الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَكُل يَوْمٍ مُعَيَّنٍ لِلنَّفْل - كَمَا سَيَأْتِي - مَا عَدَا رَمَضَانَ، وَالأَْيَّامَ الْمُحَرَّمَ صَوْمُهَا، وَمَا يُعَيِّنُهُ الْمُكَلَّفُ بِنَفْسِهِ، فَكُل ذَلِكَ مُتَعَيِّنٌ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى التَّعْيِينِ (1) .
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّعْيِينُ، وَهُوَ: قَضَاءُ رَمَضَانَ، وَقَضَاءُ مَا أَفْسَدَهُ مِنَ النَّفْل، وَصَوْمُ الْكَفَّارَاتِ بِأَنْوَاعِهَا، وَالنَّذْرُ الْمُطْلَقُ عَنِ التَّقْيِيدِ بِزَمَانٍ، سَوَاءٌ أَكَانَ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ، أَمْ كَانَ مُطْلَقًا، لأَِنَّهُ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ، فَلَمْ يَتَأَدَّ إِلَاّ بِنِيَّةٍ مَخْصُوصَةٍ، قَطْعًا لِلْمُزَاحَمَةِ (2) .
30 -
ثَالِثًا - التَّبْيِيتُ:
وَهُوَ شَرْطٌ فِي صَوْمِ الْفَرْضِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَالتَّبْيِيتُ: إِيقَاعُ النِّيَّةِ فِي اللَّيْل، مَا بَيْنَ غُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ، فَلَوْ قَارَنَ الْغُرُوبَ أَوِ الْفَجْرَ أَوْ شَكَّ، لَمْ يَصِحَّ، كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ التَّبْيِيتِ (3) .
وَفِي قَوْلٍ لِلْمَالِكِيَّةِ، يَصِحُّ لَوْ قَارَنَتِ الْفَجْرَ، كَمَا فِي تَكْبِيرَةِ الإِْحْرَامِ، لأَِنَّ الأَْصْل فِي النِّيَّةِ الْمُقَارَنَةُ لِلْمَنْوِيِّ (4) .
وَيَجُوزُ أَنْ تُقَدَّمَ مِنْ أَوَّل اللَّيْل، وَلَا تَجُوزُ
(1) مراقي الفلاح ص 352، والهداية بشروحها 2 / 239، والفتاوى الهندية 1 / 195، والدر المختار ورد المحتار 2 / 85.
(2)
مراقي الفلاح ص 353، و 354، والاختيار 1 / 127، وتحفة الفقهاء 1 / 534، والفتاوى الهندية 1 / 196.
(3)
شرح المحلي على المنهاج وحاشية القليوبي 2 / 52، وحاشية البجيرمي على شرح الإقناع 2 / 326.
(4)
الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي عليه 1 / 520 و 521، والقوانين الفقهية ص 80.
قَبْل اللَّيْل (1) .
وَذَلِكَ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ حَفْصَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: مَنْ لَمْ يُجْمِعِ الصِّيَامَ قَبْل الْفَجْرِ، فَلَا صِيَامَ لَهُ (2) .
وَلأَِنَّ صَوْمَ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَاتِ، لَا بُدَّ لَهَا مِنْ تَبْيِيتِ النِّيَّةِ، فَكَذَا كُل صَوْمِ فَرْضٍ مُعَيَّنٍ.
وَلَا تُجْزِئُ بَعْدَ الْفَجْرِ وَيُجْزِئُ مَعَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِنِ اتَّفَقَ ذَلِكَ، وَإِنْ رَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ مَعَ الْفَجْرِ، وَكَلَامُ الْقَرَافِيِّ وَآخَرِينَ يُفِيدُ أَنَّ الأَْصْل كَوْنُهَا مُقَارِنَةً لِلْفَجْرِ، وَرُخِّصَ تَقَدُّمُهَا عَلَيْهِ لِلْمَشَقَّةِ فِي مُقَارَنَتِهَا لَهُ (3) .
وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي التَّبْيِيتِ النِّصْفُ الآْخَرُ مِنَ اللَّيْل، لإِِطْلَاقِهِ فِي الْحَدِيثِ، وَلأَِنَّ تَخْصِيصَ النِّيَّةِ بِالنِّصْفِ الأَْخِيرِ يُفْضِي إِلَى تَفْوِيتِ الصَّوْمِ، لأَِنَّهُ وَقْتُ النَّوْمِ، وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ لَا يَنْتَبِهُ فِيهِ، وَلَا يَذْكُرُ الصَّوْمَ، وَالشَّارِعُ إِنَّمَا رَخَّصَ فِي تَقْدِيمِ النِّيَّةِ عَلَى ابْتِدَائِهِ، لِحَرَجِ
(1) القوانين الفقهية ص 80، وانظر شرح الخرشي 2 / 246.
(2)
حديث: " من لم يجمع الصيام قبل الفجر، فلا صيام له ". أخرجه أبو داود (2 / 823 - 824) ، وأورده ابن حجر في التلخيص (2 / 188) ونقل عن غير واحد من العلماء أنهم أعلوه بالوقف.
(3)
جواهر الإكليل 1 / 148، وانظر المغني 3 / 22، 23.
اعْتِبَارِهَا عِنْدَهُ، فَلَا يَخُصُّهَا بِمَحَلٍّ لَا تَنْدَفِعُ الْمَشَقَّةُ بِتَخْصِيصِهَا بِهِ، وَلأَِنَّ تَخْصِيصَهَا بِالنِّصْفِ الأَْخِيرِ تَحَكُّمٌ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ، بَل تُقَرَّبُ النِّيَّةُ مِنَ الْعِبَادَةِ، لَمَّا تَعَذَّرَ اقْتِرَانُهَا بِهَا.
وَالصَّحِيحُ أَيْضًا: أَنَّهُ لَا يَضُرُّ الأَْكْل وَالْجِمَاعُ بَعْدَ النِّيَّةِ مَا دَامَ فِي اللَّيْل، لأَِنَّهُ لَمْ يَلْتَبِسْ بِالْعِبَادَةِ، وَقِيل: يَضُرُّ فَتَحْتَاجُ إِلَى تَجْدِيدِهَا، تَحَرُّزًا عَنْ تَخَلُّل الْمُنَاقِضِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِبَادَةِ، لَمَّا تَعَذَّرَ اقْتِرَانُهَا بِهَا.
وَالصَّحِيحُ أَيْضًا: أَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّجْدِيدُ لَهَا إِذَا نَامَ بَعْدَهَا، ثُمَّ تَنَبَّهَ قَبْل الْفَجْرِ، وَقِيل: يَجِبُ، تَقْرِيبًا لِلنِّيَّةِ مِنَ الْعِبَادَةِ بِقَدْرِ الْوُسْعِ (1) .
وَالْحَنَفِيَّةُ لَمْ يَشْتَرِطُوا التَّبْيِيتَ فِي رَمَضَانَ (2) . وَلَمَّا لَمْ يَشْتَرِطُوا تَبْيِيتَ النِّيَّةِ فِي لَيْل رَمَضَانَ، أَجَازُوا النِّيَّةَ بَعْدَ الْفَجْرِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ أَيْضًا، حَتَّى الضَّحْوَةِ الْكُبْرَى، فَيَنْوِي قَبْلَهَا لِيَكُونَ الأَْكْثَرُ مَنْوِيًّا، فَيَكُونَ لَهُ حُكْمُ الْكُل، حَتَّى لَوْ نَوَى بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ، لِخُلُوِّ الأَْكْثَرِ عَنِ النِّيَّةِ، تَغْلِيبًا لِلأَْكْثَرِ.
وَالضَّحْوَةُ الْكُبْرَى: نِصْفُ النَّهَارِ الشَّرْعِيِّ، وَهُوَ مِنْ وَقْتِ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى
(1) انظر شرح المحلي على المنهاج مع حاشيتي القليوبي وعميرة 2 / 52، والإقناع بحاشية البجيرمي 2 / 326، والمغني 3 / 24، و 25، وكشاف القناع 2 / 315
(2)
الاختيار شرح المختار 1 / 127، والهداية بشروحها 2 / 240 و 241.
غُرُوبِ الشَّمْسِ.
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ، مِنْهُمْ الْمَوْصِلِيُّ: وَالأَْفْضَل الصَّوْمُ بِنِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ مُبَيَّتَةٍ لِلْخُرُوجِ عَنِ الْخِلَافِ (1) .
وَدَلِيل الْحَنَفِيَّةِ عَلَى مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ، مِنْ صِحَّةِ النِّيَّةِ حَتَّى الضَّحْوَةِ الْكُبْرَى، وَعَدَمِ شَرْطِيَّةِ التَّبْيِيتِ: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّ النَّاسَ أَصْبَحُوا يَوْمَ الشَّكِّ، فَقَدِمَ أَعْرَابِيٌّ، وَشَهِدَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَال، فَقَال صلى الله عليه وسلم: أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُول اللَّهِ؟ فَقَال: نَعَمْ، فَقَال عليه الصلاة والسلام: اللَّهُ أَكْبَرُ، يَكْفِي الْمُسْلِمِينَ أَحَدُهُمْ، فَصَامَ وَأَمَرَ بِالصِّيَامِ، وَأَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى: أَلَا مَنْ أَكَل فَلَا يَأْكُل بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ لَمْ يَأْكُل فَلْيَصُمْ (2) .
فَقَدْ أَمَرَ بِالصَّوْمِ، وَأَنَّهُ يَقْتَضِي الْقُدْرَةَ عَلَى الصَّوْمِ الشَّرْعِيِّ، وَلَوْ شُرِطَتِ النِّيَّةُ مِنَ اللَّيْل لَمَا كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ، فَدَل عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِهَا (3) .
وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا، بِمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَرْسَل غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى
(1) الاختيار 1 / 127، ورد المحتار 2 / 85، وقارن بالمجموع 6 / 301.
(2)
حديث ابن عباس: " أن الناس أصبحوا يوم الشك. . . ". الحديث ذكره الموصلي من الحنفية (1 / 126 و 127) ولم يعزه إلى أي مصدر حديثي، ولم نهتد كذلك إلى من أخرجه بهذا اللفظ.
(3)
الاختيار 1 / 127.
الأَْنْصَارِ: مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيَصُمْ (1) . وَكَانَ صَوْمُ عَاشُورَاءَ وَاجِبًا، ثُمَّ نُسِخَ بِفَرْضِ رَمَضَانَ (2) .
وَاشْتَرَطَ الْحَنَفِيَّةُ تَبْيِيتَ النِّيَّةِ فِي صَوْمِ الْكَفَّارَاتِ وَالنُّذُورِ الْمُطْلَقَةِ وَقَضَاءِ رَمَضَانَ.
31 -
أَمَّا النَّفَل فَيَجُوزُ صَوْمُهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ - خِلَافًا لِلْمَالِكِيَّةِ - بِنِيَّةٍ قَبْل الزَّوَال، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ: دَخَل عَلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ، فَقَال: هَل عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟ ، فَقُلْنَا: لَا، فَقَال: فَإِنِّي إِذًا صَائِمٌ (3) .
وَلأَِنَّ النَّفَل أَخَفُّ مِنَ الْفَرْضِ، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ: أَنَّهُ يَجُوزُ تَرْكُ الْقِيَامِ فِي النَّفْل مَعَ الْقُدْرَةِ، وَلَا يَجُوزُ فِي الْفَرْضِ.
وَعِنْدَ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ يَجُوزُ بِنِيَّةٍ بَعْدَ الزَّوَال، وَالْمَذْهَبُ فِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ: لَا يَجُوزُ، لأَِنَّ النِّيَّةَ لَمْ تَصْحَبَ مُعْظَمَ الْعِبَادَةِ (4) .
(1) حديث: " أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار. . . ". أخرجه البخاري (الفتح 4 / 200 ط. السلفية) ومسلم (2 / 798 ط. الحلبي) من حديث الربيع بنت معوذ.
(2)
تبيين الحقائق وحاشية الشلبي عليه 1 / 314، ونظيره في شرح معاني الآثار للطحاوي (2 / 73، 75 ط. دار الكتب العلمية. بيروت) .
(3)
حديث عائشة: " دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم. . . ". أخرجه مسلم (2 / 809 ط. الحلبي) .
(4)
الهداية وشروحها 2 / 241، والبدائع 2 / 85، والمجموع 6 / 292.
وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الصَّوْمِ مُطْلَقًا، فَرْضًا أَوْ نَفْلاً - نِيَّةٌ مُبَيَّتَةٌ (1)، وَذَلِكَ لإِِطْلَاقِ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ: مَنْ لَمْ يُجْمِعِ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْل، فَلَا صِيَامَ لَهُ (2) .
وَمَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ جَوَازُ النِّيَّةِ فِي النَّفْل، قَبْل الزَّوَال وَبَعْدَهُ، وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ، وَحَدِيثِ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، وَأَنَّهُ قَوْل مُعَاذٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةَ رضي الله عنهم وَأَنَّهُ لَمْ يُنْقَل عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مَا يُخَالِفُهُ صَرِيحًا، وَالنِّيَّةُ وُجِدَتْ فِي جُزْءٍ مِنَ النَّهَارِ، فَأَشْبَهَ وُجُودَهَا قَبْل الزَّوَال بِلَحْظِهِ (3) .
وَيُشْتَرَطُ لِجَوَازِ نِيَّةِ النَّفْل فِي النَّهَارِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: أَنْ لَا يَكُونَ فَعَل مَا يُفْطِرُهُ قَبْل النِّيَّةِ، فَإِنْ فَعَل فَلَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ، قَال الْبُهُوتِيُّ: بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، قَالَهُ فِي الشَّرْحِ، لَكِنْ خَالَفَ فِيهِ أَبُو زَيْدٍ الشَّافِعِيُّ (4) .
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَجْهَانِ فِي اعْتِبَارِ الثَّوَابِ: مِنْ أَوَّل النَّهَارِ، أَمْ مِنْ وَقْتِ النِّيَّةِ؟ أَصَحُّهُمَا
(1) جواهر الإكليل 1 / 148، وشرح الخرشي 2 / 246، وانظر الهداية وشرح العناية 2 / 241.
(2)
حديث: " من لم يجمع الصيام من الليل، فلا صيام له ". تقدم ف / 30.
(3)
كشاف القناع 2 / 317.
(4)
شرح المحلي 2 / 52 و 53، والإقناع بحاشية البجيرمي 2 / 326، 327، وكشاف القناع 2 / 317.