الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَوْ غَابَ عَنْهُ الْكَلْبُ وَالصَّيْدُ قَبْل أَنْ يَجْرَحَهُ الْكَلْبُ، ثُمَّ وَجَدَهُ مَيِّتًا حُرِّمَ عَلَى الصَّحِيحِ، لاِحْتِمَال مَوْتِهِ بِسَبَبٍ آخَرَ، وَكَذَلِكَ إِنْ جَرَحَهُ الْكَلْبُ، أَوْ أَصَابَهُ بِسَهْمٍ وَغَابَ، ثُمَّ وَجَدَهُ مَيِّتًا حُرِّمَ فِي الأَْظْهَرِ، قَال الرَّمْلِيُّ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ الْمُعْتَمَدُ (1)، قَال ابْنُ جُزَيٍّ: لَوْ فَاتَ عَنْهُ الصَّيْدُ ثُمَّ وَجَدَهُ غَدًا مَنْفُوذَ الْمَقَاتِل لَمْ يُؤْكَل فِي الْمَشْهُورِ، وَقِيل: يُؤْكَل، وَقِيل: يُكْرَهُ (2) .
وَالأَْصْل فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ: لَعَل هَوَامَّ الأَْرْضِ قَتَلَتْهُ (3) .
أَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ مَنْ رَمَى صَيْدًا، وَلَوْ لَيْلاً، فَجَرَحَهُ وَلَوْ جُرْحًا غَيْرَ مُوحٍ (4) ، فَغَابَ عَنْ عَيْنِهِ، ثُمَّ وَجَدَهُ مَيِّتًا، بَعْدَ مَوْتِهِ الَّذِي رَمَاهُ فِيهِ وَسَهْمُهُ فَقَطْ فِيهِ، أَوْ أَثَرُ السَّهْمِ وَلَا أَثَرَ بِهِ غَيْرُهُ حَل ذَلِكَ لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ السَّابِقِ (5) .
قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ.
وَعَنْهُ: إِنْ غَابَ نَهَارًا فَلَا بَأْسَ، وَإِنْ غَابَ لَيْلاً لَمْ يَأْكُلْهُ، وَعَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُل عَلَى أَنَّهُ إِنْ
(1) نهاية المحتاج 8 / 117.
(2)
القوانين الفقهية ص 183.
(3)
حديث: " لعل هوام الأرض قتلته. . . ". أورد النووي في المجموع (9 / 114، 115) أحاديث بهذا المعنى، وأعل أسانيدها كلها.
(4)
غير موح: غير مسرع به إلى الموت.
(5)
كشاف القناع 6 / 220، وانظر فقرة (25) .
غَابَ مُدَّةً طَوِيلَةً لَمْ يُبَحْ، وَإِنْ كَانَتْ يَسِيرَةً أُبِيحَ لَهُ، لأَِنَّهُ قِيل لَهُ: إِنْ غَابَ يَوْمًا؟ قَال: يَوْمٌ كَثِيرٌ.
وَوَجْهُ ذَلِكَ قَوْل ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما إِذَا رَمَيْتَ فَأَقْعَصْتَ (1) فَكُل، وَإِنْ رَمَيْتَ فَوَجَدْتَ فِيهِ سَهْمَكَ مِنْ يَوْمِكَ أَوْ لَيْلَتِكَ فَكُل، وَإِنْ بَاتَ عَنْكَ لَيْلَةً فَلَا تَأْكُل، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا حَدَثَ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ (2) .
تَحْدِيدُ مُدَّةِ الْغِيَابِ:
27 -
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - فِي الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ - إِلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ لِغِيَابِ الصَّيْدِ لِيَحْرُمَ بَعْدَ ذَلِكَ، حَتَّى إِنَّهُ لَوْ وَجَدَهُ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِشَرْطِ الطَّلَبِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَمُطْلَقًا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ قَبْل أَنْ يُنْتِنَ حَل، وَذَلِكَ لِمَا رَوَى عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: وَإِنْ رَمَيْتَ الصَّيْدَ فَوَجَدْتَهُ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ لَيْسَ بِهِ إِلَاّ أَثَرُ سَهْمِكَ فَكُل (3) وَعَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: إِذَا رَمَيْتَ الصَّيْدَ فَأَدْرَكْتَهُ بَعْدَ ثَلَاثٍ وَسَهْمُكَ فِيهِ فَكُلْهُ، مَا لَمْ يُنْتِنْ (4) . وَلأَِنَّ جُرْحَهُ بِسَهْمِهِ
(1) أقعصت: القعص الموت الموحى أي: السريع.
(2)
المغني لابن قدامة 8 / 553، 554.
(3)
حديث عدي بن حاتم: " وإن رميت الصيد فوجدته. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 9 / 610) .
(4)
حديث أبي ثعلبة: " إذا رميت الصيد فأدركته بعد ثلاث. . . ". أخرجه مسلم (3 / 1532) .
سَبَبُ إِبَاحَتِهِ، وَقَدْ وُجِدَ يَقِينًا، وَالْمُعَارِضُ لَهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ، فَلَا نُزُول عَنِ الْيَقِينِ بِالشَّكِّ (1) .
لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي أَكْلِهِ أَنْ لَا يَكُونَ قَدْ قَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَذَلِكَ تَوْفِيقًا بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: لَعَل هَوَامَّ الأَْرْضِ قَتَلَتْهُ (2) فَيُحْمَل هَذَا عَلَى مَا إِذَا قَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ، وَالأَْوَّل عَلَى مَا إِذَا لَمْ يَقْعُدْ (3) ،.
وَلأَِنَّهُ يُحْتَمَل أَنْ يَمُوتَ بِسَبَبٍ آخَرَ فَيُعْتَبَرَ فِيمَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ، لأَِنَّ الْمَوْهُومَ فِي الْحُرُمَاتِ كَالْمُتَحَقَّقِ، وَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ فِيمَا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ لِلضَّرُورَةِ، لأَِنَّ اعْتِبَارَهُ فِيهِ يُؤَدِّي إِلَى سَدِّ بَابِ الاِصْطِيَادِ، وَهَذَا لأَِنَّ الاِصْطِيَادَ يَكُونُ فِي الصَّحْرَاءِ بَيْنَ الأَْشْجَارِ عَادَةً، وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْتُلَهُ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ غَيْرِ انْتِقَالٍ وَتَوَارٍ عَنْ عَيْنِهِ غَالِبًا، فَيُعْذَرُ - مَا لَمْ يَقْعُدْ عَنْ طَلَبِهِ - لِلضَّرُورَةِ لِعَدَمِ إِمْكَانِ التَّحَرُّزِ عَنْهُ، وَلَا يُعْذَرُ فِيمَا إِذَا قَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ، لأَِنَّ الاِحْتِرَازَ عَنْ مِثْلِهِ مُمْكِنٌ فَلَا ضَرُورَةَ إِلَيْهِ فَيَحْرُمُ (4) .
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ: فَالْمَشْهُورُ عِنْدَهُمُ التَّحْدِيدُ بِأَقَل مِنْ يَوْمٍ حَيْثُ قَالُوا: (لَوْ مَاتَ مِنْهُ صَيْدٌ
(1) المغني لابن قدامة 8 / 554، وابن عابدين 5 / 302، والزيلعي 5 / 57.
(2)
حديث: " لعل هوام الأرض قتلته. . . ". تقدم في فقرة 26.
(3)
الزيلعي 5 / 57.
(4)
نفس المرجع، وانظر ابن عابدين 5 / 302.
ثُمَّ وَجَدَهُ غَدًا مَنْفُوذَ الْمَقَاتِل لَمْ يُؤْكَل فِي الْمَشْهُورِ) (1) .
وَالشَّافِعِيَّةُ يَقُولُونَ بِالْحُرْمَةِ بِمُجَرَّدِ الْغِيَابِ، وَلَمْ يُحَدِّدُوا لَهُ مُدَّةً مُعَيَّنَةً، فَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ: أَنَّهُ لَوْ غَابَ عَنْهُ الْكَلْبُ وَالصَّيْدُ قَبْل أَنْ يَجْرَحَهُ ثُمَّ وَجَدَهُ مَيِّتًا حَرُمَ، وَكَذَلِكَ إِنْ جَرَحَهُ الْكَلْبُ، أَوْ أَصَابَهُ سَهْمٌ ثُمَّ وَجَدَهُ مَيِّتًا يَحْرُمُ فِي الأَْظْهَرِ لاِحْتِمَال مَوْتِهِ بِسَبَبٍ آخَرَ، وَالتَّحْرِيمُ يُحْتَاطُ لَهُ (2) .
28 -
ج لَوْ رَمَى صَيْدًا فَوَقَعَ فِي مَاءٍ، أَوْ عَلَى سَطْحٍ أَوْ جَبَلٍ ثُمَّ تَرَدَّى مِنْهُ إِلَى الأَْرْضِ حَرُمَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَالْمُتَرَدِّيَةُ} (3) وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِعَدِيٍّ رضي الله عنه: إِذَا رَمَيْتَ سَهْمَكَ فَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ، فَإِنْ وَجَدْتَهُ قَدْ قُتِل فَكُل، إِلَاّ أَنْ تَجِدَهُ قَدْ وَقَعَ فِي مَاءٍ، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي: الْمَاءُ قَتَلَهُ أَوْ سَهْمُكَ (4) وَهَذَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ (5) .
وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا الْحُكْمِ بَيْنَ مَا إِذَا كَانَتِ الْجِرَاحَةُ مُوحِيَةً أَوْ غَيْرَ مُوحِيَةٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ،
(1) القوانين الفقهية ص 183.
(2)
نهاية المحتاج 8 / 117.
(3)
سورة المائدة: 3.
(4)
حديث: " إذا رميت سهمك فاذكر اسم الله. . . ". أخرجه مسلم (3 / 1531) .
(5)
تبيين الحقائق للزيلعي 6 / 58، والقوانين الفقهية ص 183، ومغني المحتاج 4 / 274، والمغني لابن قدامة 8 / 555، 556.