الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أملاك بها وبساتين استغلوها. ومنهم من كان يذهب إلى بلاد الشام للاتجار ولتمضية الصيف هناك.
وكان في جملة ما ابتكره الجاهليون لقطع الوقت "الأغلوطات"، وهي صعاب المسائل، فيطرح سائل ما سؤالًا عويصًا على المستمعين، ويطلب منهم أن يعملوا فكرهم لحلّه، وقد ورد في الأخبار أن الرسول نهى عن "الأغلوطات"1. وقيل:"الغلوطات". وهي الكلام الذي يغلط فيه ويغالط به2.
وكان تناشد الشعر والتساجل فيه من جملة الأمور التي أمضوا أوقاتهم بها.
فكان أحدهم يطارح صاحبًا له أو جملة أصحاب له الشعر، وقد يجتمع الأصدقاء حولهم ليروا الفائز من المتبارين. والفائز هو من يبز غيره في الحفظ، إذ يبقى يطارح أصحابه ما يحفظ حتى يعجزهم، فيغلبهم ويكسب الفوز. وقد يكون ذلك برهن يعطى للغالب، وقد يكون بغير رهن. والمساجلة المباراة والمفاخرة في الأصل، بأن يصنع كل من المتبارين صنعه في شيء فمن بقي وبز صاحبه غلبه.
وهكذا تكون في الشعر، فمن يثبت يكسب المساجلة3.
1 العقد الفريد "2/ 225"، تاج العروس "5/ 193"، "غلط".
2 اللسان "7/ 363".
3 تاج العروس "7/ 370"، "سجل".
اللباس:
جاء في بعض الأخبار: "كل ما شئت والبس ما شئت"1. ولكن الشائع بين الناس "كل ما شئت والبس ما يشتهي الناس"، ذلك لأن اللباس مظهر، وعلى الإنسان أن يظهر في خير مظهر أمام الناس. وقد ورد أن العرب تلبس لكل حالة لبوسها2. وينطبق ذلك على السراة وذوي اليسار والثراء بالطبع، أما سواد الناس، فلم يكن من السهل عليهم الحصول على اللباس. إذ كان غاليًا مرتفع الثمن بالنسبة لأوضاعهم الاقتصادية. فكانوا يسترون أجسامهم بأسمال بالية وبكل ما يمكن أن يستر الجسم به.
وكسوة العرب، تختلف وتتباين، باختلاف الشخص وباختلاف الجماعة التي
1 إرشاد الساري "8/ 417"، عيون الأخبار "1/ 296"، "باب اللباس".
2 اللسان "6/ 202 وما بعدها".
ينتسب إليها والمكان الذي يعش فيه. فللأعراب ألبسة وذوق، ولأهل المدر أذواق وأمزجة في اللباس، تتباين فيما بينها، بتباين المنزلة والمكانة والحرفة. ولذوي اليسار والثراء ألبسة فاخرة، يستوردونها من الخارج في بعض الأحيان، فيها أناقة وفيها تصنع، وهي من المواد الغالية الثمينة في الغالب، لا يتاح لغير الموسرين الحصول عليها. ثم إن بعض الناس يفضلون لونًا يعافه بعض آخر ويتجنبه.
فكان الكاهن لا يلبس المصبغ، والعرف لا يدع تذييل قميصه وسحب ردائه، والحكم لا يفارق الوبر، ولحرائر النساء زيّ، ولكل مملوك زي، يتساوى في ذلك لباس الرأس ولباس البدن1.
وقد كان أثرياء مكة ويثرب والقرى والقبائل يلبسون الملابس الفاخرة المصنوعة من الحرير ودقيق الكتان والخز، وغير ذلك من الثياب الغالية الرقيقة، المستوردة من دور النسيج المعروفة في جزيرة العرب ومن خارجها، ويلبسون النعال الجيدة، مثل النعل الحضرمية المشهورة بمكة، ويتعطرون بعطور غالية ثمينة2، ويركبون الدواب الحسنة المطهمة مبالغة في التباهي والتظاهر.
وتختلف كسوة الرأس عند العرب باختلاف منزلة الرجل ومكانته ووضعه وحاله.
و"العمامة" هي فخرهم وعزهم وأفخر ملبس يضعونه على رءوسهم. حتى قيل: "عمم الرجل: سوّد؛ لأن تيجان العرب العمائم، فكما قيل في العجم: توج من التاج، قيل في العرب: عمم"، "والعرب تقول للرجل إذا سود: قد عمم، وكانوا إذا سودوا رجلًا عمموه عمامة حمراء"3. وورد عن عمر قوله:"العمائم تيجان العرب4". وهي تعد عادة من عادات العرب5. خاصة العرب أصحاب الجاه والمكانة والنفوذ من حضر وبادية، فإنها تميزهم عن بقية الناس.
وقد جاء في الخبر: "أن العمائم تيجان العرب". "وكان يقال: اختصت
1 بلوغ الأرب "3/ 406 وما بعدها".
2 طبقات ابن سعد "3/ 116""طبعة صادر".
3 اللسان "12/ 425""صادر".
4 البيان والتبيين "2/ 88".
5 بلوغ الأرب "3/ 410"، اللسان "12/ 424 وما بعدها".
العرب من بين الأمم بأربع: العمائم تيجانها، والدروع حيطانها، والسيوف سيجانها، والشعر ديوانها"1.
وتعد العمامة من لبس الطبقة العالية والمترفة، وذلك لأن الطبقة الفقيرة والعامة لم تكن تتمكن من اقتنائها، وإنما تضع على رأسها أغطية أخرى، أخف وزنًا وثمنًا من العمامة، ولذلك كانوا إذا أرادوا التعبير عن رخاء شخص، قالوا:"أرخى عمامته: أمن وترفه، لأن الرجل إنما يرخي عمامته عند الرخاء"2.
وجاء في الحديث: أنه كان يتعوذ من الحور بعد الكور، أي من النقصان بعد الزياد. وهو من تكوير العمامة، لأن الكور تكوير العمامة، والحور نقضها، وتكوير العمامة دلالة على الرخاء وحسن الحال، والحور يعني تغير الحال كما ينتقض كور العمامة بعد الشد3. ففي تكوير العمائم، دلالة على النعمة والرخاء. إذ لم يكن في وسع الفقير شراء قماش يعمم به رأسه على سنة الأغنياء. فكيف به يعمم رأسه بعمامة كبيرة.
ولم يكن تكوير العمامة العلامة الوحيدة الدالة على الغنى والجاه، بل كان الإسراف في إطالة الردن والذيل في الثوب من علائم الغنى والجاه أيضًا. فقد كان السادات والأغنياء يطيلون الأردان وأذيال الثياب، حتى تصير تلامس الأرض، للتعبير عن غناهم وكثرة مالهم وأنهم لا يبالون بالمال ولا بالثياب فيتركونها تجر الأرض وراءهم من سعة عيشهم. بينما لم يكن في وسع الفقير أكساء جسمه حتى بالأسملة.
وللعمامة منزلة كبيرة عند العرب. فهي تعبر عن شرف الرجل وعن مكانته، فإذا اعتدي عليها أو أهينت، لحق الذل بصاحبها، وطالب بإنصافه وبأخذ حقه.
وإذا أهين شخص أو شعر بإهانة لحقت به، ألقى بعمامته على الأرض، ونادى بوجوب إنصافه. ويعدّ اللوذ بعمامة رجل، وذكرها من موجبات الوفاء والإنصاف لمن لاذ بها. "وإذا قالوا سيد معمم، فإنما يريدون أن كل جناية يجتنيها الجاني في تلك العشيرة، فيه معصوبة برأسه"4. كما يريدون بذلك السيادة لأن تيجان العرب العمائم، فكما قيل في العجم: توج من التاج. قيل في العرب: عمم. وكانوا
1 الثعالبي، ثمار القلوب "159".
2 اللسان "12/ 425".
3 اللسان "5/ 155 وما بعدها"، "صادر"، "كور".
4 بلوغ الأرب "3/ 409"، البيان والتبيين "3/ 52".
إذا سودوا رجلًا عمموه عمامة حمراء. وكانت الفرس تتوج ملوكها فيقال له: المتوج1.
ويدل سيماء العمامة على مكانة حاملها، فلقماش العمامة وللونها ولشكلها العام، أي كيفية تكويرها، دلالة على مكانة صاحبها ومنزلته في المجتمع. فعمامة المترفين المتمكنين هي من أقمشة فاخرة، نسجت بعناية، منها عمائم الديباج والخز، وذكر أن العمائم المهراة، وهي الصفرة، هي لباس سادة العرب2. وأن بعض السادة مثل "الزبرقان بن بدر" كانوا يصبغون عمائمهم بصفرة، ويعصفرونها بالعصفر وإلى ذلك أشار الشاعر بقوله:
وَأَشهَدُ مِن عَوفٍ حُلولًا كَثيرَةً
…
يَحُجّونَ سَبَّ الزَبرَقانِ المُزَعفَرا
والسب: العمامة3.
وورد في الحديث "كانت عمائم العرب محنكة" أي طرف منها تحت الحنك4.
وقد جرت عادة العرب بإرخاء العذبات، وقد يزيدون في ذلك دلالة على الوجاهة والغنى5.
ويذكر علماء اللغة أن "من أسماء العمامة: العصابة، والمقطعة، والمعجر، والمشوذ، والكوارة"6. وقيل: إن العصابة والعمامة سواء7.
وقد كان السادات يتفننون في لبس العمامة وفي اختيار ألوانها، فكانوا يختارون لكل مناسبة لونًا، فكان بعضهم إذا قاتل لبس عمامة حمراء، ولبس بعضهم عمامة صفراء أو سوداء. يتبع ذلك مزاج لابسها وعمره، ونُظر إليها على أنها جمال الرجل، ومظهره الذي يظهر به. ورد أن علي بن أبي طالب كان يقول:
1 تاج العروس "8/ 410"، "عم".
2 بلوغ الأرب "3/ 408"، فقه اللغة، للثعالبي، "242"، "مطرف خز وعمامة خز وجبة خز"، الطبقات، لابن سعد "7/ 37".
3 بلوغ الأرب "2/ 408"، شرح ديوان حسان "ص245""للبرقوقي"، تاج العروس "1/ 292"، "سب".
4 بلوغ الأرب "3/ 408".
5 إرشاد الساري "8/ 420".
6 بلغ الأرب "3/ 408".
7 البيان والتبيين "3/ 95".
جمال الرجل في عمته، وجمال المرأة في خفها1.
وفي الأمثال: "أجمل من ذي عمامة"، وهو مثل من أمثال مكة، قيل: إنهم قالوه لسعيد بن العاص بن أمية، المعروف عندهم بـ"ذي العمامة".
وكان في الجاهلية إذا لبس عمامة، لا تلبس قريش عمامة على لونها. وقيل: إنه كناية عن السيادة. وذلك لأن العرب تقول: فلان معمم، يريدون أن كل جناية يجنيها الجاني من تلك القبيلة والعشيرة، فهي معصوبة برأسه. وإلى مثل هذا ذهبوا في تسميتهم سعيد بن العاص، ذا العمامة، وذا العصابة2.
وربما جعلوا العمامة لواء، فينزع سيد القوم عمامته، ويعقدها لواء، وفي ذلك معنى التقدير والاحترام، لأنها عمامة سيد القوم، وربما شدوا بها أوساطهم عند التعب والمجهدة3.
وما يكون تحت الحنك من العمامة هو "الحنكة". أما ما أرسل منها على الظهر فهو الذؤابة. وأما "القفدة" فأعلى العمامة. والعمة العجراء. هي العمة الضخمة. وفي العمامة الكور، وهي الطرائق التي يعصب بها الرأس4.
ولطريقة شد العمامة ووضعها على الرأس أسماء، وضعت لكل شدة أو طريقة من طرق وضعها فوق الرأس. ويختلف حجم العمامة وألوانها باختلاف العمر أيضًا. فللشاب عمائم تميزهم عن الكهول والشيوخ. كما يختلفون عنهم في اختيار ألوان الألبسة. وذكر أن الرسول كانت له عمامة تسمى السحاب، وكان يلبسها ويلبس تحتها "قلنسوة". وكان يلبس القلنسوة بغير عمامة ويلبس العمامة بغير قلنسوة.
وكان إذا اعتم أرخى عمامته بين كتفيه. ولما دخل مكة، دخلها وعليه عمامة سوداء5.
ووضعت القلنسوة على الرأس كذلك، فورد أن خالد بن الوليد كان يضع قلنسوة على رأسه6. وقد لبسها الرسول. وكانت معروفة عند الجاهليين وأشير إليها في الشعر. ولفظة "قلنسوة" من الألفاظ المعربة عن "اللاتينية". عربت من Calantica. ويراد بها ضرب من ملابس الرأس7.
1 البيان والتبيين "2/ 88".
2 مجمع الأمثال "1/ 197".
3 البيان "3/ 105"، بلوغ الأرب "3/ 412".
4 بلوغ الأرب "3/ 412".
5 زاد المعاد "1/ 34 وما بعدها"، "فصل في ملابسه".
6 الأغاني "15/ 12".
7 غرائب اللغة "279".
وقد كان الجاهليون يوفقون أيضًا بين نوع ملابسهم، فكانوا يلبسون مثلًا عمامة خز مع جبة خز ومطرف خز1 وذلك للتناسق في اللباس.
وجعلوا العمامة شعارًا للعرب ورمزًا لهم، إذا زال زالت عروبتهم. "قال غيلان بن خرشة للأحنف: يا أبا بحر. ما بقاء ما فيه العرب؟ قال: إذا تقلدوا السيوف، وشدوا العمائم، واستجادوا النعال، ولم تأخذهم حمية الأوغاد"2.
وورد "في الخبر، إن العمائم تيجان العرب، فإذا وضعوها وضع الله عزهم".
وقيل: اختصت العرب: بالعمائم تيجانها، وبالدروع وبالسيوف وبالشعر3.
وعرفت "المساتق" في الحجاز. وهي فراء طوال الأكمام، واحدتها "مستقة". وذكر الجواليقي أنها من الألفاظ المعربة عن الفارسية، وأنها "مشته" في لغة الفرس. وروي أن الرسول كان يصلي وعليه مستقة، وأن مستقته من سندس مبطنة بالحرير، أهديت إليه4. ذكر أن ملك الروم أهداها إليه5.
وأما الجبة، فهي من ألبسة الموسرين كذلك، لأنها غالية، تكون من خز، وتكون من ديباج ومن أقمشة أخرى. وقد ذكر أن الأكيدر أهدى إلى الرسول جبة من ديباج منسوج فيها الذهب6. وقد تكون واسعة الكمين، كما تكون ضيقتهما. وقد لبس الرسول في السفر جبة ضيقة الكمين7. وذكر أنه قد كانت عند "أسماء بنت أبي بكر" جبة لرسول الله، "طيالسية خسروانية لها لينة ديباج وفرجاها مكفوفان بالديباج. فقالت هذه كانت عند عائشة حتى قبضت، فلما قبضت قبضتها، وكان النبي، صلى الله عليه وسلم، يلبسها، فنحن نغلسها للمريض نستشفي بها"8.
وتعدّ الجبب من مقطعات الثياب. فقد اصطلح علماء اللغة على تقسيم الثياب إلى مقطعات وغير مقطعات. والمقطع من الثياب كل ما يفصل ويخاط من قميص
1 الطبقات "7/ 23".
2 بلوغ الأرب "3/ 409".
3 الثعالبي، ثمار "159".
4 الجواليقي "ص308".
5 زاد المعاد "1/ 35".
6 الطبقات "7/ 23"، الإصابة "1/ 126".
7 زاد المعاد "1/ 35".
8 زاد المعاد "1/ 35"، مسند ابن حنبل "4/ 307".
وجباب وسراويلات وغيرها، وما لا يقطع منها كالأردية والأزر والمطارف، والرياط التي لم تقطع، وإنما يتعطف بها مرة ويتلفع بها أخرى1.
والجبب مثل سائر الثياب، لا تكون بلون واحد. فقد تكون بيضاء، وقد تكون سوداء، وقد تكون حمراء، وقد تكون خضراء، ويختار لابسها اللون الذي يلفت نظره. وقد تكون له جملة جبب بألوان مختلفة، يلبس صاحبها الجبة التي يلائم لونها المناسبة والمكان الذي يذهب إليه.
و"البرنس"2: قلنسوة طويلة، أو كل ثوب رأسه منه، ملتصق به، درّاعة كان أو جبة، أو ممطرًا. وكان النساك يلبسونها في صدر الإسلام3.
واللفظة من الألفاظ المعربة عن اليونانية، عربت من أصل "فيروس" Virros، بمعنى ثوب عريض الكمين، غطاء الرأس ملتص به، أي: هو جزء منه. ويلبس عندهم فوق الثياب4.
و"القميص" من الثياب المقطعة. ذكر بعض علماء اللغة أنه لا يكون إلا من قطن أو كتان. وأما من الصوف فلا. والظاهر أنهم خصصوه بالقطن أو الكتان للغالب5. وذكر أن الرسول لبس قميصًا من قطن، وكان قصير الطول، قصير الكمين. والظاهر أن هذه الصفة كانت هي الصفة الغالبة على القمصان، ثم طولت فيما بعد ووسعت أكمامها6.
و"الخميصة" من الألبسة القديمة. وهي ثياب من خز ثخان سود وحمر ولها أعلام ثخان أيضًا. وذكر أن الخميصة كساء أسود مربع له علمان، فإن لم يكن معلمًا، فليس بخميصة. وذكر أنها قد تكون من خز أو صوف. والظاهر أنهم كانوا لا يسمون الخميصة خميصة، إلا إذا كانت ذات أعلام. وهي من ألبسة الموسرين7.
و"الرداء"، الوشاح، ويقع على المنكبين ومجتمع العنق8. وهو ما يشمر
1 اللسان "8/ 283"، "قطع"، تاج العروس "1/ 172"، "جيب".
2 بالضم.
3 اللسان "6/ 26"، "برنس"، تاج العروس "4/ 108"، "البرنس".
4 غرائب اللغة "255".
5 تاج العروس "4/ 428"، "قمص".
6 زاد المعاد "1/ 43"، ابن سعد، الطبقات "3/ قسم1 ص17".
7 تاج العروس "4/ 390"، "خمص".
8 تاج العروس "10/ 148"، "ردى".
على النصف الأعلى من الجسم لتغطيته، ويكون من قطعة واحدة من القماش، يلف على هذا النصف. قد يكون طويلًا واسعًا، وقد يكون قصيرًا. وقد يلف على الجسم رأسًا، وهو الغالب، وقد يلف فوق ألبسة أخرى.
و"الإزار" الملحفة، وما يستر أسفل البدن، والرداء ما يستر به أعلاه. وكلاهما غير مخيط. وقيل: الإزار ما تحت العاتق والظهر. ولا يكون مخيطًا فهو قطعة قماش، يلف به القسم الأسفل من البدن لستره1. يختلف طوله وعرضه حسب رغبة لابسه. ويلبس الإزار مع الرداء في الغالب، وقد تلبس معه ألبسة أخرى.
و"النمرة" شملة فيها خطوط بيض وسود، وبردة مخططة من صوف تلبسها الأعراب. وذكر أن كل شملة مخططة من مآزر الأعراب، فهي نمرة. وجمعها أنمار ونمار. كأنها أخذت من لون النمر، لما فيها من السواد والبياض. وقد لبس النبي النمار. وورد: نبطي في حبوته، أعرابي في نمرته أسد في تامورته2.
والمطرف: رداء من خز مربع، له أعلام. وهو من الأردية التي يلبسها الأغنياء وذوو اليسار. وذكر أن المطرف رداء في طرفيه علمان3.
ولبس الجاهليون القباء. وقد كان كسرى قد أهدى "الأكيدر" قباءًَ من ديباج منسوج بالذهب4. وكان من عادة الأكاسرة أن يكسوا الرؤساء وسادات القبائل أقبية من الديباج، للتلطف والاسترضاء.
واكتسبت البرد اليمانية شهرة كبيرة بين الجاهليين، وبقيت شهرتها في الإسلام، وهي ذات ألوان. وفي كتب الأخبار: إن وفد رؤساء مكة حينما ذهبوا على سيف بن ذي يزن، لتهنئته، ودخلوا عليه في قصر غمدان، وجدوه متضمخًا بالعنبر، يلمع وبيص المسك في مفرق رأسه، وعليه بردان أخضران قد ائتزر بأحدهما5.
واشتهرت برود "تزيد" عند العرب كذلك وضرب بها المثل، كما يضرب
1 تاج العروس "3/ 11"، "أزر".
2 تاج العروس "3/ 585"، "نمر".
3 فقه اللغة "246". الطبقات "7/ 23"، البيان "1/ 206".
4 الإصابة "1/ 126".
5 العقد الفريد "2/ 23 وما بعدها"، الثعالبي، ثمار القلوب "598".
ببرود اليمن. وذكر أن العرب تنسب البرود الفاخرة إلى تزيد، وتزعم أنها قبيلة للجن1.
ولبس الجاهليون الألبسة الحمراء مثل: المياثر الحمر والألبسة الحمراء البحتة القانية. وذكر أن الرسول نهى عن لبس الألبسة الحمراء الخالصة التي لا يخالط لونها هذا لون آخر. ولم ينه عن لبس الألبسة المخططة بحمرة مع لون آخر، مثل الحلل اليمانية، وهي إزار ورداء، منسوجان بخطوط حمر مع الأسود. كما نهى الرجال من لبس الربط المضرجة بالعصفر، لأنها من لبس الكفار2.
ولبس العرب الثياب المصبغة، وذكر أن ساداتهم كانوا يصبغون ثيابهم بالزعفران.
وأن من صبغ ثيابه به "ذو المجاسد"3. وهو من حكام الجاهلية وفقهائها.
وذكر أن العرب كانت مصفقة على توريث البنين دون الأناث، فورث ماله لولده في الجاهلية للذكر مثل حظ الأنثيين. فوافق حكم الإسلام4. وورد أن ملحفة رسول الله التي يلبس في أهله مورسة حتى أنها لتردع5 على جلده6.
وقد كان الأغنياء والشباب يبالغون في ألبستهم، فكان منهم من يشمر ثوبه، ومنهم من يسبله ويتركه يجر الأرض، ومنهم من يبالغ في ردائه خيلاء وتيهًا وتكبرًا. ونظرًا إلى ما يتركه من أثر في نفوس الفقراء، وإلى ما فيه من إسراف وتبذير في استعمال الأقمشة، نهي عن فعل ذلك في الإسلام. وورد النهي عن ذلك في كتب الحديث7. وورد النهي عن لبس القمصان ذات الأكمام الواسعة الطوال التي هي كالأخراج، لأنها من جنس الخيلاء8.
ويلبس العرب النعال في أرجلهم، ويفضلونها على غيرها من ألبسة الرجل مثل الخف. وقد ورد ذكرها في شعر النابغة9. وتصنع من الجلود المدبوغة، ولا سيما
1 الثعالبي، ثمار "598".
2 زاد المعاد "1/ 35".
3 تاج العروس "2/ 320"، "جسد".
4 المحبر "236، 324".
5 تردع تنفض صبغها.
6 عيون الأخبار "1/ 296"، "باب اللباس".
7 إرشاد الساري "8/ 416"، "كتاب اللباس".
8 زاد المعاد "1/ 35".
9
رِقاقُ النِعالِ طَيِّبٌ حُجُزاتُهُم
…
يُحَيّونَ بِالريحانِ يَومَ السَباسِبِ
البيان "3/ 107".
جلود البقر1. ويذكر بعض أهل الأخبار أن أول من حذا النعال هو جذيمة الأبرش بن مالك2.
وقد ضرب العرب المثل بموضع تجميع الأنعلة في الذلة والهوان. فقيل: هو في صف النعال، لا في صف الرجال3. دلالة على أن الرجل من الطبقة الذليلة.
والخفاف، جمع الخف، هي في منزلة النعل عند العرب. لبسوها في أرجلهم، وشاع استعمالها بين أهل المدر في الحجاز وفي الأمكنة الأخرى. وذكرت في كتب الفقه، في باب الوضوء والصلاة، حيث جوز الفقهاء المسح على الخفين.
وورد النهي باستعمال الخفين للمحرم إلا عند عدم النعلين4، وذلك يدل على استعمال أهل الحجاز للخفاف قبيل الإسلام.
ومن الخفاف، نوع يقال له:"الموزج"، ويذكر بعض علماء اللغة أن اللفظة من الألفاظ المعربة عن الفارسية، وأن أصلها "موزه"5. وهناك نوع آخر يسمى "الموق" ويجمع على "أمواق"، وقد عرف بأنه خف غليظ يلبس فوق الخف. ويظهر من بيت للشاعر المخضرم النمر بن تولب، إن العباديين كانوا يلبسون الأمواق إذ وصف مشية النعاج بمشي العباديين في الأمواق6.
وورد في الأخبار: أن العرب تلهج بذكر النعال، والفرس تلهج بذكر الخفاف7.
وورد أن النساء كن يلبسن الخفاف، وقد ورد أن أصحاب رسول الله كانوا ينهون نساءهم عن لبس الخفاف الحمر والصفر. ويقولون: هو من زينة آل فرعون8. ويعني هذا أن نساء الجاهلية كن يلبسن الخفاف الملونة، فوجد المسلمون أن في ذلك تقليدًا للأعاجم فأمروهن بنبذ الملون منها.
1 بلوغ الأرب "3/ 415".
2 المعارف "ص241".
3 الثعالبي، ثمار "607".
4 شمس العلوم، الجزء الأول، القسم الأول "ص149".
5 الجواليقي "ص311".
6
فترى النعاج به تمشي خلفه
…
مشى العبادين في الأمواق
الجواليقي "ص311"، جمهرة ابن دريد "3/ 166".
7 البيان "3/ 106".
8 بلوغ الأرب "3/ 413".
وقد ضرب العرب المثل بخفي حنين عند اليأس من الحاجة والرجوع بالخيبة.
فيقال: رجع بخفي حنين. وكان حنين إسكافًا من أهل الحيرة، فساومه أعرابي بخفين، فاختلفا حتى أغضبه الأعرابي، وأراد حنين غيظ الأعرابي، فلما ارتحل أخذ أحد خفيه، فطرحه، ثم ألقى الآخر في مكان آخر، فلما مر الأعرابي بأحدهما قال: ما أشبه هذا الخف بخفي حنين ولو معه الآخر لأخذته، ومضى فلما انتهى إلى الآخر ندم على تركه الأول، فأناخ راحلته ورجع في طلب الأول، وقد كان حنين كمن له، فعمد إلى راحلته وما عليها فذهب بها، وأقبل الأعرابي وليس معه إلا خفان. فقال له قومه: ماذا جئت به من سفرك؟ قال جئتكم بخفي حنين. فذهبت كلمته مثلًا1.
وحيث أني سأتكلم عن ملابس الجاهليين بشيء من الإطناب في أثناء حديثي عن الحرف، لذلك أكتفي بما ذكرته في هذا الموضع عن الملابس، على أمل التحدث عنها في ذلك المكان.
ومن عادة أهل "نجد" الاستصباح بـ "الداذين". مناور من خشب الأرز ليستصبح بها. وهي بنجد من شجر المظ2.
ومصابيح القوم من الفخار، أي الطين المشوي بالنار، يوضع في بطنه زيت الوقود تتصل به فتيلة تولع بالنار، ليستضاء بها، وذلك في الأماكن التي يندر فيها استعمال الحجر. أما في الأماكن الجبلية ذات الحجر، فتستعمل كذلك المصابيح المستعملة من الحجر، وخاصة في بيوت الكبار والموسرين. ويستعملون فيها زيت الزيتون. ولا يزال بعض الناس يستعملون هذه "الضواية" في الإنارة3، وتعرف بـ "المسرجة" كذلك. و"السراج" هو المصباح والنبراس. و"القراط" شعلة السراج، و"الذبال" ما يحمل "السراج". ويقال: سَغْم المصباح، أي مده بالزيت. والنسيلة الفتيلة في بعض اللغات. والمشاعل القناديل والزهليق السراج في القنديل4.
أما الأعراب، فلم يكونوا يعرفون المصابيح، ومصابيحهم نجوم السماء وضوء القمر يهتدون بها ويستلهمون منها معنى الحياة.
1 الثعالبي، ثمار "606".
2 تاج العروس "9/ 198"، "ددن"، اللسان "13/ 153"، "دذن".
3 نزية مؤيد العظم "ص78".
4 المخصص "11/ 38 وما بعدها".