الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"شبم أقين"، ومن كتابات أخرى عثر عليها في "عمران" من "مرثد" من قبيلة "بكيل"1.
وقد كان الأقيان طبقة خاصة من طبقات أهل الحظوة والنفوذ "الأرستقراطية" في الدولة وفي المجتمع، لها رأي مسموع بين الناس وكلمة نافذة عند الملك.
وهم من جماعة أصحاب الأملاك والإقطاع، قد يعطون أرضهم لغيرهم لاستغلالها مقابل أجر "اثوبت"، أي: كراء. وقد يستغلون أرضهم بأنفسهم، بتشغيل فلاحيهم وخدمهم ورقيقهم بها، فيكون حاصلها لهم، لا ينازعهم فيه منازع.
1 Handbuch، I، S. 132، Hartmann، Arab. Frage، S. 231.
Rhodokanakis، Stud، I، S. 149، Halevy 147، Hommel، Grundriss، S. 687
الأقيال:
والأقيال هم طبقة من كبار الإقطاعيين من أصحاب الأرضين الواسعة، ومن رؤساء القبائل كذلك والسادات الكبار. وكانوا يتمتعون بسلطان واسع، ويقال للواحد منهم:"قول" في المسند، و"قيل" في عربيتنا. والجمع "أقول"، أي: أقيال.
وقد جاء في كتابات المسند ذكر أقيال عديدين، مثل أقيال "سمعي"، وأقيال "بكيل" من "آل مرثد". وقد كان على مدينة "صرواح" حاكم درجته درجة قيل. وورد ذكر "أقيال حمير" في "حصن غراب"، وذكر الأقيال في نص "أبرهة"، كما ورد في نصوص عديدة أخرى.
و"القول" في الأصل المتحدث باسم قوم أو جماعة من فروع قبيلة. كأن يكون رئيس حيّ أو عشيرة أو ما شاكل ذلك من القبيلة، ثم توسع تفوذه وازداد شأنه حتى صار في منزلة "كبر" كبير، بل حل محله. وعند ظهور الإسلام، كان للأقيال النفوذ الأوسع في العربية الجنوبية، حتى حكموا المخاليف، كالذي يظهر لنا بجلاء من وصف أهل الأخبار لنظام الحكم في اليمن عند ظهور الإسلام1.
وقد لقب أكثرهم نفسه بلقب "ملك"، مع أنه دون الملك في الحكم وفي امتلاك
1 Grohmann، S. 130
الأرض بكثير. بل كان حكم بعضهم أقل من حكم سيد قبيلة.
وذكر علماء اللغة أن "المقول": المقيل بلغة أهل اليمن، وهو دون الملك الأعلى، والجمع "أقوال" و"أقيال". وذكر بعضهم: أن القيل هو الملك النافذ القول والأمر، وقيل: الأقيال، ملوك اليمن دون الملك الأعظم، واحدهم قيل، يكون ملكًا على قومه ومخلافه ومحجره. وقد سمي قيلًا لأنه إذا قال قولًا نفذ قوله. وعرف أنه الملك من ملوك حمير يقول ما شاء. وقد كتب الرسول إلى "وائل بن حجر" ولقومه:"من محمد رسول الله إلى الأقوال العبَاهلة -وفي رواية- إلى الأقيال العباهلة"1.
وذكر علماء اللغة أن العبَاهلة، هم الذين أقروا على ملكهم لا يزالون عنه، وعباهلة اليمن ملوكهم الذين أقروا على ملكهم2.
ووردت في النصوص السبئية لفظة "قبت"، يظن أنها بمعنى "نائب الملك""نائب ملك"3.
وجاء في بعض النصوص المعينية ذكر منصب، عنوانه "حفيه نفس""ح ف ي هـ ن ف س""حفي نفس"4 "حافي نفس"، يظهر أن صاحبه كان مكلفًا أن يعمل أعمالًا خاصة، مثل النظر في شئون الماء، أي: في توزيعه، وفي الخصومات التي قد تقوض أجله، ومثل القيام بالإشراف على الأبنية والأعمال العامة وافتتاحها باسم الملك5.
ويظهر من بعض النصوص المعينية أيضًا أنه كان يعاون هذا الموظف القضائي موظفان، وضعا تحت إمرته، يقال لمنصبهما:"ربقهي معن"6، ربما كان بمثابة كاتبين عنده.
ويظهر أن حكومة "مَعين" كانت قد كلفت جماعة أخرى النظر في شئون الري عرفت بـ"أهل طبنتم" وبـ"اطبنو"7. وإذا علمنا ما للمياه من شأن
1 اللسان "11/ 575 وما بعدها"، الاشتقاق "282".
2 اللسان "11/ 422"، تاج العروس "8/ 4""عبهل".
3 Mahram، P. 120
4 Rep. EPIGR. 2813، 2829، 3562
5 Grohmann، S. 131
6 Rep. EPIGR. 3310، Grohmann، S. 131
7 Halby 174، 520، 521، Grohmann، s. 131، J. Ryckmans، L'Inst. 23
في بلاد العرب، عرفنا السبب الذي جعل ملوك "معين" يعتنون عناية خاصة بشئون الري حتى جعلوا لها موظفين خاصين واجبهم رعاية هذه الشئون1.
ويرد في الكتابات ذكر منصب، يقال له:"مقتوي"، والجمع "مقتت"2.
ويعبر عنه بـ"مقتوي ملكن"، أي:"مقتوي الملك". ويظن بعض الباحثين أن المقتوي، أو "مقتوي الملك"، هو ضابط كبير، أو هو تعبير عن قائد أو مشاور عسكري، اختصاصه تقديم الرأي إلى الملك في الأمور الحربية وقيادته للجيش3، فهو معتمد الملك في هذه الأمور. وقد تؤدي اللفظة معنى "أمير" في العرف الإسلامي في صدر الإسلام. وهو من تسند إليه قيادة الجيش وإدارة الإدارة التي توكل إليه وتحدد له حدود "جنده".
وقد أظهرت نصوص المسند وجود "مقتوت" أيضًا، أي: نساء مقتويات.
وقد فسرها الباحثون بـ"كاهنة"4.
وعرف من يقوم بإدارة وحدة من الوحدات الإدارية بـ"سمخض" ومعناها "مدير"، فيكون المعنى: مدير أرض، ويكون واجبه الإشراف على الأرض التي وُكِلَ أمر إدارتها إليه، فواجبه إذن هو واجب سياسي وإداري، وأما وظيفته، فيقال لها:"سمخضت أرض"، أو "سمخضت""سمخضة"، ومعناها: إدارة أرض، أو "إدارة".
ويعني مصطلح "أمنهت""أمنها""أهل أمنهتن" المعيني، منصبًا دينيًّا مختصًّا بالإشراف على معامل المعابد، تتولاه امرأة، ويقابل "امنت ذ عثتر""امنت ذي عثتر" في القتبانية. وقد ورد معه مصطلح "منوت""منوات" في بعض الكتابات5.
ومن الوظائف وظيفة "ملوطن ملك""ملوطن"، وقد تعني وظيفة إدارية تنظر في شئون أملاك الملك. وقد ورد ذكرها في النصوص السبئية المتأخرة6.
1 Handbuch I، S. 87، 92، 133
2 Grohmann، s. 131
3 Grohmann، S. 131، CIH 450، Rep. EPIGR. 4861، 4876، 4892
4 Nami 4، glaser A. 778، Grohmann، s. 131
5 Arabien، S. 131، rhodokanakis، Stud. I، S. 62، Rep. EPIGR. 2912
6 Philby 124، Grohmann، S. 131، Rep. EPIGR 3951
وأما مصطلح "أذن قني" الذي ورد في أحد النصوص: "أذن قني ملك حضرمت"، "أذن قنى ملك حضرموت"1 فقد يعني: المأذون بإدارة مقتنيات ملك حضرموت، أي: وظيفة الإشراف على أملاك الملك وأمواله.
وأما "حشرو"، فقد تعني: جماعة واجبهم جمع الحشر للدولة2. وقد يكون لهذه اللفظة علاقة مع ما ورد في الموارد الإسلامية عن "الحشر" و"الحشور".
فقد جاء في الحديث: "إن وفد ثقيف اشترطوا أن لا يعشرو ولا يحشروا"، "أي: لا يندبون إلى المغازي ولا تضرب عليهم البعوث، وقيل: لا يحشرون إلى عامل الزكاة ليأخذ صدقة أموالهم، بل يأخذها في أماكنهم، ومنه حديث صلح أهل نجران: على أن لا يحشروا، وحديث النساء: لا يعشرون ولا يحشرون يعني: للغزاة، فإن الغزو لا يجب عليهن"3. فالحشر إذن قد يكون موظفًا خصص بجباية الضرائب، أو بجمع الحشور، أي: الناس الذين يحشرون ويجمعون للحروب أو للقيام بأعمال إجبارية، فهم مثل "السخرة" الذين يجمعون جمعًا لأداء أعمال من غير أجر. وهو "الحاشر" في لغتنا.
وأما الذي يتولى جباة الضرائب والإشراف على الموظفين الذين توكل أعمال الجباية إليهم، فيقال له:"نحل" ويقال لوظيفته "نحلت"4. ويذكر علماء اللغة أن "النحلة" بمعنى العطية، وأن النحل إعطاؤك الإنسان شيئًا بلا استعاضة، وعمّ به بعضهم جميع أنواع العطاء5. ويظهر من هذا التفسير أن له بعضَ الصلة بمعنى اللفظة في المسند، وأن المراد منها في اللغات العربية الجنوبية أخذ المال من الناس. فقد كان الملوك يعطون الأرض لأتباعهم والمقربين لديهم ممن يخدمونهم لاستغلالها، وذلك في مقابل دفع تعويض عام، فيقوم هؤلاء باستغلال ما أعطي لهم بأنفسهم، أو بتأجير الأرض قطعًا إلى من هم في خدمتهم، فيأخذون الربح لهم، ويقدمون ما اتفق عليه مع الملك إلى خزانته.
ويعرف الموظفون الذين يجمعون حصة الحكومة المخصصة باسم الجيش من الحبوب بـ"ساولت""س اول ت". وهي ضريبة عسكرية يؤديها المزارعون
1 Rep. EPIGR. 2693، grohmann، s. 131
2 Rep. EPIGR. 3951، Grohmann، S. 131
3 اللسان "4/ 192".
4 Rhodokanakis، Stud، II، S. 67، Jamme، South Arabian Inscriptions، P. 442
5 اللسان "11/ 650".
من الحضر والأعراب إلى الحكومة، لتموين الجيش ببعض ما يحتاج إليه من طعام.
وتعرف هذه الضريبة العسكرية بتلك التسمية كذلك. فهي ضريبة من ضرائب غلات الأرض1.
ويظهر من بعض الكتابات أن بعض الإقطاعات كانت في إدارة مجلس يتألف من ثمانية أشخاص عرفوا بـ"ثمنيتن" أي "الثمانية"2، فهم بمثابة مجلس مديري شركة يدير أمور تلك المقاطعة، أو بمثابة مشروع زراعي تعاوني، يتعاون فيه الأشخاص بإدارة ذلك المشروع، وقد تكون هنالك إقطاعات بإدارة أناس يزيد عددهم على هذا العدد أوينقص عنه.
وقد ذهب "رودوكناكس" Rhodokanakis إلى احتمال وجود طبقة خاصة من الموظفين عرفت بـ"إبعل سير"، كانت تحكم إلى جانب الطبقة المثمنة المؤلفة من الأشخاص الثمانية3.
وظهر من النصوص القتبانية وجود جماعة من الموظفين نيطت بهم مهمة الإشراف على إدارة المعابد وتمشية شئون الأوقاف المحبوسة على المعبد. يقال لها: "أربى"، والواحد هو "ربي". ومهمته أيضًا جمع الأعشار والنذور التي تقدم إلى المعابد4.
فهم كهيئات "الأوقاف" في البلاد العربية والإسلامية في الوقت الحاضر.
وذكر علماء اللغة "المحاجر"، وقالوا عنهم: إنهم أقيال اليمن، وهم الإحماء، كان لكل واحد منهم حمى لا يرعاه غيره. وأن المحجر ما حول القرية5.
ويظهر أنهم قصدوا بهم أصحاب الإحماء، أي: الإقطاع، الذين استقطعوا الأرضين واستخلصوها لأنفسهم، ولم يسمحوا لأحد بالدخول إليها للرعي أو للاستفادة منها بغير إذن منهم. فهم أصحاب الإقطاع والإحماء. فحجروا بذلك على خيرة الأرضين المحيطة بالقرى، وجعلوها خاصة بهم لا يرعاها غيرهم، لما كان لهم من نفود وسلطان.
1 Handbuch I، S. 128
2 راجع النص الموسوم بـ: Halevy 147
Rhodokanakis، Stud، I، S. 56، Hartmann، Arab، Frage، S. 208، 401
3 Rhodokanakis، Stud، I، S. 57، Glaser 147
4 Grohmann، S. 214
5 اللسان "4/ 171"، "حجر"، تاج العروس "3/ 126"، "حجر".
هذا ما عرفناه من أصول الحكم عند العرب الجنوبيين. أما بالنسبة إلى العرب الشماليين، فإن معارفنا بنظام الحكم عندهم نزر يسير، لعدم ورود شيء ما عن نظام الحكم في "الحيرة" أو في مملكة الغساسنة في كتابة جاهلية. أما أخبار أهل الأخبار، فإنها قليلة في هذا الموضوع، وهي لا تنص على نظم الحكم عندها نصًّا، وإنما تشير إليها إشارة، وتومئ إيماء، ولذلك لا تقدم إلينا رأيًا واضحًا صحيحًا في أصول الحكم عند العرب الشماليين.
ويظهر من أخبار الأخباريين عن ملوك الحيرة أن أولئك الملوك لم يكونوا مثل ملوك اليمن من حيث استشارة المجالس وتوزيع أعمال الحكومة. وطبيعي أن يكون هنالك فرق بين أصول الحكم في العربية الجنوبية، وأصول الحكم في الحيرة، لا بين طبيعتي الحكومتين من اختلاف في نواح عديدة، تجعل وجود الاختلاف في نظم الحكم أمرًا لا بد منه. فإدارة الحكم في "الحيرة" متأثرة بالنظم السياسية الساسانية، وظروف البادية والبداوة وهي الغالب على سواد التابعين لملوك الحيرة، ولا يمكن تطبيق ما يطبق في المجتمع الحضري على المجتمع البدوي.
وإذا أخذنا "الردافة" على أنها منصب أو منزلة ودرجة خاصة في حكومة "الحيرة"، فإننا نستطيع أن نقول: إنها أسمى وظائف تلك الحكومة، أو أسى درجاتها، وأنها من المنازل العليا عند ملوكهم. فقد ذكر أهل الأخبار أن الردف هو الذي يجلس على يمين الملك. فإذا شرب الملك، شرب الردف قبل الناس، وإذا غزا الملك، قعد الردف في موضعه، وكان خليفته على الناس حتى ينصرف، وإذا عادت كتيبة الملك، أخذ الردف ربع الغنيمة1. وكان للردف أن يخلف الملك إذا قام عن مجلس الحكم، فينظر بين الناس بعده. وذكر: أن هناك ردافة أخرى، ولكنها دون الردافة المتقدمة، وهي أن يردف الملك الردف على دابته في صيدٍ أو غيره من مواضع الأنس، ولكن الأولى أنبل2.
وقد عرف "عروة بن عتبة بن جعفر بن كلاب" بـ"رديف الملوك"، ومعنى هذا أنه عاش وخالط عددًا من ملوك أيامه، وذكر أنه كان رحالًا إليهم.
1 بلوغ الأرب "2/ 184 وما بعدها"، اللسان "5/ 103"، "صادر"، "ر/ د/ ف".
2 الأغاني "14/ 63".
ولذلك عرف بـ"عروة الرحال"1. وذكر أن "ردافة الملوك: كانت من العرب في بني عتاب بن هرمي بن رياح بن يربوع، فورثها بنوهم كابرًا عن كابر حتى قام الإسلام، وهي أن يثني بصاحبها في الشراب، وإن غاب الملك خلفه في المجلس، ويقال: إن أرداف الملوك في الجاهلية بمنزلة الوزراء في الإسلام، والردافة كالوزارة. قال لبيد من قصيدة:
وشهدت أنجية الأفاقة عاليًا
…
كعبي وأرداف الملوك شهود"2
وكان "سدوس بن شيبان" رديفًا، "فكانت له ردافة آكل المرار"3.
وقد كانت الردافة معروفة عند "ملوك كندة" أيضًا. وقد رووا أن "أبا حنش عاصم بن النعمان التغلبي"، كان رديفًا للملك "شرحيل بن الحارث بن عمرو الملك المقصور بن آكل المرار الكندي"4. وقد احتفظ "بنو سدوس" بهذا الحق: حق ردافة ملوك كندة5.
ولا يوجد نظام خاص في "الردافة"، ولكن نظرًا لما للردافة من مكانة ومنزلة، جرت العادة ألا تعطى إلا للرجال الذين لهم مكانة عند الناس ولهم عقل وشخصية، وقد تنتقل من الأب إلى الابن، وقد تنحصر في قبيلة واحدة، فإذا أراد الملك نقلها إلى قبيلة أخرى، ولم يأخذ رأي تلك القبيلة في نقلها نها "زعلت" القبيلة وثارت إن كانت قوية ووقع الشر بينها وبين الملك، أو بينها وبين القبيلة الأخرى التي نازعتها على الردافة.
وللرديف، بحكم اتصاله بالملك وبقربه منه وبتقديمه الرأي له، أثر في توجيه الملك وفي اتخاذه القرارات، لا سيما إذا كان الملك ضعيفًا فاتر الهمة، ليس له رأي. والرديف بهذا المعنى المستشار والوزير. وقد ذكر أن الردافة بهذا المعنى عرفت في الإسلام أيضًا. روي أن "عثمان" كان يُدعى "رديفًا" في إمارة عمر6.
وذكر علماء اللغة أن "الأرداف: الملوك في الجاهلية، والاسم منه الردافة".
1 البيان والتبيين "1/ 132"، المحبر "254".
2 الثعالبي، ثمار القلوب "184".
3 المعارف "ص45".
4 المحبر "ص204".
5 الاشتقاق "261".
6 الطبري "3/ 480"، "ذكر ابتداء أمر القادسية".
وكانت الردافة في الجاهلية لبني يربوع1. خصصها ملوك الحيرة بهم ولم يعطوها لأحد غيرهم، حتى إن كانوا مثل بني يربوع من تميم. ولا بد وأن يكون لهذا التخصيص سبب إذ لا يعقل أن يكون جاء "بني يربوع" عفوًا. فهو فضل وتفضيل، وقضية التفضيل والتقديم، قضية حسّاسة جدًّا ويحسب لها ألف حساب عند العرب. لما لها من مسّ بالمنازل وبكرامة القبائل والسادات، وقد ذهبت أرواح بسبب تقديم ملك سيد قبيلة على سيد آخر في موضع جلوسه منه أن جعله أقرب إليه منه وفي جهته اليمنى لأن في هذا التقديم على عرفهم إيثار لمن قدم وتفضيل له على بقية الحضور. فهل يعقل إذن أن يكون ملوك الحيرة قد أعطوا "الردافة" لبني يربوع عفوًا ومن غير أسباب حملتهم على تخصيصها فيهم. لقد حاول بعض ملوكهم تحويلها من أصحابها إلى قوم آخرين، ومنهم قوم مثل "بني يربوع" من تميم. لكنهم هاجوا وماجوا وهددوا، فاضطر أولئك على إبقاء الحال على ما كان عليه.
ويمكن اعتبار "الحجابة" وصاحبها "الحاجب" من الدرجات المهمة في "الحيرة". فقد كان "الحاجب" هو الذي يتولى إدخال الناس والأذن لهم بالدخول على الملوك. وكان في إمكانه التعجيل بإدخال من يريد على الملك، وتأخير من ينفر منه من الدخول عليه، وربما منعوه من الوصول إليه. لذلك كان الذين يقصدون الملوك يتقربون إليه ويتوددون له ليكون شفيعًا لهم عندهم عن وواسطة في التقرب إليهم. وطالما تعرض الحاجب لذم شاعر وهجائه إذا أخره عن الدخول على الملوك، أو حال بينه وبين الوصول إليه، أو كان سببًا في إثارة غضب الملك على الشاعر2.
وقد ذكر علماء اللغة أنه لما كان الملك محجوبًا عن الناس، فلا يصلون إليه إلا بإذن من الحاجب، لذلك حصر -أي: حبس- عن رعيته، فقيل له: الحصير3.
وقد كان للنعمان بن المنذر "ملك العرب" حاجب ورد اسمه في شعر للنابغة، هو "عصام بن شهر" من رجال "جرم"، ذكر أنه قد كانت له منزلة عند
1 اللسان "5/ 103"، "صادر"، "ردف".
2 تاج العروس "1/ 303"، "حجب".
3 تاج العروس "3/ 144"، "حصر".
النعمان. حتى أنه إذا أراد أن يبعث بألف فارس بعث بعصام1، مما يدل على أنه كان يوكل إليه أمر قيادته جيشه أيضًا. وقد ضرب به المثل، ورد:"ما وراءك يا عصام"، يعنون به إياه. وورد: "كن عصاميًّا ولا تكن عظاميًّا يريدون به قوله:
نفس عصام سودت عصامًا
…
وصيرته ملكًا همامًا
وعلمته الكرَّ والإقداما
وقوله: ولا تكن عظاميًّا، أي: ممن يفتخر بالعظام النخرة"2.
وقد ورد في أخبار الرسل الذين أوفدهم رسول الله إلى الملوك، أن "شجاع ابن وهب" رسول رسول الله إلى "الحارث بن أبي شمر الغساني" ليدعوه إلى الإسلام، اتصل بحاجبه، وانتظر حتى جاء له الإذن بمقابله فدخل عليه3.
وبقيت "الحجابة" من المنازل الرفيعة في مكة وفي الأماكن المقدسة الأخرى.
فبيد "الحاجب" تكون مفاتيح الكعبة ومفاتيح الخزانة الخاصة بالمعبد وهي درجة ترزق صاحبها رزقًا حسنًا وربحًا ماديًّا، فضلًا عن الربح المعنوي باعتبار أنه صاحب الصنم أو الأصنام وبيده أمر المعبد. لذلك قالت بنو قصي: فينا الحجابة4. تفتخر على غيرها. ويظهر من الحديث: "ثلاثٌ من كن فيه من الولاة اضطلع بأمانته وأمره: إذا عدل في حكمه، ولم يحتجب دون غيره، وأقام كتاب الله في القريب والبعيد"5، ومن اشتراط "عمر" على كل من كان يعينه عاملًا، ألا يتخذ حاجبًا، ومن تحذيره لمعاوية وغيره من اتخاذ الحجاب6. أن الحجاب، أي: احتجاب الحكام في الجاهلية عن الناس وعدم دخول أحد عليهم بغير إذن منه، كان معروفًا فاشيًا، وأن أصحاب الحاجات والمراجعين من الناس كانوا يلاقون صعوبات جمة في الوصول إلى حكامهم، وقد يقفون أيامًا ثم يسمح لهم بالدخول عليهم، وقد لا يسمح لهم بذلك. ونظرًا لما في ذلك من تعسف بحق
1 اشتقاق "318".
2 تاج العروس "8/ 399"، "عصم".
3 ابن سعد، طبقات "1/ 261".
4 تاج العروس "1/ 303"، "حجب".
5 كتاب الحجاب من رسائل الجاحظ "2/ 30".
6 كتاب الحجاب من رسائل الجاحظ "2/ 31".
الرعية نهى الإسلام عنه، وأمر الحكام بوجوب فتح أبواب بيوتهم للناس ليستمعوا إلى ظلاماتهم وإلى ما هم عليه من حال.
وفي كتب أهل الأخبار تأييد لهذا الرأي، إذ نجدها تذكر أن الشعراء وغيرهم كانوا يقفون أيامًا بأبواب ملوك الحيرة أو الغساسنة يلتمسون الإذن بالدخول على الملوك، ولا يأذن الحاجب لهم بالدخول عليهم، حتى اضطر البعض منهم إلى التعهد للحاجب بإعطائه نصيبًا مما سيعطيه الملك له إن يسر له أمر الدخول عليه1.
ومنهم من كان يقدم للحاجب هدية ترضيه حتى يسمح له بالدخول دون إبطاء، مما اضطر بعض الشعراء على نظم الأشعار في هجاء الحاجب والملك الذي يراد الوصول إليه.
ونجد مثل هذه الشكاوى عن حجاب ملوك اليمن.
ويظهر أن ملوك الحيرة كانوا يستوزرون الوزراء ليستشيروهم في الأمور، فقد ورد أن "زرارة بن عدس" كان من عمرو بن هند كالوزير له2. وقد وردت كلمة "وزير" في القرآن الكريم3 بمعنى المؤازر الذي يشد أزر صاحبه فيحمل عنه ما حمله من الأثقال، والذي يلتجئ الأمير إلى رأيه وتدبيره، فهو ملجأ له ومفزع. وجاء في حديث "السَّقيفة": "نحن الأمراء وأنتم الوزراء"4، مما يدل على أن الوزارة كانت معروفة عند الجاهليين.
وورد أن "التأمور" وزير الملك لنفوذ أمره5. ولم يذكر علماء اللغة الموضع الذي استعملت فيه هذه اللفظة.
وقد كان لملوك الحيرة عمالًا يديرون بالنيابة عنهم أمور الأرضين التابعة لهم.
فـ "العامل" هو نائب الملك على تلك الأرض. وقد ذكر أنه كان لملوك الحيرة "عمال" على البحرين كالذي رووه في قصة مقتل الشاعر "عبيد بن الأبرص".
وقد عرف علماء اللغة العامل بأنه هو الذي يتولى أمور الرجل في ماله وملكه وعمله ومنه قيل للذي يستخرج الزكاة: "عامل"، وللساعي الذي يستخرج الصدقات من أربابها:"العامل" والعامل هو الخليفة عن الشخص6.
1 الزجاجي، مجالس العلماء "259 وما بعدها".
2 العمدة "2/ 216"، "محمد محيي الدين".
3 سورة طه، الآية29، الفرقان، الآية35.
4 اللسان "5/ 283"، "صادر"، "وزر".
5 تاج العروس "3/ 20"، "أمر".
6 اللسان "11/ 474"، "عمل".
وقد استعمل المسلمون لفظة "العامل" وبقوا يستعملونها أمدًا. وعين الرسول عُمالًا على الصدقات1. واستعملت بمعنى أوسع أيضًا، شمل الضرائب والإدارة.
وأطلق "الطبري" لفظة "العامل" على ملوك الحيرة، فنجد في كتابه جملة:
"من عمال
…
"، وورد أن "امرأ القيس" كان عاملًا للفرس، وكان يحكم الحجاز2.
ويذكر علماء اللغة أن "العُمالة": رزق العامل الذي جعل له على ما قلد من العمل.
والولاية بمنزلة الإمارة، والولي هو الذي يتولى إدارة شئون الولاية3. وقد استعملت في الإدارة الإسلامية. واستعملت لفظة "الأمير" في معنى من يتولى إمارة الجيش، فقيل:"أمراء الجيش" وهم كبار القادة الذين توكل إليهم مهمة تسيير الجيش وإدارته في السلم وفي الحرب.
وتؤدي لفظة "الوكيل" معنى العامل أيضًا. جاء في نص "العمارة""ووكلهن فرسولروم"، أي:"ووكل لفارس وللروم"4. ولكنني لا أستطيع أن أجزم بأن لفظة "الوكيل" كانت مستعملة اصطلاحًا مقررًا مثل لفظة "عامل" في ذلك العهد، أي: سنة "328" للميلاد، وهي سنة تدوين النص.
ومن الدرجات المهمة من الوجهة العسكرية والإدارية "الخفارة"، بمعنى الحراسة والمراقبة. والخفير هو المجير والحارس والحامي والأمان5. وكان ملوك الحيرة قد عينوا "الخفراء" على المواضع الحساسة لحمايتها والدفاع عنها. وقد كان الساسانيون قد عينوا خفراء منهم ومن العرب لحماية الحدود، ولما حاصر "خالد بن الوليد""عين التمر" وتغلب عليها قتل "هلال بن عقبة"، وكان خفيرًا بها6.
1 تاج العروس، "8/ 37"، "ومنه قيل للذي يستخرج الزكاة: عامل".
Die Araber، II، S. 318، 321، /56، Annali، I، 833
2 اللسان "11/ 476""عمل"، "صادر".
3 اللسان "15/ 407"، "ولي".
4 J. Cantineau، Le Nabateen، 2، 1932، 49، Dussaud، Mission، 314، REP I، 361، NR. 483، Die Araber، II، S. 313
أشكر المكتبة القادرية ومتولي الوقف القادري السيد يوسف الكيلاني، على تفضلهما بإعارتي الجزء الثاني من كتاب: Die Araber
5 تاج العروس "3/ 186"، "خفر".
6 الأخبار الطوال "112".
وقد أشير إليها في كتب الرسول، إذ ذكر أنه أخفر "سعير بن العداء الفريعي" أحد المواضع1.
ويظهر من أخبار أهل الأخبار أن ملوك الحيرة، كانوا قد اتخذوا لهم أمناء، فقد لقب "هانئ بن قبيصة" بـ"أمين النعمان بن المنذر"2. و"الأمين" المؤتمن الحافظ، فلعلهم قصدوا أنه كان المؤتمن على أسراره والمستشار له، يستشيره في مسائله والحافظ لها، أو أنه كان الأمين على أمواله وما يأتيه من جباية وخراج، أو الكاتم لأسراره والمدون لرسائله، فهو كاتب الدولة في ذلك العهد.
وعرف "قبيصة بن مسعود" بـ"وافد المنذر"3. ويظهر أن المنذر كان يكلفه بالوفادات، أي: بالذهاب موفدًا عنه في مهمات وأعمال يحتاج قضاؤها إلى ذهاب موفد ليتكلم عن الملك وباسمه و"الوافد" هو السابق والإرسال، ويقال: هم على أوفاد أي: على سفر. وقد يقال: إن "قبيصة" إنما عرف بـ"وافد المنذر"، لأنه كان ممن يكثر الوفادة عليه، فيجد له ترحيبًا وأبوابًا مفتوحة، فعرف بذلك. فيكون بهذا المعنى من الرجال المقربين إلى الملك. ولا علاقة له بمهمة الإيفاد إلى الملوك وسادات القبائل بمهمات سياسية، أي: بمهمة رسول وسفير.
وقد استعمل عرب العراق الألفاظ الفارسية المستعملة في إدارة الحكومة الساسانية لأنها هي المصطلحات الرسمية والألقاب التي يحملها الموظفون وتشير إلى منازلهم ودرجاتهم، ومنها درجة "قهرمان""القهرمان". والكلمة فارسية، وقد دخلت العربية وعربت. ذكر علماء اللغة أنها تعني المسيطر الحفيظ على من تحت يديه والقائم بأمور الرجل ومن أمناء الملك وخاصيته. وفي الحديث: كتب إلى قهرمانه4.
وقد ورد أن "علي بن أبي طالب" قال لدهقان من أهل "عين التمر"، وكان قد أسلم:"أما جزية رأسك فسنرفعها، وأما أرضك فللمسلمين. فإن شئت فرضنا لك، وإن شئت جعلناك قهرمانًا لنا"5.
و"دهقان" من الألفاظ التي عرفها عرب العراق كذلك. وذكر بعض علماء
1 الإصابة "2/ 51"، "رقم3200".
2 العمدة، لابن رشيق "2/ 221"، "مفاخرة عند معاوية بين عامري وشيباني".
3 العمدة، لابن رشيق "2/ 222".
4 اللسان "12/ 496"، "صادر"، "قهرم".
5 الجزية والإسلام، تأليف دانيل دينيت تعريب الدكتور فوزي فهيم جاد الله "ص66".
اللغة أن الدهقان التاجر1. ويراد بدهقان حاكم ضيعة أو بلدة. وهي من "ده" بمعنى "ضيعة" و"قان""خان" بمعنى رئيس قبيلة في الفارسية القديمة2.
فالدهقان هو رئيس موضع. وقد كان الساسانيون قد نصبوا الدهاقين على العراق وعلى قرى غالب أهلها من العرب، فكانوا يخاطبونهم باسم منصبهم: دهقان.
وأشير إلى وجود وظيفة "كاتب" عند الفرس، واجبه تولي أمور المراسلة بالعربية والفارسية فيما بين العرب والفرس. وقد ذكر "الطبري" أن "كسرى" جعل ابن "عدي بن زيد العبادي" في مكان أبيه، "فكان هو الذي يلي ما كتب به إلى أرض العرب، وخاصة الملك، وكانت له من العرب وظيفة موظفة في كل سنة: مهران أشقران والكمأة الرطبة في حينها واليابسة، والأقسط والأدم وسائر تجارات العرب، فكان زيد بن عدي بن زيد يلي ذلك، وكان هذا عمل عدي"3. وقد أشير إلى وجود كتاب عند ملوك الحيرة تولوا لهم أمر تدوين المراسلات وما يأمر به الملوك. ولا يعقل ألا يكون لهم ديوان خاص بالمراسلة على نمط ما كان عند الساسانيين، وظيفته تولي ما يكتب به ملوك الحيرة إلى الملوك الساسانيين، وترجمة ما يرد من الساسانيين إليهم من كتب. وتولي أمور المراسلة بين ملوك الحيرة وبين سادات القبائل، كما يظهر ذلك من كتب أهل الأخبار.
وكان للملوك خاتم عرف بـ"خاتم الملك" يكون في أيديهم. يظهر أنهم استخدموه للتوقيع على الكتب.
وقد عرف بـ"الحلق" كذلك. وعرف "الحلق" بـ"خاتم الملك الذي يكون في يده"4. وكان من شأنهم، أنهم إذا أمروا بكتابة كتاب، ختموا عليه بـ"الختام"، وهو الطين أو الشمع، حتى لا يفتح ولا يمكن لحد فتحه. وإلا كسر الخاتم، وعرف أن الكتاب قد فتح، وأن سره عرف5.
والمعروف أن "الشرطة"، لم تكن معروفة عند الجاهليين، وأنها من المستحدثات.
1 اللسان "د/ هـ/ ق"، "13/ 164"، "10/ 107"، "صادر".
2 غرائب اللغة "ص229".
3 الطبري "2/ 201"، "ذكر خبر يوم ذي قار".
4
وأعطى منا الحلق أبيض ماجد
…
رديف ملوك ما تغب نوافله
تاج العروس "6/ 321"، "حلق".
5 تاج العروس "8/ 366"، "ختم".
الإدارية التي ظهرت في الإسلام. ولكن أهل الأخبار يروون حديث نسبوه إلى الرسول هو: "الشُّرَطُ كلاب النار"1. وهو حديث لو صح أنه من قول الرسول، فإنه يدل على وقوف أهل الحجاز على "الشرطة"، ويذكر علماء اللغة أن الشرطة سموا بذلك لأنهم أعلموا أنفسهم بعلامات يعرفون بها. وذكروا أن واحد الشرط هو الشرطي، واستدلوا على ذلك بقول الدهناء امرأة العجاج.
واللهِ لولا خشية الأمير
…
وخشية الشرطي والترتور
أعوذ بالله وبالأمير
…
من عامل الشرطة والأترور2
وقد ذهبت "ابن قتيبة" إلى وجود "الشرطة" في أيام الجاهلية، إذ قال في أثناء حديثه عن المثل "علي يدي عدل":"هو: عدل بن فلان. من سعد العشيرة، وكان على شرطة تبع، فإذا غضب على رجل دفعه إليه. فقال الناس، لكل شيء يخاف هلاكه: هو على يدي عدل"3 واختلف في اسم والده، فقيل: هو جزء "جر". وقيل: لكل ما يئس منه: وضع على عدل4.
وقد عرف الحراس في اليمن. منهم من كان يتولى أمر حراسة الملوك، إذا ذهبوا إلى مكان، أو خرجوا لصيد، ومنهم من كان يتولى أمر حراسة قصورهم، ومنهم من تولى أمر حراسة أبواب المدن والأسوار حتى لا يدخل المدينة عدوٌ ولا يهرب منها سارق أو مجرم، وكان لملوك الحيرة والغساسنة وسادات القبائل حراس يسيرون معهم لمنع من يريد إلحاق الأذى بهم. وإذا تجولوا استتبعهم الحراس والخَدم. وذكر أن "خشرم بن الحباب" كان من حراس الرسول5.
ويقال لمن يطوف بالليل لحراسة الناس "العس" و"العسس". فهم نوع من أنواع الحرس، تخصص بالحراسة ليلًا.
وأما "الدرابنة"، فهم البوّابون، أي: الذين يقفون على الباب، لمنع الغرباء ومن فيه ريبة من الدخول إلى البيوت. واللفظة من الألفاظ المعربة عن الفارسية،
1 تاج العروس "5/ 167"، "شرط".
2 تاج العروس "5/ 167"، "شرط".
3 ابن قتيبة، المعارف "619".
4 تاج العروس "8/ 10"، "عدل".
5 القسطلاني، إرشاد "2/ 399"، الاشتقاق "273".
وقد ذكرت في شعر نسب إلى المثقب العبدي:
فأبقى باطلي والجدّ منها
…
كدكان الدرابنة المطين1
ويقال لمن يطوف بالليل لحراسة الناس "العس" و"العسس"، فهم نوع من أنواع الشرطة، أو من المحافظين على الأمن، تخصصوا بالحراسة ليلًا.
وذكر علماء اللغة أن من مرادفات "الشرطي""الجلواز". و"الجلواز": الثؤرور "التؤرور"، وقيل: هو الشرطي. وجلوزته: خفته بين يدي العامل في ذهابه وإيابه2. وذكروا أن "التؤرور: العَوْن يكون مع السلطان بلا رزق، وقيل: هو الجلواز"3. وذكر "عكرمة" في تفسير {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} . "الجلاوزة يحفظون الأمراء"4.
وقد اتخذ حكام العربية الجنوبية السجون لتأديب خصومهم بسجنهم بها. واستعملت لسجن الخصوم السياسيين والأعداء في الغالب. لذلك كانوا يتشددون في حراستها وفي عزلها عن الناس حتى لا يتمكن أحد من الهروب منها. وقد يجعلونها في قلاعهم وحصونهم، زيادة في الحذر وفي مراقبة المساجين. وقد يتوفى السجين في سجنه من سوء حالة السجن ومن الجوع والعطش. ويقال لحارس السجن:"حصق" في اللغة العربية الجنوبية5.
وذكر بعض علماء اللغة أن النبط تسمي "المحبوس"، "المهزرق"، و"الحبس""الهزروقي"6. ولا يستبعد أن يكون عرب العراق قد عرفوا هذا المصطلح.
إذ ذكروا أن "المهرزق: المحبوس، نبطية تكلمت بها العرب، وكذلك المحرزق".
وإن "الهرزق""الحبس". وقال بعض العلماء: "المهزرق والمهرزق يقالان معًا.
كما وردا في بيت الأعشى:
هنالك ما أنجاه عزة ملكه
…
بساباط حتى مات وهو مهرزق"7.
1 تاج العروس "1/ 249"، "9/ 199"، "الدرابنة".
2 اللسان "5/ 322"، "جلز"، تاج العروس "4/ 16"، "جلز".
3
تالله لولا خشية الأمير
…
وخشية الشرطي والتؤرور.
"التؤرور" و"الثؤرور"، اللسان "4/ 88".
4 الدينوري، عيون الأخبار "1/ 3".
5 راجع الصفحة "436" من كتاب: South Arabian Insciptions
6 تاج العروس "6/ 313"، "حزرق"، "7/ 96"، "هزروقي"، "هزرق".
7 تاج العروس "7/ 96"، "هرزوقي"، "هزرق".
وترد لفظة "عوق" بمعنى المحبوس في النصوص الصفوية1. وقد كان الروم يقبضون على من يغير على أرضهم من الصفويين وغيرهم ويودعونهم السجون.
ومنهم من كان يفر منها، ويكتب ذكرى هروبه من سجن الروم على الحجارة.
وقد كان لملوك الحيرة "سجون"، منها سجن "الصنّين" وقد أشير إليه في الشعر الجاهلي2. ولا بد أن يكون لهم موظفون أودعوا إليهم مهمة المحافظة على السجون ومراقبة المساجين حتى لا يهربوا، ووكلوا إليهم أمر تعذيبهم وقتلهم أو سمهم عند صدور أمر الملك بذلك. كما فعلوا بعدي بن زيد العبادي. ويقال للسجن: الحصير، لنه يحصر الناس ويمنعهم من الخروج3، و"الحبس"4.
ويقال للذي يتولى أمر القبيلة أو الجماعة من الناس يلي أمورهم، وينقل إلى الملك أحوال الناس "العريف". وكان للملوك "عرفاء"، هم بمثابة عيونهم على القبائل. ويظهر من بعض الأخبار أن العرافة كانت نوعًا من الرئاسة والزعامة والدرجة. فقد ورد في كتب الحديث: أن شيخًا كان صاحب ماء جعل لقومه مائة من الإبل على أن يسلموا، فأسلموا، وقسم الإبل بينهم. وبدا له أن يرتجعها منهم، فأرسل ابنه إلى النبي، وأوصاه بأن يقول له:"أبي شيخ كبير، وهو عريف الماء، وإنه يسألك أن تجعل لي العرافة بعده". فلما قص الخبر على الرسول، قال الرسول له:"إن بدا له أن يسلمها إليهم، فليسلمها، وإن بدا له أن يرتجعها منهم، فهو أحق بها منهم. فإن أسلموا، فلهم إسلامهم، وإن لم يسلمو، قوتلوا على الإسلام". فقال: "إن أبي شيخ كبير، وهو عريف الماء، وإنه يسألك أن تجعل لي العرافة بعده". فقال الرسول: "إن العرافة حق، ولا بد للناس من عرفاء. ولكن العرفاء في النار"5.
وورد أن العريف: النقيب، وهو دون الرئيس، وأن عريف القوم سيّدهم، والعريف: القيم والسيد لمعرفته بسياسة القوم، ولتدبيره أمر تابعيه. وعرفوا "النقيب" بهذا التعريف أيضًا6، فقالوا: إنه العريف، وهو شاهد القوم وضمينهم
1 Littmann، Safa.. P. 42
2 تاج العروس "9/ 261"، "صن".
3 تاج العروس "3/ 144"، "حصر".
4 اللسان "6/ 44"، "حبس".
5 اللسان "9/ 238"، بلوغ الأرب "2/ 186".
6 اللسان "ع/ ر/ ف"، "9/ 238".
والمقدم عليهم الذي يتعرف أخبارهم وينقب عن أحوالهم1.
و"العريف" من المصطلحات العسكرية أيضًا، المستعملة في تنظيمات الجيش.
وقد أقر الرسول ما كان متبعًا من أمر تقسيم الجيش إلى وحدات. فعرف على كل عشرة رجلًا وأمر على الأعشار رجالًا من الناس لهم وسائل في الإسلام.
هم العرفاء2.
و"النقيب"، شاهد القوم، وهو ضمينهم وعريفهم ورأسهم، لأنه يفتش أحوالهم ويعرفها. وفي التنزيل:{وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا} 3. ولما بايع الأنصار رسول الله، جعل عليهم اثني عشر نقيبًا، ليتولوا أمر المسلمين بيثرب وليكونوا شهوده عليهم، وليقوموا بالدعوة فيها إلى الإسلام. ويظهر أن لهذه اللفظة صلة بلفظة Nacebus التي وردت في بعض المؤلفات اليونانية في حديثها عن العرب. ونجد في العهد المنسوب إلى "خالد بن الوليد" المعطى إلى أهل الحيرة والمدون في تاريخ الطبري، جملة:"وهم نقباء أهل الحيرة"، وقصد الشارح بها رؤساء الحيرة الذين صالحوا "خالد" على أداء الجزية، وهم: عديّ وعمرو أبناء عديّ بن زيد العبادي، وعمرو بن عبد المسيح، وإياس بن قبيصة وحيريّ "جيريّ" بن آكال4.
وفي ورود اللفظة في القرآن الكريم، واختيار الرسول لنقباء أمرهم على مسلمي يثرب قبل هجرته إليها، وفي ورودها في عهد "خالد" مع أهل الحيرة، دلالة على أنها كانت شائعة معروفة في الحجاز، بمعنى رئيس وسيد قوم والمسئول عن جماعة.
أما "الرائد"، فهو الذي يتقدم الناس لطلب الماء والكلأ للنزول عليه5. وقد نصب "عمر" "سلمان الفارسي" رائدًا وداعية على الجيش الذي أرسله إلى العراق6.
1 اللسان "ن، ق/ ب"، "1/ 769".
2 الطبري "3/ 488".
3 المائدة، سورة رقم5، الآية12، تاج العروس"1: 492"، "نقب".
4 تاريخ الطبري "3/ 363 وما بعدها"، "حديث يوم المقر وقم فرات بادقلي".
5 بلوغ الأرب "2/ 185"، تاج العروس "2/ 359"، "راد".
6 الطبري "3/ 489".