الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دَلَالَةُ الصِّيغَةِ عَلَى الزَّمَنِ وَأَثَرُ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ:
7 -
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ يَنْعَقِدُ بِصِيغَةِ الْمَاضِي، مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى نِيَّةٍ؛ لأَِنَّ صِيغَةَ الْمَاضِي جُعِلَتْ إِيجَابًا لِلْحَال فِي عُرْفِ أَهْل اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ، وَالْعُرْفُ قَاضٍ عَلَى الْوَضْعِ (1) .
لَكِنَّ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا فِي انْعِقَادِ الْعَقْدِ بِالصِّيغَةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْحَال أَوِ الاِسْتِقْبَال، وَلِذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي انْعِقَادِ الْعَقْدِ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ، لأَِنَّ صِيغَةَ الْمُضَارِعِ تَحْتَمِل الْحَال وَالاِسْتِقْبَال، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى صِحَّةِ انْعِقَادِ الْعَقْدِ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ، لَكِنْ مَعَ الرُّجُوعِ إِلَى النِّيَّةِ، يَقُول الْكَاسَانِيُّ: وَأَمَّا صِيغَةُ الْحَال فَهِيَ أَنْ يَقُول الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي: أَبِيعُ مِنْكَ هَذَا الشَّيْءَ بِكَذَا وَنَوَى الإِْيجَابَ، فَقَال الْمُشْتَرِي: اشْتَرَيْتُ، أَوْ قَال الْبَائِعُ: أَبِيعُهُ مِنْكَ بِكَذَا، وَقَال الْمُشْتَرِي: أَشْتَرِيهِ، وَنَوَيَا الإِْيجَابَ، فَإِنَّ الرُّكْنَ يَتِمُّ وَيَنْعَقِدُ الْعَقْدُ، وَإِنَّمَا اعْتَبَرْنَا النِّيَّةَ هُنَا وَإِنْ كَانَتْ صِيغَةُ أَفْعَل لِلْحَال - هُوَ الصَّحِيحُ، لأَِنَّهُ غَلَبَ اسْتِعْمَالُهَا لِلاِسْتِقْبَال، إِمَّا حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا فَوَقَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَى التَّعْيِينِ بِالنِّيَّةِ.
(1) البدائع 5 / 133، والحطاب 4 / 229 - 230، والدسوقي 3 / 3 - 4، ومغني المحتاج 2 / 5، والمغني 3 / 561.
وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ، فَفِي الْحَطَّابِ: إِنْ أَتَى بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ فَكَلَامُهُ مُحْتَمَلٌ فَيَحْلِفُ عَلَى مَا أَرَادَهُ (1) .
وَلَا يَنْعَقِدُ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، لأَِنَّهُ يُعْتَبَرُ وَعْدًا (2) .
وَأَمَّا صِيغَةُ الأَْمْرِ فَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَهُوَ الأَْظْهَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يَنْعَقِدُ الْعَقْدُ بِصِيغَةِ الأَْمْرِ لِدَلَالَةِ (بِعْنِي) عَلَى الرِّضَا.
أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَلَا يَنْعَقِدُ الْعَقْدُ بِصِيغَةِ الأَْمْرِ عِنْدَهُمْ لأَِنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ لِلاِسْتِقْبَال، وَهِيَ مُسَاوَمَةٌ حَقِيقِيَّةٌ، فَلَا تَكُونُ إِيجَابًا وَقَبُولاً حَقِيقَةً، بَل هِيَ طَلَبُ الإِْيجَابِ وَالْقَبُول، فَلَا بُدَّ لِلإِْيجَابِ وَالْقَبُول مِنْ لَفْظٍ آخَرَ يَدُل عَلَيْهِمَا.
وَيُوَضِّحُ ابْنُ قُدَامَةَ مَذْهَبَ الْحَنَابِلَةِ، فَيَقُول: إِنْ تَقَدَّمَ الإِْيجَابُ بِلَفْظِ الطَّلَبِ فَقَال بِعْنِي ثَوْبَكَ فَقَال بِعْتُكَ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا يَصِحُّ، وَالثَّانِيَةُ لَا يَصِحُّ (3) .
هَذَا فِي الْجُمْلَةِ وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (عَقْد) .
(1) البدائع 5 / 133، ونهاية المحتاج 3 / 387، والحطاب 4 / 232.
(2)
كشاف القناع 3 / 147.
(3)
البدائع 5 / 133 - 134، ومغني المحتاج 2 / 5، والدسوقي 3 / 3 - 4، والمغني 3 / 561.