الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ف
الوصلُ
بين الجملتين إِنَّما يحسُن إذا اتّحدتا طلبًا وخبرًا بأن تكونا طَلَبَّيتَين (1) أو خَبَرِيَّتين (2)، مع ارتباطٍ يجمعُ بينهما جمعًا من جهة: العقل، أَو الوهم، أو الخيال. ويُسمّى الجهة الجامعة (3)، وهي:
إمّا عقليّ؛ كاتِّحادٍ بينهما في مسندٍ؛ نحو: (زيدٌ كاتبٌ وعمرو)(4)، أو في (5) مسندٍ إليه؛ نحو:(زيدٌ يصلُ ويَقْطع)، أو في (6) قيدٍ لأحدهما؛ أي: المسند، والمسند إليه؛ نحو:(زيدٌ الكاتبُ شاعرٌ، وعمرو الكاتبُ منجّمٌ)، أو تماثلٍ (7)؛ أي: كتماثل بينهما، فيهما؛ أي: في المسند والمسند إليه. وفي بعض النُّسح: (أو (8) فيها)، أي: في المسند أو المسند إليه أو
(1) في أ: "طلبين" ولا وجه للتَّذكير. ومثال اتحّادهما في الطّلبيّة؛ قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا} [الأعراف؛ من الآية: 31].
(2)
في أ: "خبرين" ولا وجه للتّذكير. ومثال اتّحادهما في الخبريّة قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [البيّنة؛ من الآية: 7].
(3)
في الأَصل: "الخاصّة". وفي ب: "العامّة". والصَّواب من أ.
(4)
في ب تكرّر عقب هذا - سهوًا - قول المصنّف المتقدّم: "إمّا عقلي كاتِّحاد".
(5)
"في" هكذا واردة ضمن كلام الشَّارح في الأَصل. وفي: أ، ب وردت ضمن كلام المصنّف، وليست في ف.
(6)
"في" هكذا واردة ضمن كلام الشّارح في الأَصل. وفي: أ، ب وردت ضمن كلام المصنّف، وليست في ف.
(7)
يتحقّق التّماثل بأن يتفقا في الحقيقة ويختلفا بالشّخص.
(8)
"أو" ساقطةٌ من أ، ب.
القيدِ، وكلاهما مقروآن على المُصَنِّف (1). ومرجعهُ؛ أي: التّماثل الاتِّحادُ؛ إذ العقلُ يحذفُ الْمُشَخّصات؛ أي: يُجردُ المثلين عن الشّخصِ (2)؛ فيرتفعُ التَّعددُ عن البين؛ فتبقى الحقيقةُ [المتّحدة](3). أو تضايفٍ؛ أي: لتضايفٍ (4) بينهما؛ وهو بأن لا يُعقل (5) أحدُهما بدون تعقلِ الآخر؛ سواء كان بين الأمور المعقولة؛ كما بين العلّةِ والمعلول، أو بين المحسوسةِ؛ كما بين العُلُوّ والسُّفل، أو بين ما يعمُّهما؛ كما بين الأقلِّ والأكثرِ؛ لأنَّ الكمَّ (6) المنفصل (7) يعمّ المعقولات والمحسوساتِ (8).
(1) على أنّ المصنّف بقوله في الجامع العقليّ: "كاتّحاد بينهما في مسند أو مسند إليه أو قيد لأحدهما" يَسْتدرِك على شيخه السَّكّاكيّ توسّعه في هذا الجامع؛ إذ قال (المفتاح: 253): "والجامع العقليّ هو أن يكون بينهما اتّحاد في تصوّر مثل الاتّحاد في المخبر عنه أو في الخبر
…
" حيث أفضى هذا التّوسَع إلى امتناع الوصل في بعض الأمثلة مع وجود الجامع في المخبر عنه أو الخبر.
(2)
في أ: "الشّخصين".
(3)
ما بين المعقوفين غير موجود في الأَصل، ومثبت من: أ، ب. وبه يزداد المعنى وضوحًا.
(4)
في أ، ب:"كتضايف".
(5)
في أ، ب:"لا يكون تَعَقُّل" ولا اختلاف في المعنى المراد.
(6)
في ب: "الكمى".
(7)
في الأَصل: "المنفصلة" والمثبت من: أ، ب.
(8)
والتّضايف يكون -أيضًا- في المسند أو في المسند إليه على اعتبار العطف على رواية الأَصل المتقدّمة: (أو تمائل فيهما). أو في المسند أو المسند إليه أو القيد =
وأمّا وهميّ (1)؛ كتشابه؛ وهو بأن يكون بين تصوُّراتهما (2) شبهُ تماثلٍ؛ نحو: أن يكون المُخْبَرُ عنه في إحداهما لون بياض، وفي الثّانيةِ لون (3) صفرةٍ؛ فإنَّ الوهمَ يحتالُ في أن يبرزهما في معرض المثلين (4). أو تضادٍّ، أي: أو كتضادٍّ (5). بالذّات؛ كالسّوادِ والبياضِ، فإنّ السَّوادَ لذاته يُضادُّ البياضَ، أو بالعرض؛ كالأسودِ والأبيض فإنّه ليس بين ذات الأسود من حيثُ هي، وذاتِ الأبيضِ من حيثُ هي تضادٌّ؛ إنَّما عرض لها (6) ذلك بواسطةِ السّوادِ والبياضِ. أو ما يُشبهه (7)؛ أي: أو كشبه (8) التَّضادِ، كالسّماءِ والأرضِ؛ فإنَّ الضِّدين هما الوُجوديّان المتعاقبان على
= على اعتبار العطف على ما ورد في بعض النّسح: "أو تماثل فيها" وذلك لأنّ الأَصل اشتراك المعطوف للمعطوف عليه في جميع قيوده.
(1)
أي: وإمّا رابط وهميّ.
(2)
أي: أيّ الجملتين.
(3)
في الأَصل: "كون"، والصَّواب من: أ، ب.
(4)
وذلك بادّعائه أنّ الصُّفرة بياض لكن زيد فيه شيء يسير لا يخرجه عن حقيقته.
(5)
في الأَصل: "لتضادّ"، والصَّواب من: أ، ب. وهو الملائم لعبارات المصنّف والشّارح في بقيّة الأقسام.
(6)
في ب: "لهما".
(7)
هكذا -أيضًا- في ف. وفي أ: "أو شبهه".
(8)
في الأَصل: "كشبيه" والمثبت من: أ، ب.
محلٍّ واحدٍ؛ بينهما غايةُ الخلافِ، وإذ بينهما قيدُ التَّعاقبِ عليه (1) منتفٍ؛ فلا يتضادّان حقيقة، ولكونهما وجوديين بينهما غايةُ الخلافِ تشابهما (2) بهما (3).
وإمَّا خياليّ (4) للتقارنِ (5) فيهِ بسببٍ اتِّفاقي؛ وهو أن يكون بين تصوّراتهما تقارنٌ في الخيالِ بأسبابٍ اتفاقيّةٍ مؤدِّيةٍ إلى ذلك. فإنَّ جميعَ ما يثبت (6) في الخيالِ ممّا يصل إليه من الخارج يثبتُ فيه على نحو ما يتأدّى إليه ويتكرّرُ لديه.
والخياليّاتُ تختلفُ فيما بين معشرِ البشرِ بالأسبابِ؛ لاختلافها (7) وعدمِ كونهما على وتيرةٍ (8) واحدةٍ، من صناعةٍ خاصّةٍ، أو عُرفٍ عامٍّ، فكم من صورٍ تتعانقُ في خيالِ أهلِ صنعة أو عُرفِ وَهي (9) في آخر لا
(1) أي: على المحلّ؛ المدلول عليه بما قبله.
(2)
في الأصل: "شابها". وفي ب: رسمت هكذا: "لببا" ولم أستطع قراءتها.
والمثبت من أ.
(3)
أي: بالضّدين.
(4)
أي: وإمّا رابط خَياليٌّ.
(5)
هكذا -أيضًا- في ف. وفي أ، ب:"كتقارنٍ".
(6)
في الأَصل: "ثبت"، والصَّواب من: أ، ب؛ بدليل مجيئها مضارعة فيما بعد.
(7)
في الأَصل: "لاختلافهما" والصَّواب من أ، ب.
(8)
الوتيرة: الطّريقة. الصّحاح: (وتر): (2/ 718).
(9)
في الأَصل: "وهميّ" والصَّواب من أ، ب.
تتراأي ناراهُما!، وكم [من](1) صورةٍ لا تكادُ (2) تلوحُ في خيالٍ، وهي في غيره نارٌ على عَلَم!. فتتفاوتُ بالأممِ والطّوائفِ؛ كتعانقِ السَّطلِ والحمَّام في خيال الحمَّامِي، والْقَدُوم (3) والمنشار في خيال النَّجّار، ولو غيّرته إلى نحو السّطل والمنشار جاء الاستبداعُ والاستنكارُ.
فلا يَسْتَنكرُ قوله - تعالى -: {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} الآية (4). إلَّا من يَجهل؛ هذا فاعلٌ لقوله: (لا يستنكرُ). أنّ الخطابَ مع العرب، وما في خيالهم؛ أي: والحال أَنَّه ليسَ في خيالهم إلَّا الإبلُ فإنّ العربَ وَأهل الوَبرِ (5) لَمّا كان مطعمهم ومشربهم وملبسهم من المواشي كافي عنايتُهم مصروفةً إلى أكثرها نفعًا؛ وهي الإبلُ؛ وإذا كان انتفاعُهم بها لا يتحصّل إلَّا بأن تَرعى وتشرب، فجلُّ مرمى غرضهم أرضٌ
(1) ما بين المعقوفين مثبت من أ، ب. وناسب إثباتَه قولُه قبله:"فكم من صور".
(2)
كلمة: "لا تكاد" ساقطةٌ من ب.
(3)
القَدُوم: الآلة الّتي يُنْحَتُ بها. ينظر: اللِّسان: (قدم): (12/ 471).
(4)
سورة الغاشية، الآية:17. وظاهر أنّه لا يريد بقوله: "الآية" إتمام الآية -على نحو ما ألف ممن يستشهد ببعض الآية ويعقّب بـ "الآية" وإلَّا على تمامِها- لكون الآية تامّة. وإنّما أراد بقيّة الآيات الملائمة للاستشهاد بعدها وهي: {وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} [الآيات: 18، 19، 20].
(5)
الوبر: صوت الإبل. و"أهل الوبر": كناية عن البدو؛ لأنّهم يتخذون بيوتهم من أوبار الابل. ينظر: اللِّسان: (وبر): (5/ 271).
ترعاها، وبعد ذلكَ أهمّ مسارح النَّظر عندهم سَمَاءٌ تسقيهم وإيّاها، أي: الآبال (1). وإذا كانوا مضطّرّين (2) إلى مأوى يؤويهم، وإلى حصنٍ يتحصّنون فيه عند شنِّ الغاراتِ، ولا مأوى ولا حِصْن لهم إلّا الجبال، لا بدَّ وأن يكون خاطرُهم ملتفتًا إلى (3) جبالٍ هي معاقلُهم عند شنّ الغارات.
والمعاقِل: جمع معقل، وهو: الْمَلْجأ.
فتعانقُ هذه الصُّورِ في خيالِ البدويِّ ممّا لا كلام (4) فيه، بخلاف الحضريّ، فإنّه حيثُ لم تتآخذ عنده تلك الأمورِ ظنَّ النّسق - قبل أن يقفَ على ما ذكرنا - معيبًا؛
وَكَمْ مِنْ عَائِبٍ قَولًا صَحِيحًا
…
وآفَتُهُ (5) مِنَ الفَهْمِ السَّقِيمِ (6)
ولاستحبابِ التَّنَاسُب، أي: ولتحسين الوصلِ استحبَّ أن تكونَ
(1) في الأَصل: "إذا في الآبال" والصَّواب من: أ، ب.
(2)
في أ: "مقطرين" واستدركت في الهامش.
(3)
"إلى" ساقطة من ب.
(4)
في أ: "لا لكلام".
(5)
الآفة: العاهة. الصِّحاح: مادة (أوف): (3/ 1101). والضّمير في "آفته" للقول.
(6)
البيتُ من الوافر، وقائله أحمد بن الحسين المتنبّيّ. والبيتُ في ديوانه بشرح العكبريّ. (4/ 120).
الجُملتانِ متناسبتين؛ ككونهما: اسميّتين (1)، أو فعليّتين. فإذا كانَ المرادُ من الإخبار مجرّد نسبةِ الخبر إلى المخبرِ عنه من غير التّعرّضِ (2) لقيدٍ زائد عليه؛ كالتَّجدّدِ والثُّبوتِ لا يُخالفُ بينهما، ويُراعى ذلك؛ تقول:(قامَ زيدٌ وقعد عمرو) إلَّا لغرضٍ؛ كملاحظةِ تجدُّدٍ وثباتٍ، فيُخالف؛ كما إذا كان زيدٌ وعمرو قاعدين؛ فقامَ زيدٌ دون عمرو، تقول:(قامَ زيدٌ وعمرو قاعدٌ بعدُ) إذ مُراعاةُ المعنى أَوْلَى من المناسبةِ اللّفظيّةِ؛ نحو قوله - تعالى -: {سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ} (3)؛ أي: سواء عليكم (4) أَأَحدثتم الدَّعوةَ لهم أم أستمرَّ عليكُم صمتكُم عن دعائهم (5)؛ لأنّهم كانوا إذا حزَبهم أمرٌ دعوا اللهَ دون أصنامهم؛ فكانتْ حالُهم المستمرّةُ أن يكونوا عن دعوقم صامتين. ونحوَ قوله - تعالى -: {أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ} (6)؛ أي:
(1) في أ: "اسمين" وهو تحريف بالنَّقْص. وصحّحت الكلمة في الهامش.
(2)
في ب: "تعرّضٍ" والمعنى واحد.
(3)
سورة الأعراف، من الآية:193.
(4)
في ب: "عليهم" وهو خطأ ظاهر.
(5)
فخالف بين الجملتين؛ حيث عطف الجملة الاسميّة؛ وهي: "أنتم صامتون" على الفعليّة وهي: "دعوتموهم"؛ لإرادة الثّبات في الثّانية والتّجدّد في الأولى.
(6)
سورة الأنبياء، من الآية:55. والآية حكاية عن قول الكفّار لإبراهيم عليه السلام.
أجدَّدْت (1) عندنا تعاطي (2) الحقِّ فيما نسمعه منك أم اللِّعب؛ أي: أحوال الصِّبا بعدُ (3) على استمرارها عليك، استبعادًا منهم أن تكون عبادةُ الأصنامِ من الضّلالِ.
ثم قد يُصارُ إلى الفصل (4)؛ و (قد) للتَّحقيق. في هذا الحال؛ أي: حالِ عدمِ الاختلافِ ووجودِ التَّناسُب لوجهين:
الأوّلُ: وجودُ سابقٍ يُحْذَرُ التَّشريك، أي: تشريكِ الثَّاني معه فيه؛ في ذلك الحكم فإنْ سبق آخرِ؛ أي: كلام آخر يُسْتحسنُ التَّشريك، أي: تشريك الثَّاني معه فيه؛ أي (5): في حكمه، فاحتياطًا؛ أي: فيُفصلُ ويقطع احتياطًا، نحو:
وَتَظُنُّ سَلْمى أَنَّنِي أَبْغِي بِهَا
…
بَدَلًا أُرَاهَا في الضّلالِ تَهيمُ (6)
لمْ يعطفْ (أُراها) كي لا يحسبَ السّامعُ العطفَ على (أبغي)
(1) في ب: "أحدثت".
(2)
في ب: "طاعين" ولا وجه له.
(3)
كلمة: "بعد" ساقطة من ب.
(4)
أي: قد يعدل عن الوصل بين الجملتين إلى الفصل بينهما.
(5)
"أي": ساقطة من ب.
(6)
البيت من الكامل، ولا يعرف له قائل. وقد اسْتُشْهِد به في المفتاح:(261)، والمصباح:(58)، والإيضاح:(3/ 117)، والتّبيان:(302). وهو في معاهد التّنصيص: (1/ 279).
دُون (تَظُنُّ)، ويَعُدّ (أراها) من مظنوناتِ سَلْمى في حقِّ الشّاعر (1)، وليس هو بِمُرادٍ؛ إنّما المرادُ: أنّه حُكْمُ الشّاعرِ بذلك عليها (2).
وإلَّا فوجوبًا؛ أي: وإن لم يَسْبِق كلامٌ آخر يُسْتحسنُ التَّشريك فيه -فيقطع وجوبًا؛ نحو: {اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} (3) للمانع عن العطف؛ لأنَّه لو عُطِفَ على {إِنَّمَا نَحْنُ مُستهْزِءُونَ} (4) لشاركه في حكمه؛ وهو كونه من قولهم، وهو (5) ظاهرُ البطلان. ولو عُطِفَ على {قَالُوا} (6) لشاركه في اختصاصه بالظَّرف (7) المُقَدّم، وهو {إِذَا خَلَوا} (8)، لكنَّ استهزاءَ اللهِ بهم لا ينقطعُ مُتَّصلٌ في كلِّ حال؛ خلوا إلى شياطينهم أو لم يخلوا.
وهذا؛ أي: هذا النَّوع من الفصلِ -وهو ترك العطفِ- حذرًا من التشريك يُسَمّى قطعًا.
(1) قوله: "في حقّ الشّاعر" ساقط من ب.
(2)
المفتاح: (261) بتصرّف يسير.
(3)
سورة البقرة، من الآية:15.
(4)
سورة البقرة؛ من الآية: 14.
(5)
في: أ، ب:"واللَّازم".
(6)
سورة البقرة؛ من الآية: 14.
(7)
في الأَصل: "في الظّرف"، والمثبت من أ، ب. وعليه لفظ المفتاح.
(8)
سورة البقرة، من الآية:14. ومشاركة قوله: {اللهُ يَسْتَهْزِيءُ بِهِمْ} في الاختصاص بالظّرف المقدّم تعني: أنّ استهزاء الله بهم إنّما يكون في وقت خلوّهم إلى شياطينهم دون غيره من الأوقات.
الثَّاني (1): أن يُنوى الجوابُ عن سُؤالٍ مقدَّرٍ، وذلك فيما إذا كانَ الكلامُ السّابقُ لفحواه كالموردِ للسُّؤالِ؛ فينَزّل ذلك منْزلة الواقع ويُطلب بهذا الثَّاني وُقوعه جوابًا له؛ فيُقطع عن الكلامِ السّابقِ لذلك. للتَّنبيه عليه؛ أي: جعله جوابًا عن سُؤالٍ مقدَّرٍ للَطِيفة، إمّا لتنبيهِ السّامع على موقع السُّؤال، أو ليُغني السَّامعُ عنه؛ عن السُّؤالِ، أو لئلّا يُسمع منه؛ من السّامع شيئًا تحقيرًا له، أو لئلّا يَنْقطع كلامُك بكلامه، أو للاختصار (2)، والقصدِ (3) بتقليلِ اللّفظِ إلى تكثيرِ المعنى وهو تقديرُ السُّؤالِ وتركُ العطفِ (4).
وهذا؛ أي: هذا النَّوعُ من الفصْل، يُسمّى: استينافًا؛ نحو: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} (5) بأن تُقدِّر تمامَ الكلام هو: (المُتَّقِيْنَ)(6)،
(1) أي: الوجه الثَّاني من الوجهين المقتضيين للفصل في حال اتّحاد الجملتين خيرًا وطلبًا مع وجود الجامع.
(2)
هكذا -أيضًا- في ف. وفي ب: "للانحصار" على معنى حصر الكلام في موضعه، وعدم فتح المجال لتشعيبه بالسّؤال وما قد ينشأ عنه.
(3)
في ب زيادة: "للاختصار".
(4)
في أ، ب:"العاطف".
(5)
سورة البقرة؛ من الآية: 3.
(6)
في الآية السّابقة لهذه الآية؛ وهي قوله تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى للْمُتَّقِينَ} .
ولا تجعلَ {الَّذِينَ} صفته فتقدِّر السُّؤال عنده (1) وتستأنف {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيبِ} إلى ساقةِ الكلامِ (2)، أو {أُلَئكَ} ، أي: أو تقول: الاستينافُ في قوله: {أُلَئكَ عَلَى هُدًى} (3) كأنَّه قيل: ما للمتّقين الجامعين بين الإيمانِ بالغيبِ -في ضمن إقامةِ الصَّلاةِ والإنفاقِ ممّا رزقهم الله- وبين الإيمان بالكتب المنَزّلة؛ في ضمنِ الإيقانِ (4) بالآخرة، اختُصُّوا بهدًى لا يُكتنه كُنْهه ولا يُقادرُ قدرُه، مقولًا في حقّهم {هُدًى للْمُتَّقِينَ
…
الَّذِينَ
…
وَالَّذِينَ
…
} بتنكير (هُدًى)(5)؟، فأُجيبَ بأنّ: أولئك الموصوفين غير مستبعدٍ أن يفوزوا دون مَنْ عداهم بالهدى عاجلًا، وبالفلاح آجلًا. والفرْقُ بينهما: أنّ (المُتَّقِينَ)
(1) أي: عند (الْمُتَّقِينَ) والسّؤال المقدّر المتّجه هو: لم أُخْتصَ المتّقون بذلك؟.
(2)
فتجعل الموصول الأَوَّل مع صلته؛ {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ
…
} مبتدأ، والوصول الثَّاني مع صلته؛ {وَالَّذِينَ يُؤْمنُونَ بِمَا أُنْزِلَ
…
} عطف عليه، {وأُلَئِكَ عَلَى هُدًى
…
} خبره. أي: الَّذين هذه صفتهم حريٌّ بهم أن يكونوا على هدى في الدّنيا وفلاح في الآخرة. وهذا هو الوجه الأَوَّل.
(3)
سورة البقرة؛ من الآية: 5.
(4)
في الأَصل: "الإنفاق". والصَّواب من: أ، ب.
(5)
هذا هو السّؤال المقدّر المتّجه على الوجه الثَّاني؛ ويتحقّق بجعل: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} وما عطف عليه من توابع المتّقين. ومنشأ السّؤال بعد اكتمالها.