الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غنائم الحروب:
وللملوك مورد آخر من موارد دخلهم، هو غنائم الحروب. فإن ما يغنمه جيشهم من مال وأشياء ثمينة وأسرى يكون ملكًا للملوك، وإذا فاض عدد الأسرى عن حاجة الملوك باعوهم في أسواق النخاسة، للاستفادة من ثمن بيعهم. أما إذا قرر الملك الاحتفاظ بالأسرى، فإنهم يستخدمون في أعمال كثيرة، مثل الخدمة في الجيش، أو الاشتغال بشق الطرق وإنشاء الأبنية والعمل في الأرض، إلى غير ذلك من أعمال يشغلون بها باعتبار أنهم رقيق. وقد يهدي منهم الملوك إلى المقربين إليهم، ولا سيما بعد انتهاء الحرب أو الغزو وإحصاء الأسرى، فقد يختار الملك لنفسه أجمل الأسيرات. وقد يعطيهن هدايا إلى من يشاء من قواد جيشه ومن كبار موظفيه والمقربين إليه.
وتشمل غنائم الحرب كل ما يقع في أيدي المنتصر من غنيمة، لا فرق عنده إن كانت من أموال الحكومة الخاسرة أو من أموال سيد القبيلة المغلوب، أو من أموال الأتباع والرعية. فقانونهم في الحرب أن كل ما يقع في أيدي الغالب هو ملك له، إن كانت الغنيمة من أموال الحكومة أو من أموال الرعية فالرعية ملك للملك، وملكها ملك للغالب بحق القوة، وهي نفسها ملك له يتصرف بها كيف يشاء. لذلك تكون غنائم الحروب موردًا حسنًا بالنسبة للغالب، لا سيما إذا كان المغلوب من أصحاب الثراء والمال ومن الحضر.
وكان الأمير في الجاهلية يأخذ الربع من الغنيمة، وجاء الإسلام فجعله الخمس وجعل له مصارف. ومنه قول: عدي بن حاتم الطائي: ربعت في الجاهلية وخمست في الإسلام. أي: قدمت الجيش في الحالين1.
1 تاج العروس "4/ 139"، "خمس".
الإقطاع والإقطاعيون:
والإقطاع معروف بين الجاهليين، وخاصة بين أهل العربية الجنوبية. وقد كان إقطاعًا للأرض لتستغل زراعة، وإقطاعات لاستغلال ما فيها من ماء أو معدن.
مثل الملح. وكان الملوك يقطعون أملاك الدولة لمن شاءوا، كما فعل المعبد ذلك، إذ كان يقطع الأرض المحبوسة باسمه لمن يشاء من الناس.
وقد كانت العادة في اليمن جارية بإقطاع المعادن والمياه لأصحاب السلطان، كأن يقطع "الملح" لشخص ليستغله، فيشغل من يريد في استخراجه وبيعه.
وقد وردت في الكتابات الجاهلية إشارات إلى استغلال معادن الملح، وإلى إقطاعها الأشخاص يستخرجون الملح منها في مقابل أجر يدفع عن ذلك الإقطاع. وقد بقيت هذه العادة إلى الإسلام، فقد ورد في كتب الحديث: أن "الأبيض بن حمال" استقطع رسول الله ملح مأرب، فأقطعه1. ولما ذكر "الأقرع بن حابس" للرسول أنه قد ورد ذلك الملح ورآه، وأنه مثل الماء العد بالأرض، من ورده أخذه، وإن إقطاعه له يمنع الناس من وروده، فاعتدَّهُ الرسول صدقة، وجعله مثل الماء العِدّ2.
والإقطاع يكون تمليكًا وغير تمليك. فإذا كان تمليكًا، صار له ليس لأحد حق مزاحمته عليه ولا استثماره، ويكون عندئذ ملكه. وله حق تأجيره لغيره أو إعطائه في مقابل حق يعينه في الحاصل والناتج. وقد كان الملوك في العربية الجنوبية يقطعون أصحاب الجاه والسلطان وسادات القبائل الإقطاعات، فتولد من هذا الإقطاع كبار أصحاب الأرض، وصار لهم سلطان واسع بحكم ما حصلوا عليه من مال وقوة وجاه. حتى صاروا يتدخلون في شئون الدولة الداخلية.
وأما الإقطاع الثاني، وهو إقطاع من غير تمليك فإنه إقطاع لأمد قد يحدد بزمن، وقد لا يحدد بزمن، وذلك بشروط تثبت وتحدد في عقد الاتفاق، كأن يتفق على أن يقدم من يقطع له الإقطاع ثلث الحاصل أو الغلة أو الربع أو ما شابه ذلك، أو أن يقدم مبلغًا مقطوعًا أو عينًا يذكر ويثبت مقداره، أو خدمة معينة للدولة أو للمعبد الإقطاعي صاحب الملك، مثل تقديم عدد معين من المحاربين وقت الطلب ومقدار معين من مال أو عين.
وقد لا يستغل الإقطاعي إقطاعياته، وإنما يقوم بإقطاعها للإقطاعيين الصغار، أو يؤجرها لمن هم دونهم في المكانة ليقوموا هم باستغلال ما استأجروه، وقد
1 الأحكام السلطانية "197"، اللسان "8/ 281".
2 الأحكام السلطانية "ص197".