسُف: هذا عَفِيْف شَرِيف فَقِيه. فقال عُثْمَان بن أَبِي الرَّبِيع: صدَق، هو كما قال، ولكنَّه لم يُصبْ في المَشُوْرَة به، هذا رجل يأتم بأَبِي حَنِيفَة ويَمِيل إلى رأيه، ولنا في بلدنا أَحْكام يُبْطِلها أبُو حَنِيفَة لا يصلحنا غيرها، فإن حَكَم فِيْنا بغير أحكامنا بَطَلَت، وذَهَبَتْ أَمْوَالنا، كاله يذهب إلى الوقوف، وانْصَرفوا عن الأَنْصَارِي، وولى المَهْدِي عُمَر بن عُثْمَان التَّيْمِي ويقال: إن خالِدًا أنشد يومئذ بين يدي المَهْدِي:
إذا القُرَشِي لم يَضْرِب بِسَهْمٍ
…
خُزَاعِي فَلَيْس مِنَ الصَّمِيم
فَهَّم به المَهْدِي، ثم أَضْرب عنه وتمثل:
إِذا كُنْتَ في أَرْضٍ وَحَاوَلْتَ غَيْرَها
…
فَدَعْهَا وَفِيْهَا إنْ أَرَدْتَ مَعَاد
وقال مُحَمَّد بن مناذر في الَّذي كان بَيْن يَدي المَهْدِي:
لمَّا التَقوا عِنْد إِمَام الهُدَى
…
أُفْحِم بَيْن السِّتَة الوَافْد
وَصَار كَالكَرْكِي لمَّا انْبَرَت
…
لَه غُزَاة كُلّها صَائد
يأَخُذه ذا مَرَّة ثُمّ ذا
…
كأَخْذِ عَبْدٍ آبقٍ فَاسِد
بَارَاه مِنْهم حَلِيْف التقى
…
ذو الارب والأكرومة الماجد
أَعْنِي أبا يَعْقُوب أَهْل الحِجَا
…
نَعمْ لَعَمْرِي الكَهْل والوَافد
ثم انبرى عُثْمَان في قوله
…
ذاك الأَدِيْب السّيِّد الرَّاشد
فقال يا خالِد ماذا تَرَى
…
في مَيّت يَفْقِده الفاقد
خلى بنات كلهم عالة
…
يرحمهن الصادر الوارد
وقال: أعطوا ذا الفتى مثل ما
…
يأخذ بنت إن مضى الوالد
قال: أخو الأَنْصَار هذا الَّذي
…
تاه وما أرشده الراشد
قال له: عِيْسَى وما إن أسا
…
لا يكذبن أصحابك الرائد
استره يا خير بني هاشم
…
سرك ربي الصمد الواحد
فقال: إني عازل خالِدًا
…
إن لم يكن منكم له حامد
ودخل مُعَاذ بن مُعَاذ المَسْجِد، وهو يومئذٍ قاض، فرَأَى خالِدًا جَالِسًا، قد كفّ بصره، فَعَدل إليه وسَلّم، وقال: كَيْف صَبّحت، يا أبا الَهَيْثَم؟ فَعَرف صَوْته، فقال: مُعَاذ؟ قال: نعم. قال: اشدد يدك بالأوصياء؛ فإنهم أكلة أَمْوال اليَتَامَى! فَعَجِب مُعَاذ مِن تَيْهه وكِبْره، وقال: لا سَلّمْتُ عَلى هذا أبدًا".
قالوا: غلب عَلَيه ابناه عمران وطليق، فقال ابن مناذر:
ليت شعري أي البلية قاضيا
…
نا أعمران أم أخوه طليق
أم أَبُوهم أبُو المجانين أم كلـ
…
لديه من القضاء فريق
فترى الحكم عند آل طليق
…
مستكينًا كأنه مسروق
وقال:
أصبح الحاكم بالنَّا
…
س من آل طليق
ضحكة يحكم في الناس
…
بحكم الجاثليق
يدع القصد ويهوى
…
في ثنيات الطريق
أي قاض أنت للنقض
…
وتعطيل الحقوق
أبدل الدهر وما
…
الدهر عَلِينا بشفيق
من عُبَيْد الله ذي الأيدي
…
وذي الرأي الرشيق
حكما يخلط في المجلس
…
من عي وموق
يا أبا الهَيْثَم ما كنت
…
لهذا بخليق
لا ولا أنت لما حملت
…
منه بمطيق
أنت في المجلس كالكركي
…
ذي الرأس الخفوق
عَدَد مَرْوِيَّاتِهِ:
أَخْرَج له ابن خُزَيْمَة حَدِيثًا وَاحِدًا عن عِمْرَان بن حُصَيْن رضي الله عنه (1).
قلت: [ضَعِيفٌ، وُلّي القَضَاء، فَلَم يُحْمَد].
مَصَادِر تَرْجَمَتِه:
"نَسَب مَعْد واليَمَن الكَبِير"(2/ 447)، "تارِيخ خَلِيفَة بن خَيَّاط" (ص: 289، 291)، "التَّارِيخ الكَبِير"(3/ 157)، "أَخْبَار القُضَاة" (ص: 312)، "تارِيخ الأُمَم والمُلُوْك"(8/ 154)، "الجَرْح والتَّعْدِيل"(3/ 337)،
(1) كِتَاب التَّوْحِيد (برقم: 164)، إِتْحَاف المَهَرَة (12/ 34/ 15032). تُوْبع مُتَابَعَةً قَاصِرَةً في شَيْخِ شَيْخِهِ هُوَ جَدُّهُ عِمَران بن حُصَيْن. أَخْرَجَهُ التِّرْمذِيُّ في سُنَنَه (برقم: 3483) مُختصَرًا. وَالحدِيثُ أَخْرَجَهُ لَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي بَابِ الشَّوَاهِد وَالمتَابَعَات.
"الثِّقَات"(6/ 258)، "تَرْتِيْبُهُ" للهَيْثَمِي (ج 1/ ق: 114/ أ)، "الضُّعَفَاء والمَتْرُوكِين" للدَّارَقُطْنِي (برقم: 252)، "الفِهْرِسْت" (ص: 187)، "المُنْتَظَم"(8/ 281)، "الضُّعَفَاء" لابن الجَوْزِي (1/ 246)، "المِيزَان"(1/ 633)، "المُغْنِي"(1/ 297)، "دِيْوَان الضُّعَفَاء" (برقم: 1222)، "اللِّسَان"(3/ 325)، الثِّقَات" لابن قُطْلُوْبُغَا (4/ 109).
* * *