الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ظَنِّ سَلَامَةِ الدَّافِعِ وَالْمَدْفُوعِ عَنْهُ، وَإِلَاّ حَرُمَ الدِّفَاعُ (1) .
دَفْعُ الصَّائِل عَنِ الْعِرْضِ:
10 -
أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الرَّجُل دَفْعُ الصَّائِل عَلَى بُضْعِ أَهْلِهِ أَوْ غَيْرِ أَهْلِهِ، لأَِنَّهُ لَا سَبِيل إِلَى إِبَاحَتِهِ، وَمِثْل الزِّنَا بِالْبُضْعِ فِي الْحَكَمِ مُقَدِّمَاتُهُ فِي وُجُوبِ الدَّفْعِ حَتَّى لَوْ أَدَّى إِلَى قَتْل الصَّائِل فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. . . بَل إِنْ قُتِل الدَّافِعُ بِسَبَبِ ذَلِكَ فَهُوَ شَهِيدٌ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ قُتِل دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ (2) .
وَلِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ حَقِّهِ وَحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى - وَهُوَ مَنْعُ الْفَاحِشَةِ - وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا (3) .
إِلَاّ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ شَرَطُوا لِوُجُوبِ الدِّفَاعِ عَنْ عِرْضِهِ وَعِرْضِ غَيْرِهِ: أَنْ لَا يَخَافَ الدَّافِعُ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ، أَوْ عَلَى مَنْفَعَةٍ مِنْ مَنَافِعِ أَعْضَائِهِ.
أَمَّا الْمَرْأَةُ الْمَصُول عَلَيْهَا مِنْ أَجْل الزِّنَا بِهَا، فَيَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهَا إِنْ أَمْكَنَهَا ذَلِكَ، لأَِنَّ التَّمْكِينَ مِنْهَا مُحَرَّمٌ، وَفِي تَرْكِ
(1) كشف المخدرات ص 478، وكشاف القناع 6 / 156.
(2)
حديث: " من قتل دون أهله. . . ". سبق تخريجه - فقرة / 5.
(3)
حديث: " انصر أخاك. . . ". أخرجه البخاري (12 / 323) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
الدَّفْعِ نَوْعُ تَمْكِينٍ، فَإِذَا قَتَلَتِ الصَّائِل - وَلَمْ يَكُنْ يَنْدَفِعُ إِلَاّ بِالْقَتْل - فَلَا تَضْمَنُهُ بِقِصَاصٍ وَلَا دِيَةٍ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلاً أَضَافَ نَاسًا مِنْ هُذَيْلٍ، فَأَرَادَ امْرَأَةً عَلَى نَفْسِهَا، فَرَمَتْهُ بِحَجَرٍ فَقَتَلَتْهُ، فَقَال عُمَرُ رضي الله عنه: " وَاللَّهِ لَا يُودَى أَبَدًا وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ قُتِل دُونَ عِرْضِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ (1) .
وَفِي الْمُغْنِي: لَوْ رَأَى رَجُلاً يَزْنِي بِامْرَأَتِهِ - أَوْ بِامْرَأَةِ غَيْرِهِ - وَهُوَ مُحْصَنٌ فَصَاحَ بِهِ، وَلَمْ يَهْرُبْ وَلَمْ يَمْتَنِعْ عَنِ الزِّنَا حَل لَهُ قَتْلُهُ، فَإِنْ قَتَلَهُ فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ وَلَا دِيَةَ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه بَيْنَمَا هُوَ يَتَغَدَّى يَوْمًا إِذْ أَقْبَل رَجُلٌ يَعْدُو وَمَعَهُ سَيْفٌ مُجَرَّدٌ مُلَطَّخٌ بِالدَّمِ، فَجَاءَ حَتَّى قَعَدَ مَعَ عُمَرَ، فَجَعَل يَأْكُل وَأَقْبَل جَمَاعَةٌ مِنَ النَّاسِ، فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ هَذَا قَتَل صَاحِبَنَا مَعَ امْرَأَتِهِ، فَقَال عُمَرُ: مَا يَقُول هَؤُلَاءِ؟ قَال: إِنَّهُ ضَرَبَ فَخِذَيِ امْرَأَتَهُ بِالسَّيْفِ، فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَحَدٌ فَقَدْ قَتَلَهُ، فَقَال لَهُمْ عُمَرُ: مَا يَقُول؟ قَالُوا: ضَرَبَ بِسَيْفِهِ فَقَطَعَ فَخِذَيِ امْرَأَتَهُ فَأَصَابَ وَسَطَ الرَّجُل فَقَطَعَهُ بِاثْنَيْنِ، فَقَال عُمَرُ: إِنْ عَادُوا فَعُدْ (2) .
(1) المصادر السابقة، والمغني لابن قدامة (8 / 331) وكشاف القناع 6 / 156، وحديث:" من قتل دون عرضه فهو شهيد ". أخرجه الترمذي (4 / 30) من حديث سعيد بن زيد رضي الله عنه، وقال حديث حسن صحيح.
(2)
أثر عمر رضي الله عنه: " إن عادوا فعد. . . . ". المغني 8 / 331.
11 -
وَإِذَا قَتَل رَجُلاً، وَادَّعَى أَنَّهُ وَجَدَهُ مَعَ امْرَأَتِهِ، فَأَنْكَرَ وَلِيُّ الْمَقْتُول فَالْقَوْل قَوْل الْوَلِيِّ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ سُئِل عَنْ رَجُلٍ دَخَل بَيْتَهُ، فَإِذَا مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلٌ، فَقَتَلَهَا وَقَتَلَهُ، قَال عَلِيٌّ: إِنْ جَاءَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ، وَإِلَاّ فَلْيُعْطَ بِرُمَّتِهِ، وَلأَِنَّ الأَْصْل عَدَمُ مَا يَدَّعِيهِ، فَلَا يَسْقُطُ حُكْمُ الْقَتْل بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى.
إِلَاّ أَنَّ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا فِي الْبَيِّنَةِ.
فَقَال الْجُمْهُورُ: إِنَّهَا أَرْبَعَةُ شُهَدَاءَ، لِخَبَرِ عَلِيٍّ السَّابِقِ، وَلِمَا وَرَدَ أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ رضي الله عنه قَال: يَا رَسُول اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ وَجَدْتُ مَعَ امْرَأَتِي رَجُلاً أَأُمْهِلُهُ حَتَّى آتِي بِأَرْبَعِهِ شُهَدَاءَ؟ فَقَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: نَعَمْ. . . الْحَدِيثَ " (1) .
وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ يَكْفِي شَاهِدَانِ، لأَِنَّ الْبَيِّنَةَ تَشْهَدُ عَلَى وُجُودِ الرَّجُل عَلَى الْمَرْأَةِ، وَلَيْسَ عَلَى الزِّنَا (2) .
وَكَذَا لَوْ قَتَل رَجُلاً فِي دَارِهِ، وَادَّعَى أَنَّهُ قَدْ هَجَمَ عَلَى مَنْزِلِهِ، فَأَنْكَرَ وَلِيُّ الْمَقْتُول، قَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ، وَلَمْ يَكُنِ الْمَقْتُول مَعْرُوفًا بِالشَّرِّ وَالسَّرِقَةِ، قُتِل صَاحِبُ الدَّارِ
(1) حديث سعد بن عبادة: " أيا رسول الله! أرأيت إن وجدت مع امرأتي رجلا. . . ". أخرجه مسلم (2 / 1135) .
(2)
مغني المحتاج 4 / 199، وروضة الطالبين 10 / 190، والمغني لابن قدامة 8 / 331، وحاشية الدسوقي 4 / 357.
قِصَاصًا، وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُول مَعْرُوفًا بِالشَّرِّ وَالسَّرِقَةِ لَمْ يُقْتَصَّ مِنَ الْقَاتِل فِي الْقِيَاسِ، وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ لِوَرَثَةِ الْمَقْتُول فِي الاِسْتِحْسَانِ، لأَِنَّ دَلَالَةَ الْحَال أَوْرَثَتْ شُبْهَةً فِي الْقِصَاصِ لَا الْمَال (1) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ يُقْتَصُّ مِنْهُ، وَلَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ، إِلَاّ إِذَا كَانَ بِمَوْضِعٍ لَيْسَ يَحْضُرُهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ، فَيُقْبَل قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ (2) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لَمْ يُقْبَل قَوْلُهُ إِلَاّ بِبَيِّنَةٍ، وَيَكْفِي فِي الْبَيِّنَةِ قَوْلُهَا: دَخَل دَارَهُ شَاهِرًا السِّلَاحَ، وَلَا يَكْفِي قَوْلُهَا: دَخَل بِسِلَاحٍ مِنْ غَيْرِ شَهْرٍ، إِلَاّ إِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْفَسَادِ أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَتِيل عَدَاوَةٌ فَيَكْفِي ذَلِكَ لِلْقَرِينَةِ (3) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: لَمْ يُقْبَل قَوْلُهُ إِلَاّ بِبَيِّنَةٍ، وَإِلَاّ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَقْتُول يُعْرَفُ بِفَسَادٍ أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ لَمْ يُعْرَفْ بِذَلِكَ، فَإِنْ شَهِدَتِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُمْ رَأَوْا هَذَا مُقْبِلاً إِلَى هَذَا بِالسِّلَاحِ الْمَشْهُورِ فَضَرَبَهُ هَذَا، فَقَدْ هُدِرَ دَمُهُ، وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُمْ رَأَوْهُ دَاخِلاً دَارَهُ، وَلَمْ يَذْكُرُوا سِلَاحًا، أَوْ ذَكَرُوا سِلَاحًا غَيْرَ مَشْهُورٍ لَمْ يَسْقُطِ الْقِصَاصُ بِذَلِكَ، لأَِنَّهُ قَدْ يَدْخُل لِحَاجَةٍ، وَمُجَرَّدُ الدُّخُول لَا يُوجِبُ إِهْدَارَ دَمِهِ.
(1) حاشية ابن عابدين 5 / 351.
(2)
حاشية الدسوقي 4 / 357.
(3)
مغني المحتاج 4 / 199، وروضة الطالبين 10 / 190.