الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غير تستر ولا تحايل. فقالوا: "السارق عند العرب من جاء مستترًا إلى حرز، فأخذ مالًا لغيره. فإن أخذه من ظاهر، فهو مختلس ومستلب ومنتهب ومحترس، فإن منع ما في يده، فهو غاصب"1.
ولم تعد "الغارة" سرقة ولا عملًا مشينًا يلحق الشين والسبة بمن يقوم به. بل افتخر بالغارات وعدّ المكثر منها "مغوارًا". لما فيها من جرأة وشجاعة وإقدام وتكون الغارة بالخيل في الغالب، ولذلك قال علماء اللغة:"أغار على القوم غارة وإغارة دفع عليهم الخيل"2. وقد عاش قوم على الغارات، كانوا يغيرون على أحياء العرب، ويأخذون ما تقع أيديهم عليه، ومن هؤلاء "عروة بن الورد"، إذ كان يغير بمن معه على أحياء العرب، فيأخذ ما يجده أمامه، ليرزق به نفسه وأصحابه. بعد أن انقطعت بهم سبل المعيشة، وضاقت بهم الدنيا. فاختاروا الغارات والتعرض للقوافل سببًا من أسباب المعيشة والرزق. وذكر أهل الأخبار أسماء رجال عاشوا على الغارات وعلى التربص للمسافرين لسلب ما يحملونه معهم من مال ومتاع.
1 تاج العروس "6/ 379"، "سرق".
2 تاج العروس "3/ 458"، "غور".
الأفراح:
الأفراح، عامة أو خاصة، فمن الأفراح العامة، الأعياد والمناسبات المماثلة، مثل انتصار في حرب وغزو أو تولي ملك عرشًا أو سيد رئاسةَ قبيلة، ومن الخاصة، الزواج والبرء من مرض، والعود من سفر، وأمثال ذلك.
ولما كان العرب في جاهليتهم قبائل وشيعًا وكان الاتصال بينهم صعبًا، صارت أعيادهم كثيرة غير متفقة في زمان أو مكان، ذات صفة محلية، لا يشترك فيها كل عرب جزيرة العرب. وهي مرتبطة بالأصنام في الغالب وبالمواسم التجارية التي تتجلى في انعقاد الأسواق.
ولذلك، فأنا حين أتحدث عن أعياد الجاهلية فلن أستطيع أن آتي باسم عيد واحد، أقول إن جميع العرب كانوا يعيدون ويفرحون جميعهم به، لما ذكرته من انقسام الجاهليين إلى قبائل وشيع وعدم وجود دين واحد لهم، يجمع
شملهم. والدين من أهم العوامل المساعدة لظهور الأعياد وجمع شمل المؤمنين به للاحتفال بها. ولذلك فأعياد الجاهليين هي أعياد موضعية تعيّد قبيلة أو مدينة أو مملكة بعيد، ولا يعرف عنه بقية العرب أي شيء.
أما أعياد اليهود والنصارى والعرب فأمرها أمر آخر؛ لأن اليهودية والنصرانية قد حددتا تأريخًا ثابتًا للأعياد فيها، فصارت معروفة عند أتباع الديانتين يحتفلون بها في الأجل الموقوت.
وكان الحج إلى مكة من أهم مواسم العرب في الحجاز، وهو عيد، يجتمع فيه الناس من مختلف القبائل ومختلف الأماكن للتقرب إلى الأصنام وللتلاقي في ظروف أمن وسلام لا يحل فيها قتال ولا اعتداء ولا لغو ولا فحش. ويقوم أهل مكة بخدمة الوافدين الضيوف، ضيوف "البيت"، وتمر أيام خالية من غدر واعتداء وقتل وأخذ بثأر يلبس فيها الناس خير ما عندهم من لباس ويتجلون بأحسن صورة. فإذا انتهت الأيام عادوا إلى ديارهم.
وذكر أنه كان لأهل "يثرب" يومان يعيّدون فيهما، يلعبون فيهما ويستأنسون، هما: النيروز، والمهرجان. فلما قدم الرسول المدينة أبدلهما بيوم الفطرة والأضحى1. والظاهر أن اليثربيين أخذوا عيديهما المذكورين من الفرس2، "النيروز" عيد شهير من أعياد الفرس من أصل "نو" بمعنى جديد و"روز" بمعنى يوم، أي: أول يوم من السنة الإيرانية الشمسية. وأما "المهرجان"، فإنه عيد من أعياد الفرس كذلك، يعيّد به في الشهر السابع من شهورهم الشمسية، وهو شهر "مهر""مهرماه"، ويدعى العيد "مهركان". وقد بقي الفرس يحتفلون به في الإسلام، حتى زماننا هذا، وورد ذكره في الأشعار3.
ولم يذكر أهل الأخبار كيف عيد أهل "يثرب" بهذين العيدين اللذين هما من أعياد الفرس. ولا ما هي صلتهم بهما.
وذكر أهل الأخبار عيدًا سموه "يوم السبع"، قالوا: إنه عيد كان لهم في
1 جامع الأصول "10/ 166"، عن العيد، راجع المخصص "13/ 102"، اللسان "3/ 318 ومابعدها"، تاج العروس "2/ 438"، المحكم والمحيط الأعظم "2/ 232"، معجم مقاييس اللغة "4/ 181، 182"، القاموس "1/ 319"، مقدمة الصحاح "1/ 512".
2 بلوغ الأرب "1/ 347"، اللسان "5/ 416".
3 بلوغ الأرب "1/ 352 وما بعدها". غرائب اللغة "ص246".
الجاهلية، يشتغلون فيه بلهوهم وعيدهم من كل شيء1. ولم يتحدثوا بشيء مفصل عنه، ولم يذكروا أنه عيد من.
وورد في بيت شعر للنابغة اسم عيد دعاه "السباسب"، وقد ذكر أهل الأخبار أنه كان عيدًا لقوم من العرب في الجاهلية وكانوا يحيون فيه بالريحان.
رقاق النعال طيّبٌ حُجُزاتهم
…
يحيّون بالريحان يوم السَّباسِبِ2
وهو في الواقع عيد من أعياد النصارى، كما أشار إلى ذلك أهل الأخبار. إذ ذكروا أنه "عيد للنصارى ويسمونه يوم الشعانين"3
وقد كان هذا العيد معروفًا في الحجاز أيضًا، ورد في الحديث:"إنّ الله تعالى أبدلكم بيوم السباسب يوم العيد"4. وإذا صح ورود هذا الحديث عن الرسول، كان ذلك دليلًا على أن أهل مكة كانوا قد عرفوا هذا العيد وعيدوه وربما كانوا أخذوه عن النصرانية.
ولم ترد في نصوص المسند إشارات إلى أعياد العرب الجنوبيين ولم ترد إشارات إلى الأعياد في النصوص الثمودية أو اللحيانية أو الصفوية. لذلك لا أستطيع أن أتحدث عن العيد عند العرب الجنوبيين أو اللحيانيين أو الصفويين أو قوم ثمود. وقد أشار بعض الكتبة "الكلاسيكيين" إلى تعييد النبط وعرب أعالي الحجاز واحتفائهم فيها بأصنامهم وحجّهم إلى معابدهم، إلا أنهم لم يسموا تلك الأعياد بأسمائها.
وقد عيد يهود جزيرة العرب بأعيادهم أيضًا. وكانوا يحافظون عليها، لأنها في عقيدتهم عمل من الأعمال الدينية. ولم يكونوا يشتغلون فيها5، إذ يرون في
1 تاج العروس "5/ 372"، "سبع"، بلوغ الأرب "1/ 347"، اللسان "8/ 148".
2 بلوغ الأرب "1/ 347"، تاج العروس "3/ 41"، "الكويت""سبب" اللسان "سبب"، ديوان النابغة "45".
3 تاج العروس "1/ 294"، "سبب".
4 تاج العروس "3/ 41"، "طبعة الكويت"، "سبب"، "1/ 294"، "المطبعة الخيرية".
5 صبح الأعشى "2/ 426 وما بعدها".
الخروج عليها خروجًا على الدين الذي منعهم من الاشتغال في أيام السبت والأعياد وحتم عليهم وجوب مراعاة حرمة تلك الأيام مراعاة تامة.
ومن أعياد اليهود التي عرفها الجاهليون عيد رأس السنة، وعيد الصوم الكبير "الكبور"، و"عيد المظال" وأعياد أخرى.
أما العرب النصارى، فقد عيّدوا بأعيادهم الدينية، واحتلفوا بها، وفي المواضع التي كانت فيها جماعة كبيرة منهم كانت احتفالاتهم بها أوضح وأفرح.
وفي الحيرة، حيث تفشت النصرانية وانتشرت، كان الناس يتزينون ويتجملون ويلبسون أحسن ما عندهم من حلل في أيام أعيادهم، مثل "عيد السعانين""عيد الشعانين"، ويحتفلون في البيع والكنائس والأديرة فرحًا بذكرى العيد، ويخرجون بصلبانهم1.
وذكر أن "يوم السعانين""يوم الشعانين"، هو "يوم السباسب"، العيد الذي مر ذكره، وقد كان من أعياد النصارى2. وقد اشتقت كلمة "السعانين" "الشعانين" من العبرانية، أخذت من لفظة "هوشعنا"، التي كان يتهلل بها اليهود أمام المسيح. و"السباسب": الأغصان، يريدون منها سعف النخيل الذي قطعه اليهود يوم استقبلوا المسيح في دخوله أورشليم3.
وذكر أن "الهنزمر"، و"الهنزمن"، و"الهيزمن"، كلها: عيد من أعياد النصاى أو سائر العجم، وهي أعجمية. قال الأعشى:
إذا كان هنزمن ورُحْتُ مخشما4
واشتهر "عيد الفصح"، وهو عيد فِطر النصارى، إذا أفطروا وأكلوا اللحم. وقد أشار إليه الأعشى بقوله:
1 الأغاني "2/ 30"، "طبعة ساسي"، صبح الأعشى "2/ 415 وما بعدها"، اللسان "13/ 209".
2 اللسان "1/ 460"، "صادر"، "سبب"، المخصص "13/ 102" تاج العروس "4/ 294"، نهاية الأرب "1/ 191 وما بعدها"، تاج العروس "9/ 235".
3 النصرانية وآدابها، القسم الثاني، الجزء الثاني، القسم الأول "ص215"، المخصص "13/ 102"، ديوان النابغة "ص15".
4 المخصص "13/ 102"، الآثار الباقية "292"، اللسان "5/ 267"، "هنزمر"، تاج العروس "3/ 623"، "هنزمر".
بهم تقرّب يوم الفصح ضاحية
…
يرجو الإله بما سدّى وما صنعا1
وذكر العلماء اسم عيد آخر من أعياد النصارى دعوه "السلاق"، ذكروا أنه مشتق من تسلق المسيح إلى السماء2. والكلمة من أصل إرمي، هو Souloqo بمعنى صعود. وقصد به عيد صعود المسيح إلى السماء3.
وللنصارى عيد آخر اسمه "خميس الفصح"، وعرف أيضًا بـ"خميس العهد".
وقد احتفل به نصارى الحيرة4. وذكر علماء اللغة أن للنصارى عيدًا من أعيادهم اسمه "دنح"، وتكلمت به العرب5. وهو من أصل إرمي هو "دنحو"، بمعنى إشراق وظهور. ويراد به "عيد الغطاس"6.
وتضاف إليها الأعياد المحلية، التي كان يحتفل فيها بأيام القديسين. فقد كان الغساسنة يحتلفون مثلًا في الرصافة بعيد "القديم سرجيوس". وكان لنصارى العراق أعيادهم الخاصة بهم حسب مذاهبهم. يكرسونها تخليدًا لذكرى قديسيهم.
وقد اشتهر النصارى بين الجاهلين وفي الإسلام بمحافظتهم على أعيادهم حتى ضربوا المثل بأعياد النصارى. فقال العجاج:
واعتاد أرباضًا لها آريّ
…
كما يعود العيد نصرانيّ7
والعادة –كما هو شأن كل الأمم- أن يتزين في أيام الأعياد بأحسن الثياب والملابس المفتخرة والحلل المثمنة والبرود المعجبة، وأن يظهر الشبان مقدرتهم وبراعتهم في التسابق على الخيل وفي الألعاب وفي الظهور أمام النساء، ويلعب الصبيان أنواعًا من الملاعب، وأن يتغنى ويزمر بالدفوف والمزاهر وأمثال ذلك،
1 ديوان الأعشى "القصيدة 13، سطر 69"، اللسان "2/ 545"، القاموس "1/ 240"، مقاييس اللغة "4/ 507"، مقدمة الصحاح "1/ 391".
2 اللسان "10/ 163"، "صادر"، "سلق".
3 غرائب اللغة "ص188".
4 الأغاني "3/ 23"، النصرانية، القسم الثاني الجزء الثاني القسم الأول "ص216"، نهاية الأرب "1/ 191 وما بعدها".
5 اللسان "2/ 436"، "دنح"، تاج العروس "2/ 136"، "دنح"، المخصص "13/ 102".
6 غرائب اللغة "181"، نهاية الأرب "1/ 191 وما بعدها"، الآثار الباقية "292 وما بعدها".
7 تاج العروس "2/ 438"، "عود".