الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصَّرِيحُ وَالْكِنَايَةُ فِي الصِّيغَةِ:
8 -
مِنَ الصِّيَغِ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمُرَادِ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى نِيَّةٍ أَوْ قَرِينَةٍ، لأَِنَّ الْمَعْنَى مَكْشُوفٌ عِنْدَ السَّامِعِ كَمَا يَقُول الْكَاسَانِيُّ
وَمِنْهَا مَا هُوَ كِنَايَةٌ، أَيْ: أَنَّهُ لَا يَدُل عَلَى الْمُرَادِ إِلَاّ بِالنِّيَّةِ أَوِ الْقَرِينَةِ، لأَِنَّهُ كَمَا يَقُول الشَّبْرَامَلِّسِيُّ: يَحْتَمِل الْمُرَادَ وَغَيْرَهُ، فَيَحْتَاجُ فِي الاِعْتِدَادِ بِهِ لِنِيَّةِ الْمُرَادِ لِخَفَائِهِ (1) .
وَاسْتِعْمَال الْكِنَايَةِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ يَأْتِي فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَالأَْيْمَانِ وَالنُّذُورِ، وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ، وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي انْعِقَادِ مَا عَدَا ذَلِكَ مِنَ الاِلْتِزَامَاتِ بِالْكِنَايَاتِ.
انْظُرْ مُصْطَلَحَ: (عَقْد) .
شُرُوطُ الصِّيغَةِ:
9 -
أ - أَنْ تَكُونَ صَادِرَةً مِمَّنْ هُوَ أَهْلٌ لِلتَّصَرُّفِ فَلَا تَصِحُّ تَصَرُّفَاتُ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ، وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ بِالنِّسْبَةِ لِعُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ كَالْبَيْعِ وَالإِْجَارَةِ.
وَيُزَادُ بِالنِّسْبَةِ لِلتَّبَرُّعَاتِ أَنْ يَكُونَ أَهْلاً لِلتَّبَرُّعِ (2) .
وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ كَذَلِكَ، إِذْ مِنَ
(1) البدائع 3 / 15، 101 و 4 / 46 و 5 / 84، وجواهر الإكليل 2 / 231، والأشباه للسيوطي ص 318، وحاشية الشبراملسي على نهاية المحتاج 6 / 84، والمنثور 2 / 310 و 3 / 101، 118، ومنتهى الإرادات 3 / 427.
(2)
البدائع 4 / 176 و 5 / 135 و 6 / 118 - 207 و 7 / 171 - 222، والدسوقي 3 / 5 - 6، 294 - 397، ونهاية المحتاج 3 / 373 - 375، 4 / 343 - 419 و 5 / 464 والمجموع 9 / 142 - 126 تحقيق المطيعي، وكشاف القناع 3 / 151، 362، 442 و 6 / 229 - 454 ومنتهى الإرادات 2 / 539.
الْفُقَهَاءِ مَنْ أَجَازَ وَصِيَّةَ السَّفِيهِ وَالصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ كَالْحَنَابِلَةِ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ. . وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ مِنْ حَيْثُ تَصَرُّفُ الْوَكِيل وَالْوَلِيِّ وَالْفُضُولِيِّ، وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي أَبْوَابِهِ
وَيَصِحُّ مِنَ الصَّبِيِّ الذِّكْرُ وَالدُّعَاءُ، فَقَدْ أَجَازَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَذَانَ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ، وَيَصِحُّ إِيمَانُهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (1) .
ب - أَنْ يَقْصِدَ الْمُتَكَلِّمُ بِالصِّيغَةِ لَفْظَهَا مَعَ الْمَعْنَى الْمُسْتَعْمَل فِيهِ اللَّفْظُ، إِذِ الْجَهْل بِمَعْنَى اللَّفْظِ مُسْقِطٌ لِحُكْمِهِ، فَفِي قَوَاعِدِ الأَْحْكَامِ: إِذَا نَطَقَ الأَْعْجَمِيُّ بِكَلِمَةِ كُفْرٍ أَوْ إِيمَانٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ إِعْتَاقٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ صُلْحٍ أَوْ إِبْرَاءٍ لَمْ يُؤَاخَذْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، لأَِنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ مُقْتَضَاهُ، وَلَمْ يَقْصِدْ إِلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إِذَا نَطَقَ الْعَرَبِيُّ بِمَا يَدُل عَلَى هَذِهِ الْمَعَانِي بِلَفْظٍ أَعْجَمِيٍّ لَا يَعْرِفُ مَعْنَاهُ فَإِنَّهُ لَا يُؤَاخَذُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، لأَِنَّهُ لَمْ يُرِدْهُ فَإِنَّ الإِْرَادَةَ لَا تَتَوَجَّهُ إِلَاّ إِلَى مَعْلُومٍ أَوْ مَظْنُونٍ، وَإِنْ قَصَدَ الْعَرَبِيُّ بِنُطْقِ شَيْءٍ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ مَعَ مَعْرِفَتِهِ بِمَعَانِيهِ نَفَذَ ذَلِكَ مِنْهُ (2) .
(1) البدائع 1 / 150، وأشباه ابن نجيم ص 306، ومغني المحتاج 1 / 137، والمغني 1 / 413.
(2)
قواعد الأحكام 2 / 102.
وَلَوْ سَبَقَ لِسَانُهُ بِطَلَاقٍ أَوْ يَمِينٍ دُونَ قَصْدٍ فَهُوَ لَاغٍ، وَلَا يَحْنَثُ بِذَلِكَ لِعَدَمِ قَصْدِهِ. وَذَلِكَ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ (1) .
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يَقَعُ طَلَاقُهُ وَيَنْعَقِدُ يَمِينُهُ، إِذِ الْقَصْدُ بِالنِّسْبَةِ لِلْيَمِينِ وَالطَّلَاقِ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَهُمْ فَالنَّاسِي وَالْعَامِدُ وَالْمُخْطِئُ وَالذَّاهِل فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ (2) .
وَالْيَمِينُ اللَّغْوُ لَا شَيْءَ فِيهَا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ جَمِيعًا مَعَ اخْتِلَافِهِمْ فِي الْمُرَادِ بِاللَّغْوِ (3) .
وَهَذَا فِي الْيَمِينِ بِاللَّهِ خِلَافًا لِلْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَإِنَّهُ لَا لَغْوَ فِيهَا فَيَقَعُ يَمِينُهُ (4) .
أَمَّا لَوْ قَصَدَ اللَّفْظَ دُونَ الْمَعْنَى كَالْهَازِل وَاللَاّعِبِ كَمَنْ خَاطَبَ زَوْجَتَهُ بِطَلَاقٍ هَازِلاً أَوْ لَاعِبًا فَإِنَّ طَلَاقَهُ يَقَعُ، وَكَذَلِكَ يَنْعَقِدُ يَمِينُهُ وَنِكَاحُهُ وَرَجْعَتُهُ وَعِتْقُهُ، لِقَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ
(1) الدسوقي 2 / 142، ونهاية المحتاج 6 / 431، 432، والمغني 7 / 122، 135.
(2)
أشباه ابن نجيم ص 303، وابن عابدين 3 / 49، والبدائع 3 / 100.
(3)
البدائع 3 / 8، والدسوقي 2 / 129، ونهاية المحتاج 8 / 169 - 170، ومنتهى الإرادات 3 / 424.
(4)
المراجع السابقة.
وَالطَّلَاقُ وَالرَّجْعَةُ. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ (1) ".
وَقَال عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: أَرْبَعٌ جَائِزَةٌ فِي كُل حَالٍ: الْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ وَالنِّكَاحُ وَالنَّذْرُ (2) وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ فِي الْجُمْلَةِ (3) ، وَذَلِكَ أَنَّ الْهَازِل أَتَى بِالْقَوْل غَيْرَ مُلْتَزِمٍ لِحُكْمِهِ، وَتَرْتِيبُ الأَْحْكَامِ عَلَى الأَْسْبَابِ إِنَّمَا هِيَ لِلشَّارِعِ لَا لِلْعَاقِدِ، فَإِذَا أَتَى بِالسَّبَبِ لَزِمَهُ حُكْمُهُ شَاءَ أَمْ أَبَى، لأَِنَّ ذَلِكَ لَا يَقِفُ عَلَى اخْتِيَارِهِ، وَذَلِكَ إِنَّ الْهَازِل قَاصِدٌ لِلْقَوْل مُرِيدٌ لَهُ مَعَ عِلْمِهِ بِمَعْنَاهُ وَمُوجَبِهِ، وَقَصْدُ اللَّفْظِ الْمُتَضَمِّنِ لِلْمَعْنَى قَصْدٌ لِذَلِكَ الْمَعْنَى لِتَلَازُمِهِمَا، ثُمَّ إِنَّ اللَّعِبَ وَالْهَزْل فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرُ جَائِزٍ، فَيَكُونُ جِدُّ الْقَوْل وَهَزْلُهُ سَوَاءً، بِخِلَافِ جَانِبِ الْعِبَادِ (4) .
أَمَّا عُقُودُ الْهَازِل كَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ فَلَا تَصِحُّ
(1) حديث: " ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد ". أخرجه الترمذي (3 / 481) من حديث أبي هريرة، وجهل ابن القطان أحد رواته، كذا في نصب الراية للزيلعي (3 / 294) ، والرواية الأخرى أخرجها ابن عدي في الكامل (6 / 2033) ضمن منكرات أحد رواته بعدما نقل تضعيفه عن ابن معين وغيره.
(2)
أثر عمر بن الخطاب: " أربع جائزات ". أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (5 / 105) .
(3)
البدائع 3 / 100، والشرح الصغير 1 / 380 ط الحلبي، ونهاية المحتاج 6 / 433، ومنتهى الإرادات 3 / 127.
(4)
أعلام الموقعين 3 / 124 - 125.
عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَهِيَ صَحِيحَةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِي الأَْصَحِّ وَلَمْ نَعْثِرْ لِلْمَالِكِيَّةِ عَلَى رَأْيٍ فِي عُقُودِ الْهَازِل غَيْرَ مَا ذُكِرَ فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ (1) .
وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ، وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي (عَقْد - هَزْل) .
أَمَّا السَّكْرَانُ: فَإِنْ كَانَ سُكْرُهُ بِسَبَبٍ مَحْظُورٍ بِأَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ أَوِ النَّبِيذَ طَوْعًا حَتَّى سَكِرَ وَزَال عَقْلُهُ فَطَلَاقُهُ وَاقِعٌ عِنْدَ عَامَّةِ عُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ، قَال الْكَاسَانِيُّ:
وَكَذَلِكَ عِنْدَ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ، وَذَلِكَ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى:{الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} إِلَى قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِل لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (2) ، مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ السَّكْرَانِ وَغَيْرِهِ إِلَاّ مَنْ خُصَّ بِدَلِيلٍ، وَلأَِنَّ عَقْلَهُ زَال بِسَبَبٍ هُوَ مَعْصِيَةٌ، فَيَنْزِل كَأَنَّ عَقْلَهُ قَائِمٌ، عُقُوبَةً عَلَيْهِ وَزَجْرًا لَهُ عَنِ ارْتِكَابِ الْمَعْصِيَةِ.
وَذَكَرَ ابْنُ نُجَيْمٍ فِي الأَْشْبَاهِ أَنَّ السَّكْرَانَ مِنْ مُحَرَّمٍ كَالصَّاحِي إِلَاّ فِي ثَلَاثٍ: الرِّدَّةِ وَالإِْقْرَارِ بِالْحُدُودِ الْخَالِصَةِ وَالإِْشْهَادِ عَلَى
(1) ابن عابدين 5 / 82، والبدائع 7 / 184، ومغني المحتاج 3 / 288، والجمل 4 / 338، وكشاف القناع 3 / 150.
(2)
سورة البقرة / 229، 230.
نَفْسِهِ (1) . وَالْقَوْل بِصِحَّةِ تَصَرُّفَاتِ السَّكْرَانِ إِذَا كَانَ قَدْ أَدْخَل السُّكْرَ عَلَى نَفْسِهِ هُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.
وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ، وَهُوَ قَوْل الطَّحَاوِيِّ وَالْكَرْخِيِّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْقَوْل الثَّالِثُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يَصِحُّ مَا عَلَيْهِ وَلَا يَصِحُّ مَا لَهُ، فَعَلَى هَذَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ، وَلَا يَصِحُّ اتِّهَابُهُ وَتَصِحُّ رِدَّتُهُ دُونَ إِسْلَامِهِ.
وَعَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ فِيمَا يَسْتَقِل بِهِ مِثْل عِتْقِهِ وَقَتْلِهِ وَغَيْرِهِمَا كَالصَّاحِي، وَفِيمَا لَا يَسْتَقِل بِهِ مِثْل بَيْعِهِ وَنِكَاحِهِ وَمُعَاوَضَتِهِ كَالْمَجْنُونِ.
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَإِنَّهُمْ يُمَيِّزُونَ بَيْنَ مَنْ عِنْدَهُ نَوْعُ تَمْيِيزٍ وَمَنْ زَال عَقْلُهُ فَأَصْبَحَ كَالْمَجْنُونِ، فَمَنْ زَال عَقْلُهُ لَا يُؤَاخَذُ بِشَيْءٍ أَصْلاً، أَمَّا مَنْ عِنْدَهُ وُقُوعُ تَمْيِيزٍ، فَقَدْ قَال ابْنُ نَافِعٍ: يَجُوزُ عَلَيْهِ كُل مَا فَعَل مِنْ بَيْعٍ وَغَيْرِهِ، وَتَلْزَمُهُ الْجِنَايَاتُ وَالْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ وَالْحُدُودُ، وَلَا يَلْزَمُهُ الإِْقْرَارُ وَالْعُقُودُ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ.
أَمَّا مَنْ زَال عَقْلُهُ بِسَبَبٍ يُعْذَرُ فِيهِ كَمَنْ
(1) البدائع 3 / 9 والأشباه لابن نجيم ص 310.
شَرِبَ الْبَنْجَ أَوِ الدَّوَاءَ الَّذِي يُسْكِرُ وَزَال عَقْلُهُ فَلَا يَقَعُ طَلَاقُهُ وَلَا تَصِحُّ تَصَرُّفَاتُهُ لأَِنَّهُ يُقَاسُ عَلَى الْمَجْنُونِ الَّذِي رُفِعَ عَنْهُ الْقَلَمُ (1) .
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي: (عَقْد - سُكْر) .
ج - أَنْ تَصْدُرَ الصِّيغَةُ عَنِ اخْتِيَارٍ، فَلَوْ كَانَ مُكْرَهًا فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مَا لَا يَحْتَمِل الْفَسْخَ، وَهُوَ الطَّلَاقُ، وَالْعَتَاقُ، وَالرَّجْعَةُ، وَالنِّكَاحُ، وَالْيَمِينُ، وَالنَّذْرُ، وَالظِّهَارُ، وَالإِْيلَاءُ، وَالتَّدْبِيرُ، وَالْعَفْوُ عَنِ الْقِصَاصِ، فَهَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ جَائِزَةٌ مَعَ الإِْكْرَاهِ لِعُمُومَاتِ النُّصُوصِ، وَإِطْلَاقُهَا يَقْتَضِي شَرْعِيَّةَ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ وَتَقْيِيدٍ (2) .
أَمَّا التَّصَرُّفَاتُ الَّتِي تَحْتَمِل الْفَسْخَ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالإِْجَارَةِ وَنَحْوِهَا فَالإِْكْرَاهُ يُوجِبُ فَسَادَ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ، وَعِنْدَ زُفَرَ يُوجِبُ تَوَقُّفَهَا عَلَى الإِْجَازَةِ (3) .
وَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِ الْكَافِرِ إِذَا أُكْرِهَ عَلَى الإِْسْلَامِ، وَلَا يُحْكَمُ بِكُفْرِ الْمُسْلِمِ إِذَا أُكْرِهَ عَلَى
(1) البدائع 3 / 99 - 100، والشرح الصغير 3 / 17 ط. دار المعارف، والدسوقي 3 / 5 - 6، ومغني المحتاج 3 / 290 - 291، والمجموع 9 / 142 تحقيق المطيعي، وأسنى المطالب 2 / 6، وكشاف القناع 5 / 234.
(2)
البدائع 7 / 182.
(3)
البدائع 7 / 186.
إِجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ فَأَجْرَى، وَأَخْبَرَ أَنَّ قَلْبَهُ كَانَ مُطْمَئِنًّا بِالإِْيمَانِ (1) .
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: لَا يَلْزَمُ الْمُكْرَهَ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ الْقَوْلِيَّةِ كَالطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ وَالْعِتْقِ وَالإِْقْرَارِ وَالْيَمِينِ، وَكَذَا سَائِرُ الْعُقُودِ كَالْبَيْعِ وَالإِْجَارَةِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَأَمَّا الإِْكْرَاهُ عَلَى كَلِمَةِ الْكُفْرِ فَلَا يَجُوزُ الإِْقْدَامُ عَلَى ذَلِكَ إِلَاّ خَشْيَةَ الْقَتْل (2) .
وَالْحُكْمُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ كَالْحُكْمِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فِي عَدَمِ صِحَّةِ التَّصَرُّفَاتِ الْقَوْلِيَّةِ مَعَ الإِْكْرَاهِ؛ عَمَلاً بِحَدِيثِ: رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ (3) .
وَحَدِيثِ: لَا طَلَاقَ وَلَا عَتَاقَ فِي إِغْلَاقٍ (4) إِلَاّ أَنَّ الْحَنَابِلَةَ اسْتَثْنَوُا النِّكَاحَ فَيَصِحُّ مَعَ الإِْكْرَاهِ (5) .
(1) البدائع 3 / 100.
(2)
جواهر الإكليل 1 / 340.
(3)
حديث: " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان. . ". أخرجه الطبراني عن ثوبان، وفي إسناده يزيد بن ربيعة الرحبي، وهو ضعيف كذا قال الهيثمي كما في فيض القدير للمناوي (4 / 35) ، ولفظه الصحيح " إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " أخرجه ابن ماجه (1 / 659) والحاكم (2 / 198) من حديث ابن عباس وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
(4)
حديث: " لا طلاق ولا عتاق في إغلاق ". أخرجه أبو داود (2 / 642 - 643) من حديث عائشة، وأورده ابن حجر في التلخيص (3 / 210) وذكر في إسناده راويا ضعيفا.
(5)
القليوبي 2 / 156، والمنثور 1 / 188، والمجموع 9 / 146 ط. المطيعي، وكشاف القناع 3 / 150، ومنتهى الإرادات 3 / 120 - 121، والمغني 7 / 119 - 120، والإنصاف 8 / 439.