الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
موارد الدولة:
ولا بد لكل دولة من موارد تستعين بها في إدارة أمورها وفي الإنفاق على التابعين لها المكلفين القيام بأعمالها من موظفين ومستخدمين مدنيين وعسكريين ويدخل في هذه الموارد كل ما يحصل عليه الملك أو سيد القبيلة من أرباح ودخل يرد من استغلال الأرض والأملاك الخاصة، ومن الاتجار، ومن الضرائب التي تفرض على التجار والمواطنين والزراع، ومن الغنائم، إلى غير ذلك من واردات تجمع وتقدم إلى الحكام ملوكًا كانوا أو سادات قبائل أو رؤساء مدن. أضف إلى ذلك "الجزية" التي كانت الحكومات تفرضها على من تحاربه أو تغزوه فتنتصر عليه، ثم تنسحب من أرضه على أن يدفع "جزية" يقررها المنتصر تتناسب مع حال المغلوب.
ولم يكن من المعتاد في تلك الأيام التفريق بين "الخزينة الخاصة" و"الخزينة العامة"، أو بين الوارد الخاص بالملك، مما يجبى عن أملاكه وعن اتجاره وبين الوارد الذي يجب أن يصرف وينفق على الأعمال العامة التي تمس الشعب كله، مثل إنشاء الطرق والحصون وإدامة الجيش وإغاثة المحتاج وما شابه ذلك، فإن الحاكم في ذلك الزمن كان يرى أن كل ما يجبى يعود إليه، لا فرق عنده بين الخزينة الخاصة والخزينة العامة، وأن الإنفاق يتوقف على رأيه، إن شاء وهب هذا مالًا وأقطع هذا أرضًا، وإن شاء صادر مال شخص وضمه إليه، ولا حق لأحد أن يعترض عليه. فأموال الدولة هي أمواله والخزينة هي خزينته، وهو الذي يأمر بالإنفاق. وما يعطيه للشعراء ثوابًا على مدحهم له، أو ما يقدمه من أموال للمنافع العامة وللنفقات الخاصة بالجيش وبمرافق الدولة، يكون كله بأمره وبموافقته، يتصرف كما يتصرف أي مالك كان بملكه.
وقد اختار الملوك لهم رجالًا وكلوا لهم أمر إدارة أملاكهم واستثمارها، كما وكلوا لآخرين أمر الاتجار بأموالهم، إذ كان الملوك يتاجرون أيضًا في الداخل وفي الخارج، كما وكلوا للموظفين أمر جباية الضرائب واستحصالها من الزرّاع ومن التجار، فكانوا يذهبون إلى المزارع لتقدير حصص الحكومة كما كانوا يقفون في الأسواق لأخذ العشر من المبيعات. وهناك موظفون يقيمون عند الحدود وعند ملتقى الطرق لأخذ حق المرور من القوافل.
وقد وجدت بعض الحكومات مثل حكومة "رومة" أن طريقة تعيين الجباة لجباية الضرائب، هي طريقة تكلف الدولة أموالًا تزيد على الأموال التي تردها من الجباية، لأن الجباة كانوا يسرقون أموال الجباية، ويسيئون الاستعمال، وأن الشدة معهم لم تنفع شيئًا، لذلك عمدت إلى وضع الجباية في "المرابذة العلنية" بأن يعلن عنها، فيتقدم من يرغب في أخذها، فيزيد على غيره ممن ينافسه، وهكذا حتى ترسو على آخر المتزايدين، فيتولى هو جمع الجباية عن طريق تعيينه موظفين يقومون بجباية الضرائب المقررة، فيقدم هو للحكومة المبلغ الذي رسا عليه، ويأخذ الفضل لنفسه. وقد تألفت في "رومة" شركات كبيرة خصصت نفسها بأمور جباية الضرائب من المقاطعات الواسعة التابعة لإمبراطورية "رومة" وكانت تتزايد فيما بينها حينما تعرض الحكومة جباية الضرائب في "المزاد".
وقد فعلت هذه الشركات كل ما أمكنها فعله لجمع أكثر ما يمكن جمعه من أموال من المكلفين لتغطية مبلغ التعهد الذي أعطته للحكومة وللحصول على أرباح مفرطة لها، بأن أرهق كاهل المكلف بأخذ أضعاف ما حدد من مقدار الضريبة، ولم تنفع الرقابة الحكومية التي وضعتها الحكومة على هذه الشركات وعلى الجباة، ذلك لأن "الحكام" حكام الولايات ومن بيدهم أمر الرقابة المالية ومن كان بيده أمر النظر في عرض الجباية على المتزايدين كانوا مرتشين، فكانوا يغضون الطرف عن تعسف الجباة ولا ينصفون المشتكين من الناس منهم. وقد ضج الناس من أصحاب المكس، وأشير إلى ظلمهم في الإنجيل، وعدوا من أصحاب الإثم أهل الخطيئة Sinners فكانوا من المُبغَضين1. وقد ندد بهم وبظلمهم في كتب الحديث.
وقد عين "الأباطرة" أحيانًا عمالًا Procurator على المقاطعات للإشراف على جمع الجباية، وعينوا موظفين في الموانئ والثغور لجباية الضرائب عن الأموال المصدرة التي تصدر إلى الخارج، وعن الأموال التي تستورد إلى الامبراطورية، ومن التجار الرومان، أوالتجار الأجانب.
وقد وردت في النصوص العربية الجنوبية مصطلحات لها علاقة بالضرائب وبالأرباح، منها مصطلح "نعمت"، أي:"نعمة"، وتعني هنا: ما أنعم به على الإنسان، أي: ما يحصل عليه من السوق، وما يربحه من تجارته، فهي
1 Hastings p. 776
بمعنى الربح. وللحكومة أو القبيلة أو لأصحاب السوق حق أخذ نصيب مقرر من هذه "النعم"، أي: الأرباح. ويعبر عن النصيب الذي تأخذه الحكومة من الأرباح "زعرتم""زعرت""زعرة"، من أصل "زعر". وتعني "زعر": قَلّ وتفرَّق1، فكأن العرب الجنوبيين عبروا عن نصيب الحكومة بهذه اللفظة؛ لأن ما يدفع للحكومة هو مما يقلل من المبلغ ويصغره، فالربح إذن هو "نعمتم"، "نعمة"، "نعمت"، وهو كل ربح يصيب أحدًا.
وأما ما يؤخذ عن الأرباح ويدفع للحكومة: فهو "زعرتم""زعرت""زعرة"2، أي: ضريبة.
وترد لفظة "همد" بمعنى: الضريبة في العربيات الجنوبية، أي: ما يفرز ويعطى للحكومة أو للمعبد أو للسادات سادات القبائل والأرضين التي يهيمنون عليها.
و"الهميد" في عربية القرآن الكريم "المال المكتوب عليك في الديوان" و"المال المكتوب على الرجل في الديوان" فيقال: هاتوا صدقته، وقد ذهب المال و"الصدقة"3. وهذا التفسير قريب من المعنى المقصود من اللفظة في العربيات الجنوبية.
وقد أخذت حكومات العربية الجنوبية بطريقة تعيين موظفين خاصين بجمع الضرائب وبالإشراف على الجباة وعلى كيفية الجباية، كما أخذت بطريقة إيداع الجباية إلى الإقطاعيين وسادات القبائل، فهم الذين يجمعون الحقوق من أتباعهم، ويقدمونها إلى الحكومة. وذلك بالالتزام. وللحكومة موظفون واجبهم التحقق من أن هؤلاء الملتزمين لا يأكلون حق الحكومة، ويأخذون من أموال الجباية النصيب الأكبر، ولا يقدمون للدولة إلا شيئًا قليلًا من استحقاقها.
وفي كل الحالات المذكورة كان المكلف يرهق بدفع الضرائب إرهاقًا، ويجبر على دفع ضرائب تزيد على طاقته خاصة، وقد كانت الضرائب متنوعة عديدة.
ضرائب للحكومة، وضرائب للمعبد، وضرائب للسيد صاحب الأرض أو سيد القبيلة، ثم عليه السخرة؛ أي: العمل الإجباري دون مقابل، وعليه الانخراط في سلك
1 تاج العروس "3/ 237"، "ز/ ع/ ر".
2 REP. EPIGR. 4337، Jastrow، A Dictionary of the Targum، P. 407، 1886
3 تاج العروس "2/ 547"، اللسان "3/ 437"، "همد".
REP. EPIGR. 4337، P. 203
المحاربين حين الطلب، فأثر كل ذلك في الوضع الاقتصادي، وفي المجتمع العام تأثيرًا كبيرًا، ونهك السواد الأعظم من الناس، مما جعلهم يتذمرون من الحكام والحكومة والسادات، ولا يؤدون ما عليهم من واجبات وخدمات عامة إلا مكرهين.
ولعل هذا الإرهاق الذي نزل بالرعية في دفع الضرائب، هو الذي حملها على إطلاق "الآكل" و"الآكال" و"آكال الملوك" و"مآكل الملوك" على ما يجعله الملوك مأكلة لهم؛ لأنهم جعلوا أموال الرعية لهم مأكلة، وأما "المأكول"، فهو الرعية، لأن الملوك تأكل أموالهم1، فالملوك تأخذ ولا تعطي، والرعية تعطي ولا تأخذ ولا تستفيد مما تدفعه لملوكها من ضرائب أية فائدة.
والضريبة في تعريف علماء اللغة: ما تؤخذ في الأرصاد والجزية ونحوها، مثل ما يؤديه العبد إلى سيده من الخراج المقرر عليه، ومن الضرائب: ضرائب الأرضين وهي ضرائب الخراج عليها، وضرائب الإتاوة التي تؤخذ من الناس2.
وعرف علماء اللغة الإتاوة: أنها الرشوة والخراج، وقال بعضهم: كل ما أخذ بكره، أو قسم على موضع الجباية وغيرها، فهو إتاوة. وفي ذلك قال "حُنَيّ بن جابر التغلبي":
ففي كل أسواق العراق إتاوةٌ
…
وفي كل ما باع امرؤ مكس درهم3
وذكر "ابن فارس" أن "الإتاوة" من الألفاظ التي زالت بزوال معانيها، فهجرت لذلك4.
ويقال للإتاوة: الأريان. والأريان بمعنى: الخراج أيضًا5. وقد ذكرت اللفظة في شعر "الحيقطان"، شاعر اليمانية، وكان قد قال قصيدة يرد فيها على الشاعر "جرير"، فهجا بها قريشًا، وكان مما قال فيها:
وقلتم لقاح لا نؤدي إتاوة
…
فأعطاه أريان من الفرّ أيسر6
1 اللسان "11/ 21"، "صادر"، "آكل"
2 اللسان "1/ 550"، "ضرب"، تاج العروس "1/ 349"، "ضرب".
3 اللسان "14/ 17"، "اتي".
4 الصاحبي "ص90".
5 اللسان "14/ 31"، "أري".
6 فخر السودان من رسائل الجاحظ "1/ 184 وما بعدها".
فقال: قلتم إنا لقاح ولسنا نؤدي الخراج والأريان، فإعطاء الخراج، أهون من الفرار وإسلام الدار للأحابيش، وأنتم مثل عدد من جاءكم المرار الكثيرة1.
ويقصدون باللقاح الحي لم يدينوا للملوك ولم يملكوا ولم يصبهم في الجاهلية سبأ2.
والإتاوة في الأصل الجباية عامة. أي: جباية كل شيء. وهي كلمة عامة تشمل أخذ كل عطاء، أي: كل ما يؤخذ طوعًا أو كرهًا عن شيء، فتشمل الخراج والجزية والجباية والرشوة، وما يفرض تعنتا وزوروًا، والمكوس والخراج إتاوة. يقال: أدى إتاوة أرضه، أي: خراجها، والجباية إتاوة. يقال: ضربت عليهم الإتاوة، أي: الجباية، وهي بمعنى الرشوة. يقال: شكم فاه بالإتاوة، أي: الرشوة. وتدخل فيها الرشوة على الماء. وجاء في قول الجعدي:
موالي حلفٍ لا موالي قرابة
…
ولكن قطينًا يسألون الإتاويا
أي: هم خدم يسألون الخراج3
وقد ذكر "الجاحظ" الإتاوة في جملة ما ترك الناس في الإسلام من ألفاظ الجاهلية، إذ تركوها، وأحلوا لفظة "الخراج" محلها4.
وكانت قريش تأخذ ممن نزل عليها في الجاهلية شيئًا كانت تأخذ بعض ثيابه أو بعض بدنته التي ينحر، إتاوة. ولما خرج "ظويلم" الملقب بـ"مانع الحريم" في الجاهلية يريد الحج، فنزل على المغيرة بن عبد الله المخزومي، فأراد المغيرة أن يأخذ منه ما كانت قريش تأخذ ممن نزل عليها في الجاهلية، امتنع عليه "ظويلم" وقال:
يا رب هل عند من غفيره
…
إنّ مني مانعه المغيره
ومانع بعد مني ثبيره
…
ومانعي ربي أن أزوره
وذلك سُمي "الحريم" وظويلم الذي منع "عمرو بن صرمة" الإتاوة التي كان يأخذها من غطفان5.
1 المصدر نفسه "187".
2 أنشد ابن الأعرابي:
أبوادين الملوك فهم لقاح
…
إذا هيجوا إلى حرب أشاحوا
اللسان "2/ 583"، "لقح".
3 تاج العروس "10/ 7"، "أتوا".
4 الحيوان "1/ 327"، "هارون"
5 الاشتقاق "171 وما بعدها".
ويعبر في عربية القرآن الكريم عن الشيء الذي يخرجه القوم في السنة من مالهم بقدر معلوم بـ"الخرج" وبـ"الخراج"، فهو إتاوة تؤخذ من أموال الناس1.
و"الخرج" كما يقول علماء اللغة أعم من الخراج، وجعل الخرج بإزاء الدخل.
والخراج مختص في الغالب بالضريبة على الأرض. وقيل: العبد يؤدي خرجه، أي: غلته، والرعية تؤدي إلى الأمير الخراج2. وقد خصصت لفظة "الخراج" في الإسلام بما وضع على رقاب الأرض، وخصصت الجزية بما يدفع عن الرأس.
و"الخرج" بما يدفعه الرقيق إلى سيده وماله عن خراجه3. وقيل: هو الأجرة، وأن الخرج من الرقاب، والخراج من الأرض. وأرض الخراج تتميز عن أرض العشر في الملك والحكم4
ويقابل "الخراج" بالمصطلح الإسلامي لفظة Pnoros في اليونانية، فهي ضريبة الأرض عند اليونان5. وقد كان البيزنطيون قد فرضوا "الخراج" على غلة الأرض يدفعها كل من خضع لهم. وكان يدفعها عرب الشأم لهم أيضًا، لأنهم كانوا في حكمهم. وأما عرب العراق، فقد دفعوا "الخراج" إلى الفرس6.
ويقال للخراج: "خرجًا" في لغة بني إرم، ووردت في "التلمود" بلفظ:"خرجه" و"خرجًا". وهي عند الساسانيين خراج الأرض، أي: الضريبة الخاصة بحاصل الأرض. ولكن الفرس القدماء لم يكونوا في القديم يفرقون بين الخراج والجزية، أي: ضريبة الرأس، بل كانوا يطلقونها على الضريبتين. وقد وردت لفظة "خرجًا" في التلمود بمعنى ضريبة الرأس7.
وأطلق "التلمود" على ضريبة الأرض اسم "طسقه""طسقا" Taska
1 اللسان "2/ 251"، القاموس للفيروزآبادي "1/ 184"، تاج العروس "2/ 82"، "خرج".
2 المفردات، للراغب الأصفهاني "ص145".
3 اللسان "2/ 251"، القاموس "1/ 184"، الطبرسي، مجمع "6/ 492 وما بعدها"، تفسير الطبري "16/ 17"، البيضاوي "297"، الكشاف "2/ 271/ 366، روح المعاني "16/ 37"، "18/ 48"، الأحكام السلطانية "ص142، 146 وما بعدها"، كتاب الخراج، لأبي يوسف "ص39"، النهاية، لابن الأثير "1/ 190".
4 الأحكام السلطانية "146 وما بعدها".
5 Hastings، P. 948
6 دائرة المعارف الإسلامية "8/ 280"، "الخراج".
7 J. Obermyer، Die Landschaft Babylonien، S. 221
"ط س ق". وهي بهذا المعنى عند الفرس1. وقد أخذ العبرانيون اللفظة من الفرس. وقد كتب "عمر" إلى "عثمان بن حنيف" في رجلين من أهل الذمة أسلما: "ارفع الجزية عن رءوسهما، وخذ الطسق من أرضيهما". وعرف علماء العربية "الطسق" بأنه شبه الخراج، له مقدار معلوم، وما يوضع من الوظيفة على الجريان من الخراج المقرر على الأرض. وقد ذكروا أن اللفظة فارسية معربة2.
وقد وردت لفظة "الخرج" و"الخراج" في القرآن الكريم3، مما يدل على أن اللفظتين كانتا معروفتين عند أهل الحجاز قبل نزول الوحي على الرسول، وأنهما كانتا من الألفاظ المستعملة عندهم في الأمور المالية المتعلقة بدفع الضرائب إلى الحكومات وإلى ذوي السلطان. ويرى بعض المستشرقين أن الجاهليين أخذوا اللفظة من "بني إرم"، وأنهم وقفوا على "خرجه"، "خرج" و"خرجا"، وحولوهما إلى "خرج" و"خراج".
ولما فتح المسلمون العراق والشأم، أبقوا النظم المالية والإدارية على ما كانت عليه في أول الأمر، لأنها نظم قديمة، لم يكن من السهل تغييرها وتبديلها، فكان "الخراج" في جملة ما أبقي من النظم المالية.
وقد دفع عينًا، أي: غلة، فكان محتسب الخراج، يذهب إلى القرى عند دنو أجل دفع الخراج، فيأخذه من المزارعين عينًا، كأن يدفع برًّا أو شعيرًا، أو مالًا، أي: نقدًا بالدنانير أو الدراهم. ثم غلب الدفع نقدًا على الدفع عينًا، وصار هذا النقد موردًا مهمًّا من موارد بيت المال4.
والجزية من الألفاظ المستعملة عند الجاهليين كذلك، بدليل ورودها في القرآن الكريم5. وقد خصصت في الإسلام بما يؤخذ من أهل الذمة على رقابهم6.
1 J. Obermyer، Die Landschaft، S. 221-222، Baba M. 73b
2 اللسان "ط/ س/ ق"، "10/ 225"، غرائب اللغة "238".
3 سورة المؤمنون، الآية72، سورة الكهف، آية93، كتاب الخراج، لأبي يوسف "39".
4 دائرة المعارف الإسلامية "8/ 280".
5 التوبة، الآية28 وما بعدها.
6 المفردات للأصفهاني "ص91"، اللسان "14/ 146 وما بعدها"، القاموس "4/ 312""دار المأمون"، تاج العروس "10/ 73"، دائرة المعارف الإسلامية "6/ 454"، الكشاف "2/ 35"، الطبري "10/ 21"، روح المعاني "10/ 70"، تفسير البيضاوي "193، 297، 337".
وقد كان الجاهليون يأخذون الجزية من المغلوبين، وكانت عندهم الضريبة التي تؤخذ عن رءوس المغلوبين، يدفعونها إلى الغالب. فدفعتها القبائل المغلوبة للقبائل الغالبة، على أساس الرءوس.
والظاهر أن المسلمين في صدر الإسلام لم يكونوا يفرقون بين الخراج والجزية، فقد استعملوا الخراج عن الرءوس وعن الأرض كما استعملوا لفظة "الجزية" بمعنى خراج الأرض1، ورد في الحديث:"من أخذ أرضًا بجزيتها"2.
وأشار الطبري إلى أن "المثنى"، وضع على أهل الحيرة بعد كفرهم وارتدادهم "أربعمائة ألف سوى الحَرَزة"3. ويذكر علماء اللغة أن "الحرزة" خيار المال؛ لأن صاحبها يحرزها ويصونها. والحرائز من الإبل التي لا تبع نفاسة بها4.
وجعلها بعضهم "الخرزة".وقالوا: إنها نوع من جزية الرءوس، كانت معروفة في زمن الأكاسرة، يؤديها كل من لم يدخل في جند الحكومة5.
و"المكس"، دراهم تؤخذ من بائع السلع في أسواق الجاهلية. ويقال لجابي المكس: صاحب المكس، والماكس والمكّاس6. والمكس الجباية. و"الماكس" الذي يتولى المكس. قال العبديُّ في الجارود:
أيا ابن المعلى خلتنا أم حسبتنا
…
صراريَّ نعطي الماكسين مكوسا7
وكان "الماكس"، ويقال له: العشّار، يشتط في كثير من الأحيان، ويظلم الناس في الجباية، إذ يزيد عليهم في المقدار، فكانوا لذلك مكروهين، حتى لقد ورد في الحديث:"لا يدخل صاحب مكس الجنة"8.
وقد أشير إلى المكس وإلى الإتاوة التي تؤخذ من أسواق العراق في شعر "جابر بن حُنَي".
1 "والجزية: خراج الأرض" اللسان "14/ 146 وما بعدها""جزى"، دائرة المعارف الإسلامية "8/ 280"، تاج العروس "10/ 73"، "جزئ"، النهاية "1/ 190".
2 اللسان "14/ 146"، النهاية "1/ 190" تاج العروس "10/ 73"، "جزى".
3 الطبري "3/ 364".
4 تاج العروس "4/ 24"، "حرز".
5 الطبري "3/ 364"، ملحوظة "6"، الوثائق السياسية "422".
6 تاج العروس "4/ 249"، "مكس"، الصاحبي "ص90"، المخصص "12/ 253".
7 الحيوان "1/ 327"، "هارون".
8 اللسان "6/ 220"، "مكس"، الصحاح "1/ 477".
أفي كلّ أسواق العِراق إتاوة
…
وفي كلّ ما باع امرؤٌ مكسُ درهم1
فإن ملوك العرب كانت تأخذ من التجار في البرّ والبحر، وفي أسواقهم، المكس، وكانوا يظلمونهم في ذلك. ولذلك قال جابر بن حنَيّ، وهو يشكو ذاك في الجاهلية ويتوعد، وهو قوله:
ألا تستحي منّا ملوك وتتقي محارمنا
…
لا يبوو الدم بالدم
وفي كل أسواق العِراق إتاوة
…
وفي كل ما باع امرؤ مكس درهم2
ولهذا زعم الأعراب أن الله لم يدع ماكسًا إلا أنزل به بلية، وأنه مسخ منهم اثنين ضبعًا وذئبًا. فلهذه القرابة تسافدا وتناجلا، وإن اختلفا في سوى ذلك.
فمن ولدهما السمع والعِسبار. وفي هذا المعنى قول الشاعر:
مَسَخَ الماكسين ضبعًا وذئبًا
…
فلهذا تناجلا أم عمرو
وضريبة "العشر" هي ضريبة معروفة بين الجاهليين، فقد كانت الحكومات تتقاضى عشر ما يحصل عليه التاجر من ربح في البيع والشراء، وكان المتولون أمور الأسواق يتقاضون العُشر كذلك. وقد أشير إليها في كتابة قتبانية، حيث كانت حكومة قتبان تتقاضى هذه الضريبة من المتعاملين في البيع والشراء، إذ كانت تأخذ عشر الأموال3، وتوسعت في ذلك حتى عمت هذه الضريبة على كل ربح أو وارد يصيبه الرجل سواء أكان ذلك من البيع والشراء أم من الإجازة والإرث4.
وقد كانت هذه الضريبة مقررة في كل جزيرة العرب وفي خارجها، ففي كل سوق من الأسواق عشارون يجبون العشر ممن يبيع ويشتري، بأمر المشرف على السوق ومن في أرضه تقام، ويقدم ما يجمع إليه. ومن أخذ العشر من التاجر، قبل
1 الحيوان "1/ 327"، "هارون".
وفي كل أسواق العراق اتامة
…
وفي كل ما باع امرؤ مكس درهم
الحيوان "6/ 148"، "هارون".
2 الحيوان "6/ 148 وما بعدها"، "هارون".
3 Glser 1601، Rhodokanakis، Kat. Texte، I، s. 7
4 Glser 1601، Rhodokanakis، Kat. Texte، I، s. 7
لجابيه: العشار والمعاشر، وهو الذي يعشر الناس1.
وقد كان التجار العرب الذين يقصدون بلاد الشأم للاتجار في أسواقها يدفعون العشر إلى العشارين، ففي "بُصْرى" وغزة، وهما أشهر الأسواق في تلك البلاد بالنسبة إلى العرب، كان تجار العرب يؤدون ضريبة العشر إلى الجباة الذين عيّنهم الروم، كذلك كان يعشر أصحاب الأسواق من يفد عليها من التجار.
ويؤخذ العشر عينًا أو نقدًا بحسب الثمن. ولما كان النقد قليلًا إذ ذاك كان الدفع عينًا هو الغالب في أداء هذه الضريبة. وقد أبطل الإسلام هذه الضريبة، وعدّها من سيماء أهل الجاهلية، وجعل رفعها من التخفيف الذي جاء به دين الله. وقد ذكر المحدثون أحاديث في إبطالها وفي ذم من يعشر الناس. بل ورد في بعضها جواز قتل العشّار2. ويظهر أن أهل الجاهلية كانوا يشتطون في أخذها ويسرفون في ظلم التجار وأصحاب السوق في أخذها، فذموا العشار وهجوه. ودعوا عليه. وقد ذكر بعض أهل الأخبار أن "سهيلًا" كان عشارًا على طريق اليمن ظلومًا، فمسخه الله كوكبًا3.
وكان مما يفعله العشارون وضع "المآصر" على مفترقات وملتقيات الطرق وعلى المواضع المهمة من الأنهار ليؤصروا السابلة وأصحاب السفن، ولتؤخذ منهم العشور4.
وقد عرف من كان يقوم بالتقدير والخرص بـ"الحازر" و"الخارص". لأنه كان يحزر المال ويقدر ما يجب أخذه منه ومن غلة الزرع بالحدث والتقدير.
وكان الحاذر يشتدل في أخذ الحزرة ويتعسف على الناس. وقد نهى النبي عن ذلك والحاذر مثل العشار والخارص من المكروهين عند الجاهليين5.
و"الخارص" المقدر والمخمّن، ومنه خرص النخل والتمر، لأن الخرص، إنما هو تقدير بظن لا إحاطة. وما يدفع عن الأرض والنخل الخرص. يقال: كم خرص أرضك.
1 تاج العروس "3/ 400"، اللسان "4/ 567"، النهاية "3/ 110"، القاموس "2/ 89".
2 تاج العروس "3/ 400"، "عشر"، اللسان "4/ 567"، "عشر"، النهاية "3/ 110"، القاموس "2/ 89".
3 تاج العروس "7/ 384"، "سهل".
4 اللسان "4/ 24"، "أصر".
5 تاج العروس "3/ 138"، "حزر".
وكم خرص نخلك، وفاعل ذلك الخارص. وكان النبي يبعث الخراص لخرص نخيل خيبر عند إدراك ثمرها، فيحزرونه رطبًا كذا وثمرًا كذا1.
وكان أهل الحجاز وبقية جزيرة العرب، يدفعون العشر عن غلات أرضهم.
فلما جاء الإسلام، أقر ذلك، وجعل أرض العرب أرض عشر. ولم يدخلها الخلفاء في أرض الخراج2.
ويعبر عن الضريبة التي تقابل ضريبة "الكمارك" في مصطلحنا، بلفظة Telos، وبـ Telonion عن "الكمرك"، أي: الموضع الذي تؤخذ به الضرائب "الكمركية" من التجار3. وكان الرومان واليونان قد أقاموا "كمارك" على حدودهم مع البلاد العربية وضعوا فيها جباة لجباية العرب القادمين من جزيرة العرب للاتجار.
ولما كان من الصعب على الروم جباية العشور والحقوق الأخرى من العرب، وكلوا أمر الجباية إلى سادات القبائل والأمراء في الغالب، ممن يعتمدون عليهم وممن لهم قبيلة قوية تخشاها القبائل الأخرى، وقد كان أمد هذا الإيكال يتوقف على أهمية الشخص ومكانته ومنزلة قبيلته، فإذا مات وترك خلفًا ضعيفًا، أو فقدت قبيلته سلطانها، حتى طمعت فيها قبائل أخرى أقوى منها، ووجدوا ألا أمل لهم في هذا الشخص، فإنهم ينبذونه ويعطون الجباية إلى شخص آخر. وقد كان "سلامة بن روح بن زنباع الجذامي"، أحد من أولى إليهم الروم العشور، وقد هجاه "حسان بن ثابت" فوصفه بأنه "دمية" في لوح باب، وأنه بئس الخفير، وأنه غادر خدّاع، ولا ينفك -أي: جذامي- يغدر ويخدع ما دام "ابن روح" حيًّا4.
وقد أقر العشر في الإسلام، ولكن بأسلوب آخر، فأخذ من "خثعم"، كما أخذ من أهل "دومة الجندل". وأخذ أيضًا من حمير، فقد جاء في كتاب الرسول إلى رؤسائهم الحارث بن عبد كلال ونعيم بن عبد كلال والنعمان، قيل: ذي رعين ومافر وهمدان: "وأعطيتم من المغانم خمس الله، وسهم الرسول وصفيه، وما كتب على المؤمنين من الصدقة من العقار، عشر ما سقت العين
1 تاج العروس "4/ 385"، "خرص".
2 الخراج "58"، النهاية "1/ 190".
3 Hastings، P. 948
4 البرقوقي "ص219".
وسقت السماء، وعلى ما سقى الغرب1 نصف العشر. وإن في الإبل الأربعين ابنة لبون، وفي ثلاثين من الإبل ابن لبون ذكر، وفي كل خمس من الإبل شاة، وفي كل عشر من الإبل شاتان
…
"2. وعقد مثل ذلك مع بني الحارث بن كعب3.
والكلام على العشر في الإسلام، وعلى الأرضين التي كانت تدفع العشر، يخرجنا من بحثنا هذا، وللفقهاء كلام طويل مسهب في هذا الموضوع، فعلى كتب الخراج مثل كتاب الخراج للقاضي أبي يوسف وكتاب الخراج ليحيى بن آدم القرشي، وكتب الفقه والأحكام أحيل القارئ الراغب في الوقوف على العشر في الإسلام.
والعشر من الضرائب القديمة المعروفة عند الشعوب القديمة من ساميين وغيرهم، وتكاد تكون من أقدم الضرائب المعروفة في التاريخ، وهي "أشرو" Ish-ru-u في النصوص الأشورية4 و"معشير" Ma'asher في العبرانية5. وقد كان الأشوريون يتقاضون العشر من التمر والحبوب عينًا، كما كانوا يتقاضونه ذهبًا6.
وقد كانت معظم الشعوب الهندوجرمانية والسامية وغيرها تعشر أموالها: تعشر الماشية، والأثمار، وكل ما تملكه وما تغنمه في الحرب، وتخصصه باسم آلهتها.
فالعشر زكاة قديمة أدتها الشعوب إلى آلهتها تقربًا إليها وتطهيرًا لأموالها، فهي من أقدم الضرائب عند الإنسان7.
وقد خصص العشر بـ"يهوه" إله إسرائيل وحده، يجمعها اللاويون باسمه، ولكننا نجد أن العبرانيين دفعوا العشر في بعض الأحيان إلى الملوك كذلك8.
ويمكن رد الأسباب التي دعت العبرانيين إلى تخصيص العشر بالله "يهوه" إلى اعتقاد العبرانيين أن الله هو مالك كل شيء، وأن الأرض والعالم كله له، وأنه
1 الغرب: الدلو
2 ابن هشام "4/ 236": "قدوم رسول ملوك حمير بكتابهم".
3 ابن هشام "4/ 240": "إسلام بني الحارث بن كعب على يدي خالد بن الوليد لما سار إليهم".
4 Shrader، Keilinschrift Bibliotheck، IV، 192، 205
5 Shrader، Keilinschrift Bibliotheck، IV، 192، 205
6 التكوين: الإصحاح الرابع عشر، الآية20، الإصحاح 28 اذية22.
7 Hastings، p. 940
8 قاموس الكتاب المقدس "2/ 103"، Hastings، P. 940
مانح الخصب والحياة، وأنه الكائن الأعلى، ولهذا خصصوا عشر ما ينتجه العبراني لله، ثم لسبب آخر نشأ فيما بعد، هو تقرب العبرانيين إلى إلههم بهذا العشر، عبادة له وتقربًا إليه. وذلك كما يفهم من الآيات الواردة عن العشر في التوراة1.
وتدفع القبائل الضعيفة إتاوة إلى القبائل أو إلى الملوك، تكون بمثابة حق الحماية والاعتراف بالسيادة. ولهذا كانت القبائل التي لا تدفع إتاوة تتباهى وتفتخر؛ لأن ذلك يدل على عزتها ومنعتها، ويقال: إن الأوس والخزرج ابني قيلة، لم يؤديا إتاوة قسط في الجاهلية إلى أحد من الملوك. فلما كتب إليهم تبع يدعوهم إلى طاعته ويتوعدهم، لم يجيبوه، وتحارب معهم، ثم ارتحل عنهم2.
وكانت للغطاريف على دوس إتاوة يأخذونها كل سنة، حتى إن الرجل منهم كان يأتي بيت الدوسي، فيضع سهمه أو نعله على الباب ثم يدخل3.
ويقال للقوم الذين قهروا على أمرهم، واضطروا إلى أداء ضريبة لمن قهرهم، "النخة"، وصاروا "نخة" له4.
ولا بد لي من الإشارة هنا إلى جباية كانت الحكومات تأخذها عينًا عن الحبوب والزراعة، للإنفاق منها على إعاشة الجيش. وقد عرفت بـ"س اول ت"، "ساولت". ذكرت في النصوص السبئية والقتبانية. فهي ضريبة عينية تؤخذ من الزراعة، يجبيها موظفون يعرفون بـ"ساولت"5، فهم جمّاع هذه الضريبة.
وكان ملوك الجاهلية قد وضعوا "الوضائع" على رعيتهم، من الزكوات والمغنم في الحروب، يستأثرون به. وقد أشير إليها في الحديث. ورد في حديث "طهفة بن زهير النهدي"، أن الرسول قال:"لكم يا بني نهد ودائع الشرك ووضائع الملك" أي: ما وضع عليهم في ملكهم من الزكوات. أي: لكم الوظائف التي نوظفها على المسلمين لا نزيد عليكم فيها شيئًا. وقيل: معناه ما كان من ملوك الجاهلية يوظفون على رعيتهم ويستأثرون به في الحروب وغيرها من المغنم. أي
1 Hastings، P. 940
2 العقد الفريد "2/ 192 وما بعدها".
3 الأغاني "12/ 53".
4 اللسان "ن/ خ/ خ"، "3/ 60".
5 Handbuch، I، S. 128