الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مُرِيدًا لِمَعْنًى يُخَالِفُهُ، وَذَلِكَ كَالْمُعَرِّضِ وَالْمُوَرِّي وَالْمُلْغِزِ وَالْمُتَأَوِّل.
الْقِسْمُ الثَّالِثُ:
18 -
مَا هُوَ ظَاهِرٌ فِي مَعْنَاهُ وَيَحْتَمِل إِرَادَةَ الْمُتَكَلِّمِ لَهُ، وَيَحْتَمِل إِرَادَةَ غَيْرِهِ وَلَا دَلَالَةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنَ الأَْمْرَيْنِ، وَاللَّفْظُ دَالٌّ عَلَى الْمَعْنَى الْمَوْضُوعِ لَهُ، وَقَدْ أَتَى بِهِ اخْتِيَارًا (1) .
ثُمَّ بَيَّنَ ابْنُ الْقَيِّمِ مَا يُحْمَل عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ هَذِهِ الأَْقْسَامِ، وَمَا لَا يُحْمَل عَلَى ظَاهِرِهِ، وَمَا يُحْمَل عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِهِ، فَقَال: إِذَا ظَهَرَ قَصْدُ الْمُتَكَلِّمِ لِمَعْنَى الْكَلَامِ، أَوْ لَمْ يَظْهَرْ قَصْدٌ يُخَالِفُ كَلَامَهُ وَجَبَ حَمْل كَلَامِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَهَذَا حَقٌّ لَا يُنَازِعُ فِيهِ عَالِمٌ، وَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ عَلَى ذَلِكَ أَدِلَّةً كَثِيرَةً، وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَالْوَاجِبُ حَمْل كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ وَحَمْل كَلَامِ الْمُكَلَّفِ عَلَى ظَاهِرِهِ الَّذِي هُوَ ظَاهِرُهُ، وَهُوَ الَّذِي يُقْصَدُ مِنَ اللَّفْظِ عِنْدَ التَّخَاطُبِ، وَلَا يَتِمُّ التَّفْهِيمُ وَالْفَهْمُ إِلَاّ بِذَلِكَ، وَمُدَّعِي غَيْرِ ذَلِكَ عَلَى الْمُتَكَلِّمِ الْقَاصِدِ لِلْبَيَانِ وَالتَّفْهِيمِ كَاذِبٌ عَلَيْهِ.
قَال ابْنُ الْقَيِّمِ: وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي الْحَمْل عَلَى الظَّاهِرِ حُكْمًا بَعْدَ ظُهُورِ مُرَادِ الْمُتَكَلِّمِ وَالْفَاعِل بِخِلَافِ مَا أَظْهَرَهُ، فَهَذَا هُوَ الَّذِي
(1) أعلام الموقعين 3 / 107 - 108.
وَقَعَ فِيهِ النِّزَاعُ، وَهُوَ: هَل الاِعْتِبَارُ بِظَوَاهِرِ الأَْلْفَاظِ وَالْعُقُودِ، وَإِنْ ظَهَرَتِ الْمَقَاصِدُ وَالنِّيَّاتُ بِخِلَافِهَا؟ أَمْ لِلْقُصُودِ وَالنِّيَّاتِ تَأْثِيرٌ يُوجِبُ الاِلْتِفَاتَ إِلَيْهَا وَمُرَاعَاةَ جَانِبِهَا؟
وَقَدْ تَظَاهَرَتْ أَدِلَّةُ الشَّرْعِ وَقَوَاعِدُهُ عَلَى أَنَّ الْقُصُودَ فِي الْعُقُودِ مُعْتَبَرَةٌ، وَأَنَّهَا تُؤَثِّرُ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ وَفَسَادِهِ، وَفِي حِلِّهِ، وَحُرْمَتِهِ، بَل أَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ، وَهِيَ أَنَّهَا تُؤَثِّرُ فِي الْفِعْل الَّذِي لَيْسَ بِعَقْدٍ تَحْلِيلاً وَتَحْرِيمًا فَيَصِيرُ حَلَالاً تَارَةً وَحَرَامًا تَارَةً أُخْرَى بِاخْتِلَافِ النِّيَّةِ، وَالْقَصْدِ، كَمَا يَصِيرُ صَحِيحًا تَارَةً، وَفَاسِدًا تَارَةً بِاخْتِلَافِهَا، وَهَذَا كَالرَّجُل يَشْتَرِي الْجَارِيَةَ يَنْوِي أَنْ تَكُونَ لِمُوَكِّلِهِ فَتَحْرُمَ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَيَنْوِيَ أَنَّهَا لَهُ فَتَحِل لَهُ (1) .
ثُمَّ بَعْدَ أَنْ يُوَضِّحَ ابْنُ الْقَيِّمِ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْعُقُودِ الْقَصْدُ دُونَ اللَّفْظِ الْمُجَرَّدِ يَقُول:
وَهَذِهِ الأَْقْوَال إِنَّمَا تُفِيدُ الأَْحْكَامَ إِذَا قَصَدَ الْمُتَكَلِّمُ بِهَا مَا جُعِلَتْ لَهُ، وَإِذَا لَمْ يَقْصِدْ بِهَا مَا يُنَاقِضُ مَعْنَاهَا، وَهَذَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، فَأَمَّا فِي الظَّاهِرِ فَالأَْمْرُ مَحْمُولٌ عَلَى الصِّحَّةِ، وَإِلَاّ لَمَا تَمَّ عَقْدٌ وَلَا تَصَرُّفٌ، فَإِذَا قَال: بِعْتُ أَوْ تَزَوَّجْتُ كَانَ هَذَا اللَّفْظُ دَلِيلاً عَلَى أَنَّهُ قَصَدَ مَعْنَاهُ الْمَقْصُودَ بِهِ، وَجَعَلَهُ الشَّارِعُ
(1) أعلام الموقعين 3 / 108 - 109 - 110.