الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
زِيَادَةَ الْمَرَضِ، فَلَا يُفْطِرُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، خِلَافًا لاِبْنِ سِيرِينَ (1) .
وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا أَصْبَحَ الصَّحِيحُ صَائِمًا، ثُمَّ مَرِضَ، جَازَ لَهُ الْفِطْرُ بِلَا خِلَافٍ، لأَِنَّهُ أُبِيحَ لَهُ الْفِطْرُ لِلضَّرُورَةِ، وَالضَّرُورَةُ مَوْجُودَةٌ، فَجَازَ لَهُ الْفِطْرُ (2) .
ثَانِيًا: السَّفَرُ:
57 -
يُشْتَرَطُ فِي السَّفَرِ الْمُرَخِّصِ فِي الْفِطْرِ مَا يَلِي:
أ - أَنْ يَكُونَ السَّفَرُ طَوِيلاً مِمَّا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ قَال ابْنُ رُشْدٍ: وَأَمَّا الْمَعْنَى الْمَعْقُول مِنْ إِجَازَةِ الْفِطْرِ فِي السَّفَرِ فَهُوَ الْمَشَقَّةُ، وَلَمَّا كَانَتْ لَا تُوجَدُ فِي كُل سَفَرٍ، وَجَبَ أَنْ يَجُوزَ الْفِطْرُ فِي السَّفَرِ الَّذِي فِيهِ الْمَشَقَّةُ، وَلَمَّا كَانَ الصَّحَابَةُ كَأَنَّهُمْ مُجْمِعُونَ عَلَى الْحَدِّ فِي ذَلِكَ، وَجَبَ أَنْ يُقَاسَ ذَلِكَ عَلَى الْحَدِّ فِي تَقْصِيرِ الصَّلَاةِ (3) .
ب - أَنْ لَا يَعْزِمَ الْمُسَافِرُ الإِْقَامَةَ خِلَال سَفَرِهِ مُدَّةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَهِيَ نِصْفُ شَهْرٍ أَوْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (4) .
(1) القوانين الفقهية ص 82.
(2)
المجموع 6 / 258، وانظر كشاف القناع 2 / 310.
(3)
بداية المجتهد 1 / 346.
(4)
الدر المختار 1 / 528، ومراقي الفلاح بحاشية الطحطاوي عليه ص 231، والقوانين الفقهية ص 59، وشرح المحلي على المنهاج 1 / 257، والروض المربع 1 / 89.
ج - أَنْ لَا يَكُونَ سَفَرُهُ فِي مَعْصِيَةٍ، بَل فِي غَرَضٍ صَحِيحٍ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَذَلِكَ لأَِنَّ الْفِطْرَ رُخْصَةٌ وَتَخْفِيفٌ، فَلَا يَسْتَحِقُّهَا عَاصٍ بِسَفَرِهِ، بِأَنْ كَانَ مَبْنَى سَفَرِهِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، كَمَا لَوْ سَافَرَ لِقَطْعِ طَرِيقٍ مَثَلاً.
وَالْحَنَفِيَّةُ يُجِيزُونَ الْفِطْرَ لِلْمُسَافِرِ، وَلَوْ كَانَ عَاصِيًا بِسَفَرِهِ، عَمَلاً بِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ الْمُرَخِّصَةِ، وَلأَِنَّ نَفْسَ السَّفَرِ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ، وَإِنَّمَا الْمَعْصِيَةُ مَا يَكُونُ بَعْدَهُ أَوْ يُجَاوِرُهُ، وَالرُّخْصَةُ تَتَعَلَّقُ بِالسَّفَرِ لَا بِالْمَعْصِيَةِ (1) .
د - أَنْ يُجَاوِزَ الْمَدِينَةَ وَمَا يَتَّصِل بِهَا، وَالْبِنَاءَاتِ وَالأَْفْنِيَةَ وَالأَْخْبِيَةَ (2) .
وَذَهَبَ عَامَّةُ الصَّحَابَةِ وَالْفُقَهَاءِ، إِلَى أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ هِلَال رَمَضَانَ وَهُوَ مُقِيمٌ، ثُمَّ سَافَرَ، جَازَ لَهُ الْفِطْرُ، لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَل مُطْلَقَ السَّفَرِ سَبَبَ الرُّخْصَةِ، بِقَوْلِهِ:{وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (3) ، وَلِمَا ثَبَتَ مِنْ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
(1) تبيين الحقائق 1 / 216، والدر المختار ورد المحتار 1 / 527، ومراقي الفلاح ص 230، والقوانين الفقهية ص 59، وحاشية البيجوري على ابن قاسم 1 / 210، والروض المربع 1 / 89.
(2)
رد المحتار 2 / 115، والشرح الكبير للدردير 1 / 534، ومنح الجليل 1 / 409، والمجموع 6 / 261، وكشاف القناع 2 / 312، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1 / 535.
(3)
سورة البقرة / 185.
خَرَجَ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ فِي رَمَضَانَ مُسَافِرًا، وَأَفْطَرَ (1) .
وَلأَِنَّ السَّفَرَ إِنَّمَا كَانَ سَبَبَ الرُّخْصَةِ لِمَكَانِ الْمَشَقَّةِ.
وَحَكَى النَّوَوِيُّ عَنْ أَبِي مَخْلَدٍ التَّابِعِيِّ أَنَّهُ لَا يُسَافِرُ، فَإِنْ سَافَرَ لَزِمَهُ الصَّوْمُ وَحُرِّمَ الْفِطْرُ وَعَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ التَّابِعِيِّ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ بَقِيَّةَ الشَّهْرِ، وَلَا يَمْتَنِعُ السَّفَرُ، وَاسْتَدَل لَهُمَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (2) .
حَكَى الْكَاسَانِيُّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أَنَّهُ إِذَا أَهَل فِي الْمِصْرِ، ثُمَّ سَافَرَ، لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ. وَاسْتَدَل لَهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} وَلأَِنَّهُ لَمَّا اسْتَهَل فِي الْحَضَرِ لَزِمَهُ صَوْمُ الإِْقَامَةِ، وَهُوَ صَوْمُ الشَّهْرِ حَتْمًا، فَهُوَ بِالسَّفَرِ يُرِيدُ إِسْقَاطَهُ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا يَمْلِكُ ذَلِكَ، كَالْيَوْمِ الَّذِي سَافَرَ فِيهِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ فِيهِ (3) .
58 -
وَفِي وَقْتِ جَوَازِ الْفِطْرِ لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثُ أَحْوَالٍ:
(1) حديث: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في غزوة الفتح في رمضان. . . ". أخرجه البخاري (الفتح 8 / 3) من حديث ابن عباس.
(2)
سورة البقرة / 185.
(3)
البدائع بتصرف 2 / 94 و 95.
الأُْولَى:
أَنْ يَبْدَأَ السَّفَرَ قَبْل الْفَجْرِ، أَوْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ وَهُوَ مُسَافِرٌ، وَيَنْوِيَ الْفِطْرَ، فَيَجُوزَ لَهُ الْفِطْرُ إِجْمَاعًا - كَمَا قَال ابْنُ جُزَيٍّ - لأَِنَّهُ مُتَّصِفٌ بِالسَّفَرِ، عِنْدَ وُجُودِ سَبَبِ الْوُجُوبِ.
الثَّانِيَةُ: أَنْ يَبْدَأَ السَّفَرَ بَعْدَ الْفَجْرِ، بِأَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ وَهُوَ مُقِيمٌ بِبَلَدِهِ، ثُمَّ يُسَافِرَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، أَوْ خِلَال النَّهَارِ، فَإِنَّهُ لَا يَحِل لَهُ الْفِطْرُ بِإِنْشَاءِ السَّفَرِ بَعْدَمَا أَصْبَحَ صَائِمًا، وَيَجِبُ عَلَيْهِ إِتْمَامُ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ، وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. وَذَلِكَ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الْحَضَرِ (1) .
وَمَعَ ذَلِكَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِي إِفْطَارِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَفِي الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ، خِلَافًا لاِبْنِ كِنَانَةَ، وَذَلِكَ لِلشُّبْهَةِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ (2) . وَلأَِنَّهُ لَمَّا سَافَرَ بَعْدَ الْفَجْرِ صَارَ مِنْ أَهْل الْفِطْرِ، فَسَقَطَتْ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ.
وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْفِطْرُ حَتَّى لَوْ أَفْطَرَ بِالْجِمَاعِ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ (3) .
(1) الوجيز 1 / 103، والدر المختار 2 / 122، والقوانين الفقهية ص 82، وشرح المحلي على المنهاج 2 / 64، والمغني 3 / 19، والروض المربع 1 / 139.
(2)
الدر المختار ورد المحتار 3 / 122، 123، والقوانين الفقهية ص 82، وانظر مراقي الفلاح ص 369.
(3)
الشرح الكبير للدردير 1 / 535، ومنح الجليل 1 / 410، حاشية القليوبي على شرح المحلي 2 / 64، وروضة الطالبين 2 / 369.
وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ، وَهُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمُزَنِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّ مَنْ نَوَى الصَّوْمَ فِي الْحَضَرِ، ثُمَّ سَافَرَ فِي أَثْنَاءِ الْيَوْمِ، طَوْعًا أَوْ كَرْهًا، فَلَهُ الْفِطْرُ بَعْدَ خُرُوجِهِ وَمُفَارَقَتِهِ بُيُوتَ قَرْيَتِهِ الْعَامِرَةِ، وَخُرُوجِهِ مِنْ بَيْنِ بُنْيَانِهَا، وَاسْتَدَلُّوا بِمَا يَلِي:
- ظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (1) .
- وَحَدِيثُ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ، وَصَامَ النَّاسُ مَعَهُ، فَقِيل لَهُ: إِنَّ النَّاسَ قَدْ شَقَّ عَلَيْهِمُ الصِّيَامُ، وَإِنَّ النَّاسَ يَنْظُرُونَ فِيمَا فَعَلْتَ، فَدَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ بَعْدَ الْعَصْرِ، فَشَرِبَ - وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ - فَأَفْطَرَ بَعْضُهُمْ، وَصَامَ بَعْضُهُمْ، فَبَلَغَهُ أَنَّ نَاسًا صَامُوا، فَقَال: أُولَئِكَ الْعُصَاةُ (2) .
وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا قَال: خَرَجَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْفَتْحِ
(1) سورة البقرة / 185.
(2)
حديث جابر: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى مكة عام الفتح. . . ". أخرجه مسلم (2 / 785، 786) والترمذي (3 / 80 - 81) والسياق للترمذي.
إِلَى مَكَّةَ، فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، فَصَامَ حَتَّى مَرَّ بِغَدِيرٍ فِي الطَّرِيقِ، وَذَلِكَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ. قَال: فَعَطِشَ النَّاسُ، جَعَلُوا يَمُدُّونَ أَعْنَاقَهُمْ، وَتَتُوقُ أَنْفُسُهُمْ إِلَيْهِ. قَال: فَدَعَا رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ، فَأَمْسَكَهُ عَلَى يَدِهِ، حَتَّى رَآهُ النَّاسُ، ثُمَّ شَرِبَ، فَشَرِبَ النَّاسُ (1) .
وَقَالُوا: إِنَّ السَّفَرَ مُبِيحٌ لِلْفِطْرِ، فَإِبَاحَتُهُ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ كَالْمَرَضِ الطَّارِئِ وَلَوْ كَانَ بِفِعْلِهِ.
وَقَال الَّذِينَ أَبَاحُوهُ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: إِنَّهُ تَغْلِيبٌ لِحُكْمِ السَّفَرِ (2) .
وَقَدْ نَصَّ الْحَنَابِلَةُ الْمُؤَيِّدُونَ لِهَذَا الرَّأْيِ عَلَى أَنَّ الأَْفْضَل لِمَنْ سَافَرَ فِي أَثْنَاءِ يَوْمٍ نَوَى صَوْمَهُ - إِتْمَامُ صَوْمِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ لَمْ يُبِحْ لَهُ الْفِطْرَ، وَهُوَ قَوْل أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الْحَضَرِ، كَالصَّلَاةِ (3) .
الثَّالِثَةُ: أَنْ يُفْطِرَ قَبْل مُغَادَرَةِ بَلَدِهِ. وَقَدْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ الْجُمْهُورُ، وَقَالُوا: إِنَّ رُخْصَةَ السَّفَرِ لَا تَتَحَقَّقُ بِدُونِهِ، كَمَا لَا تَبْقَى بِدُونِهِ، وَلَمَّا يَتَحَقَّقُ السَّفَرُ بَعْدُ، بَل هُوَ مُقِيمٌ وَشَاهِدٌ، وَقَدْ قَال تَعَالَى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ
(1) حديث ابن عباس: " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح إلى مكة. . . ". أخرجه أحمد (1 / 366) ، وعلقه البخاري في صحيحه (8 / 3) .
(2)
شرح المحلي على المنهاج بحاشية القليوبي 2 / 64.
(3)
كشاف القناع 2 / 312، والروض المربع 1 / 139.
الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} وَلَا يُوصَفُ بِكَوْنِهِ مُسَافِرًا حَتَّى يَخْرُجَ مِنَ الْبَلَدِ، وَمَهْمَا كَانَ فِي الْبَلَدِ فَلَهُ أَحْكَامُ الْحَاضِرِينَ، وَلِذَلِكَ لَا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ.
وَالْجُمْهُورُ الَّذِينَ قَالُوا بِعَدَمِ جَوَازِ الإِْفْطَارِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، اخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا أَكَل، هَل عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ؟ فَقَال مَالِكٌ: لَا. وَقَال أَشْهَبُ: هُوَ مُتَأَوِّلٌ، وَقَال غَيْرُهُمَا: يُكَفِّرُ.
وَقَال ابْنُ جُزَيٍّ: فَإِنْ أَفْطَرَ قَبْل الْخُرُوجِ، فَفِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ. يُفَرَّقُ فِي الثَّالِثِ بَيْنَ أَنْ يُسَافِرَ فَتَسْقُطَ، أَوْ لَا، فَتَجِبُ (1) .
59 -
وَيَتَّصِل بِهَذِهِ الْمَسَائِل فِي إِفْطَارِ الْمُسَافِرِ: مَا لَوْ نَوَى فِي سَفَرِهِ الصَّوْمَ لَيْلاً، وَأَصْبَحَ صَائِمًا، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُضَ عَزِيمَتَهُ قَبْل الْفَجْرِ، لَا يَحِل فِطْرُهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ وَجْهٌ مُحْتَمَلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَلَوْ أَفْطَرَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِلشُّبْهَةِ.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَكَذَا لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ بِالأَْوْلَى، لَوْ نَوَى نَهَارًا (2) .
وَقَال ابْنُ جُزَيٍّ: مَنْ كَانَ فِي سَفَرٍ، فَأَصْبَحَ عَلَى نِيَّةِ الصَّوْمِ، لَمْ يَجُزْ لَهُ الْفِطْرُ إِلَاّ بِعُذْرٍ، كَالتَّغَذِّي لِلِقَاءِ الْعَدُوِّ، وَأَجَازَهُ مُطَرِّفٌ
(1) القوانين الفقهية ص 82.
(2)
رد المحتار 2 / 122 و 123، وانظر مراقي الفلاح ص 369 و 374.
مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، وَعَلَى الْمَشْهُورِ: إِنْ أَفْطَرَ، فَفِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: يُفَرَّقُ فِي الثَّالِثِ بَيْنَ أَنْ يُفْطِرَ بِجِمَاعٍ فَتَجِبَ، أَوْ بِغَيْرِهِ فَلَا تَجِبَ.
لَكِنَّ الَّذِي فِي شُرُوحِ خَلِيلٍ، وَفِي حَاشِيَةِ الدُّسُوقِيِّ: أَنَّهُ إِذَا بَيَّتَ نِيَّةَ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ وَأَصْبَحَ صَائِمًا فِيهِ ثُمَّ أَفْطَرَ، لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ سَوَاءٌ أَفْطَرَ مُتَأَوِّلاً أَمْ لَا. فَسَأَل سَحْنُونٌ ابْنَ الْقَاسِمِ، عَنِ الْفَرْقِ بَيْنَ مَنْ بَيَّتَ الصَّوْمَ فِي الْحَضَرِ ثُمَّ أَفْطَرَ بَعْدَ أَنْ سَافَرَ بَعْدَ الْفَجْرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْوِيَهُ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَبَيْنَ مَنْ نَوَى الصَّوْمَ فِي السَّفَرِ ثُمَّ أَفْطَرَ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ؟ فَقَال: لأَِنَّ الْحَاضِرَ مِنْ أَهْل الصَّوْمِ فَسَافَرَ فَصَارَ مِنْ أَهْل الْفِطْرِ، فَسَقَطَتْ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ، وَالْمُسَافِرُ مُخَيَّرٌ فِيهِمَا، فَاخْتَارَ الصَّوْمَ وَتَرَكَ الرُّخْصَةَ، فَصَارَ مِنْ أَهْل الصِّيَامِ، فَعَلَيْهِ مَا عَلَيْهِمْ مِنَ الْكَفَّارَةِ (1) .
وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْمَذْهَبِ، وَالْحَنَابِلَةُ قَالُوا: لَوْ أَصْبَحَ صَائِمًا فِي السَّفَرِ، ثُمَّ أَرَادَ الْفِطْرَ، جَازَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، لأَِنَّ الْعُذْرَ قَائِمٌ - وَهُوَ السَّفَرُ - أَوْ لِدَوَامِ الْعُذْرِ - كَمَا يَقُول الْمَحَلِّيُّ.
وَمِمَّا اسْتَدَلُّوا بِهِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا
(1) القوانين الفقهية ص 82، والشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي عليه 1 / 535، وجواهر الإكليل 1 / 153، ومنح الجليل 1 / 410، وشرح الزرقاني (2 / 213 ط: دار الفكر، بيروت) .