الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَهَذَا ظَاهِرُ قَوْل ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه وَعَطَاءٍ وَرَبِيعَةَ وَإِسْحَاقَ. وَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ يَقُولُونَ: إِنْ كَانَتِ الْجِرَاحَةُ مُوحِيَةً كَأَنْ ذَبَحَهُ أَوْ أَبَانَ حَشْوَتَهُ لَمْ يَضُرَّ وُقُوعُهُ فِي الْمَاءِ، وَلَا تَرَدِّيهِ، لأَِنَّ هَذَا صَارَ فِي حُكْمِ الْمَيِّتِ بِالذَّبْحِ، فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ مَا أَصَابَهُ (1) .
وَلَوْ وَقَعَ الصَّيْدُ فِي الْمَاءِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَقْتُلُهُ، مِثْل أَنْ يَكُونَ رَأْسُهُ خَارِجًا مِنَ الْمَاءِ، أَوْ يَكُونَ مِنْ طَيْرِ الْمَاءِ الَّذِي لَا يَقْتُلُهُ الْمَاءُ، أَوْ كَانَ التَّرَدِّي لَا يَقْتُل مِثْل ذَلِكَ الْحَيَوَانِ فَلَا خِلَافَ فِي إِبَاحَتِهِ، لأَِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: وَإِنْ وَجَدْتَهُ غَرِيقًا فِي الْمَاءِ فَلَا تَأْكُل (2) ، وَلأَِنَّ الْوُقُوعَ فِي الْمَاءِ وَالتَّرَدِّي إِنَّمَا حُرِّمَ خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ قَاتِلاً أَوْ مُعِينًا عَلَى الْقَتْل، وَهَذَا مُنْتَفٍ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ (3) .
وَكَذَلِكَ إِذَا وَقَعَ عَلَى الأَْرْضِ ابْتِدَاءً، بَعْدَ أَنْ رَمَاهُ بِسَهْمٍ فَمَاتَ حَل؛ لأَِنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ، فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ كَيْ لَا يَنْسَدَّ بَابُ الاِصْطِيَادِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا أَمْكَنَ التَّحَرُّزُ عَنْهُ، لأَِنَّ اعْتِبَارَهُ لَا يُؤَدِّي إِلَى سَدِّ بَابِهِ، وَلَا يُؤَدِّي إِلَى الْحَرَجِ، فَأَمْكَنَ تَرْجِيحُ الْمُحَرَّمِ عِنْدَ التَّعَارُضِ عَلَى مَا هُوَ الأَْصْل فِي الشَّرْعِ (4) .
(1) المغني لابن قدامة 8 / 555، والمراجع السابقة.
(2)
حديث: " وإن وجدته غريقا في الماء فلا تأكل. . . ". أخرجه مسلم (3 / 1531) .
(3)
المراجع السابقة.
(4)
الزيلعي 6 / 58، ومغني المحتاج 4 / 374.
هَذَا، وَإِذَا أَدْرَكَ الصَّيْدَ حَيًّا غَيْرَ مَنْفُوذِ مَقْتَلٍ لَمْ يُؤْكَل إِلَاّ بِذَكَاةٍ إِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، كَمَا قَدَّمْنَا. وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ (1) .
حُكْمُ جُزْءِ الْمَصِيدِ:
29 -
إِذَا رَمَى صَيْدًا فَأَبَانَ مِنْهُ عُضْوًا، وَبَقِيَ الصَّيْدُ حَيًّا حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً يَحْرُمُ الْعُضْوُ الْمُبَانُ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: مَا قُطِعَ مِنَ الْبَهِيمَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ فَمَا قُطِعَ مِنْهَا فَهُوَ مَيْتَةٌ (2) .
أَمَّا الْمَقْطُوعُ مِنْهُ، وَهُوَ الْحَيَوَانُ الْحَيُّ، فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ ذَكَاةٍ، وَإِلَاّ يَحْرُمُ - أَيْضًا - بِاتِّفَاقٍ.
وَإِذَا رَمَاهُ فَقَطَعَ رَأْسَهُ، أَوْ قَدَّهُ نِصْفَيْنِ أَوْ أَثْلَاثًا - وَالأَْكْثَرُ مِمَّا يَلِي الْعَجُزَ - حَل كُلُّهُ، لأَِنَّ الْمُبَانَ مِنْهُ حَيٌّ صُورَةً لَا حُكْمًا، إِذْ لَا يُتَوَهَّمُ سَلَامَتُهُ وَبَقَاؤُهُ حَيًّا بَعْدَ هَذِهِ الْجِرَاحَةِ، فَوَقَعَ ذَكَاةً فِي الْحَال فَحَل كُلُّهُ (3) .
أَمَّا إِذَا قَطَعَ مِنْهُ يَدًا أَوْ رِجْلاً أَوْ فَخِذًا، أَوْ نَحْوَهَا وَلَمْ تَبْقَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فَفِيهِ التَّفْصِيل الآْتِي:
قَال الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا قَطَعَ يَدًا أَوْ رِجْلاً أَوْ
(1) الشرح الصغير 2 / 169، والقوانين الفقهية ص 183، والزيلعي 6 / 57، ومغني المحتاج 4 / 374، وما بعدها، والمغني لابن قدامة 8 / 447.
(2)
حديث: " ما قطع من البهيمة وهي حية. . . ". أخرجه الترمذي (4 / 74) من حديث أبي واقد الليثي، وقال:" حديث حسن ".
(3)
تبيين الحقائق للزيلعي 6 / 59، والقوانين الفقهية ص 183، ومغني المحتاج 4 / 270، والمغني لابن قدامة 8 / 556.
فَخِذًا أَوْ ثُلُثَهُ مِمَّا يَلِي الْقَوَائِمَ أَوْ أَقَل مِنْ نِصْفِ الرَّأْسِ يَحْرُمُ الْمُبَانُ مِنْهُ، لأَِنَّهُ يُتَوَهَّمُ بَقَاءُ الْحَيَاةِ فِي الْبَاقِي (1) .
وَلَوْ ضَرَبَ صَيْدًا فَقَطَعَ يَدَهُ أَوْ رِجْلَهُ وَلَمْ يَنْفَصِل، ثُمَّ مَاتَ، إِنْ كَانَ يُتَوَهَّمُ الْتِئَامُهُ وَانْدِمَالُهُ حَل أَكْلُهُ، لأَِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ أَجْزَائِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُتَوَهَّمُ، بِأَنْ بَقِيَ مُتَعَلِّقًا بِجِلْدٍ حَل مَا سِوَاهُ دُونَهُ، لِوُجُودِ الإِْبَانَةِ مَعْنًى، وَالْعِبْرَةُ لِلْمَعَانِي (2) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِذَا كَانَ الْمَقْطُوعُ النِّصْفَ فَأَكْثَرَ جَازَ أَكْل الْجَمِيعِ، وَلَوْ قَطَعَ الْجَارِحُ دُونَ النِّصْفِ كَيَدٍ أَوْ رِجْلٍ فَهُوَ مَيْتَةٌ، وَيُؤْكَل مَا سِوَاهُ، إِلَاّ أَنْ يَحْصُل بِالْقَطْعِ إِنْفَاذُ مَقْتَلٍ كَالرَّأْسِ فَلَيْسَ بِمَيْتَةٍ فَيُؤْكَل كَالْبَاقِي (3) .
وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ: بِأَنَّهُ لَوْ أَبَانَ مِنَ الصَّيْدِ عُضْوًا كَيَدِهِ بِجُرْحٍ مُذَفِّفٍ (أَيْ مُسْرِعٍ لِلْقَتْل) فَمَاتَ حَل الْعُضْوُ وَالْبَدَنُ كُلُّهُ (4) .
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ: أَشْهَرُهُمَا عَنْ أَحْمَدَ إِبَاحَتُهُمَا.
قَال أَحْمَدُ: إِنَّمَا حَدِيثُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: مَا قَطَعْتَ مِنَ الْحَيِّ مَيْتَةٌ (5) . إِذَا قَطَعْتَ
(1) الزيلعي 6 / 59.
(2)
الزيلعي 6 / 59، 60.
(3)
القوانين الفقهية لابن جزي 183، والشرح الصغير 1 / 317.
(4)
مغني المحتاج 4 / 170.
(5)
حديث: " ما قطعت من الحي ميتة "، تقدم ذكر لفظه الثابت.
وَهِيَ حَيَّةٌ تَمْشِي وَتَذْهَبُ، أَمَّا إِذَا كَانَتِ الْبَيْنُونَةُ وَالْمَوْتُ جَمِيعًا أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ إِذَا كَانَ فِي عِلَاجِ الْمَوْتِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، أَلَا تَرَى الَّذِي يَذْبَحُ رُبَّمَا مَكَثَ سَاعَةً، وَرُبَّمَا مَشَى حَتَّى يَمُوتَ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُبَاحُ مَا بَانَ مِنْهُ، عَمَلاً بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: مَا أُبِينَ مِنْ حَيٍّ فَهُوَ مَيِّتٌ (1) .
وَلأَِنَّ هَذِهِ الْبَيْنُونَةَ لَا تَمْنَعُ بَقَاءَ الْحَيَوَانِ فِي الْعَادَةِ فَلَمْ يُبَحْ أَكْل الْبَائِنِ (2) .
وَهَذِهِ الشُّرُوطُ كُلُّهَا إِنَّمَا تُشْتَرَطُ فِي الْمَصِيدِ الْبَرِّيِّ، إِذَا عَقَرَتْهُ الْجَوَارِحُ أَوِ السِّلَاحُ أَوْ أَنْفَذَتْ مَقَاتِلَهُ، فَإِنْ أَدْرَكَهُ حَيًّا غَيْرَ مَنْفُوذِ الْمَقَاتِل ذُكِّيَ، وَيُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ مَا يُشْتَرَطُ فِي الذَّبْحِ، وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ:(ذَبَائِح ف 16 - 39) .
30 -
أَمَّا الْمَصِيدُ الْبَحْرِيُّ فَلَا تُشْتَرَطُ فِيهِ هَذِهِ الشُّرُوطُ.
وَيَجُوزُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ: (الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ الأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ) صَيْدُ وَأَكْل جَمِيعِ حَيَوَانَاتِ الْبَحْرِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ سَمَكًا أَمْ غَيْرَهُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{أُحِل لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} (3) أَيْ مَصِيدُهُ
(1) حديث: " ما أبين من حي. . . " تقدم كذلك ذكر لفظه الثابت: وأخرجه الزيلعي في " نصب الراية "(4 / 317 مطولا) .
(2)
المغني لابن قدامة 8 / 557.
(3)
سورة المائدة / 96.