الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِلَى الْمَثَانَةِ، أَمَّا مَا دَامَ فِي قَصَبَةِ الذَّكَرِ فَلَا يُفْسِدُ (1) .
الثَّانِي: التَّقْطِيرُ فِي فَرْجِ الْمَرْأَةِ:
53 -
الأَْصَحُّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْمَنْصُوصُ فِي مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ، وَالَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ - الَّذِينَ نَصُّوا عَلَى الإِْحْلِيل فَقَطْ - هُوَ فَسَادُ الصَّوْمِ بِهِ، وَعَلَّلَهُ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ شَبِيهٌ بِالْحُقْنَةِ (2) .
وَوَجْهُهُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، اسْتِجْمَاعُ شَرْطَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مِنَ الْمَنْفَذِ السَّافِل الْوَاسِعِ،
وَالآْخَرُ: الاِحْتِقَانُ بِالْمَائِعِ.
وَقَدْ نَصَّ الدَّرْدِيرُ عَلَى الإِْفْطَارِ بِهِ، وَنَصَّ الدُّسُوقِيُّ عَلَى وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَمُقَابِلُهُ مَا لاِبْنِ حَبِيبٍ مِنِ اسْتِحْبَابِ الْقَضَاءِ، بِسَبَبِ الْحُقْنَةِ مِنَ الْمَائِعِ الْوَاصِلَةِ إِلَى الْمَعِدَةِ، مِنَ الدُّبُرِ أَوْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ، كَمَا نَصَّ الدَّرْدِيرُ عَلَى أَنَّ الاِحْتِقَانَ بِالْجَامِدِ لَا قَضَاءَ فِيهِ، وَلَا فِي الْفَتَائِل الَّتِي عَلَيْهَا دُهْنٌ (3) .
(1) مراقي الفلاح وحاشية الطحطاوي عليه ص 362، وتبيين الحقائق 1 / 330.
(2)
فتح القدير 2 / 267، وتبيين الحقائق 1 / 330، ومراقي الفلاح (370) والفتاوى الهندية 1 / 204، وانظر الإقناع 2 / 330، وحاشية القليوبي وعميرة على شرح المحلي 2 / 56، والروض المربع 1 / 140.
(3)
الشرح الكبير للدردير، وحاشية الدسوقي عليه 1 / 524.
رَابِعًا: التَّقْصِيرُ فِي حِفْظِ الصَّوْمِ وَالْجَهْل بِهِ:
الأَْوَّل: التَّقْصِيرُ:
54 -
أ - مِنْ صُوَرِ التَّقْصِيرِ مَا لَوْ تَسَحَّرَ أَوْ جَامَعَ، ظَانًّا عَدَمَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَالْحَال أَنَّ الْفَجْرَ طَالِعٌ، فَإِنَّهُ يُفْطِرُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، وَمَشْهُورُ مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ، وَالصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَذَلِكَ لِلشُّبْهَةِ، لأَِنَّ الأَْصْل بَقَاءُ اللَّيْل، وَالْجِنَايَةُ قَاصِرَةٌ، وَهِيَ جِنَايَةُ عَدَمِ التَّثَبُّتِ، لَا جِنَايَةُ الإِْفْطَارِ، لأَِنَّهُ لَمْ يَقْصِدْهُ، وَلِهَذَا صَرَّحُوا بِعَدَمِ الإِْثْمِ عَلَيْهِ.
وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ - أَنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ (1) .
وَإِذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ شَيْءٌ، لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ - عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ - وَقِيل: يَقْضِي احْتِيَاطًا. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إِذَا أَفْطَرَ بِظَنِّ الْغُرُوبِ، وَالْحَال أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَغْرُبْ - عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، لأَِنَّ الأَْصْل بَقَاءُ النَّهَارِ، وَابْنُ نُجَيْمٍ فَرَّعَ هَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ عَلَى قَاعِدَةِ: الْيَقِينُ لَا يَزُول بِالشَّكِّ (2) .
(1) الإنصاف 3 / 311.
(2)
انظر الأشباه والنظائر (ص 58 ط بيروت) ، ومراقي الفلاح ص 369، والدر المختار ورد المحتار 2 / 104 و 105، والبدائع 2 / 100، وجواهر الإكليل 1 / 150، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير 1 / 526، والقوانين الفقهية ص 81، وروضة الطالبين 2 / 363، وشرح المحلي على المنهاج 20 / 59.
قَال ابْنُ جُزَيٍّ: مَنْ شَكَّ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ، حُرِّمَ عَلَيْهِ الأَْكْل، وَقِيل: يُكْرَهُ.
فَإِنْ أَكَل فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وُجُوبًا - عَلَى الْمَشْهُورِ - وَقِيل: اسْتِحْبَابًا، وَإِنْ شَكَّ فِي الْغُرُوبِ، لَمْ يَأْكُل اتِّفَاقًا، فَإِنْ أَكَل فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ، وَقِيل: الْقَضَاءُ فَقَطْ، وَقَال الدُّسُوقِيُّ: الْمَشْهُورُ عَدَمُهَا.
وَمِنَ الْمَالِكِيَّةِ مَنْ خَصَّ الْقَضَاءَ بِصِيَامِ الْفَرْضِ فِي الشَّكِّ فِي الْفَجْرِ، دُونَ صِيَامِ النَّفْل، وَمِنْهُمْ مَنْ سَوَّى بَيْنَهُمَا (1) .
وَقِيل عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: لَا يُفْطِرُ فِي صُورَتَيِ الشَّكِّ فِي الْغُرُوبِ وَالْفَجْرِ، وَقِيل: يُفْطِرُ فِي الأُْولَى، دُونَ الثَّانِيَةِ (2) .
وَمَنْ ظَنَّ أَوِ اشْتَبَهَ فِي الْفِطْرِ، كَمَنْ أَكَل نَاسِيًا فَظَنَّ أَنَّهُ أَفْطَرَ، فَأَكَل عَامِدًا، فَإِنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، لِقِيَامِ الشُّبْهَةِ الشَّرْعِيَّةِ (3) .
وَالْقَضَاءُ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ
(1) القوانين الفقهية ص 81، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1 / 526.
(2)
روضة الطالبين 2 / 363، شرح المحلي على المنهاج 2 / 59.
(3)
روضة الطالبين 2 / 363، وانظر شرح المحلي على المنهاج بحاشية القليوبي عليه 2 / 59.
وَهُوَ الأَْصَحُّ (1) .
أَمَّا لَوْ فَعَل مَا لَا يَظُنُّ بِهِ الْفِطْرَ، كَالْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ وَالاِكْتِحَال وَاللَّمْسِ وَالتَّقْبِيل بِشَهْوَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَظَنَّ أَنَّهُ أَفْطَرَ بِذَلِكَ، فَأَكَل عَمْدًا، فَإِنَّهُ يَقْضِي فِي تِلْكَ الصُّوَرِ وَيُكَفِّرُ لأَِنَّهُ ظَنٌّ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ.
فَلَوْ كَانَ ظَنُّهُ فِي مَحَلِّهِ فَلَا كَفَّارَةَ، كَمَا لَوْ أَفْتَاهُ مُفْتٍ - يُعْتَمَدُ عَلَى قَوْلِهِ وَيُؤْخَذُ بِفَتْوَاهُ فِي الْبَلَدِ - بِالإِْفْطَارِ فِي الْحِجَامَةِ فَأَكَل عَامِدًا، بَعْدَمَا احْتَجَمَ لَا يُكَفِّرُ (2) .
وَالْمَالِكِيَّةُ قَسَّمُوا الظَّنَّ فِي الْفِطْرِ إِلَى قِسْمَيْنِ:
أ - تَأْوِيلٌ قَرِيبٌ: وَهُوَ الَّذِي يَسْتَنِدُ فِيهِ الْمُفْطِرُ إِلَى أَمْرٍ مَوْجُودٍ، يُعْذَرُ بِهِ شَرْعًا، فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، كَمَا فِي هَذِهِ الصُّوَرِ:
- لَوْ أَفْطَرَ نَاسِيًا، فَظَنَّ لِفَسَادِ صَوْمِهِ إِبَاحَةَ الْفِطْرِ، فَأَفْطَرَ ثَانِيًا عَامِدًا، فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ.
أَوْ لَزِمَهُ الْغُسْل لَيْلاً لِجَنَابَةٍ أَوْ حَيْضٍ، وَلَمْ يَغْتَسِل إِلَاّ بَعْدَ الْفَجْرِ، فَظَنَّ الإِْبَاحَةَ، فَأَفْطَرَ عَمْدًا.
أَوْ تَسَحَّرَ قُرْبَ الْفَجْرِ، فَظَنَّ بُطْلَانَ صَوْمِهِ، فَأَفْطَرَ.
أَوْ قَدِمَ الْمُسَافِرُ لَيْلاً، فَظَنَّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ
(1) حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح ص 368.
(2)
انظر الدر المختار ورد المحتار عليه 2 / 108 و 109، وبدائع الصنائع 2 / 100.
صَوْمُ صَبِيحَةِ قُدُومِهِ، فَأَفْطَرَ مُسْتَنِدًا إِلَى هَذَا التَّأْوِيل، لَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ.
أَوْ سَافَرَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، فَظَنَّ إِبَاحَةَ الْفِطْرِ فَبَيَّتَ الْفِطْرَ، فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ.
أَوْ رَأَى هِلَال شَوَّالٍ نَهَارًا، يَوْمَ ثَلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ، فَاعْتَقَدَ أَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ، فَأَفْطَرَ.
فَهَؤُلَاءِ إِذَا ظَنُّوا إِبَاحَةَ الْفِطْرِ فَأَفْطَرُوا، فَعَلَيْهِمُ الْقَضَاءُ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ عَلِمُوا الْحُرْمَةَ، أَوْ شَكُّوا فِيهَا فَعَلَيْهِمُ الْكَفَّارَةُ.
ب - تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ: وَهُوَ الْمُسْتَنِدُ فِيهِ إِلَى أَمْرٍ مَعْدُومٍ أَوْ مَوْجُودٍ، لَكِنَّهُ لَمْ يُعْذَرْ بِهِ شَرْعًا، فَلَا يَنْفَعُهُ، وَعَرَّفَهُ الأَْبِيُّ بِأَنَّهُ: مَا لَمْ يَسْتَنِدْ لِمَوْجُودٍ غَالِبًا (1)، مِثَال ذَلِكَ:
مَنْ رَأَى هِلَال رَمَضَانَ، فَشَهِدَ عِنْدَ حَاكِمٍ، فَرُدَّ وَلَمْ يُقْبَل لِمَانِعٍ، فَظَنَّ إِبَاحَةَ الْفِطْرِ، فَأَفْطَرَ، فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِبُعْدِ تَأْوِيلِهِ.
وَقَال أَشْهَبُ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِقُرْبِ تَأْوِيلِهِ لاِسْتِنَادِهِ لِمَوْجُودٍ، وَهُوَ رَدُّ الْحَاكِمِ شَهَادَتَهُ.
وَالتَّحْقِيقُ: أَنَّهُ اسْتَنَدَ لِمَعْدُومٍ، وَهُوَ أَنَّ الْيَوْمَ لَيْسَ مِنْ رَمَضَانَ، مَعَ أَنَّهُ مِنْهُ بِرُؤْيَةِ عَيْنِهِ.
أَوْ بَيَّتَ الْفِطْرَ وَأَصْبَحَ مُفْطِرًا، فِي يَوْمٍ لِحُمَّى تَأْتِيهِ فِيهِ عَادَةً، ثُمَّ حُمَّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَأَوْلَى إِنْ لَمْ يُحَمَّ.
أَوْ بَيَّتَتِ الْفِطْرَ امْرَأَةٌ لِحَيْضٍ اعْتَادَتْهُ فِي
(1) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير 1 / 532، وجواهر الإكليل 1 / 152.
يَوْمِهَا، ثُمَّ حَصَل الْحَيْضُ بَعْدَ فِطْرِهَا، وَأَوْلَى إِنْ لَمْ يَحْصُل.
أَوْ أَفْطَرَ لِحِجَامَةٍ فَعَلَهَا بِغَيْرِهِ، أَوْ فُعِلَتْ بِهِ، فَظَنَّ الإِْبَاحَةَ، فَإِنَّهُ يُكَفِّرُ. لَكِنْ قَال الدَّرْدِيرُ: الْمُعْتَمَدُ فِي هَذَا عَدَمُ الْكَفَّارَةِ، لأَِنَّهُ مِنَ الْقَرِيبِ، لاِسْتِنَادِهِ لِمَوْجُودٍ، وَهُوَ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ (1) .
أَوِ اغْتَابَ شَخْصًا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، فَظَنَّ إِبَاحَةَ الْفِطْرِ فَأَفْطَرَ، فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ (2) .
وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ مَنْ جَامَعَ عَامِدًا، بَعْدَ الأَْكْل نَاسِيًا، وَظَنَّ أَنَّهُ أَفْطَرَ بِهِ، لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الأَْصَحُّ بُطْلَانَ صَوْمِهِ بِالْجِمَاعِ، لأَِنَّهُ جَامَعَ وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ غَيْرُ صَائِمٍ، فَلَمْ يَأْثَمْ بِهِ، لِذَلِكَ قِيل: لَا يَبْطُل صَوْمُهُ، وَبُطْلَانُهُ مَقِيسٌ عَلَى مَنْ ظَنَّ اللَّيْل وَقْتَ الْجِمَاعِ، فَبَانَ خِلَافُهُ.
وَعِنْدَ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ، أَنَّهُ يُحْتَمَل أَنْ تَجِبَ بِهِ الْكَفَّارَةُ، لأَِنَّ هَذَا الظَّنَّ لَا يُبِيحُ الْوَطْءَ.
وَأَمَّا لَوْ قَال: عَلِمْتُ تَحْرِيمَهُ، وَجَهِلْتُ
(1) حديث: " وأفطر الحاجم والمحجوم " أخرجه أبو داود (2 / 770) من حديث ثوبان وذكر الزيلعي في نصب الراية (2 / 472) أن البخاري صححه نقلا عن الترمذي.
(2)
الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي عليه 1 / 531، 532، وجواهر الإكليل 1 / 151، 152.