الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القانونُ الأوّلُ: في الخبر
(*)
مرجعُ الخبَريّةِ إلى حُكمٍ يُوقع؛ أي: سَبَبُ كون الكلامِ خبرًا اشتمالُه على حُكم يُوقعه المخبرُ الّذي (1) يَحكُم بمفْهومٍ لمفهومٍ؛ كما تجده فاعلًا ذلك إذا قال (2): نحو: "هُو قائمٌ"(3)؛ لا إلى حُكمٍ يُشارُ إليه؛ نحو: "الذي هو قائمٌ"(4)، أَوْ "إنهُ قائمٌ" (5)؛ فإنّه (6) تصوّرٌ يُحكم به؛ كما يقال:"الذي أدّعيه أنَّه زيد". أوْ عليه؛ أي: أَوْ تصوُّر يحكم عليه؛ كما يقال: "حقّ أنه زيد". ومن حقِّه؛ أي: ومن حقِّ هذا
(*) ذكر الشّريف الجرجانيّ وغيره: أن العلة في تقديم مباحث الخبر على الطّلب كونه أسْبق في اعتبار البلغاء، وأكثر استعمالًا، وأوفر اشتمالًا على الخواصّ البلاغيّة، وأقدم في الاشتقاق؛ فإنّ ألفاظ الطّلب مأخوذة بتصرّف من ألفاظ الخبر.
ينظر: المصباح للجرجانيّ: (37)، وشرح الفوائد الغياثيَّة لطاش كبرى زاده:(21).
(1)
في الأصل: "أي"، والصّواب من: أ، ب.
(2)
في الأصل، ب:"قلت" والصواب من: أ. وهو المناسب للسِّياق. والموافق للمفتاح.
(3)
فقد حكم بمفهوم القيام لمفهوم ضمير الغائب: "هو". وإنّما أورد المسند إليه في المثال ضمير غائب؛ ليصحَّ جعله صلةً للموصول في المثال الّذي يذكره فيما بعد. فيجمع بين الحكم الموقع والحكم المشار إليه بمثالين متقاربين في اللّفظ والمعنى، مختلفين في النسبة.
(4)
أشار بهذا المثال إلى معلوميّة النِّسبة عند المخاطب باعتبار اتصاف ذات بها (الصلة مع الموصول).
(5)
أشار بهذا المثال إلى معلوميّة النِّسبة عند المخاطب مطلقًا.
(6)
أي: الحكم.
التَّصَوُّر. أن يكون مَعلومًا للمخاطب قبلُ؛ أي: قبل الخطاب؛ لِتَصِحَّ (1) الإشارةُ إليه، والحُكْم به أَوْ عليه.
ومرجعُ احتماله (2) للصِّدق والكذب إلى تحققِه مِن حيثُ هو حكمُ حاكمٍ (3) معهما، أي (4): مَعَ الصِّدقِ والكذَبِ بَدَلًا، أي: بطريق البدل؛ لامتناع اجْتماعِهما وتعيُّن أحدهما؛ فإنّه (5) لو كان لازم (6) الصِّدق مِن حيثُ هو حكمُ حاكمٍ لَمَا تَحَقّق مع الكذِب، وبالعكسِ؛ كما هو حكم الماهيَّاتِ من حيثُ هي مع المتقابلاتِ. وإنْ كان خصوصيَّةُ المحلِّ -أي: المقام، ليشْمَل ما من المُخْبر، وما من مَادَّةِ (7) الخبر، هكذا قال الأستاذُ (8)، قد (9) تأبى إلّا أحدهما، كخبرِ اللهِ -تعالى- (10)، وكالواحدِ نصف الاثنين؛ فإن خصوصيَّة المُخْبر
(1) هكذا في الأصل. وفي أ، دب:"ليصحّ".
(2)
أي: الخبر.
(3)
قصد بقوله: "من حيث هو حكم حاكم" النّظر إلى الحكم من حيث ذاته فقط، وغضّ النّظر عن الاعتبارات الملازمة الّتي تدفع الاحتمال.
(4)
كلمة: "أي" ساقطةٌ من ب.
(5)
أي: الخبر.
(6)
في الأصل: "لازمه". والصّواب من: أ، ب.
(7)
كلمة: "مادّة" ساقطة من: أ، ب.
(8)
لم أقف على قول الأستاذ في مؤلّفاته -التي بين يديّ- ولعلّه مما نقله عنه تلميذه.
(9)
"قد" كرّرت في الأصل، ولا وجه لتكرارها.
(10)
كلمة: "تعالى" ساقطة من: أ.
في الأوَّلِ، والخبرِ في الثاني تمنع إلّا الصِّدق، وكخبر مُسَيْلمة (1) الكذّاب، والواحد ضِعْف الاثنين؛ فإنّها تمنع إلا الكذب. وهذا -أيضًا- زائدٌ على "المفتاح"(2).
ومرجعُ الصِّدقِ والكذبِ إلى مُطابقةِ الواقع وعدمِها؛ وهذا (3) هو المَشْهُور من الجمهور، وعليه التَّعويل (4)؛ وعلى هذا لا يكون بَيْنَهما واسطة (5)، ولأنَّه (6) بِبُطلِ سائرِ المذاهب فيه لم يحتجْ إلى الاستدلال على حقّيته لتعيُّنه حِينئذٍ لها.
(1) هو أبو ثمامة، مُسَيْلمة بن ثمامة بن كبير، الحنفي الكذاب. ولد ونشأ باليمامة، امتدّ به العمر حتى سمع بأمر محمد صلى الله عليه وسلم. فلم يلبث حتَّى ادعى الرِّسالة، وأخذ يتبجّح بأسجاع منكًرة يضاهي بها القرآن الكريم، توفي النبي صلى الله عليه وسلم قبل القضاء على فتنته. فلمّا تمّ لأَبي بكر رضي الله عنه الأمرُ جهّز جيشًا قويًّا؛ فحاصره أيامًا باليمامة؛ ثُمَّ قضى عليه سنة 12 هـ.
ينظر في ترجمته: سيرة ابن هشام: (2/ 599 - 600)، الكامل في التاريخ:(2/ 218 - 224)، تاريخ الخميس في أحوال أنفس النّفيس؛ لابن محمد الديار بكري:(2/ 157).
(2)
أي: قول المصنف رحمه الله: "وإن كان
…
إلّا أحدهما" فإنّه من الفوائد الّتى زادها على ما جاء في المفتاح.
(3)
في ب: "هذا" بحذف حرف العطف.
(4)
التّعويل: الاعتماد؛ عوّل عليه: اتكل واعتمد. اللِّسان: (عول): (11/ 484).
(5)
فإمّا طابق الواقع فهو صدق، أو لم يطابقه فهو كذب، ولا ثالث.
(6)
في ب زيادة: "لما" والسِّياق تام بدونها.
وقيل (1)؛ والقائلُ هو: الجاحِظُ (2)، وقد يُقال: هو الَّذي اشتهر عند العامَّة بجُحَا (3)، ولعلّه تَخْفيف تصغيره: مع القَصد [أي](4) إلى مطابقة الواقع [وعدمها](5) مع القَصْدِ
(1) هذا هو المذهب الثَّاني.
(2)
هو أبو عثمان؛ عمرو بن بحر بن محبوب الكنانيّ، أديب معتزليّ، له تصانيف كثيرة؛ أشهرها:"البيان والتبين"، "الحيوان"، "المحاسن والأضداد"، "البخلاء" فُلِج في آخر عمره، وتوفّي سنة 255 هـ.
ينظر في ترجمته: الفهرست: (208 - 212)، تأريخ بغداد؛ لأبي بكر البغدادي:(12/ 212 - 220)، معجم الأدباء:(16/ 74، 114)، وفيّات الأعيان:(3/ 412 - 417، سير أعلام النّبلاء: (11/ 526 - 530).
(3)
هذا احتمالٌ بعيد وينأى به عن الصّواب عدّة أسباب، منها:
1) ثبوتُ أخبارٍ متواترة تدلّ على اشتهار جحا قبل مجيء الجاحظ؛ منها:
أ- ما ذكره صاحب الأعلام: (2/ 112) أنّه وجد على هامش مخطوطته من "المستقصى" للزّمخشريّ بيتًا لعمر بن أبي ربيعة؛ يقول فيه:
دلَّهتِ عَقْلِي، وتَلعبتِ بي
…
حتَّى كَأنِّي من جنُوني جُحَا
ب- ما ورد عن أبي العتاهية أنّه قال (أبو العتاهية أخباره وأشعاره: 488):
دلَّهني حُبُّها وصَيَّرني
…
مثلَ جُحَا شُهْرةً ومَشْحلبة.
وعمر بن ربيعة، وأبو العتاهية كلاهما -ولا شكّ- متقدّم على الجاحظ.
2) ما نقله الميدانيُّ في مجمع الأمثال: (1/ 396 - 397) من أنّ جحا هو أبو الغُصْن الكوفيّ الفزاريّ وأنَّه كان في الكوفة إِبّان ثورة أبي مسلم الخراسانيّ.
3) ما ثبت عن الجاحظ نفسه في بعض مؤلّفاته أنَّه ساق أخبارًا عن جحا.
ينظر: رسائل الجاحظ: (2/ 239)، وكتاب البغال:(37).
(4)
ما بين المعقوفين غير موجود في الأصل، ومثبت من: أ، ب. وعليه درج الشّارح.
(5)
ما بين المعقوفين ساقطٌ من الأصل، ب، ومثبت من: أ.
والاعتقاد: فحيثُ لا قَصْدَ لا (1) صِدقَ ولا كذبَ (2) لقوله (3) -تعالى-: {أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ} (4)؛ وجهُ الاستدلال بالآية: أنَّهم (5) -وهم أهْلُ العربيّةِ- جعلوا دَعْواه الرِّسَالة من جِنس كلامِ المجنون -الَّذي ليس صَادقًا عندهم- قَسيمًا للكذب؛ فلا يكون صَادِقًا ولا كاذبًا؛ فثبتت (6) الواسطةُ، وما ذلك إلَّا لأنَّ المجنون لا يقُول عن قصدٍ واعتِقاد.
والجوابُ: أَنَّ الافْتراءَ أَخصُّ من الكذبِ المطلق؛ لأنَّهُ كذبٌ خاصٌّ؛ [لأنَّه كذبٌ مع القَصْد](7) فمقابلُهُ قد يكون -أيضًا-
(1) هكذا -أيضًا- في ف. وفي ب: "فلا".
(2)
وعلى هذا الذهب فإنَّ التقسيم رُباعيّ؛ لأَنَّ الحكم المطابق إن كان مع قصد المطابقة فالخبر صادق، وإن لم يكن كذلك؛ فإمّا أن لا يكون معه قصد أصلًا، أو يكون معه قصد إلى عدم المطابقة وهذان الخبران غير صادقين ولا كاذبين. والحكم الغير مطابق إن كان مع قصد عدم المطابقة فالخبر كاذب، وإن لم يكن كذلك؛ فإمّا أن لا يكون معه قصد أصلًا، أو يكون مع قصد إلى المطابقة وهذان الخبران -أيضًا- ليسا بصادقين ولا كاذبين.
(3)
هكذا -أيضًا- في أ، ب. وفي ف:"كقوله"، والمثبت أولى؛ لمقام الاحتجاج.
(4)
سورة سبأ: من الآية 8.
(5)
أي: مشركي قريش.
(6)
في أ، ب:"فثبت".
(7)
ما بين المعقوفين ساقطٌ من الأصل، ومثبت من: أ، ب. وبه يتّضح المعنى.
نَوْعًا آخر من الكذِب (1). فالحاصلُ أنَّهُما نوعانِ من الكذِب جُعِلا قِسْمَين؛ فَلَا (2) يَلزم الواسِطة؛ وهذا زائدٌ على "المفتاح".
وقيل -والقائلُ هو: النَّظَّام (3) -: إلى مُطابقةِ الاعتقادِ وعدمها؛ أي: مَرجعُ الصِّدقِ والكذبِ إلى مُطَابقة الحكمِ لاعتقادِ المخبرِ أوْ ظَنِّه، وإلى عَدم المُطَابقة لذلك (4)؛ سواءٌ كان ذلك الاعتقادُ أَوْ الظنُّ خطأً أَوْ صوابًا (5)؛ ولذلك (6) يتَبَرّأُ عن الكذبِ بدعوى الاعتقادِ أَوْ الظَّنِّ؛ أي:
(1) وهو الكذب مع عدم القصد. والمعنى على هذا: افترى أم لم يفتر؛ لأنَّهم عبّروا عن عدم القصد بالإخبار حال الجنون.
(2)
في أ: "فلم".
(3)
هو أبو إسحاق؛ إبراهيم بن سيّار بن هانئ البصريّ، النّظّام. من أئمة المعتزلة تكلّم في القدر، وانفرد بآراءٍ خاصّةٍ تابعته فيها فرقةٌ من المعتزلة، سُمّيت بـ"النّظّاميّة".
ومن آرائه المشهورة: القول بالصّرفة. اختلف في وفاته؛ فقيل: في خلافة المعتصم، وقيل: في خلافة الواثق.
ينظر في ترجمته: الفهرست: (205 - 206)، أمالي المرتضى:(1/ 187 - 189)، الملل والنّحل؛ للشّهرستاني:(1/ 53 - 59)، سير أعلام النّبلاء:(10/ 541 - 542)، طبقات المعتزلة؛ لابن المرتضى:(49 - 52).
(4)
في ب: "كذلك".
(5)
وعلى هذا لا يكون بينهما واسطة؛ لأنَّ المخبر إن كان معتقدًا لما يخبر به فهو صادق وإلّا فهو كاذب.
(6)
في ب: "وكذلك".
الدَّليل عليه: أنّه يُتَبرّأُ عن الكذب بدعوى الاعتقادِ أَوْ الظَّنِّ متي ظهَر خَبَرُه بخلاف الواقع؛ أي: إذا قيل له: كَذَبْتَ؛ يقول: لا؛ بل قُلْتُه بناء على اعتقادي؛ كما قالت عائشةُ (1) رضي الله عنها: "مَا كَذَب؛ ولكنَّه وَهِمَ"(2)؛ فلو لمْ يكن الكذِبُ مخالفةَ الاعتقاد لَمَا قِيل.
(1) هي أمُّ المؤمنين؛ عائشة بنت أبي بكر الصدِّيق؛ زوج النَّبيّ صلى الله عليه وسلم.
ولدت بعد المبعث النّبويّ بأربع سنين، وبنى بها النّبيّ صلى الله عليه وسلم بعد وقعة بدر. كانت غزيرة العلم؛ يسألها أكابرُ الصّحابة. نزلت فيها آيات من القرآن الكريم. توفّيت سنة 58 هـ.
ينظر في ترجمتها: الطّبقات الكبرى؛ لابن سعد: (8/ 58 - 81)، الاستيعاب:(4/ 1881 - 1885)، تذكرة الحفّاظ؛ للذّهبي:(1/ 27 - 29)، الإصابة في تمييز الصّحابة؛ لابن حجر العسقلاني:(8/ 16 - 20).
(2)
جزءٌ من حديث ورد بهذا اللفظ أو قريب منه في سنن التّرمذي: (3/ 327، 328، 329) تحت رقم (1004) كتاب الجنائز، باب: ما جاء في الرّخصة في البكاء على الميّت.
ونصُّ إحدى رواياته: "عن ابن عمر، عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "الميِّتُ يُعَذَّبُ بِبُكاءِ أهله عَلَيه" فقالت عائشة: يَرْحَمُهُ الله! لم يَكْذِب ولكنَّه وَهِمَ. إنَّما قَال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لرَجلٍ مات يهوديًّا: إن الميِّتَ ليعذَّب، وإِنَّ أهلَهُ ليبْكون عليه".
قال أبو عيسى: حديث عائشة حديث صحيح وقد روي من غير وجه عن عائشة: سنن التّرمذيّ (3/ 329).
وللحديث شواهد تؤازره مطوّلة ومختصرة في صحيح البخاري: (2/ 172، 173)، وصحيح مسلم:(2/ 641، 642) وسنن ابن ماجه: (1/ 508)، وسنن النّسائيّ:(4/ 17)، وسنن أبي داود:(3/ 495).
وقد اختلف العلماء في مسألة تعذيب الميِّت بالبكاء عليه، وقد سرد الحافظ ابن حجر أقوالهم في "الفتح"(3/ 183) وما بعدها. =
وممَّا يُحقِّق (1) ذلك (2) قولُه -تعالى-: {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} (3)، كذَّبَهم في قولهم:{إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} (4) مَعَ مُطابقته للواقع؛ لأنَّه لَمْ يُطابق اعْتِقادَهم؛ فعُلِم أنَّ المُعْتَبَر هو مُطابقةُ الاعتقادِ لا الواقِع.
والجوابُ: أَنَّه يستلزمُ تَكذيبَ اليهوديِّ في قوله: "الإسلامُ حقٌّ"، وتصديقَه في خلافِه. والإجماعُ يخالفُه (5). و {لَكَاذِبُونَ} أي (6): فيما يُشعر به "إنّ واللّام واسميَّة الجُملة"؛ من كون الشَّهادةِ من صميمِ القلبِ.
= أمّا قوله: "وَهِم -بالكسر- فمعناه: الغلط". غريب الحديث، لابن الجوزي:(2/ 486).
(1)
في الأصل: "يحقّقه". والصّواب من أ، ب.
(2)
أي: قول النّظّام.
(3)
سورة المنافقون: من الآية 1.
(4)
سورة المنافقون: من الآية 1. والآية كاملة: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ}.
(5)
في أ، ب، ف:"بخلافه" وهما بمعنى.
(6)
"أي" ساقطة من: أ، ب.
الجوابُ (1) بوجهين: بالمناقضةِ (2) جدلًا، والحلِّ (3) تحقيقًا.
أمَّا المناقضةُ (4): فأَنْ (5) يُقال: لوْ صحَّ ما ذكرتُم للزِمَ تكذبينُا لليهوديِّ (6) إذا قال: "الإسلامُ حقٌّ"؛ لعدم مُطابقتِه لاعتقادِه، وتصديقُنا له في خلافه؛ أي: إذا قال: "الإسلامُ باطلٌ"، لمطابقته له؛ لكنَّه خلاف الإجماع.
وأمّا الحلُّ فهو: أنّه لَمْ يتبرّأ عن الكذِب؛ بلْ عن مَذَمَّةٍ الكذبِ وتعَمُّدِه المستلزمِ للتّوبيخ عليه. ولظهورِه (7) لَمْ يَتَعرَّض لَهُ (8) المصنِّفُ.
والجوابُ عن الآية: أنَّهُ ليسَ المرادُ أنَّهم لكاذبون في مقولهم (9)؛ بل فيما يُشعر به كلمة: "إنَّ، واللّام، واسميّة الجملة"، من كَوْن شهادتهم
(1) في ب: "والجواب".
(2)
في أ، ب:"بالمعارضة".
والمُناقضة لغةً: ضدُّ الإبرام. ينظر: اللِّسان: (نقض): (7/ 242).
وهي اصطلاحًا: بيان تخلُّف الحكم المدّعى ثبوته أو نفيه عن دليل المعلّل الدّالّ عليه في بعض من الصُّور. التّعريفات للجرجانيّ: (315).
(3)
الحلُّ: الفَتْح والنَّقض. وحلَّ العُقدة يَحُلها حلا: فتحها ونقضها فانحلَّت. اللِّسان: (حلل): (11/ 169).
(4)
في أ، ب:"المعارضة".
(5)
في ب: "بأن".
(6)
في أ، زيادة:"أي"، والسيّاق تامٌّ بدونها.
(7)
أي: الوجه الثّاني: "الحلّ".
(8)
في أ، ب: تأخير "له" بعد كلمة: "المصنِّف".
(9)
وهو قولهم: {نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} .
من صميمِ القَلْب (1). هذا هو كَمَا أجابَ في "المفتاح"(2)، لكن له وجُوه أُخرى (3)؛ كما يقال: إنَّهم لكاذبون (4) في شهادتهم، إمَّا لإشعارها عُرفًا بالعِلْم؛ لأنَّ من قال:"أشْهد بكذا" تَضَمَّن (5) أنّي أقوله عن عِلم (6)، وإن كان الشَّهادة بمجرّدها تحتمل العِلْم والزُّور، وتقيّد بهما لُغَةً (7). وإمّا لأنّهم زَعَموا أنَّ شَهَادَتهم بذلك مُسْتَمِرَّةٌ (8) غيبةً وحضورًا [لقولهم نَشهد على طريقة قوله:{اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} (9)] (10). أوْ أنَّهُم كاذبون في تَسْميتهم إخبارَهم شهادة؛ لأنَّ الإخبارَ إذا خَلَا عن مُواطأة القَلب (11) لَمْ يكُن شهادةً -في الحقيقة-.
(1) لأنّ كل واحد من الثّلاثة المتقدّمة يفيد تأكيد الخبر -كما سيأتي-.
(2)
ينظر ص: (167).
(3)
تنظر هذه الوجوه في الكشّاف: (4/ 540).
(4)
في الأصل: "كاذبون". والمثبت من: أ، ب؛ لكونه موافقًا للفظ الآية الكريمة واستئناسًا بورود الكلمة هكذا في الجواب المتقدّم.
(5)
في أ: "يتضمّن".
(6)
والعلم اعتقاد جازم ثابت، ولم يكن لهم اعتقاد جازم.
(7)
وعلى هذا فليس ثمّة مانع أن يطلق على قولهم: {إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ} شهادة مع أنّه ليس كذلك -في حقيقة الأمر- باعتبار الأصل اللّغويّ.
(8)
في ب: "لمستمرة".
(9)
سورة البقرة: من الآية 15.
(10)
من بداية المعقوف الأول إلى نهاية قوله: {نَشْهَدُ} مثبت من: أ، ب. وما جاء بعده إلى المعقوف الثّاني مثبت من: أ.
(11)
في ب: "عن المواطأة".
أوْ أنَّ المعني: لكاذِبُونَ فيما عند أنفُسِهم؛ لاعتقادهم أنَّهُ خبرٌ على خلاف ما عليه حالُ الْمُخبَر عنه (1). أَوْ أَنَّهم قومٌ كاذِبُون (2) شأنُهم الكَذِب وإن صَدَقوا في هذا الخَبَر؛ وذلك لا يُخْرجهم عَن (3) زُمْرةِ الكاذبين (4).
ثُمَّ البحثُ في الخبر إِمَّا عن الإسنادِ أَوْ عَنْ طرفيه، أي: المُسْنَد والمُسْنَد إليه، أَوْ عَنْ وَضْع كُلٍّ منهُما عند صاحِبِه، أوْ عن وَضْع الجُمْلَتينِ (5) إذا تَعَدَّدت، ففيه أَرْبعةُ فُنونٍ.
إذا (6) عَرَفْتَ أنَّ الخبرَ يَرْجعُ إلى الحُكم (7) بمفهومٍ لمفهوم (8)؛ وهو الَّذي نُسمِّيه: الإسناد الخبريّ؛ كقولنا: "شيءٌ ثابتٌ"، "شيءٌ لَيْس
(1) في ب زيادة: "في الواقع عنه".
(2)
في أ، زيادة:"من" والمعنى أبلغ بدونها.
(3)
في أ: "من".
(4)
وحاصل الأجوبة: أَنَّ تكذيبهم إِمَّا عائد إلى الجملة الأولى: {نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} أوْ إلى الجملة الثّانية: {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} أو لا يعود إلى شيء من الجملتين البتّة لأنَّ شأنهم الكذب. وفي جميع ما تقدّم لا يستقيم الدّليل.
(5)
في ب: "الجملة".
(6)
في أ، ب:"لما".
(7)
في ب: "حكم".
(8)
تقدّم التّصريح بهذا ص: (43) من هذا القسم.
بثابت"؛ فأنت في الأوّل تحكم بالثُّبوت للشَّيء، وفي الثَّاني باللَّاثبُوت - فاعرف (1) أنَّ الاعتبارات الرَّاجِعة إلى الخبرِ ثَلاثةٌ:
اعتبارٌ يرجعُ إلى نفسِ الإسناد من حيثُ هو حكمٌ؛ من غير التَّعَرُّضِ لكونِه لغويًّا أَوْ عَقْليًّا، فإنّه وظيفةٌ بيانيّةٌ؛ بل من حَيْثُ هو مجرَّد عن لام الابْتداء (2) أَوْ غير مجرَّد- مثلًا (3).
واعتبارٌ يرجع إلى طَرَفي الإسنادِ لا من حيثُ الحقيقةُ والمجاز؛ بلْ من حيثُ هُمَا هُمَا (4) لكونه (5) محذوفًا أَوْ ثَابتًا، مُعَرّفًا أَوْ مُنَّكرًا.
واعتبارٌ يرجعُ إلى وضع كُلٍّ من الطّرفين عِنْد صَاحبه -أي: الطَّرف الآخر- ونِسبته إليه؛ من التَّقديم
(1) بداية جملة الجواب للشَّرط المتقدّم: "إذا".
(2)
في أزيادة: "مثلًا"، وسيأتي في نهاية الجملة ما يغني عن إيرادها هنا.
(3)
قوله: "مثلًا" إشارةٌ ظاهرة إلى عدم تعلُّق الاعتبار بلام الابتداء لذاته؛ بل إلى كلّ أداة أوْ تركيب تؤدّي مُؤدّاه؛ من كلّ ما يزيد الحكم قُوَّة وثبوتًا؛ فيدخل في ذلك: القسم، ولامه، ونونَي التّوكيد، وإنّ، وتكرار التّركيب
…
إلخ.
فالحكم المجرّد؛ كقولنا: "زيدٌ عارفٌ"، وغير المجرّد؛ نحو:"عرفت عرفت"، و"لزيد عارف"، و"إنّ زيدًا عارف"، و"إنّ زيدًا لعارف"، و "والله لقد عرفت"، أو "لأعرفنّ".
(4)
"هما" الثّانية ساقطة من ب. ومُراده بقوله: "من حيث هما هما": من حيث كون الطّرفين مسندًا ومسندًا إليه.
(5)
في أ: "ككونه" والمعنى معهما واحد.
والتَّأخير وغَيْرهما (1).
هذا إذا كانت الجُمْلةُ الخبريّةُ مُفرَدَةً؛ أَمَّا إذَا تَعَدَّدت فَلِوضع كُلٍّ من الجُمْلتين عندَ صاحبتها (2) -أيضًا- اعتبارٌ آخر؛ من الفصلِ والوصلِ وغيرِهما (3).
وجعلَ لكلِّ اعتبارٍ فنًّا، فالفنونُ (4) أربعة (5).
واعلم: أَنَّه (6) في وضع الفنون خَالفَ السَّكَّاكيَّ؛ لأنَّه (7) وضعَ لكلٍّ من الطّرفين فنًّا، ولم يَضَعْ (8) للوَضْع فنًّا مُسْتقلًّا، بَلْ ذكره في خِلالِ
(1) كالقصر -مثلًا-.
(2)
في الأصل: "صاحبها" والصَّواب من: أ، ب.
(3)
كالإيجاز والإطناب والمساواة.
(4)
في الأصل: "والفنون" والصّواب من: أ، ب؛ لأنّ الفاء أفصحت عن جواب شرط مقدّر. تقديره:"إذا كان الأمر كذلك فالفنون .. ".
(5)
يلحظ أنَّ الشّارح رحمه الله أورد الاعتبارات نفسها الّتي ذكرها المصنِّف غير أنّه فضّل القول فيها عندما نظر إليها من زاويتين؛ الأولى: في إطار الجملة الواحدة وجعل التَّقسيم ثلاثيًّا، الثّانية في إطار الجملة مع أختها، فزاد اعتبارًا رابعًا. وبذا انتهى إلى ما انتهى إليه من كون الفنون أربعة.
(6)
أي: المصنَّف.
(7)
أي: السَّكَّاكيُّ.
(8)
في ب: "يوضع"؛ وهو خطأٌ ظاهر.
فَنَّي الطرفين (1)، بخلافه (2)؛ فإنَّهُ وَضَع للطرفين كِليهما فنًّا، وللوضْع فَنًّا، وهَذا أخْصر، وأَوْفق للنَّظم الطَّبيعيِّ.
(1) ينظر: المفتاح: (167)، والتّقسيم عند السَّكَّاكيِّ ثلاثيٌّ:"فَنٌّ يرجع إلى حكم، وفَنٌّ يرجع إلى المحكوم له، وهو المسند إليه، وفَنٌّ يرجع إلى المحكوم به؛ وهو المسند".
(2)
أي: المصنِّف.