الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غالبين. وهم أول طائفة من الجيش تشهد الوقعة، وقيل: بل صاحب الشرطة في حرب بعينها"1.
وقد كان لملوك الحيرة سجون يسجنون بها من يتجاسر عليهم ومن يخالف أمرهم ويعارضهم ويخرج على العرف. ومن سجونهم "الصنّين". وفيه سجن "عديّ بن زيد العبادي". وقد ذكر أنه كان موضعًا بظاهر الكوفة2. وذكر بعضهم أنه بلد، ذكره الشاعر بقوله:
ليتَ شعري متى تَخِبّ بي النا
…
قة بين العُذَيْب فالصِنّين
ولم يعين موضعه3. ويظهر أنه لم يكن بعيدًا عن الحيرة. ولعله كان حصنًا حصينًا منعزلًا عن الناس، به حرس كثيرون يحرسونه، لهذا اتخذ سجنًا ومحبسًا.
ويظهر من شعر لعدي بن زيد العبادي، أن ملوك الحيرة، كانوا قد نظموا لهم حرسًا يحرسونهم ويحرسون مؤسسات الحكومة المهمة مثل "السجون"، والأشخاص المسئولون عن الأمن والأخبار، ليرسلوا ما قد يحدث من أمور إلى الملوك والحكام.
وقد عرف "العسس" عند الجاهليين أيضًا، وهم المسئولون عن حفظ الناس من أهل الريبة والكشف عنهم. والعُس: نفض الليل عن أهل الريبة. وكان الخليفة "عمر" يعس بالمدينة، أي: يطوف بالليل يحرس الناس ويكشف أهل الريبة4.
1 اللسان "4/ 330"، "صادر"، شرط".
2 الأغاني "2/ 115".
3 اللسان "صنن"، "13/ 250".
4 اللسان "6/ 139"، "عسس"، تاج العروس "4/ 190"، "عس".
البريد:
وقد عرف "البريد" بين الجاهليين. ويذكر علماء اللغة أن اللفظة من الألفاظ المعربة عن الفارسية، وأن أصلها "بريده دم"، أي: محذوف الذنب، لأن بغال البريد كانت محذوفة الأذناب كالعلامة لها، ثم سُمي الرسول الذي يركبه
بريدًا، والمسافة التي بين السكتين بريدًا. والسكة موضع كان يسكنه "الفُيُوج" المرتبون من بيت أو قبة أو رباط، وكان يرتب في كل سكة بغال، وبعد ما بين السكتين فرسخان، وقيل: أربعة1. فالبريد إذن بمعنى رسول، وموضع البريد، والشيء الذي يرسل مع البريد، أي: الرسول حامل البريد، ودابة البريد.
قال الشاعر:
إني أنصُّ العيس حتى كأنني
…
عليها بأجواز الفلاة بريدا2
ومن أعمال صاحب البريد إرسال الأخبار إلى من عينهم في هذا المنصب، فهم موظفون مخبرون، من أعمالهم إطلاع كبار الموظفين والأمراء والملوك على الأحوال العامة للمكان الذي يقع في ضمن عملهم واختصاصهم، وأخبار الجهات المسئولة عن الأعمال المشبوهة التي قد تدبر ضد الدولة، وعن تصرفات كبار الموظفين، خشية انفرادهم في الحكم وإعلانهم العصيان على الدولة.
ونسب "الجاحظ" إلى "امرئ القيس" قوله:
ونادمت قيصر في ملكه
…
فأوجهني وركبت البريدا
إذا ما ازدحمنا على سكة
…
سبقت الفرانق سبقًا بعيدا3
وقد نسب غيره إلى "امرئ القيس" أيضًا قوله:
على كل مقصوص الذنابي معاودٍ
…
بريد الشُرى بالليل من خيل بربرا4
ومعنى هذا -إن صح بالطبع- أن الشعر المذكور هو لامرئ القيس حقًّا، أنه عرف البريد واستعمله، وقد رأى خيل البريد. وهي تقص ذنابها ليكون ذلك علامة على أنها من خيل البريد.
وقد أشير إلى البريد في الحديث: جاء "لا تقصر الصلاة في أقل من أربعة
1 اللسان "3/ 86 وما بعدها"، "صادر"، "برد".
2 اللسان "3/ 86"، "صادر"، "برد".
3 الشعر والشعراء "67"، ديوان امرئ القيس "262"، كتاب البغال، من رسائل الجاحظ "2/ 275، 291".
4 الكامل، للمبرد "1/ 286"، اللسان "3/ 86"، "صادر""برد".
برد"، وهي ستة عشر فرسخا، والفرسخ ثلاثة أميال، والميل أربعة آلاف ذراع. وورد في الحديث أيضًا "لا أخيس بالعهد ولا أحبس البُرد"، أي: لا أحبس الرسل الواردين عليّ1. وورد إذا أبردتم إلي بريدًا فاجعلوه حسن الوجه حسن الاسم. وعرفت الطرق التي يسير بها رسل البريد بـ"سكك البريد".
كل سكة منها اثني عشر ميلًا2.
وقد أشير إلى البريد في شعر إلى "ورقة بن نوفل"، يقال: إنه قاله حينما مات "عثمان بن الحويرث" عند "ابن جفنة الغساني"، فاتهمت بنو أسد "ابن جفنة" بقتله3. وعرف "أبو قيس" بـ"راكب البريد"4.
وتحدث "الجاحظ" عن "البريد" في أيام الساسانيين، فقال:"وكانت البُرد منظمة إلى كسرى، من أقصى بلاد اليمن إلى بابه، أيام وهرز، وأيام قتل مسروق عظيم الحبشة"5. "وكذلك كانت برد كسرى إلى الحيرة: إلى النعمان وإلى آبائه. وكذلك كانت برده إلى البحرين: إلى المكعبر مرزبان الزارة، وإلى مشكاب، وإلى المنذر بن ساوى، وكذلك كانت برده إلى عمان، وإلى الجلندي بن المستكبر.
فكانت بادية العرب وحاضرتها مغمورتين ببرده، إلا ما كان من ناحية الشام؛ فإن تلك الناحية من مملكة خثعم وغسان الروم، إلا أيام غلبت فارس على الروم، ولذلك صرنا نرى النواويس بالشامات إلى القسطنطينية.
وهل كانت برد كسرى إلى وهرز، وباذام، وفيروز بن الديلمي والي اليمن، وإلى المكعبر مرزبان الزارة، وإلى النعمان بالحيرة، إلا البغال؟ وهل وجدوا شيئًا لذلك أصلح منها"6.
فالبغال هي وسيلة نقل البريد في ذلك الوقت. تتوقف في محطات البريد لتبدل البغال التعبة ببغال أخرى، وليبدل حملة البريد كذلك. وهكذا إلى آخر محطة.
فهي سكك تمتد مسافات طويلة. ولما كان من الصعب على البغل اختراق الصحارى
1 اللسان "3/ 86"، "صادر"، "برد".
2 اللسان "3/ 86".
3
ركب البريد مخاطرًا عن نفسه
…
ميت المظنة للبريد المقصد
نسب قريش "210".
4 نسب قريش "261".
5 من رسائل الجاحظ، كتاب البغال "2/ 290".
6 من رسائل الجاحظ، كتاب البغال "2/ 291 وما بعدها".
ذات الرمال البعيدة الغور والتي تقل فيها المياه، لزم أن تكون طريق البريد ممتدة في الأرضين التي يكثر وجود الماء فيها، وتتوفر فيها الآبار، وفي مواضع مأمونة قليلة الرمال.
ويظهر أن الجاهليين قد أخذوا نظم بريدهم من الفرس، وأن ملوك الحيرة وغيرهم استخدموها في إدارتهم لدولتهم، بدليل ما يذكره علماء اللغة من أن لفظة "البريد" كلمة فارسية عربت فصارت على هذا النحو. وأصلها "بريدة دم"، أي: محذوف الذنب؛ لأن بغال البريد كانت محذوفة الأذناب كالعلامة لها، فأعربت وخففت، ثم سُمي الرسول الذي يركبه بريدًا. والمسافة التي بين السكتين بريدًا، والسكة موضع كان يسكنه الفيوج المرتبون من بيت أو قبة أو رباط، وكان يرتب في كل سكة بغال، وبعد ما بين السكتين فرسخان، وقيل: أربعة1 ولعل ما ورد في شعر امرئ القيس من "على كل مقوص الذنابي"، إشارة إلى تفسير كلمة "بريده دم".
وقد ذكر علماء اللغة أن "الفيج" رسول السلطان على رجله، فارسي معرب.
وقيل: هو الذي يسعى بالكتب. والجمع "فيوج". وأشاروا إلى ورودها في شعر لعدي بن زيد، زعموا أنه قاله هو:
أم كيف جزتَ فيوجًا حولهم حرسٌ
…
ومريضًا بابه بالشك صُرّار
قيل: الفيوج الذين يدخلون السجن ويخرجون يحرسون2.
ويظهر أنهم فرقوا هنا بين "البريد"، أي: الرسول الراكب، الذي ينقل البريد إلى مسافات، وبين "الفيج" الرسول الذي يسير على رجليه، وهو لا يمكن بالطبع أن يقطع أميالًا كثيرة. فهو بريد محلي، ينقل الأخبار إلى مسافات غير بعيدة. وقد يكون مخبرًا، ينقل ما يحدث ويقع بسرعة إلى المراجع العالية.
فالفيوج، لصوص الأخبار وبريد ماش ينقل الكتب إلى الجهات المختصة في الوقت نفسه. ويظهر من شعر "عدي" المذكور، أن "الفيوج" كانوا يقفون للناس بالمرصاد، يراقبون الحركات ويدرسون السكنات حولهم حرس منتبه،
1 اللسان "3/ 86"، "برد"، تاج العروس "2/ 298".
2 اللسان "2/ 350"، "فيح".