الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وذكر بعض أهل الأخبار، أنه لم يكن يدخلها من قريش من غير ولد قصي إلا ابن أربعين سنة للمشورة، وكان يدخلها ولد قصي كلهم أجمعون وحلفاؤهم1 والظاهر أن هذا كان خاصًّا بالمشورة وأخذ الرأي. لما كان قد قرّ في نفوس أكثر الناس من أهمية السن في تقديم الرأي، ومن أن النضوج العقلي يبدأ في الأربعين من العمر.
وإذا صحت الرواية، نكون أمام شرط مهم فيمن يحق له حضور دار الندوة لإبداء المشورة والرأي. لكننا نسمع من رواة الأخبار أيضًا، أنهم يذكرون أن قريشًا كانت تتساهل في موضوع السن أحيانًا، فكانت تتساهل في قبول دخول من هو دون الأربعين من العمر إذا كان الشخص سديد الرأي. فقد "تحاكم العرب في الجاهلية في النفورة، وفي غير ذلك من المخايرة والمشاورة، إلى أبي جهل ابن هشام في أيام حداثته وفتائه، ولذلك أدخلوه دار الندوة، ودفع مع ذوي الأسنان والحنكة من بين جميع الشبان، ومن بين جميع الفتيان.
ولذلك قال قطبة بن سيّار حكم فزارة حين تنافر إليه عامر بن الطفيل وعلقمة ابن علاثة: عليكم بالحديد الذهن، الحديث السن. يعني: أبا جهل"2.
1 الأزرقي "1/ 65".
2 رسائل الجاحظ "1/ 300"، "رسائل في نفي التشبيه".
الملأ:
وفي القرآن الكريم لفظة: "ملأ" بمعنى جماعة يجتمعون على رأي1. وتعبر هذه اللفظة عن الغالبية، أي: عن الرأي العام الغالب لمكان ما، أو لجماعة من الجماعات.
ومعنى ذلك اتخاذ "أهل الحل والعقد" من الملأ رأيًا يكون ملزمًا للآخرين وأهل الرأي والحل والعقد، هم السادة أصحاب الجاه والعقل والسن، ولذلك كانوا يفضلون في أخذ الرأي، أخذ رأي أصحاب العقل والخبرة، وهم المتقدمون في السن في الغالب، ففي صغر السن طيش وتسرع، والبت في الأمور يحتاج إلى نضج وصبر وأناة وحلم. لهذا كان أكثر رجال "دار الندوة" من البالغين المتقدمين في السن2.
1 المفردات، للأصفهاني "ص490".
2 الأزرقي "1/ 61".
وعرف علماء العربية "الملأ" أنه الرؤساء والجماعة وأشراف القوم ووجوههم ورؤساؤهم ومقدموهم الذين يرجع إلى قولهم، "يروى أن النبي، صلى الله عله وسلم، سمع رجلًا من الأنصار وقد رجعوا من غزوة بدر، يقول: ما قتلنا إلا عجائز صلعًا، فقال عليه السلام: أولئك الملأ من قريش، لو حضرت فعالهم، لاحتقرت فعلك" أي: أشراف قريش. فالملأ إنما هم القوم ذوو الشارة والتجمع للإدارة1.
وورد أن "الملأ" التشاور والعلية. ويظهر من المواضع العديد التي وردت فيها هذه الكلمة في القرآن الكريم، أن المراد بها في أكثر تلك المواضع، علية القوم من ذوي الرأي والمكانة، والأشراف من القوم ووجوههم ورؤساؤهم ومقدموهم الذين يرجع إلى قولهم. وذكر أن "الملأ": التشاور تشاور الأشراف والجماعة في أمر ما2.
فرؤساء مكة إذن، هم حكومها وحكامها، وليس هناك ملك أو حاكم انفرد بالحكم والسلطان. فالحكم فيها إذن، حكم مدينة، لا حكم ملك أو فرد، وقد كان الحكم في الطائف وفي يثرب وفي نجران، وفي وادي القرى على مثل هذه الطريقة، غير أن الأخباريين لم يتحدثوا عن مجلس يشبه دار الندوة في هذه المدن.
وفي القرآن الكريم: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} 3، {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} 4. وفي هاتين الآيتين دلالة على الأخذ بمبدأ المشورة، وأن الحكم شورى. وحكم قريش في مكة، هو حكم المشاورة وأخذ الرأي، لهذا كانوا يتشاورون فيما بينهم حينما كانوا يعتزمون اتخاذ قرار تجاه الرسول. وقد بينت أن أصحاب الرأي والمشورة هم "الملأ" وعِلية القوم ومن عرف بجودة الحكم والفطنة والذكاء.
وكانت القرى الأخرى تستشير ذوي الحل العقد. وكذلك فعلت القبائل.
فقد كان سيد القبيلة يطلب من وجوه قبيلته إبداء رأيهم في القضايا المهمة من أمور الحرب والسلم. وكان سادات القبيلة، يجتمعون للنظر في أمر اختيار رئيس،
1 اللسان "م/ ل/ أ"، "1/ 159".
2 تاج العروس "1/ 119"، "ملأ"، تفسير الطبري "2/ 373".
3 آل عمران، الرقم2، الآية159.
4 الشورى، الرقم42، الآية 38.