الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتتحمَّل مشاقَّ حملها، ووضعها، قبل رضاعها وتربيتها.
لم تتوقف العناية المبكِّرة عند حد الاختيار فحسب؛ بل إنها تمتد لفترة البناء والحمل، إلى ما قبل الوضع، وخروج الولد إلى سعة الحياة بعد ضيق الرحم.
ومن أهم الوسائل التي استُخدِمت في ذلك: الدعاء بالبركة والصلاح لهم، قبل مجيئهم، كما وقع من:
علي بن أبي طالب رضي الله عنه
-:
تقول سُرِّية
(1)
لعبدالله بن جعفر: دعاني عليٌّ وأنا حُبلى، فمسح بطني، وقال:«اللهم اجعله ذكرًا ميمونًا مباركًا، صالحًا تقيًّا» . قالت: فولدتُ غلامًا
(2)
.
(1)
هي الجارية المملوكة، والجمع: سراريّ.
(2)
إسناده حسنٌ إليها: أخرجه ابن أبي شيبة (29870) عن شريك بن عبدالله بن أبي نمر، وسعيد بن منصور (2171 - الأعظمي) عن هُشيم بن بشير، وابن أبي الدنيا في «مجابو الدعوة» (39) -واللفظ له- من طريق جرير بن عبدالحميد.
جميعهم (شريك، وهشيم، وجرير) عن مغيرة بن مقسم الضبي، عنها؛ به
وفي رواية هشيم: بزيادة أم موسى بين مغيرة والسُّرية، وصرَّح هشيم بتحديث المغيرة له.
وأم موسى هذه سُرية لعلي بن أبي طالب، ترجم لها الحافظ في «تهذيب التهذيب» (12/ 481)، ونقل قول الدارقطني عنها:"حديثها مستقيم، يخرَّج حديثها اعتبارًا". وقول العجلي: "كوفية تابعية ثقة".
وقد أخرج رواية المغيرة عنها: أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، والبخاري في الأدب المفرد.
وتبدو رواية هُشيم أولى، وذلك لتصريحه بالتحديث، ولكونه أوثق من شريك، وجرير، ولكونه زاد في الإسناد زيادة مقبولة. وقد يكون إسقاط أم موسى من الطريقين الآخرين من قِبل المغيرة نفسه، فقد وُسم بالتدليس.
وفعل عليٍّ رضي الله عنه هذا مستَمدٌّ من فعل الأنبياء قبله، الذين كانوا يدعون بالذرية الصالحة قبل خروجها؛ كدعاء نبي الله إبراهيم:{رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ}
(1)
.
ودعاء نبي الله زكريا: {رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ}
(2)
(3)
.
فتضمَّنت أدعية هؤلاء الأنبياء: طلب الذَّكر، وأن يكون تقيًّا صالحًا.
وذكر الله عز وجل في شأن صفات عباد الرحمن أنهم يرغبون إلى الله في دعائهم ومسألتهم بأن يقولوا: ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا ما تقرّ به أعيننا من أن تريناهم يعملون بطاعتك؛ فقال عنهم: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}
(4)
.
(1)
سورة الصافَّات (100).
(2)
سورة آل عمران (38).
(3)
سورة مريم (5، 6).
(4)
سورة الفرقان (74).
يقول عبدالله بن عباس رضي الله عنه في تأويل هذه الآية: "قوله: {هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} يعنون: من يعمل لك بالطاعة؛ فتقرّ بهم أعيننا في الدنيا والآخرة"
(1)
.
خُلاصة ما ذُكر:
ظهر اهتمام الصحّب والآل بالأولاد قبل خروجهم إلى هذه الحياة في تحسُّسهم لاختيار أزواجهم، وأمهات أولادهم، وكذا في الرغبة إلى الله بأن يهبهم ما تقرُّ به أعينهم.
(1)
الطبري، «جامع البيان عن تأويل آي القرآن» (19/ 318).