الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْيَابِسِ - بِأَنَّ بَيْنَ جَوْفِ الرَّأْسِ وَجَوْفِ الْمَعِدَةِ مَنْفَذًا أَصْلِيًّا، فَمَتَى وَصَل إِلَى جَوْفِ الرَّأْسِ، يَصِل إِلَى جَوْفِ الْبَطْنِ (1) .
أَمَّا إِذَا شَكَّ فِي وُصُول الدَّوَاءِ إِلَى الْجَوْفِ، فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ بَعْضُ التَّفْصِيل وَالْخِلَافِ، فَإِنْ كَانَ الدَّوَاءُ رَطْبًا، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الظَّاهِرُ هُوَ الْوُصُول، لِوُجُودِ الْمَنْفَذِ إِلَى الْجَوْفِ، وَهُوَ السَّبَبُ، فَيُبْنَى الْحُكْمُ عَلَى الظَّاهِرِ، وَهُوَ الْوُصُول عَادَةً، وَقَال الصَّاحِبَانِ: لَا يُفْطِرُ، لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِهِ، فَلَا يُفْطِرُ بِالشَّكِّ، فَهُمَا يَعْتَبِرَانِ الْمَخَارِقَ الأَْصْلِيَّةَ؛ لأَِنَّ الْوُصُول إِلَى الْجَوْفِ مِنَ الْمَخَارِقِ الأَْصْلِيَّةِ مُتَيَقَّنٌ بِهِ، وَمِنْ غَيْرِهَا مَشْكُوكٌ بِهِ، فَلَا نَحْكُمُ بِالْفَسَادِ مَعَ الشَّكِّ.
وَأَمَّا إِذَا كَانَ الدَّوَاءُ يَابِسًا، فَلَا فِطْرَ اتِّفَاقًا؛ لأَِنَّهُ لَمْ يَصِل إِلَى الْجَوْفِ وَلَا إِلَى الدِّمَاغِ.
لَكِنْ قَال الْبَابَرْتِيُّ: وَأَكْثَرُ مَشَايِخِنَا عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْوُصُول، حَتَّى إِذَا عَلِمَ أَنَّ الدَّوَاءَ الْيَابِسَ وَصَل إِلَى جَوْفِهِ، فَسَدَ صَوْمُهُ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الرَّطْبَ لَمْ يَصِل إِلَى جَوْفِهِ، لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ عِنْدَهُ، إِلَاّ أَنَّهُ ذَكَرَ الرَّطْبَ وَالْيَابِسَ بِنَاءً عَلَى الْعَادَةِ.
(1) مراقي الفلاح وحاشية الطحطاوي عليه ص 368، والدر المختار 2 / 103
وَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ يَقِينًا فَسَدَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، نَظَرًا إِلَى الْعَادَةِ، لَا عِنْدَهُمَا (1) .
وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ عَدَمُ الإِْفْطَارِ بِمُدَاوَاةِ الْجِرَاحِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الشِّيحِ تَقِيِّ الدِّينِ.
قَال الْمِرْدَاوِيُّ: وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عَدَمَ الإِْفْطَارِ بِمُدَاوَاةِ جَائِفَةٍ وَمَأْمُومَةٍ (2) .
قَال ابْنُ جُزَيٍّ: أَمَّا دَوَاءُ الْجُرْحِ بِمَا يَصِل إِلَى الْجَوْفِ، فَلَا يُفْطِرُ (3) .
وَقَال الدَّرْدِيرُ، مُعَلِّلاً عَدَمَ الإِْفْطَارِ بِوَضْعِ الدُّهْنِ عَلَى الْجَائِفَةِ، وَالْجُرْحِ الْكَائِنِ فِي الْبَطْنِ الْوَاصِل لِلْجَوْفِ: لأَِنَّهُ لَا يَصِل لِمَحَل الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَإِلَاّ لَمَاتَ مِنْ سَاعَتِهِ (4) .
ز -
الاِحْتِقَانُ:
51 -
الاِحْتِقَانُ: صَبُّ الدَّوَاءِ أَوْ إِدْخَال نَحْوِهِ فِي الدُّبُرِ (5) . وَقَدْ يَكُونُ بِمَائِعٍ أَوْ بِغَيْرِهِ، فَالاِحْتِقَانُ بِالْمَائِعِ مِنَ الْمَاءِ، وَهُوَ الْغَالِبُ، أَوْ غَيْرِ الْمَاءِ - يُفْسِدُ الصَّوْمَ وَيُوجِبُ الْقَضَاءَ، فِيمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَهُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ، وَمَنْصُوصُ خَلِيلٍ، وَهُوَ مُعَلَّلٌ بِأَنَّهُ يَصِل بِهِ الْمَاءُ إِلَى الْجَوْفِ مِنْ
(1) شرح العناية على الهداية للبابرتي مع فتح القدير 2 / 266، 267.
(2)
الإنصاف 3 / 299.
(3)
القوانين الفقهية ص 80.
(4)
الشرح الكبير للدردير 1 / 533، والمدونة 1 / 198.
(5)
المصباح المنير مادة (حقن) ، ومراقي الفلاح ص 367، والإقناع 2 / 329.
مَنْفَذٍ مَفْتُوحٍ، وَبِأَنَّ غَيْرَ الْمُعْتَادِ كَالْمُعْتَادِ فِي الْوَاصِل، وَبِأَنَّهُ أَبْلَغُ وَأَوْلَى بِوُجُوبِ الْقَضَاءِ مِنَ الاِسْتِعَاطِ اسْتِدْرَاكًا لِلْفَرِيضَةِ الْفَاسِدَةِ (1) .
وَلَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ، لِعَدَمِ اسْتِكْمَال الْجِنَايَةِ عَلَى الصَّوْمِ صُورَةً وَمَعْنًى، كَمَا هُوَ سَبَبُ الْكَفَّارَةِ، بَل هُوَ لِوُجُودِ مَعْنَى الْفِطْرِ، وَهُوَ وُصُول مَا فِيهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ إِلَى الْجَوْفِ، دُونَ صُورَتِهِ، وَهُوَ الْوُصُول مِنَ الْفَمِ دُونَ مَا سِوَاهُ (2) .
وَاسْتَدَل الْمَرْغِينَانِيُّ وَغَيْرُهُ لِلإِْفْطَارِ بِالاِحْتِقَانِ وَغَيْرِهِ، كَالاِسْتِعَاطِ وَالإِْفْطَارِ، بِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا: إِنَّمَا الإِْفْطَارُ مِمَّا دَخَل، وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ (3) .
وَقَوْل ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا الْفِطْرُ مِمَّا دَخَل، وَلَيْسَ مِمَّا يَخْرُجُ (4) .
أَمَّا الاِحْتِقَانُ بِالْجَامِدِ، فَفِيهِ بَعْضُ الْخِلَافِ: فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ مَا يَدْخُل
(1) تبيين الحقائق 1 / 329 و 330، والهداية وشروحها 2 / 265، 266، والدر المختار 2 / 102، وشرح الدردير 1 / 524، وجواهر الإكليل 1 / 149، وشرح المحلي على المنهاج 2 / 56، والإقناع 2 / 329، 330، وكشاف القناع 2 / 318.
(2)
تبيين الحقائق 1 / 329 و 330.
(3)
حديث عائشة: " إنما الإفطار مما دخل وليس مما خرج ". أورده الهيثمي في مجمع الزائد (3 / 167) وقال: رواه أبو يعلى وفيه من لم أعرفه.
(4)
قول ابن عباس رضي الله عنهما: " الفطر مما دخل. . ". أخرجه ابن أبي شيبة (3 / 51) .
إِلَى الْجَوْفِ مِنَ الدُّبُرِ بِالْحُقْنَةِ يُفْطِرُ، لأَِنَّهُ وَاصِلٌ إِلَى الْجَوْفِ بِاخْتِيَارِهِ، فَأَشْبَهَ الأَْكْل (1) .
كَذَلِكَ دُخُول طَرَفِ أُصْبُعٍ فِي الْمَخْرَجِ حَال الاِسْتِنْجَاءِ يُفْطِرُ، قَال النَّوَوِيُّ: لَوْ أَدْخَل الرَّجُل أُصْبُعَهُ أَوْ غَيْرَهَا دُبُرَهُ، وَبَقِيَ الْبَعْضُ خَارِجًا، بَطَل الصَّوْمُ، بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا (2) .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ تَغْيِيبَ الْقُطْنِ وَنَحْوِهِ مِنَ الْجَوَامِدِ الْجَافَّةِ يُفْسِدُ الصَّوْمَ، وَعَدَمَ التَّغْيِيبِ لَا يُفْسِدُهُ، كَمَا لَوْ بَقِيَ طَرَفُهُ خَارِجًا، لأَِنَّ عَدَمَ تَمَامِ الدُّخُول كَعَدَمِ دُخُول شَيْءٍ بِالْمَرَّةِ، كَإِدْخَال الأُْصْبُعِ غَيْرِ الْمَبْلُولَةِ، أَمَّا الْمَبْلُولَةُ بِالْمَاءِ وَالدُّهْنِ فَيُفْسِدُهُ (3) .
وَخَصَّ الْمَالِكِيَّةُ الإِْفْطَارَ وَإِبْطَال الصَّوْمِ بِالْحُقْنَةِ الْمَائِعَةِ نَصًّا.
وَقَالُوا: احْتَرَزَ (خَلِيلٌ) بِالْمَائِعِ عَنِ الْحُقْنَةِ بِالْجَامِدِ، فَلَا قَضَاءَ فِيهَا، وَلَا فِي فَتَائِل عَلَيْهَا دُهْنٌ لِخِفَّتِهَا.
وَفِي الْمُدَوَّنَةِ، قَال ابْنُ الْقَاسِمِ: سُئِل مَالِكٌ عَنِ الْفَتَائِل تُجْعَل لِلْحُقْنَةِ؟ قَال مَالِكٌ: أَرَى ذَلِكَ خَفِيفًا، وَلَا أَرَى عَلَيْهِ فِيهِ
(1) المغني 3 / 37، وكشاف القناع 2 / 318.
(2)
الإقناع للشربيني الخطيب 2 / 330، والمجموع 6 / 314.
(3)
مراقي الفلاح ص 370، وانظر تبيين الحقائق وحاشية الشلبي عليه 1 / 329، 330، والدر المختار ورد المحتار 2 / 102.