الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَقُول الْحَنَفِيَّةُ - وَلِتَوَلُّدِهِ مِنْ مُبَاشَرَةٍ مُبَاحَةٍ - كَمَا يَقُول الشَّافِعِيَّةُ (1) .
وَمَشْهُورُ مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ: أَنَّهُ لَوْ نَزَعَ عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَأَمْنَى حَال الطُّلُوعِ - لَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ - فَلَا قَضَاءَ؛ لأَِنَّ الَّذِي بَعْدَهُ مِنَ النَّهَارِ وَالَّذِي قَبْلَهُ مِنَ اللَّيْل، وَالنَّزْعُ لَيْسَ وَطْئًا (2) .
وَالْقَوْل الآْخَرُ لِلْمَالِكِيَّةِ هُوَ وُجُوبُ الْقَضَاءِ.
وَسَبَبُ هَذَا الاِخْتِلَافِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ هُوَ أَنَّهُ: هَل يُعَدُّ النَّزْعُ جِمَاعًا، أَوْ لَا يُعَدُّ جِمَاعًا؟ وَلِهَذَا قَالُوا: مَنْ طَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ - وَهُوَ يُجَامِعُ - فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَقِيل: وَالْكَفَّارَةُ (3) .
وَمَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ: أَنَّ النَّزْعَ جِمَاعٌ، فَمَنْ طَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ وَهُوَ مُجَامِعٌ فَنَزَعَ فِي الْحَال، مَعَ أَوَّل طُلُوعِ الْفَجْرِ، فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ، لأَِنَّهُ يَلْتَذُّ بِالنَّزْعِ، كَمَا يَلْتَذُّ بِالإِْيلَاجِ، كَمَا لَوِ اسْتَدَامَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ (4) .
وَلَوْ مَكَثَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مُجَامِعًا، بَطَل صَوْمُهُ، وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِطُلُوعِهِ.
وَفِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي الْمُكْثِ وَالْبَقَاءِ، فِي
(1) حاشية القليوبي على شرح المحلي 2 / 59، والدر المختار 2 / 99، والبدائع 2 / 94.
(2)
جواهر الإكليل 2 / 152.
(3)
القوانين الفقهية ص 81.
(4)
كشاف القناع 2 / 325.
هَذِهِ الْحَال، خِلَافٌ:
فَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، فِي مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ عَدَمُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ؛ لأَِنَّهَا تَجِبُ بِإِفْسَادِ الصَّوْمِ، وَالصَّوْمُ مُنْتَفٍ حَال الْجِمَاعِ فَاسْتَحَال إِفْسَادُهُ، فَلَمْ تَجِبِ الْكَفَّارَةُ. أَوْ كَمَا قَال النَّوَوِيُّ: لأَِنَّ مُكْثَهُ مَسْبُوقٌ بِبُطْلَانِ الصَّوْمِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ (1) .
مَكْرُوهَاتُ الصَّوْمِ:
83 -
يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ بِوَجْهِ عَامٍّ - مَعَ الْخِلَافِ - مَا يَلِي:
أ - ذَوْقُ شَيْءٍ بِلَا عُذْرٍ، لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْرِيضِ الصَّوْمِ لِلْفَسَادِ، وَلَوْ كَانَ الصَّوْمُ نَفْلاً، عَلَى الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ؛ لأَِنَّهُ يَحْرُمُ إِبْطَال النَّفْل بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ، وَظَاهِرُ إِطْلَاقِ الْكَرَاهَةِ يُفِيدُ أَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ.
وَمِنَ الْعُذْرِ مَضْغُ الطَّعَامِ لِلْوَلَدِ، إِذَا لَمْ تَجِدِ الأُْمُّ مِنْهُ بُدًّا، فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَيُكْرَهُ إِذَا كَانَ لَهَا مِنْهُ بُدٌّ.
وَلَيْسَ مِنَ الْعُذْرِ، ذَوْقُ اللَّبَنِ وَالْعَسَل لِمَعْرِفَةِ الْجَيِّدِ مِنْهُ وَالرَّدِيءِ عِنْدَ الشِّرَاءِ، فَيُكْرَهُ ذَلِكَ. وَكَذَا ذَوْقُ الطَّعَامِ، لِيُنْظَرَ اعْتِدَالُهُ،
(1) الدر المختار ورد المحتار عليه 2 / 99، وروضة الطالبين 2 / 364 و 365، وحاشية القليوبي على شرح المحلي على المنهاج 2 / 59.
وَلَوْ كَانَ لِصَانِعِ الطَّعَامِ.
لَكِنْ نُقِل عَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ قَوْلُهُ: أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَجْتَنِبَ ذَوْقَ الطَّعَامِ، فَإِنْ فَعَل فَلَا بَأْسَ بِهِ، بَل قَال بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ: إِنَّ الْمَنْصُوصَ عَنْهُ: أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ لِحَاجَةٍ وَمَصْلَحَةٍ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ وَإِلَاّ كُرِهَ.
وَإِنْ وَجَدَ طَعْمَ الْمَذُوقِ فِي حَلْقِهِ أَفْطَرَ (1) .
ب - وَيُكْرَهُ مَضْغُ الْعِلْكِ، الَّذِي لَا يَتَحَلَّل مِنْهُ أَجْزَاءٌ، فَلَا يَصِل مِنْهُ شَيْءٌ إِلَى الْجَوْفِ.
وَوَجْهُ الْكَرَاهَةِ: اتِّهَامُهُ بِالْفِطْرِ، سَوَاءٌ أَكَانَ رَجُلاً أَمِ امْرَأَةً، قَال عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: إِيَّاكَ وَمَا يَسْبِقُ إِلَى الْعُقُول إِنْكَارُهُ، وَإِنْ كَانَ عِنْدَكَ اعْتِذَارُهُ.
أَمَّا مَا يَتَحَلَّل مِنْهُ أَجْزَاءٌ، فَيَحْرُمُ مَضْغُهُ، وَلَوْ لَمْ يَبْتَلِعْ رِيقُهُ، إقَامَةً لِلْمَظِنَّةِ مَقَامَ الْمَئِنَّةِ، فَإِنْ تَفَتَّتَ فَوَصَل شَيْءٌ مِنْهُ إِلَى جَوْفِهِ عَمْدًا أَفْطَرَ، وَإِنْ شَكَّ فِي الْوُصُول لَمْ يُفْطِرْ (2) .
ج - تُكْرَهُ الْقُبْلَةُ إِنْ لَمْ يَأْمَنْ عَلَى نَفْسِهِ وُقُوعَ مُفْسِدٍ مِنَ الإِْنْزَال أَوِ الْجِمَاعِ
وَلِلتَّفْصِيل يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (تَقْبِيل) ف 17
(1) حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح ص 371، والهداية بشروحها 2 / 268، والشرح الكبير للدردير 1 / 517، والمجموع 6 / 354، وكشاف القناع 2 / 329.
(2)
مراقي الفلاح ص 371، وانظر الدر المختار 2 / 112، وجواهر الإكليل 1 / 147، وكشاف القناع 2 / 329، والمحلي على المنهاج 2 / 62.
د - وَيَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْمُبَاشَرَةَ وَالْمُعَانَقَةَ وَدَوَاعِيَ الْوَطْءِ - كَاللَّمْسِ وَتَكْرَارِ النَّظَرِ - حُكْمَهَا حُكْمُ الْقُبْلَةِ فِيمَا تَقَدَّمَ.
وَخَصَّ الْحَنَفِيَّةُ الْمُبَاشَرَةَ الْفَاحِشَةَ، بِالْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِيَّةِ، وَهِيَ - عِنْدَهُمْ - أَنْ يَتَعَانَقَا، وَهُمَا مُتَجَرِّدَانِ، وَيَمَسَّ فَرْجُهُ فَرْجَهَا. وَنَصُّوا عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهَا تُكْرَهُ، وَإِنْ أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ الإِْنْزَال وَالْجِمَاعَ. وَنَقَل الطَّحَاوِيُّ وَابْنُ عَابِدِينَ عَدَمَ الْخِلَافِ فِي كَرَاهَتِهَا، وَكَذَلِكَ الْقُبْلَةُ الْفَاحِشَةُ، وَهِيَ أَنْ يَمُصَّ شَفَتَهَا، فَيُكْرَهُ عَلَى الإِْطْلَاقِ (1) .
هـ - الْحِجَامَةُ، وَهِيَ أَيْضًا مِمَّا يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ - فِي الْجُمْلَةِ - وَهِيَ اسْتِخْرَاجُ الدَّمِ الْمُحْقَنِ مِنَ الْجِسْمِ، مَصًّا أَوْ شَرْطًا.
وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّهَا لَا تُفْطِرُ الْحَاجِمَ وَلَا الْمَحْجُومَ، وَلَكِنَّهُمْ كَرِهُوهَا بِوَجْهٍ عَامٍّ.
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: لَا بَأْسَ بِهَا، إِنْ أَمِنَ الصَّائِمُ عَلَى نَفْسِهِ الضَّعْفَ، أَمَّا إِذَا خَافَ الضَّعْفَ، فَإِنَّهَا تُكْرَهُ، وَشَرَطَ شَيْخُ الإِْسْلَامِ الْكَرَاهَةَ، إِذَا كَانَتْ تُورِثُ ضَعْفًا يَحْتَاجُ مَعَهُ إِلَى الْفِطْرِ (2) .
(1) مراقي الفلاح ص 372، والدر المختار ورد المحتار 2 / 112 و 113، والفتاوى الهندية 1 / 200، والإقناع 2 / 331، وكشاف القناع 2 / 330، والمجموع 6 / 322، والمغني والشرح الكبير 3 / 40، والإنصاف للمرداوي 3 / 315.
(2)
الفتاوى الهندية 1 / 199 و 200.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّ الْمَرِيضَ وَالصَّحِيحَ، إِذَا عُلِمَتْ سَلَامَتُهُمَا بِالْحِجَامَةِ أَوْ ظُنَّتْ، جَازَتِ الْحِجَامَةُ لَهُمَا، وَإِنْ عَلِمَ أَوْ ظَنَّ عَدَمَ السَّلَامَةِ لَهُمَا حُرِّمَتْ لَهُمَا، وَفِي حَالَةِ الشَّكِّ تُكْرَهُ لِلْمَرِيضِ، وَتَجُوزُ لِلصَّحِيحِ.
قَالُوا: إِنَّ مَحَل الْمَنْعِ إِذَا لَمْ يَخْشَ بِتَأْخِيرِهَا عَلِيلٌ هَلَاكًا أَوْ شَدِيدَ أَذًى، وَإِلَاّ وَجَبَ فِعْلُهَا وَإِنْ أَدَّتْ لِلْفِطْرِ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ (1) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: يُسْتَحَبُّ الاِحْتِرَازُ مِنَ الْحِجَامَةِ، مِنَ الْحَاجِمِ وَالْمَحْجُومِ؛ لأَِنَّهَا تُضْعِفُهُ.
قَال الشَّافِعِيُّ فِي الأُْمِّ: لَوْ تَرَكَ رَجُلٌ الْحِجَامَةَ صَائِمًا لِلتَّوَقِّي، كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ، وَلَوِ احْتَجَمَ لَمْ أَرَهُ يُفْطِرُهُ.
وَنَقَل النَّوَوِيُّ عَنِ الْخَطَّابِيِّ، أَنَّ الْمَحْجُومَ قَدْ يَضْعُفُ فَتَلْحَقُهُ مَشَقَّةٌ، فَيَعْجَزُ عَنِ الصَّوْمِ فَيُفْطِرُ بِسَبَبِهَا، وَالْحَاجِمُ قَدْ يَصِل إِلَى جَوْفِهِ شَيْءٌ مِنَ الدَّمِ (2) .
وَدَلِيل عَدَمِ الإِْفْطَارِ بِالْحِجَامَةِ، حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم
(1) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير 1 / 518.
(2)
شرح المحلي على المنهاج 2 / 59 و 62، والأم للشافعي (2 / 97) (ط: دار المعرفة. بيروت) ، والمهذب مع المجموع 6 / 349 - 352.
احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَاحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ (1) .
وَدَلِيل كَرَاهَةِ الْحِجَامَةِ حَدِيثُ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ أَنَّهُ قَال لأَِنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ الْحِجَامَةَ لِلصَّائِمِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؟ قَال: لَا، إِلَاّ مِنْ أَجْل الضَّعْفِ (2) .
وَقَالُوا أَيْضًا: إِنَّهُ دَمٌ خَارِجٌ مِنَ الْبَدَنِ، فَأَشْبَهَ الْفَصْدَ (3) .
وَمَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ الْحِجَامَةَ يُفْطِرُ بِهَا الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ، لِحَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ (4) .
قَال الْمِرْدَاوِيُّ: وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الأَْصْحَابِ، فَرَّقَ - فِي الْفِطْرِ وَعَدَمِهِ - بَيْنَ الْحَاجِمِ وَالْمَحْجُومِ.
قَال الشَّوْكَانِيُّ: يُجْمَعُ بَيْنَ الأَْحَادِيثِ، بِأَنَّ الْحِجَامَةَ مَكْرُوهَةٌ فِي حَقِّ مَنْ كَانَ يَضْعُفُ بِهَا، وَتَزْدَادُ الْكَرَاهَةُ إِذَا كَانَ الضَّعْفُ يَبْلُغُ إِلَى حَدٍّ يَكُونُ سَبَبًا لِلإِْفْطَارِ، وَلَا تُكْرَهُ فِي حَقِّ مَنْ
(1) حديث ابن عباس: " احتجم وهو محرم، واحتجم وهو صائم. . . ". أخرجه البخاري (الفتح 4 / 174) .
(2)
حديث ثابت البناني أنه قال لأنس بن مالك: " أكنتم تكرهون الحجامة للصائم. . .؟ ". أخرجه البخاري (الفتح 4 / 174) .
(3)
المغني والشرح الكبير 3 / 40.
(4)
حديث: " أفطر الحاجم والمحجوم ". أخرجه الترمذي (3 / 135) وقال: حديث حسن صحيح.