الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيًا: التربية النفسية العاطفية:
تُشكِّلُ العاطفة مساحة واسعة في نفس الصغير الناشئ، فهي تكوِّن نفسه، وتبني شخصيته، ولذا إن أخذها بشكل متوازنٍ؛ خرج إنسانًا سويًّا في مستقبله، بل في حياته كلها، وإن أخذها بغير ذلك -زيادةً أو نقصانًا- تشكَّلت لديه عُقَدٌ لا تُحمد عقباها، فكلا طرفي الأمور ذميم. فالزيادة تجعله مدلَّلًا، لا يقوم بتكاليف الحياة بجد ونشاط، ونقصانها يجعله قاسيًا عنيفًا على كل من حوله، ومن هنا: فالبناء العاطفي له أهمية خاصة في بناء نفس الصغير وتكوينه، وهذا البناء يلعب فيه الدور الأكبر: الوالدان، إذ هما المصدر الأساسي لأشعة العاطفة التي تبني نفسه، وهما الركن الشديد الذي يأوي إليه، لينعم بحرارة العاطفة، ونعمة الأبوة والأمومة
(1)
.
وقد لاحظ الشيخ محمد الخضر حسين الميل الذي يقع لبعض الآباء في هذا النوع من التربية في أحد طرفيه، وحذَّر من الركون إليه، وبيَّن مغبَّته وعاقبته؛ فقال:
"ومن الناس من يدرك أن التقام الأطفال لثدي التربية، مما يؤثر في نفوسهم إصلاحًا عظيمًا، ولكن فرط الرأفة الذي ينشأ من التغالي في حبهم، يكسر من صلابة الآباء شيئًا كثيرًا، فيدفعهم عن مكافحة
(1)
محمد نور بن عبدالحفيظ سويد، «منهج التربية النبوية للطفل» (ص/ 310).
طباع أبنائهم الرديئة ومقاومتها بالتأديب، وينفض بهم ذلك الإهمال إلى التنقل في مراتع الشهوات الزائغة.
كلّا، هذه رأفة غير ممزوجة بحكمة، فالتنقل في مراتع الشهوات، تتولد عنه نتائج وخيمة، تثير بين الآباء والأبناء من النفرة والتباعد بمقدار ما كان بينهما من الحنان والمقاربة، وتصير بهم إلى أن تضرسهم أنياب الاضطهاد، وتدوسهم أقدام الامتهان.
لا نريد بكراهة هذه الرأفة المفرطة أن يُفتك من الصبي سائر إرادته، ويُسلب منه جميع عزائمه، كما يفعله الجاهلون بأساليب الإصلاح والتهذيب. إن ذلك مما يحول بينه وبين عزة النفس وما يتبعها من قوة الجأش، وأصالة الرأي، والإقدام على إرسال كلمة الحق عندما يقتضيها المقام، فيكون ألعوبة بيد معاشريه، كالكرة المطروحة بينهم يتلقفونه رِجْلًا رِجْلًا، أو آلة يستعملونها فيما يشتهون، ..... ، التربية النافعة ما كانت أثرًا لمحبة، يطفئ البأس شيئًا من حرارتها، وصرامة تلطِّف الشفقة من شدتها، وهي التي يستوجب الوالدان دعاء الولد بقوله:{رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}
(1)
"
(2)
.
عودٌ على بدء:
أدرك الصَّحْبُ والآل ما تحتاج إليه نفسية الصغير، فعملوا على
(1)
سورة الإسراء (24).
(2)
محمد الخضر حسين، «السعادة العظمى» (ص/ 10).