الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . فَصَامَ حَتَّى مَرَّ بِغَدِيرٍ فِي الطَّرِيقِ وَحَدِيثُ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. . . فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ (1) قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَهَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ، لَا يُعْرَجُ عَلَى مَا خَالَفَهُ (2) .
قَال النَّوَوِيُّ: وَفِيهِ احْتِمَالٌ لإِِمَامِ الْحَرَمَيْنِ، وَصَاحِبِ الْمُهَذَّبِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، لأَِنَّهُ دَخَل فِي فَرْضِ الْمُقِيمِ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّرَخُّصُ بِرُخْصَةِ الْمُسَافِرِ، كَمَا لَوْ دَخَل فِي الصَّلَاةِ بِنِيَّةِ الإِْتْمَامِ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَقْصُرَ، وَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ، فَفِي كَرَاهَةِ الْفِطْرِ وَجْهَانِ، وَأَصَحُّهُمَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ، لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَعَل ذَلِكَ (3) .
وَزَادَ الْحَنَابِلَةُ أَنَّ لَهُ الْفِطْرَ بِمَا شَاءَ، مِنْ جِمَاعٍ وَغَيْرِهِ، كَأَكْلٍ وَشُرْبٍ، لأَِنَّ مَنْ أُبِيحَ لَهُ الأَْكْل أُبِيحَ لَهُ الْجِمَاعُ، كَمَنْ لَمْ يَنْوِ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ بِالْوَطْءِ، لِحُصُول الْفِطْرِ بِالنِّيَّةِ قَبْل الْجِمَاعِ، فَيَقَعُ الْجِمَاعُ بَعْدَهُ (4) .
(1) حديث ابن عباس: " فصام حتى مر بغدير. . . " وحديث جابر: " فصام حتى بلغ كراع الغميم. . . " تقدما في الفقرة / 58.
(2)
المغني 3 / 19.
(3)
روضة الطالبين 2 / 369، والمهذب وشرحه المجموع 6 / 260 و 261، وشرح المحلي على المنهاج 2 / 64، والوجيز 1 / 103.
(4)
كشاف القناع 2 / 312.
صِحَّةُ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ:
60 -
ذَهَبَ الأَْئِمَّةُ الأَْرْبَعَةُ، وَجَمَاهِيرُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ إِلَى أَنَّ الصَّوْمَ فِي السَّفَرِ جَائِزٌ صَحِيحٌ مُنْعَقِدٌ، وَإِذَا صَامَ وَقَعَ صِيَامُهُ وَأَجْزَأَهُ.
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهم أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَيَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَى الْمُسَافِرِ إِنْ صَامَ فِي سَفَرٍ. وَرُوِيَ الْقَوْل بِكَرَاهَتِهِ.
وَالْجُمْهُورُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالسَّلَفِ، وَالأَْئِمَّةُ الأَْرْبَعَةُ، الَّذِينَ ذَهَبُوا إِلَى صِحَّةِ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ - اخْتَلَفُوا بَعْدَ ذَلِكَ فِي أَيِّهِمَا أَفْضَل، الصَّوْمُ أَمِ الْفِطْرُ، أَوْ هُمَا مُتَسَاوِيَانِ؟
فَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، أَنَّ الصَّوْمَ أَفْضَل، إِذَا لَمْ يُجْهِدْهُ الصَّوْمُ وَلَمْ يُضْعِفْهُ، وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ مَنْدُوبٌ (1) . قَال الْغَزَالِيُّ: وَالصَّوْمُ أَحَبُّ مِنَ الْفِطْرِ فِي السَّفَرِ، لِتَبْرِئَةِ الذِّمَّةِ، إِلَاّ إِذَا كَانَ يَتَضَرَّرُ بِهِ (2) . وَقَيَّدَ الْقَلْيُوبِيُّ الضَّرَرَ بِضَرَرٍ لَا يُوجِبُ الْفِطْرَ (3) .
وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} . . إِلَى قَوْلِهِ. .
(1) الدر المختار 2 / 117، وحاشية القليوبي على شرح المحلي على المنهاج 2 / 64.
(2)
الوجيز 1 / 103.
(3)
حاشية القليوبي 2 / 64.
{وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ (1) } . فَقَدْ دَلَّتِ الآْيَاتُ عَلَى أَنَّ الصَّوْمَ عَزِيمَةٌ وَالإِْفْطَارَ رُخْصَةٌ، وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ الْعَزِيمَةَ أَفْضَل، كَمَا تَقَرَّرَ فِي الأُْصُول، قَال ابْنُ رُشْدٍ: مَا كَانَ رُخْصَةً فَالأَْفْضَل تَرْكُ الرُّخْصَةِ، (2) .
وَبِحَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ الْمُتَقَدِّمِ قَال: خَرَجْنَا مَعَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، فِي حَرٍّ شَدِيدٍ. . . مَا فِينَا صَائِمٌ إِلَاّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ (3) .
وَقَيَّدَ الْحَدَّادِيُّ، صَاحِبُ الْجَوْهَرَةِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ أَفْضَلِيَّةَ الصَّوْمِ - أَيْضًا - بِمَا إِذَا لَمْ تَكُنْ عَامَّةُ رُفْقَتِهِ مُفْطِرِينَ، وَلَا مُشْتَرِكِينَ فِي النَّفَقَةِ، فَإِنْ كَانُوا كَذَلِكَ، فَالأَْفْضَل فِطْرُهُ مُوَافَقَةً لِلْجَمَاعَةِ (4) .
وَمَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ الْفِطْرَ فِي السَّفَرِ أَفْضَل، بَل قَال الْخِرَقِيُّ: وَالْمُسَافِرُ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْفِطْرُ، قَال الْمِرْدَاوِيُّ: وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ.
(1) سورة البقرة / 183 - 185.
(2)
بداية المجتهد 1 / 345.
(3)
حديث أبي الدرداء: " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان. . . ". أخرجه البخاري الفتح (4 / 182) ومسلم (2 / 790) واللفظ لمسلم.
(4)
الهداية وفتح القدير 2 / 273، والدر المختار 2 / 117، ومراقي الفلاح ص 375، وبداية المجتهد 1 / 345، والقوانين الفقهية (81) ، والمجموع 6 / 265 و 266، وشرح المحلي على المنهاج 2 / 64، والإنصاف 3 / 287.
وَفِي الإِْقْنَاعِ: وَالْمُسَافِرُ سَفَرَ قَصْرٍ يُسَنُّ لَهُ الْفِطْرُ.
وَيُكْرَهُ صَوْمُهُ، وَلَوْ لَمْ يَجِدْ مَشَقَّةً. وَعَلَيْهِ الأَْصْحَابُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ وَجَدَ مَشَقَّةً أَوْ لَا، وَهَذَا مَذْهَبُ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم وَسَعِيدٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالأَْوْزَاعِيِّ (1) .
وَاسْتَدَل هَؤُلَاءِ بِحَدِيثِ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ (2) وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ: عَلَيْكُمْ بِرُخْصَةِ اللَّهِ الَّذِي رَخَّصَ لَكُمْ فَاقْبَلُوهَا (3) .
قَال الْمَجْدُ: وَعِنْدِي لَا يُكْرَهُ لِمَنْ قَوِيَ، وَاخْتَارَهُ الآْجُرِّيُّ (4) .
قَال النَّوَوِيُّ وَالْكَمَال بْنُ الْهُمَامِ: إِنَّ الأَْحَادِيثَ الَّتِي تَدُل عَلَى أَفْضَلِيَّةِ الْفِطْرِ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَنْ يَتَضَرَّرُ بِالصَّوْمِ، وَفِي بَعْضِهَا التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ، وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا التَّأْوِيل، لِيُجْمَعَ بَيْنَ الأَْحَادِيثِ، وَذَلِكَ أَوْلَى مِنْ إِهْمَال بَعْضِهَا، أَوِ ادِّعَاءِ النَّسْخِ، مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ قَاطِعٍ (5) .
وَالَّذِينَ سَوَّوْا بَيْنَ الصَّوْمِ وَبَيْنَ الْفِطْرِ،
(1) كشاف القناع 2 / 311، والمغني والشرح الكبير 3 / 18.
(2)
حديث جابر: " ليس من البر الصوم في السفر ". أخرجه البخاري (الفتح 4 / 183) ومسلم (2 / 786) .
(3)
زيادة: " عليكم برخصة الله. . . ". أخرجها مسلم (2 / 786)، وفي رواية أخرى لهذا الحديث:" التي رخص لكم " أخرجها النسائي (4 / 176) .
(4)
كشاف القناع 2 / 312.
(5)
المجموع 6 / 266، وفتح القدير 2 / 273، 274.