الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنْ تَجَارَحَ رَجُلَانِ، وَادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا قَائِلاً: إِنِّي جَرَحْتُهُ دَفْعًا عَنْ نَفْسِي، حَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى إِبْطَال دَعْوَى صَاحِبِهِ، وَعَلَيْهِ ضَمَانُ مَا جَرَحَهُ، لأَِنَّ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعٍ عَلَى الآْخَرِ مَا يُنْكِرُهُ، وَالأَْصْل عَدَمُهُ (1) .
وَالتَّفَاصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (قِصَاص، شَهَادَة) .
دَفْعُ الصَّائِل عَلَى الْمَال:
12 -
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ - وَهُوَ الأَْصَحُّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ - إِلَى وُجُوبِ دَفْعِ الصَّائِل عَلَى الْمَال وَإِنْ كَانَ قَلِيلاً لَمْ يَبْلُغْ نِصَابًا، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: قَاتِل دُونَ مَالِكَ (2) . وَاسْمُ الْمَال يَقَعُ عَلَى الْقَلِيل كَمَا يَقَعُ عَلَى الْكَثِيرِ. فَإِذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ دَفْعِ الصَّائِل عَلَى مَالِهِ إِلَاّ بِالْقَتْل فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ قُتِل دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ (3) .
وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ مَالِهِ وَمَال غَيْرِهِ. فَقَدْ ذُكِرَ فِي الْخَانِيَّةِ: أَنَّهُ لَوْ رَأَى رَجُلاً يَسْرِقُ مَالَهُ فَصَاحَ بِهِ وَلَمْ يَهْرُبْ، أَوْ رَأَى رَجُلاً يَثْقُبُ حَائِطَهُ، أَوْ حَائِطَ غَيْرِهِ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ بِالسَّرِقَةِ فَصَاحَ بِهِ وَلَمْ
(1) المغني لابن قدامة 8 / 333.
(2)
حديث: " قاتل دون مالك ". أخرجه النسائي 7 / 114، من حديث المخارق وإسناده صحيح.
(3)
حديث: " من قتل دون ماله فهو شهيد ". أخرجه البخاري (5 / 123) ومسلم (1 / 125) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
يَهْرُبْ حَل لَهُ قَتْلُهُ، وَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ (1) .
إِلَاّ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ اشْتَرَطُوا لِلْوُجُوبِ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى أَخْذِهِ هَلَاكٌ، أَوْ شِدَّةُ أَذًى، وَإِلَاّ فَلَا يَجِبُ الدَّفْعُ اتِّفَاقًا.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الدَّفْعُ عَنِ الْمَال، لأَِنَّهُ يَجُوزُ إِبَاحَتُهُ لِلْغَيْرِ، إِلَاّ إِذَا كَانَ ذَا رُوحٍ أَوْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ كَرَهْنٍ وَإِجَارَةٍ فَيَجِبُ الدِّفَاعُ عَنْهُ، قَال الإِْمَامُ الْغَزَالِيُّ: وَكَذَا إِنْ كَانَ مَال مَحْجُورٍ عَلَيْهِ، أَوْ وَقْفٍ أَوْ مَالاً مُودَعًا، فَيَجِبُ عَلَى مَنْ هُوَ بِيَدِهِ الدِّفَاعُ عَنْهُ، وَهَذَا كُلُّهُ إِذَا لَمْ يَخْشَ عَلَى نَفْسٍ، أَوْ عَلَى بُضْعٍ، وَعَلَيْهِ فَإِذَا رَأَى شَخْصًا يُتْلِفُ حَيَوَانَ نَفْسِهِ إِتْلَافًا مُحَرَّمًا وَجَبَ عَلَيْهِ الدِّفَاعُ عَنْهُ، مِنْ بَابِ الأَْمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ.
كَمَا ذَهَبُوا إِلَى أَنَّهُ إِذَا قَتَل الصَّائِل عَلَى الْمَال فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِقِصَاصٍ وَلَا دِيَةٍ وَلَا كَفَّارَةٍ وَلَا قِيمَةٍ، لأَِنَّهُ مَأْمُورٌ بِالأَْدِلَّةِ السَّابِقَةِ بِالْقِتَال وَالْقَتْل، وَبَيْنَ الأَْمْرِ بِالْقِتَال وَالضَّمَانِ مُنَافَاةٌ، قَال تَعَالَى:{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْل مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} (2) . وَقَال صلى الله عليه وسلم: انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا (3) وَقَال
(1) ابن عابدين 5 / 351، والفتاوى الخانية 3 / 441، وجواهر الإكليل 2 / 297، ومواهب الجليل 6 / 323، والدسوقي 4 / 357.
(2)
سورة البقرة / 194.
(3)
حديث: " انصر أخاك ظالما. . . ". سبق تخرجه فقرة 10.
أَيْضًا: مَنْ قُتِل دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ.
وَيُسْتَثْنَى عِنْدَهُمْ مِنْ جَوَازِ الدِّفَاعِ عَنِ الْمَال صُورَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: لَوْ قَصَدَ مُضْطَرٌّ طَعَامَ غَيْرِهِ، فَلَا يَجُوزُ لِمَالِكِهِ دَفْعُهُ عَنْهُ، إِنْ لَمْ يَكُنْ مُضْطَرًّا مِثْلَهُ، فَإِنْ قَتَل الْمَالِكُ الصَّائِل الْمُضْطَرَّ إِلَى الطَّعَامِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ. وَالأُْخْرَى: إِذَا كَانَ الصَّائِل مُكْرَهًا عَلَى إِتْلَافِ مَال غَيْرِهِ، فَلَا يَجُوزُ دَفْعُهُ عَنْهُ، بَل يَلْزَمُ الْمَالِكَ أَنْ يَقِيَ رُوحَهُ بِمَالِهِ، كَمَا يَتَنَاوَل الْمُضْطَرُّ طَعَامَهُ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا دَفْعُ الْمُكْرَهِ.
قَال الأَْذْرَعِيُّ: وَهَذَا فِي آحَادِ النَّاسِ، أَمَّا الإِْمَامُ وَنُوَّابُهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِمُ الدِّفَاعُ عَنْ أَمْوَال رَعَايَاهُمْ (1) .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ: لَا يَلْزَمُهُ الدِّفَاعُ عَنْ مَالِهِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَا مَال غَيْرِهِ، وَلَا حِفْظِهِ مِنَ الضَّيَاعِ وَالْهَلَاكِ، لأَِنَّهُ يَجُوزُ بَذْلُهُ لِمَنْ أَرَادَهُ مِنْهُ ظُلْمًا. وَتَرْكُ الْقِتَال عَلَى مَالِهِ أَفْضَل مِنَ الْقِتَال عَلَيْهِ.
وَقِيل: يَجِبُ عَلَيْهِ الدِّفَاعُ عَنْ مَالِهِ.
أَمَّا دَفْعُ الإِْنْسَانِ عَنْ مَال غَيْرِهِ فَيَجُوزُ مَا لَمْ يُفْضِ إِلَى الْجِنَايَةِ عَلَى نَفْسِ الطَّالِبِ، أَوْ شَيْءٍ مِنْ أَعْضَائِهِ.
(1) مغني المحتاج 4 / 195، وحاشية الباجوري 2 / 256، وروضة الطالبين 10 / 188، وحاشية الجمل على شرح المنهج 5 / 166.
وَقَال جَمَاعَةٌ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: يَلْزَمُهُ الدِّفَاعُ عَنْ مَال الْغَيْرِ مَعَ ظَنِّ سَلَامَةِ الدَّافِعِ وَالصَّائِل، وَإِلَاّ حُرِّمَ الدِّفَاعُ.
قَالُوا: وَيَجِبُ عَلَيْهِ مَعُونَةُ غَيْرِهِ فِي الدِّفَاعِ عَنْ مَالِهِ مَعَ ظَنِّ السَّلَامَةِ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا (1) ، وَلأَِنَّهُ لَوْلَا التَّعَاوُنُ لَذَهَبَتْ أَمْوَال النَّاسِ وَأَنْفُسُهُمْ، لأَِنَّ قُطَّاعَ الطَّرِيقِ إِذَا انْفَرَدُوا بِأَخْذِ مَال إِنْسَانٍ - وَلَمْ يُعِنْهُ غَيْرُهُ - فَإِنَّهُمْ يَأْخُذُونَ أَمْوَال الْكُل، وَاحِدًا وَاحِدًا (2) .
(1) حديث: " انصر أخاك. . . ". تقدم ف 10.
(2)
كشاف القناع 6 / 156، والمغني لابن قدامة 8 / 332، وكشف المخدرات ص 478، والإنصاف 10 / 304.