الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعن مكانِ ولادته يقولُ ابنُه (1): "كان مولِدُه ببلدة (كونان) مِنْ أَعمال (كوبيان)(2)، بينها وبين بَلده كرمان مسيرةُ ثلاثة أيام، رأيتُها في مدَّة والدي -رحمه الله تعالى-، وهي بلدةٌ طيِّبةٌ، وهواؤها طيِّبٌ صحيحٌ، وأهلُها عُلَماء فُضَلاء صُلَحاء
…
".
نشْأته ورحلاته:
ساق ابنُ الكِرمانيّ -رحِمهما الله- في معرضِ حديثِه عن نَشْأة والدِه ورحلاته حَديثًا مُخْتصرًا شَافيًا؛ لا أجدُ مَحيصًا من إيرادِه بتَمامه. وفيه يتَّضحُ بجلاءٍ أَنَّ الكرماني شبَّ في بيتِ والدِه (بهاءِ الدِّين، يوسف)، ونشأَ عَلى مرأَى ومَسْمعٍ منه، يُلقِّنه المعارفَ والعُلوم، ويغرسُ في نفسِه الصِّفاتِ النَّبيلةَ والأَخلاقَ الفاضلةَ، كما يتَّضحُ منه جلَدُه
= والبغداديُّ في هدية العارفين حيث قال (6/ 172): "ولد سنة 718"، كما أن محقق الدُّرر الكامِنة للحافظ ابن حجر (محمَّد سيِّد) أشار إلى أَنه وجد في بعض نُسخ الدُّرر المخطوطة أَن مولدَ الكِرمَانيِّ كان في سنة سبع وعشرين وسبعمائة على أَن أَغلبها تنصُّ على أنه في السَّابع عشر. وهو ما صحَّحه. (ينظر: هامش الدُّرر: 5/ 77).
وظاهر أنَّ تلك النُّقولات الشَّاذة لا تبتعد كثيرًا فتقدَّم فائدةً تُذكر؛ ناهيك عن أَنّ احتمال التَّحريف منها ليس ببعيد.
(1)
مجمع البحرين وجوهر الحبرين: (جـ 1 / ل 3).
(2)
(كوبيان) وربَّما قيل لها: (كو كيان) كما صرَّحَ بذلك ياقوت الحمويّ (4/ 487): "من قرى كرمان، فيها وفي قرية أخرى يقال لها بهاباذ يعمل التّوتيا (حجر يكتحل به). (اللّسان: توت: 2/ 18) الذي يحملُ إلى أقطار الدُّنيا".
وصبْرُه في طلبِ العلمِ؛ حتَّى غَدا عالمًا عَاملًا، ويكفي شَاهدًا عَلى ذلك: أَنَّه رحلَ -في سبيل تحصيل العلم- إلى بلدانٍ مختلفةٍ متباعدةٍ أَدَعُ التَّصريحَ بها لابْنِه في سياقِ حديثه التَّالي عن أَبيه.
يقول (1): "نشأ والدي رحمه الله بها -أي: ببلدة كونان-، واشْتغل عَلى والده يوسف (2)، وكان من العُلماءِ العاملين. حكى لي والدي عنه أَنَّه ما كان يأَكلُ إِلَّا من ثمنِ مصحفٍ شريفٍ كان يكتُبه في كلِّ شهرٍ بخمسة دَراهم، يبيعه ويقتاتُ بالدَّراهم طولَ شهْره؛ فإذا انقضى الشَّهرُ بعد كتَب آخر؛ فينسخه ولا يأكل إلا منه مع كثرةِ أملاكهِ وسعةٍ من الدُّنيا
…
ثمّ لَمَّا بلغَ والدي مبلغَ الرّجال ارتحل إلى كرمان، وقرأَ بها عَلى علمائِها، ثمّ بلغَه شرحُ أصولِ ابن الحاجبِ للشَّيخ عضدِ الدِّين عبد الرَّحمن، فكتبه ونسخه، وأَرادَ قراءتَه عَلى بعضِ علماءِ كرمان.،. فرحلَ بإذن والده إِلى (شباكار)(3) وهي بلد من أعمالِ (شِيراز)(4)، وفيها الشَّيخ عضدُ الدِّين، فلازمَه واشتغلَ عليه وقرأَ عليه شرحَ مختصرِ ابن الحاجِب، وكتابَ المواقف في أصولِ الكلام. وغير ذلك من مؤلفات شيخِه عضد الدِّين، ثمّ وقعت خراب في بلاد (شيراز)، وقُتل سلطانها، وكان مُحسنًا إلى
(1) مجمع البحرين وجوهر الحبرين: (جـ 1 / ل 3).
(2)
لم أقف له على ترجمةٍ -إلا ما حكاه حفيدُه عنه- فيما وقفتُ عليه من مصادرَ.
(3)
لم أقف لها على ترجمةٍ فيما بين يديَّ من مصادر البلدان.
(4)
هو بكسر الشِّين وآخره زاي: بلد عظيم في وسط بلاد فارس، وهي مما استجد عمارتها واختطاطها في الإسلام؛ لكونها عذبة الماء كثيرة الخيرات.
ينظر: معجم البلدان: (3/ 380 - 381).
والدي، وكان دائمًا يَتَرَحَّمُ عليه. وقصدَ بغداد، ثمّ قصدَ الشَّام، ثمّ أتَى مصر. ولكنَّه في سنة خمسٍ وخمسين وسبعمَائة ورد مصر وسُلْطانها الملك الصَّالح، والأمير الكبير بها شَيْخون. فأرادَ السُّلطان شيخون أَنْ يُقِيم بالقاهرةِ ويريدُ أنْ يحجَّ. فحجَّ من طريقِ الحاجِّ المصري، بعدَ أَنْ قرأَ البخاريّ بالقاهرةِ بالجامع الأزهر عَلى الشَّيخ ناصر (1) الدِّين الفَارقيِّ، وغيره من علمائِها. ثمّ لَمَّا حجَّ رجع إلى بغداد، وكانت بغدادُ إذ ذاك عامرةً بأَهلِها من أحسن بلادِ الدُّنيا؛ فأقامَ بها، واشْتَغل بالتَّأليف، وشُغل النَّاسُ في فنون العلم. وحجَّ مرَّات وجاورَ وأَنا في خدمَته سنة خمسٍ وسبعين وسبعمائة. ثمّ رجعَ إلى بغداد، وأقامَ بها إلى سنة خمس وثمانين، فقصدَ الحجّ وأَنا في خِدمتِه؛ فحجَّ سنة خمس وثمانين
…
".
(1) سترد الإشارة إليه -إن شاء الله- قريبًا ضمن الحديث عن شيوخ المؤلّف (76).