الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-
قراءة القرآن:
قبل أن نذكر تربية الصحب والآل لصغارهم على حفظ القرآن، ينبغي علينا أن نُشير إشارة هامة إلى أمر قد يغيب عن بعض أذهان الآباء والمربين؛ ألا وهو: أن للصغير مراحل معينة يجب علينا أن نتركه ليعيشها بتفاصيلها وطبيعتها، دون أن نقيِّده بشيء يصيبه بالملل، أو يجعله ينفر منه؛ ومن أمثلة ذلك: إجبار الصغار على حفظ القرآن في سنٍّ صغيرٍ لا يميزون معه، وإن كانت هناك حالات تختلف باختلاف طبيعة أصحابها.
يقول سعيد بن جُبير متحدِّثًا عن طائفة الصحابة والآل: «كانوا يحبون أن يكون يقرأ الصبي بعد حين»
(1)
.
وعلَّق الحافظ ابن حجر على أثر سعيد بقوله: "وكلام سعيد بن جبير يدل على أنه يُستحبُّ أن يُترَك الصبي أوَّلًا مُرفَّهًا، ثم يؤخذ بالجد على التدريج. والحق أن ذلك يختلف بالأشخاص، والله أعلم"
(2)
.
وممن كان يترك صغاره دون تعلُّمِ القرآن حتى يميزوا: عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
(1)
هذا الأثر نقله الحافظ في «فتح الباري» (9/ 83)، وعزاه لابن أبي داود، ولم أجده في كتاب «المصاحف» المطبوع له، فلعله في كتابه «فضائل القرآن» الذي لم يُطبَع، والله أعلم.
(2)
ابن حجر، «فتح الباري» (9/ 83 - 84).
يقول عنه ولده عاصم بن عمر: "كان عمر لا يأمر بنيه بتعليم القرآن، إن كان أحد منكم متعلِّمًا فليتعلم من المفصَّل فإنه أيسر"
(1)
.
فاستفيد من ذلك: أن الصبي كان يُعلَّم القرآن عند التمييز، ويُبدأ معه من المفصَّل، وهو الذي تقل آياته، ويكثر الفصل بين سوره لقصرها، كما فُعل مع أحد آل البيت؛ وهو:
عبدالله بن عباس رضي الله عنه. يقول عن نفسه: «توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن عشر سنين، وقد قرأتُ المحكَم» . فقال له سعيد بن جبير: وما المحكم؟ قال: «المفصَّل»
(2)
.
والعلة في البدء معهم حال التمييز وعدم الانتظار حتى البلوغ؛ أنه أدعى إلى ثبوته ورسوخه عنده، كما يُقال:"التعلُّم في الصغر؛ كالنقش في الحجر"
(3)
.
ولذا حرص الصحب والآل على تعليم الصبيان القرآن، وبوَّب البخاري في «صحيحه» لهذا المعنى؛ فقال:"باب تعليم الصبيان القرآن"
(4)
.
ومن هنا تعدَّدت أساليبهم في تعليم الصبيان القرآن:
فتارة يحضُّون على ذلك بالثناء والتشجيع؛ كقول ابن عباس رضي الله عنه
(1)
إسناده صحيح: أخرجه عبدالرزاق (6030).
(2)
«صحيح البخاري» (5035، 5036).
(3)
ابن حجر، «فتح الباري» (9/ 83).
(4)
«صحيح البخاري» (9/ 83 - مع الفتح).
في الصغير الذي قرأ القرآن قبل بلوغه: «من قرأ القرآن قبل أن يحتلم؛ فقد أوتي الحكم صبيًّا»
(1)
.
وتارة يستخدمون التلقين والتحفيظ إذا ميَّز الطفل، كما مرَّ معنا قبل قليل، ويوصون الآباء ببعض السور خاصة من القرآن، ليعلموها صغارهم.
هذا عكرمة مولى ابن عباس، يشهد وصية من هذه الوصايا وينقلها؛ فيقول:
قال عبدالله بن عباس رضي الله عنه لرجل: «ألا أطرفك بحديث تفرح به» ؟
قال الرجل: بلى، يا أبا عباس، رحمك الله.
(2)
.
(1)
إسناده ضعيف: أخرجه البيهقي في «المدخل إلى السنن» (639)، و «شعب الإيمان» (1798) من طريق الحسن بن أبي جعفر، حدثنا أبو الصهباء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس؛ به. ورواية «الشُّعب»: مرفوعة.
والحسن هذا ضعيف، كما في «التقريب» (1222)، وأبو الصبهاء الكوفي: مقبول، كما في «التقريب» (8180).
(2)
إسناده ضعيف: أخرجه عبد بن حميد (603 - المنتَخَب) عن إبراهيم بن الحكم بن أبان، عن أبيه، عن عكرمة؛ به. وإبراهيم هذا قال عنه الحافظ في «التقريب» (166):"ضعيف، وصل المراسيل".