الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَانَ لَا يَضْعُفُ بِهَا، وَعَلَى كُل حَالٍ تَجَنُّبُ الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ أَوْلَى (1) .
أَمَّا الْفَصْدُ، فَقَدْ نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى كَرَاهَتِهِ، كَالْحِجَامَةِ، وَكَرَاهَةِ كُل عَمَلٍ شَاقٍّ، وَكُل مَا يُظَنُّ أَنَّهُ يُضْعِفُ عَنِ الصَّوْمِ، وَكَذَلِكَ صَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ الْفَصَادَةَ كَالْحِجَامَةِ.
غَيْرَ أَنَّ الْحَنَابِلَةَ الَّذِينَ قَالُوا بِالْفِطْرِ فِي الْحِجَامَةِ، قَالُوا: لَا فِطْرَ بِفَصْدٍ وَشَرْطٍ، وَلَا بِإِخْرَاجِ دَمِهِ بِرُعَافٍ، لأَِنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ، وَالْقِيَاسُ لَا يَقْتَضِيهِ.
وَفِي قَوْلٍ لَهُمْ - اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - إِفْطَارُ الْمَفْصُودِ دُونَ الْفَاصِدِ، كَمَا اخْتَارَ إِفْطَارَ الصَّائِمِ، بِإِخْرَاجِ دَمِهِ، بِرُعَافٍ وَغَيْرِهِ (2) .
و وَتُكْرَهُ الْمُبَالَغَةُ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالاِسْتِنْشَاقِ فِي الصَّوْمِ.
فَفِي الْمَضْمَضَةِ: بِإِيصَال الْمَاءِ إِلَى رَأْسِ الْحَلْقِ، وَفِي الاِسْتِنْشَاقِ: بِإِيصَالِهِ إِلَى فَوْقِ الْمَارِنِ.
وَذَلِكَ لِحَدِيثِ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال لَهُ: بَالِغْ فِي
(1) الإنصاف 3 / 302، ونيل الأوطار 4 / 203.
(2)
مراقي الفلاح ص 372، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير 1 / 518، والإقناع 2 / 334، وشرح المحلي على المنهاج 2 / 62، وكشاف القناع 2 / 320، والروض المربع 1 / 140، 141، والإنصاف 3 / 303.
الاِسْتِنْشَاقِ إِلَاّ أَنْ تَكُونَ صَائِمًا (1) ، وَذَلِكَ خَشْيَةَ فَسَادِ صَوْمِهِ.
وَمِنَ الْمَكْرُوهَاتِ الَّتِي عَدَّدَهَا الْمَالِكِيَّةُ: فُضُول الْقَوْل وَالْعَمَل، وَإِدْخَال كُل رَطْبٍ لَهُ طَعْمٌ (فِي فَمِهِ) وَإِنْ مَجَّهُ، وَالإِْكْثَارُ مِنَ النَّوْمِ فِي النَّهَارِ (2) .
مَا لَا يُكْرَهُ فِي الصَّوْمِ:
84 -
لَا يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ - فِي الْجُمْلَةِ - مَا يَلِي، مَعَ الْخِلَافِ فِي بَعْضِهَا:
أ - الاِكْتِحَال غَيْرُ مَكْرُوهٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، بَل أَجَازُوهُ، وَنَصُّوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ بِهِ الصَّائِمُ وَلَوْ وَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ، قَال النَّوَوِيُّ: لأَِنَّ الْعَيْنَ لَيْسَتْ بِجَوْفٍ، وَلَا مَنْفَذَ مِنْهَا إِلَى الْحَلْقِ (3) .
وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ: اكْتَحَل رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ صَائِمٌ (4) ، وَحَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ
(1) حديث لقيط بن صبرة: " بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما ". أخرجه الترمذي (3 / 146) وقال: حديث حسن صحيح.
(2)
القوانين الفقهية ص 78.
(3)
فتح القدير 2 / 269، ورد المحتار 2 / 113 و 114، والمهذب 6 / 347، وروضة الطالبين 2 / 357.
(4)
حديث عائشة: " اكتحل النبي صلى الله عليه وسلم وهو صائم. . . ". أخرجه ابن ماجه (1 / 536) وضعف إسناده البوصيري في مصباح الزجاجة (1 / 299) .
قَال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَال: اشْتَكَتْ عَيْنِي، أَفَأَكْتَحِل وَأَنَا صَائِمٌ؟ قَال: نَعَمْ (1) .
وَتَرَدَّدَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الاِكْتِحَال، فَقَالُوا: إِنْ كَانَ لَا يَتَحَلَّل مِنْهُ شَيْءٌ لَمْ يُفْطِرْ، وَإِنْ تَحَلَّل مِنْهُ شَيْءٌ أَفْطَرَ. وَقَال أَبُو مُصْعَبٍ: لَا يُفْطِرُ. وَمَنَعَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ مُطْلَقًا.
وَقَال أَبُو الْحَسَنِ: إِنْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ يَصِل إِلَى حَلْقِهِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ، وَإِنْ شَكَّ كُرِهَ، وَلْيَتَمَادَ (أَيْ يَسْتَمِرُّ فِي صَوْمِهِ) وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَصِل، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
وَقَال مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إِذَا دَخَل حَلْقَهُ، وَعَلِمَ أَنَّهُ قَدْ وَصَل الْكُحْل إِلَى حَلْقِهِ، فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. وَإِنْ تَحَقَّقَ عَدَمَ وُصُولِهِ لِلْحَلْقِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، كَاكْتِحَالِهِ لَيْلاً وَهُبُوطِهِ نَهَارًا لِلْحَلْقِ، لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ (2) .
وَهَذَا أَيْضًا مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ، فَقَدْ قَالُوا: إِذَا اكْتَحَل بِمَا يَصِل إِلَى حَلْقِهِ وَيَتَحَقَّقُ الْوُصُول إِلَيْهِ فَسَدَ صَوْمُهُ، وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنَ
(1) حديث أنس: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " اشتكت عيني. . . ". أخرجه الترمذي (3 / 96) وقال: ليس إسناده بالقوي، ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب شيء.
(2)
حاشية العدوي على الخرشي 2 / 249، وجواهر الإكليل 1 / 149، والقوانين الفقهية ص 80، والمدونة 1 / 197.
الْمَذْهَبِ. وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِالإِْثْمِدِ الْمُرَوِّحِ عِنْدَ النَّوْمِ، وَقَال: لِيَتَّقِهِ الصَّائِمُ (1) وَلأَِنَّ الْعَيْنَ مَنْفَذٌ، لَكِنَّهُ غَيْرُ مُعْتَادٍ، وَكَالْوَاصِل مِنَ الأَْنْفِ.
وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ بِذَلِكَ (2) .
ب - التَّقْطِيرُ فِي الْعَيْنِ، وَدَهْنُ الأَْجْفَانِ، أَوْ وَضْعُ دَوَاءٍ مَعَ الدُّهْنِ فِي الْعَيْنِ لَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ، لأَِنَّهُ لَا يُنَافِيهِ وَإِنْ وَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ، وَهُوَ الأَْصَحُّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُمْ يُوَافِقُونَ الْحَنَفِيَّةَ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ التَّقْطِيرَ فِي الْعَيْنِ مُفْسِدٌ لِلصَّوْمِ إِذَا وَصَل إِلَى الْحَلْقِ، لأَِنَّ الْعَيْنَ مَنْفَذٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَادًا (3) .
ج - دَهْنُ الشَّارِبِ وَنَحْوِهِ، كَالرَّأْسِ وَالْبَطْنِ، لَا يُفْطِرُ بِذَلِكَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَلَوْ وَصَل إِلَى جَوْفِهِ بِشُرْبِ الْمَسَامِّ، لأَِنَّهُ لَمْ يَصِل مِنْ مَنْفَذٍ مَفْتُوحٍ، وَلأَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ يُنَافِي الصَّوْمَ، وَلأَِنَّهُ - كَمَا يَقُول
(1) حديث: " أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالأثمد المروح عند النوم ". أخرجه أبو داود (2 / 776) ثم قال: قال لي يحيى بن معين: هو حديث منكر ونقل الزيلعي في نصب الراية (2 / 457) عن ابن عبد الهادي صاحب التنقيح أنه أعله بجهالة راويين فيه.
(2)
المغني 3 / 38، والإنصاف 3 / 299 و 300.
(3)
الفتاوى الهندية 1 / 203، ومراقي الفلاح ص 361، والقوانين الفقهية 80، والروضة 2 / 357 والروض المربع 1 / 140.
الْمَرْغِينَانِيُّ -: نَوْعُ ارْتِفَاقٍ، وَلَيْسَ مِنْ مَحْظُورَاتِ الصَّوْمِ (1) .
لَكِنَّ الْمَالِكِيَّةَ قَالُوا: مَنْ دَهَنَ رَأْسَهُ نَهَارًا، وَوَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ، أَوْ وَضَعَ حِنَّاءَ فِي رَأْسِهِ نَهَارًا، فَاسْتَطْعَمَهَا فِي حَلْقِهِ، فَالْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ وُجُوبُ الْقَضَاءِ وَإِنْ قَال الدَّرْدِيرُ: لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَالْقَاعِدَةُ عِنْدَهُمْ: وُصُول مَائِعٍ لِلْحَلْقِ، وَلَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِ الْفَمِ، مَعَ أَنَّهُمْ قَالُوا: لَا قَضَاءَ فِي دَهْنِ جَائِفَةٍ، وَهِيَ: الْجُرْحُ النَّافِذُ لِلْجَوْفِ، لأَِنَّهُ لَا يَدْخُل مَدْخَل الطَّعَامِ (2) .
د - الاِسْتِيَاكُ، لَا يَرَى الْفُقَهَاءُ بِالاِسْتِيَاكِ بِالْعُودِ الْيَابِسِ أَوَّل النَّهَارِ بَأْسًا، وَلَا يُكْرَهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ بَعْدَ الزَّوَال، وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِي النَّفْل، لِيَكُونَ أَبْعَدَ مِنَ الرِّيَاءِ، وَرِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ آخِرَ النَّهَارِ. بَل صَرَّحَ الأَْوَّلُونَ بِسُنِّيَّتِهِ آخِرَ النَّهَارِ وَأَوَّلَهُ (3)، وَذَلِكَ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ: قَال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مِنْ خَيْرِ خِصَال الصَّائِمِ السِّوَاكُ (4) .
(1) روضة الطالبين 2 / 3588، ومراقي الفلاح ص 372، والدر المختار 2 / 113، والهداية بشروحها 2 / 269.
(2)
الشرح الكبير للدردير - بتصرف 1 / 524، وجواهر الإكليل 1 / 152.
(3)
المغني 3 / 46، وروضة الطالبين 2 / 368.
(4)
حديث: " من خير خصال الصائم السواك ". أخرجه ابن ماجه (1 / 536) والدارقطني (2 / 203) والبيهقي (4 / 272) واللفظ لابن ماجه، وأشار الدارقطني والبيهقي إلى تضعيفه.
وَلِقَوْل عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَا لَا أُحْصِي، يَتَسَوَّكُ وَهُوَ صَائِمٌ (1) .
وَقَدْ أَطْلَقَتْ هَذِهِ الأَْحَادِيثُ السِّوَاكَ، فَيُسَنُّ وَلَوْ كَانَ رَطْبًا، أَوْ مَبْلُولاً بِالْمَاءِ، خِلَافًا لأَِبِي يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ كَرَاهَةُ الرَّطْبِ، وَلأَِحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ كَرَاهَةُ الْمَبْلُول بِالْمَاءِ، لاِحْتِمَال أَنْ يَتَحَلَّل مِنْهُ أَجْزَاءٌ إِلَى حَلْقِهِ، فَيُفْطِرُهُ، وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ.
وَشَرَطَ الْمَالِكِيَّةُ لِجَوَازِهِ أَنْ لَا يَتَحَلَّل مِنْهُ شَيْءٌ، فَإِنْ تَحَلَّل مِنْهُ شَيْءٌ كُرِهَ، وَإِنْ وَصَل إِلَى الْحَلْقِ أَفْطَرَ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى سُنِّيَّةِ تَرْكِ السِّوَاكِ بَعْدَ الزَّوَال، وَإِذَا اسْتَاكَ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ، بِشَرْطِ أَنْ يَحْتَرِزَ عَنِ ابْتِلَاعِ شَيْءٍ مِنْهُ أَوْ مِنْ رُطُوبَتِهِ (2) .
وَاسْتَحَبَّ أَحْمَدُ تَرْكَ السِّوَاكِ بِالْعَشِيِّ، وَقَال: قَال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: خُلُوفُ فَمِ
(1) حديث عامر بن ربيعة: " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ما لا أحصي يتسوك وهو صائم ". أخرجه الترمذي (3 / 95) ونقل ابن حجر في الفتح (4 / 158) عن غير واحد تضعيف أحد رواته.
(2)
مراقي الفلاح وحاشية الطحطاوي عليه ص 372 و 373، والهداية وشروحها 2 / 270 و 271، والدر المختار ورد المحتار 2 / 114، والمغني 3 / 46، والقوانين الفقهية ص 80، وحاشية الدسوقي على الدردير 1 / 534، وروضة الطالبين 2 / 368.
الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ الأَْذْفَرِ (1) لِتِلْكَ الرَّائِحَةِ لَا يُعْجِبُنِي لِلصَّائِمِ أَنْ يَسْتَاكَ بِالْعَشِيِّ (2) .
وَعَنْهُ رِوَايَتَانِ فِي الاِسْتِيَاكِ بِالْعُودِ الرَّطْبِ:
إِحْدَاهُمَا: الْكَرَاهَةُ - كَمَا تَقَدَّمَ - وَالأُْخْرَى: أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ، قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَلَمْ يَرَ أَهْل الْعِلْمِ بِالسِّوَاكِ أَوَّل النَّهَارِ بَأْسًا، إِذَا كَانَ الْعُودُ يَابِسًا (3) .
هـ - الْمَضْمَضَةُ وَالاِسْتِنْشَاقُ فِي غَيْرِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْل لَا يُكْرَهُ ذَلِكَ وَلَا يُفْطِرُ.
وَقَيَّدَهُ الْمَالِكِيَّةُ بِمَا إِذَا كَانَ لِعَطَشٍ وَنَحْوِهِ، وَكَرِهُوهُ لِغَيْرِ مُوجِبٍ، لأَِنَّ فِيهِ تَغْرِيرًا وَمُخَاطَرَةً، وَذَلِكَ لاِحْتِمَال سَبْقِ شَيْءٍ مِنَ الْمَاءِ إِلَى الْحَلْقِ، فَيَفْسُدُ الصَّوْمُ حِينَئِذٍ (4) .
وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ سَأَل النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ؟ فَقَال: أَرَأَيْتَ لَوْ مَضْمَضْتَ مِنَ الْمَاءِ وَأَنْتَ صَائِمٌ؟ قُلْتُ: لَا بَأْسَ، قَال: فَمَهْ (5) .
(1) المسك الأذفر: الجيد إلى الغاية انظر القاموس المحيط (مادة: ذفر)، وحديث:" خلوف فم الصائم. . . ". أخرجه البخاري (الفتح 4 / 103) ومسلم (2 / 807) من حديث أبي هريرة دون قوله فيه: " الأذفر ".
(2)
المغني 3 / 46.
(3)
المغني 3 / 46 وما بعدها.
(4)
الشرح الكبير للدردير، وحاشية الدسوقي عليه 1 / 534.
(5)
حديث عمر: " أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن القبلة للصائم. . . ". أخرجه أبو داود (2 / 779 - 780) والحاكم (1 / 431) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
وَلأَِنَّ الْفَمَ فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ، لَا يُبْطِل الصَّوْمَ بِالْوَاصِل إِلَيْهِ كَالأَْنْفِ وَالْعَيْنِ.
وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ قَال ابْنُ قُدَامَةَ: إِنَّ الْمَضْمَضَةَ، إِنْ كَانَتْ لِحَاجَةٍ كَغَسْل فَمِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ وَنَحْوِهِ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَضْمَضَةِ لِلطَّهَارَةِ، وَإِنْ كَانَ عَابِثًا، أَوْ مَضْمَضَ مِنْ أَجْل الْعَطَشِ كُرِهَ (1) .
وَلَا بَأْسَ أَنْ يَصُبَّ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهِ مِنَ الْحَرِّ وَالْعَطَشِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْعَرْجِ، يَصُبُّ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهِ وَهُوَ صَائِمٌ، مِنَ الْعَطَشِ، أَوْ مِنَ الْحَرِّ (2) .
وَكَذَا التَّلَفُّفُ بِثَوْبٍ مُبْتَلٍّ لِلتَّبَرُّدِ وَدَفْعِ الْحَرِّ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ - عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ - لِهَذَا الْحَدِيثِ، وَلأَِنَّ بِهَذِهِ عَوْنًا لَهُ عَلَى الْعِبَادَةِ، وَدَفْعًا لِلضَّجَرِ وَالضِّيقِ.
وَكَرِهَهَا أَبُو حَنِيفَةَ، لِمَا فِيهَا مِنْ إِظْهَارِ الضَّجَرِ فِي إقَامَةِ الْعِبَادَةِ (3) .
و اغْتِسَال الصَّائِمِ، فَلَا يُكْرَهُ، وَلَا بَأْسَ بِهِ حَتَّى لِلتَّبَرُّدِ، عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَذَلِكَ لِمَا رُوِيَ عَنْ
(1) المغني 3 / 44، 45.
(2)
حديث بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: " لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرج. . . ". أخرجه أبو داود (2 / 769) والحاكم (1 / 432) وأشار الحاكم إلى تصحيحه ووافقه الذهبي.
(3)
مراقي الفلاح ص 373، والدر المختار ورد المحتار عليه 2 / 114.