الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يبحث عنها لسن الناس، لإظهار أنفسهم وللحصول على نوال وعطايا المُبايَعين، ولا تحدث هذه المناسبات إلا في الفترات، لهذا كانوا يتلهفون لسماع أخبارها، لعرض ما عندهم من فنون القول، ولنيل ما عند الملوك من الكرم والبذل.
وكان ملوك الجاهلية يأخذون الوضائع والودائع من السادات والوجوه، لتكون رهائن عندهم بالوفاء بعهود البيعة، لخشيتهم من خيسهم بعهدهم وتنصلهم منه.
وقد فعل "الأكاسرة" مثل ذلك بسادات القبائل، فأخذوا "الوضائع" منهم، وجعلوها رهنًا عندهم. وقد عرفت بـ"وضائع كسرى"1. ووضائع كسرى: هم الرهائن كان يرتهنهم وينزلهم بعض بلاده، حتى يصيروا بها وضيعة. وهم الشحن والمسالح2. وقد بعث رسول الله، إلى وضائع كسرى بهجر، فلم يسلموا، فوضع عليهم الجزية دينارًا على كل رجل منهم3. وكانت "وضائع كسرى" من أبناء أشراف العجم، ومن خضع لحكمه من عجم وعرب.
1 تاج العروس "5/ 545"، "وضع"، فتوح، البلاذري "92".
2 تاج العروس "5/ 545"، "وضع".
3 البلاذري، فتوح "92"، "البحرين".
التيجان:
ويضع الملوك شيئًا فوق رءوسهم، يتوجون به أنفسهم ليميزهم بذلك عن الرعية، يسمى "التاج" في عربيتنا.
ولا نعرف في الزمن الحاضر اسم "التاج" في العربيات الجنوبية. لعدم وروده في نصوص المسند. أما أهل الحيرة والغساسنة وعرب نجد والعربية الشرقية، فقد عرفوه واستعملوه، فورد في نص النمارة من سنة "328م" حيث ورد "ذو أسر التاج" أي:"الذي حاز التاج"1. وهذا النص هو أقدم نص تاريخي مدون وردت فيه هذه الكلمة. وقد وردت الكلمة في الشعر، إذا جاء "تاج آل محرق"2 وفي أخبار "النعمان" حيث عرف "بذي التاج"3. وذكر علماء اللغة أن التيجان للملوك4.
1 Lidzbarski، Ephemeris. II، S. 34، Peiser، Die Arabische Inschrift bon En Nemara، in Orient Literatur Zeitung، VI، 15، 1905، 277-281
2 شعراء النصرانية "ص329".
3 Rothstein، S. 128
4 تاج العروس "3/ 386""طبعة الكويت".
وقد رصع ملوك الحيرة تيجانهم بالأحجار الكريمة على طريقة الفرس. وقد ورد في بيت شعر لمالك بن نويرة اليربوعي إن تاج النعمان بن المنذر كان من الزبرجد والياقوت والذهب1.
ونحن إذا جهلنا اليوم التاج أو أي شعار آخر يشير إلى الملك والحكم، كان يصنعه ملوك العربية الجنوبية على رءوسهم ليكون سمة لهم تميزهم عن الرعية وعمن هم دونهم، فإن ذلك لا يعني أننا ننكر وجودًا لشعار الملك عندهم، بل إني أرى أنه لا بد أن يكون لأولئك الملوك من تاج ومن شعارات أخرى، كانوا يتخذونها لتميزهم عن غيرهم ولتشعرهم بأنهم أصحاب السلطان. وإذا كان لملوك الرومان والروم والحبشة والفرس تيجان، فَلِمَ لا يكون لملوك العربية الجنوبية تيجان، وقد كانوا يحاكون ملوك زمانهم في رسوم الملك وأسلوب الحكم؟
وفي عربيتنا لفظة أخرى استعملت لتمييز شخص عن بقية الناس في المنزلة والدرجات، هي لفظة "الإكليل". فلمن يضع الإكليل على رأسه منزلة رفيعة، إلا أنها لا تبلغ درجة "ملك" ولا تؤدي معنى "تاج" فالتاج لا يكون إلا للملوك. وأما "الإكليل" فلمن دونهم. وقد كان شيئًا يضعه الشخص فوق مفرق رأسه، قد يعلق به خرز وأحجار وقد لا يعلق. وقد ورد في بعض الأخبار أن "هوذة بن علي الحَنَفي"، صاحب اليمامة، كان يضع إكليلًا على رأسه، وإليه أشار الأعشى في شعره:
لَهُ أَكاليلُ بِالياقوتِ زَيَّنَها
…
صُوّاغُها لا تَرى عَيبًا وَلا طَبَعا
وقد عرف "الإكليل" أنه شبه عصابة مزينة بالجواهر، ويسمى التاج إكليلًا.
وقيل: إن الإكليل يجعل كالحلقة، ويوضع على أعلى الرأس2.
وقد ورد في روايات أخرى أن كسرى أعطى "هوذة" قلنسوة فيها جوهر، فكان يلبسها، فسمي ذا التاج3. غير أن أكثر الروايات تعارض في حصول
1
لن يذهب اللؤم تاج قد حبيت به
…
من الزبرجد والياقوت والذهب
وقد قاله لما عرض عليه الردافة، فأبى، فطلبه، فهرب منه. ومالك بن نويرة شاعر شريف، وأحد فرسان بني يربوع، قتله ضرار بن الأزور الأسدي بأمر خالد بن الوليد، ابن قتيبة، الشعر "ص192 وما بعدها"، الأغاني "14/ 63 وما بعدها"، الجواليقي "ص356"، المرزباني "ص360".
2 اللسان "11/ 595 وما بعدها".
3 الاشتقاق "ص209ح، اللسان "6/ 181"، "قلنسوة".
"هوذة" على التاج، وفي بلوغه منزلة ملك. وترى أن تلقيبه بـ"ذي التاج" هو على سبيل المجاز، وأن الذي كان يضعه على رأسه هو إكليل، لا تاج من التيجان.
وذكر بعض الأخباريين أن التيجان كانت لليمن، وذكر أن غيرهم كانوا يتوجون أنفسهم بخرزات تنظم لهم. ويقال: إن الملك كان إذا ملك سنة زيد في تاجه وقلادته خرزة، ليعلم عدد السنين التي ملك فيها. وذلك كالذي ورد في بيت شعر من قصيدة قالها لبيد في رثاء النعمان بن المنذر، وهو قوله:
رَعى خَرَزاتِ المُلكِ عِشرينَ حِجَّةً
…
وَعِشرينَ حَتّى فادَ وَالشَيبُ شامِلُ1
وقد ورد في شعر أعشى بكر في هوذة بن علي الحنفي الذي كان يجيز لطيمة كسرى في كل عام:
مَن يَرَ هَوذَةَ يَسجُد غَيرَ مُتَّئبٍ
…
إِذا تَعَصَّبَ فَوقَ التاجِ أَو وَضَعا
لَهُ أَكاليلُ بِالياقوتِ فَصَّلَها
…
صُوّاغُها لا تَرى عَيبًا وَلا طَبَعا
ويتبين من ذلك أن هوذة كان من أصحاب التيجان. غير أن بعض العلماء ينكرون وجود التيجان عند غير أهل اليمن، ويقولون كما ورد عن أبي عبيدة عن أبي عمرو:"لم يتتوج معدي قط، وإنما كانت التيجان لليمن. ولا سئل عن هوذة بن علي الحنفي، قال: إنما كانت خرزات تنظم له"2.
وذكر أن عادة نظم الخرز في عِقْد يوضع على الرأس، ليكون شعارًا للملك والحكم، عادة كانت معروفة في الحجاز. وقد ورد أن "عبد الله بن أُبي بن سلول" كان رجلًا شريفًا في يثرب لا يختلف عليه في شرفه من قومه اثنان، ولم تجتمع الأوس والخزرج قبله ولا بعده على رجل من أحد الفريقين غيره، وكان قومه قد نظموا له الخرز ليتوجوه ثم يملكوه عليهم. فما راعه إلا مجيء الإسلام إلى يثرب وقدوم الرسول إليها، فانصرف قومه عنه، فضغن على الإسلام،
1 شرح ديوان لبيد "ص266"، اللسان "5/ 345"، "حرز"، الثعالبي، ثمار القلوب "183".
2 العقد الفريد "2/ 244".
ورأى أن الرسول قد استلبه ملكه1
وورد في الحديث أن الرسول: "شكا إلى سعد بن عبادة، عبد الله بن أُبي، فقال: اعف عنه، يا رسول الله، فقد كان اصطلح أهل البُحيرة، على أن يعصبوه العصابة. فلما جاء الله بالإسلام، شَرِق لذلك". ويعصبونه: معناه يسودونه ويملكونه، وكانوا يسمّون السيد المطاع معصبًا، لأنه يعصب بالتاج.
وفي ذلك قال عمرو بن كلثوم:
وَسَيِّدِ مَعشَرٍ قَد عَصَّبُوهُ
…
بِتاجِ المُلكِ يَحمي المُحجَرينا
فجعل الملك معصبًا أيضًا، لأن التاج أحاط برأسه كالعصابة التي عصبت برأس لابسها. ويقال: اعتصب التاج على رأسه، إذا استكف به، ومنه قول قيس الرقيات:
يعتصب التاجُ فوق مفرقه
…
على جبين كأنه الذهب2
ولا تؤدي لفظة "سموط" معنى "تاج"، بل ولا تبلغ في المنزلة منزلة "إكليل". و"السمط": الخيط ما دام الخرز أو اللؤلؤ منتظمًا فيه. وقد استعملت كلمة سموط في مقام التاج، للتعبير عن تاج ملوك الحيرة3، غير أنني أرى إن ذلك على سبيل التجوز، لا التخصيص. وقد ذكر علماء اللغة أن السمط يشد في العنق والجمع سموط4.
ومن مظاهر الملك "السرير"، ويقال له:"العرش" كذلك. ويعبر بالسرير عن الملك والنعمة5. ويذكر أهل الأخبار أن أول من جلس على السرير من ملوك العرب "جذيمة الأبرش"، وهو أول من وقعت له السمعة من ملوك العرب، وأول من لبس الطوق6. وقد أشير في القرآن إلى عرش ملكة سبأ،
1 نهاية الأرب "16/ 356 وما بعدها".
2 اللسان "1/ 606"، "عصب".
3 Rothstein، S. 129
4 الاشتقاق "2/ 304"، اللسان "7/ 322"، "سمط".
5 الاشتقاق "2/ 304"، اللسان "7/ 322"، "سمط".
6 صبح الأعشى "1/ 416".
ويكنى به عن العزّ والسلطان والمملكة. ولذلك يقال: "عرش فلان" و"عرش المملكة" و"ثل عرشه"، و"أصحاب العروش" أي الملوك1.
وذكر أهل الأخبار أن "السرير": الوِثاب. وقيل: السرير الذي لا يبرح الملك عليه، واسم الملك "مُوثبان". والموثبان بلغة حمير: الملك الذي يقعد، ويلزم السرير. والوثاب المقاعد. قال أمية بن أبي الصلت:
بِإِذنِ اللَهِ فَاِشتَدَت قِواهُم
…
عَلى مَلكَينِ وَهيَ لَهُم وِثابُ2
وقد كان الملوك يلبسون قلائد عرفت بـ"قلائد الملك" تكون من الذهب والأحجار الكريمة. وربما كان "السمط" قلادة تنظم من اللؤلؤ والأحجار الكريمة، يتقلدها الملك للزينة ولتكون شعارًا للملك.
وذكر علماء اللغة أن كل ما يضعه الملوك والرؤساء على رءوسهم من تاج أو عمامة أو قلنسوة أو غيره، فهو "عمارة" و"العمارة"، رقعة مزينة تخاط في المظلة علامة الرياسة، وهي "التحية" أيضًا3.
ومن عادة الملوك استخدامهم الحراس يمشون معهم إذا ركبوا، دلالة على الملك، ولحراستهم يمشون معهم، وقد تقلدوا سلاحهم ولبسوا ألبسة خاصة تشعر أنهم من حرس السلطان. ويذكر أهل الأخبار أن أول من مشت الرجال معه، وهو راكب، "الأشعث بن قيس الكندي". كانت "بنو عمرو بن معاوية" ملكوه عليهم وتوجوه4. وكان من عادة الأشراف والسادات حتى في الإسلام، أن تسير مع ركابهم حاشية يتناسب عدد أفرادها مع منزلة الشريف ومكانته وغناه. فكان "كريب بن أبرهة" سيد حمير في زمانه، إذا سار بالشام خرج وتحت ركابه خمسمائة نفر من حمير يسعون5.
1 المفردات "332".
2 اللسان "1/ 792"، "وثب".
3 تاج العروس "3/ 422"، "عمر".
4 صبح الأعشى "1/ 416".
5 الإصابة "3/ 296"، رقم"7490"، "كريب بن أبرهة بن الصباح".