الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفَنُّ الثَّالثُ: في وضع الطَّرفين (*) كُلّ عند صاحبه
.
أي: في (1) وَضْع كُلٍّ من المسندِ إليه والمسندِ عند الآخر.
والنَّظر في
التَّقديم
والتَّأخيرِ وفي الرَّبْطِ و [في](2) القصر؛ فهو مكسورٌ (3) على ثلاثةٍ أنواع:
النَّوعُ الأَوَّل: في التَّقديم والتَّأخير
(4).
التَّقديمُ (5): -حيثُ ليسَ واجبًا ولا أصلًا- للاهْتِمام.
جعلَ (6) السَّكَّاكيُّ مطلقَ (7) التَّقديمِ للاهتمام؛ سواء كان واجبًا،
(*) أي: طرفيَ الإسناد.
(1)
حرف الجرّ "في" ساقط من: أ.
(2)
ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، ومثبت من: أ، ب، ف.
(3)
أي: مجزّء أو مقسّم.
(4)
قدّم هذا النّوع على غيره لأهميته وعِظَمِ فوائده، كما قال الإمام عبد القاهر الجرجانيّ (دلائل الإعجاز: 106): "هو باب كثير الفوائد، جمّ المحاسن، واسع التّصرّف، بعيد الغاية".
(5)
لا شكّ أنَّ الحديثَ عن التَّقديمِ حديثٌ عن التَّأخير؛ لأنّ كلا الطّرفين متقابلان، وذكرُ علّة أحدهما استلزام -بالضّرورة- لذكر علّةِ المُقابل. ومن هنا اكتفى بالتَّقديم.
(6)
كلمة "جعل" ساقطة من ب.
(7)
في ب: "المطلق"، وهو تحريف بالزِّيادة.
أو أَصلًا (1)، أو غيرهما (2). والمصنِّفُ (3) جعلَ تقديمًا ليس واجبًا ولا أصلًا للاهتمام. وهذا أَوْلَى؛ لأن فيهما لا يُحتاج إلى بيانِ العلَّةِ ولا يُطلبُ لميَّته (4). نعم العدولُ عن الواجبِ وعن الأصلِ هو المقتضى لنُكْتة.
(1) في ب: "وأصلًا".
(2)
الحقّ: أنّني تتبَّعت جميعَ ما يتعلَّق بالتَّقديم -في المفتاح- فلم أعثر على ما ذكره الشَّارح رحمه الله عنه؛ بل إنّني لم أفهم مما وجدته ما فهمه؛ من جعل مطلق التّقديم للاهتمام. وخلاصة ما فهمته من تصريحاته وإشاراته حول هذه القضيّة: أنّ التّقديم يتحتّم بلاغة متى كان ذكره أهمّ؛ سواءٌ كان الدافع وراء ذلك كونه الأصل ولا مقتضى للعدول، أو العناية بالمقدَّم والاهتمام به.
يقول في باب المسند إليه (ص: 194): "وأمّا الحالة الّتي تقتضي تقديمه على المسند فهي: متى كان ذكره أهمّ، ثم إنّ كونه أهمّ يقع باعتبارات مختلفة: إمّا لأنّ أصله التّقديم ولا مقتضى للعدول عنه. . . وإمّا لأنّه متضمّن للاستفهام، وإمّا لأنّ في تقديمه تشويقًا".
كما يقول في مبحث التّقديم والتّأخير مع الفعل متحدّثًا عن النوع الثَّالث (ص 236): "والحالة المقتضية للنوع الثَّالث: هي كون العناية. بما يقدّم أتمّ، وإيراده في الذّكر أهمّ".
(3)
في ب: "المصنّف" بدون العطف.
(4)
أي: سببه، وقد تقدَّم بيان معنى اللِّمية ص (138) من هذا البحث بما يغني عن إعادته هنا. ولم يطلب بيان سببه لأن الدَّافع وراء التَّقديم فيهما أصل ثابت لا ينفكُّ عنهما بخلاف غيرهما فإنّ الدَّافع إلى التَّقديم طارئٌ لسبب.
والتَّقديمُ الواجبُ كما إذا تضمَّنَ المسندُ إليه الاستفهام، وهو أنَّه يعلم من أوَّلِ الأمرِ أنَّه من أيِّ نوعٍ من الكلامِ.
والتَّقديمُ الأصليُّ كتقديمِ المبتدأ على الخبرِ؛ وذلك لأنَّه ما لمْ يُتصوَّر شيءٌ لم يُحكم عليه.
لوجوهٍ وهو؛ أي: الاهتمام يكونُ لوجوهٍ:
الأَوَّل: عقدُ الهِمَّةِ (1) به منكَ أو من السَّامع ولو ادِّعاءً؛ أي: تكونُ همَّةُ المتكلِّمِ أو السَّامع معقودةً به (2)؛ حقيقةً (3) أو ادّعاءً (4)، وعنايتهُ مُتَعلِّقة به لكونه -في نفسه- نُصْبَ العينِ؛ كما يُقدِّم [من المسند والمُسْند إليه، ما كان همّةُ أحدهما؛ من المتكلِّم أو السَّامع معقودًا به؛ كما إذا صارعَ زيدٌ عمرًا، والهِمَّة مصروفةٌ لسقوط عمرو للعنايةِ إلى جانب زيد؛ فنقول:(عمرو سقط)؛ لاهْتمامكِ به، وإذا كان للاهتمام بنفسِ السُّقوطِ فقط؛ أعمّ من أن يكون سقوط زيدٍ أو عمرٍو تقول: (سقطَ
(1) الهمّة: الإرادة. اللِّسان: (همم): (2/ 621).
(2)
في الأصل، بقيّة النّسخ: لا معقودًا به"؛ أي: بالمقدَّم. والصَّواب ما أثبتّه؛ لعدم استقامة السِّياق مع التذّكير، ولكون المعطوف عليه -أيضًا- مؤنثًا؛ وهو قوله بعده: "وعنايته متعلقة".
(3)
بأن يهتمّوا به في نفس الأمر.
(4)
في الأصل: "دعاء" وهو تحريف بالنّقص، والصَّواب من أ، ب. والمراد به أن يظهروا اهتمامهم به من غير أن يكون الأمرُ كذلك.
فلانٌ). وهذا كما قدَّمتَ نُصْب العين تُقَدِّم] (1) المفعول على الفاعل؛ إذا كان الغرضُ معرفةَ من وقع عليه الفعلُ لا من صدرَ عنه؛ كما إذا خرح رجلٌ على السُّلطان، وعاثَ في البلادِ، وأظهرَ فيها الفسادَ، وتأذى منه العبادُ؛ فقُتلَ، ثم أردتَّ أن تُخبرَ بقتله؛ فإنَّكَ لا تُرخِص التَّأخير بل تجدك مضطرًّا إلى التَّقديمِ؛ قائلًا:(قَتَل الخَارجيَّ فُلانٌ)؛ بتقديمِ الخارجيِّ؛ إذْ ليس الاهتمامُ إلى معرفةِ قاتله، وإنَّما [الّذي](2) الاهتمامُ به معرفةُ المقتولِ، لينْجُوا من شرِّه، ويَخْلُصُوا منْ أذَاه.
الثَّاني: التَّشويق؛ أي: يُقدَّم لأنّ في تقديمه تشويقًا للسَّامع إِلى الخبر؛ ليتمكّنَ في ذهنه إذا وردَ ذلكَ الخبرُ [عليه](3)، كما إذا قلتَ:(صديقُكَ فلانٌ الفاعلُ الصَّانعُ رجلٌ صدوقٌ)؛ فإنَّه لَمَّا قدّمَ (4) المبتدأَ الموصوفَ اشتاقتْ نفسُ السَّامع إلى ما يردُ بعدَه.
وهو -أي: التَّشويقُ- أحدُ خواصِّ الإخبارِ بالَّذي (5)، وخواصُّهُ
(1) ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، ومثبت من: أ. وناسب المقام إثباته لكونه متعلِّقًا (بالمسند إليه والمسند)؛ بخلاف المثال بعده؛ فإنّه متعلّق بمتعلّقات الفعل. وفي إيرادهما معًا إيماء إلى أماكن التّقديم بحسب المباحث البلاغيّة.
(2)
ما بين المعقوفين ساقطٌ من الأصل، ومثبت من أ، ب. ولا يستقيم السِّياق إلّا به.
(3)
ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، ومثبت من أ، ب. وبه تمام المعنى.
(4)
في أ، ب:"تقدّم".
(5)
تقدم -في بيان وجوه اختيار الموصول- أنّ من أسباب اختياره (ص: 333؛ من هذا البحث): "توجّه الذِّهن لما سيرد عليه. . . منتظرًا لوروده عليه حتّى يأخذ=
الآخر ما مرَّ في الحالةِ الَّتي تقتضي كونَه موصولًا، من قصدِ زيادةِ التَّقرير، وبناءِ الخبرِ عليه، وغيرِه. وأمَّا كيفيّةُ الإخبارِ فهو وظيفةُ النَّحو.
الثَّالثُ وهو (1): التَّفاؤلُ والتَّيمُّنُ؛ وذلكَ فيما إذا كان الاسمُ يصلحُ (2) للتَّفاؤُل؛ فيقدِّمه إلى السَّامع لتعجيل إيصَالِ (3) المسرّةِ إليه، نحو:(سعدُ بنُ سعيد في دارك).
وكذا حكم التَّشاؤمُ والتَّطيُّر -فيما يصلحُ الاسمُ له-، فيُقدّمه إليه لتعجيل إيصَال (4) المَسَاءَةِ إليه، نحو:(السَّفَّاحُ في دارِ صديقك).
وإنَّما اكْتَفى بأَحَدِ الضِّدَّين (5) عن الآخر لِدلالةِ حُكمِه على حكمِه (6)، نحو قوله -تعالى-:{وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} (7).
= منه مكانه إذا ورد".
(1)
"وهو" ساقط من أ، ب.
(2)
في أ، ب:"صالحًا".
(3)
في الأصل، ب:"اتصال" وهو تصحيف، والصَّواب من أ.
(4)
في الأصل، ب:"اتصال" وهو تصحيف، والصَّواب من أ.
(5)
أي: اكتفاؤه بالتَّفاؤُل.
(6)
مراده بقوله: "لدلالة حكمه على حكمه" أي: لدلالة حكم أحد الضِّدَّين؛ المذكور؛ وهو التَّفاؤل، على حكم غير المذكور؛ وهو التَّشاؤم، بالضِّديّة.
(7)
سورة النّحل؛ من الآية: 81. واقتصر الاستشهاد في أ، ب على قوله تعالى: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ}.
ووجه الاستشهاد: "أنه خصَّ الحرَّ ولم يذكر البرد؛ اكتفاء بذكر أحدِ الضِّدَّين عن=
الرَّابعُ: طلبُ إثبات الحبرِ لا نفْسِه، نحو:(الخطيبُ يشربُ ويطْرَبُ) في جوارب: كيفَ الخطيبُ؟؛ أي هو مُتَّسِمٌ به، أي: يكونُ المطلوبُ إثباتَ الخبر للمسند إليه، واتِّصافَه واتِّسامَه بذلكَ الخبرِ، كما يقال:(الخطيبُ يَشربُ)، أي: الشُّربُ ثابتٌ له؛ بمعنى: أنَّه من شأنه وصفته وحالٍ من أحواله، وإن لمْ يكن شاربًا في حالِ الإخبار (1)؛ بخلافِ:(يشربُ الخطيبُ)، فإن المطلوبَ فيه نفسُ الإخبار بحصولِ الفعلِ وصدوره منه (2) لا كونه صفةً وحالًا له (3)؛ ولهذا يلزمُ أن يكونَ فيه شَاربًا في الحالِ (4).
والأَوَّل: يُستعملُ في موضع يكون المقصودُ بيانَ حال الخطيبِ وكيفيَّة شأنه بصدقِ ذلك الوصفِ عليه واتِّسامه به، لا كونه شاربًا في الحالِ، ولهذا يُقال في جوابِ:(كيفَ الخطيبُ؟).
والثَّاني: يُستعمل في موضع يكونُ المقصودُ إخبارَ السَّامع بذلكَ الفعل لا بَيَانَ حاله وصفتِه، ولهذا يُقالُ في جواب:(ما يفعلُ الخطبُ؟).
وهذَا قريبٌ ممَّا قال متأخِّرو المنطقيِّين، كأُسْتَاذِنا في بحثِ جهةِ السّور وجهةِ الحمل: إنَّ الجهةَ قد تكونُ -أيضًا- للصِّدق، كما يُقال
= ذكر الآخر". فتح القدير: (3/ 185).
(1)
في الأصل: "وإن لم يكن حال شأن باقي الأخبار"، والصَّواب من: أ، ب.
(2)
في أ: "عنه".
(3)
"له" ساقطة من ب.
(4)
في الأصل: "شأن باقي الأحوال" ولا يستقيم به المعنى. والصَّواب من أ، ب. ويصدّقه السِّياق بعدَه.
في زمان خُلُوِّه عن الشُّرب يجبُ أن يصدُقَ في الحال: (الخطيبُ يشربُ)، وكما يجبُ أن يَصْدُقَ عندَ الزَّوالِ:(الشَّمسُ تطلُع)؛ ولتحقيقِه مواضع أُخَر.
الخامسُ: كونُه مَحَزَّ التعجُّبِ أو الاسْتِبعاد؛ أي: يُقدَّمُ ليُعْلمَ أنَّه محلُّ التَّعجُّبِ أو الاسْتبعاد.
المَحَزُّ: موضع الحَزِّ؛ وهو القَطْعُ.
فتأمَّلْ في مثل هذا المثل (1): (أَنخْدَعُ (2) بالزَّبِيبِ بَعْدَ المَشِيبِ)، وأخَويه؛ أي: مثل: (أبالزَّبيبِ (3) نُخْدَعُ بَعْدَ الْمَشِيبِ)، و (أَبَعْدَ الْمَشيب نُخْدعُ بالزَّبِيبِ)؛ قال: فإنَّ في (4) الأَوَّل التَّعجّبُ في الخدع، وفي الثَّاني:[في](5) المخدوع به، وفي الثَّالثِ في المخدوع فيه، كما (6) قال الشَّاعر (7):
(1) لم أهتدِ إليه -فيما وقفت عليه من كتب الأمثال-.
(2)
هكذا -أيضًا- بالنّون في ف. وفي أ: "أتخدع". ولم ينقّط في ب.
(3)
في الأصل: "بالزّبيب"، والمثبت من: أ؛ وهو الأَوْلَى؛ لاطّراد ثبوت الهمزة في بقيّة الأمثلة. وفي ب: "أو بالزّبيب".
(4)
"في" ساقطةٌ من ب.
(5)
ما بين المعقوفين مثبت من: أ، ب. وهو الموافق لما قبلَه وما بعدَه.
(6)
"كما" ساقطةٌ من: أ.
(7)
البيت من الطّويل، وقائله البحتريّ؛ قاله يمدح المعتزّ بالله. وروايته في الدّيوان (1/ 108):(. . . . . أطاول لُطْفَ الوُدّ عند الكواعب).
أبعدَ الْمَشِيبِ الْمُنْتَضَى (1) في الذَّوائبِ
…
تُحَاولُ وصْلَ الغَانِياتِ الكَواعِبِ (2)
وقدْ يُقدّمُ متعلِّقُ الفِعل (3) فاعلًا مَعْنى، أَوْ مفعولًا، أو غيرَهُما، للتَّخصيصِ، وذلك شاملٌ لأَربعةِ أنواع من التَّقديم، كَتَقديم الفاعلِ المعنويِّ على الفعل، نحو:(أنا عَرَفْتُ)، وكتقديمِ المفعولِ على الفعل؛ نحو:(زيدًا عَرفتُ)، وكتقديمِ غير الفاعلِ والمفعولِ، كالحالِ والتَّمييز على الفعل؛ نحو:(راكبًا جئتُ)، و (نفسًا طِبْتُ)، وكتقديم
(1) في أ: "المستضئ".
(2)
الكواعب: جمع كاعب، وهي المرأة حين ينهد ثديها. ينظر: الصّحاح: (1/ 189)، اللِّسان:(1/ 719)(نهد).
هذا؛ ويلحظ أنّ المصنّف رحمه الله لم يذكر جميع الأوجه الَّتي أوردها السَّكَّاكيُّ في مفتاحه. ويبدو أنّ الدَّافع وراءَ ذلك ما أخذ به المصنّف نفسَه من الاختصار المتضمّن مقاصد المفتاح -كما ذكر في مقدّمته ص: (209) -.
ومن تلك الأوجُه الّتي أوردَها السَّكَّاكيّ ما يلي:
1 -
كون المقدَّم لا يزول عن الخاطر.
2 -
كون المقدَّم مما يُسْتلذّ؛ فهو أقرب إلى الذِّكر.
3 -
كون المقدَّم ممَّا ينبئ عن التّعظيم، والمقام يقتضي ذلك.
4 -
كون المقدَّم يفيد زيادة تخصيص.
ينظر: مفتاح العلوم: (195).
(3)
المراد بمتعلِّق الفعل: معموله.
مُتعلِّق الفعلِ على مُتَعلِّقٍ آخر له؛ كالمفعولِ على الفاعلِ؛ نحو: (ضربَ زيدًا عَمْرٌو)؛ هذا (1) إن قلنا: التَّقديم الَّذي بين المُتعلِّقات بعضِها مع بعضٍ يُفيدُ التَّخصيصَ. وقوله: "قدْ يُقدَّمُ" يكونُ عامًّا (2) لتقديمه إمَّا على الفعل، وإمَّا على المتعلِّق (3)، وإن قُلنا لا يُفيد (4) فيكونُ خاصًّا (5) لتقديمه على الفعل، ولا يشمل إلَّا الأنواع الثَّلاثةَ الأوَل، ومُساعدةُ الأمثلة عليه (6).
وإنَّما قال: "فاعلًا معنى"؛ لأنَّ ما هو فاعلٌ لفظًا يستحيلُ تَقْديمُه على الفعلِ بالاتِّفاق (7).
(1) في أ: "وهذا".
(2)
في ب: "عالمًا"؛ وهو تحريف بالزِّيادة.
(3)
في أ: "متعلّق الفعل"، وهما بمعنى.
(4)
في الأصل: "بالقيد"؛ وهو خطأ. والصَّواب من أ، ب.
(5)
في الأصل: "خاصّة". والمثبت من: أ، ب.
(6)
مراده بـ: "ومساعدة الأمثلة عليه" أن أمثلة المصنّف الّتي أتى بها لإيضاح المسألة لا تشمل إلّا الأنواع الثَّلاثة، وليس فيها مثال لتقديم متعلِّق على آخر؛ الأمر الَّذي يوحي بأن تقديم المتعلّقات بعضِها على بعضٍ لا يفيد التَّخصيص.
(7)
قوله: "لأن ما هو. . . بالاتّفاق" ليس على إطلاقِه؛ بل حكى بعض النّحويّين الخلافَ بين البصريّين والكوفيّين حول ذلك.
فالبصريّون يمنعون تقديم الفاعل على رافعه؛ سواء كان فعل أو شبهه؛ فلا تقول: "الزَّيدان قام" و"زيد غلاماه قائم" ولا "زيد قام" على أن يكون "الزّيدان" أَوْ "زيد" فاعلًا مقدَّمًا؛ بل على أن يكون مبتدأ، والفعل بعدَه رافع=
نحو (1): (أنا ضربت)؛ مثالٌ لتقديمِ الفاعلِ المعنويِّ (2) على الفعل، لمن ينفي الضَّرب عنك ويثبته لغيرك، أو يجعل لك فيه شريكًا؛ أي: لمن يعتقدُ وجودَ الضَّرب، لكنَّه مُخْطئٌ في فاعله؛ بأن ينفي عنك ويثبت لغيرك، أو يُخْطئُ (3) في أن لك فيه شريكًا (4)، وأنت تقصدُ أن تردَّه إلى الصَّوابِ؛ بأن تثبته لنفسك وتنفي عن غيركَ في الأَوَّلِ (5)، وبأن تبيِّن الإنفرادَ والاستبدادَ في الثَّاني (6).
فتقولُ في تأكيده في الأَوَّل: "لا غيري"، وفي الثَّاني:"وحدِي"؛ أي: ولأنَّ الخطأَ في الأَوَّل كان في الفاعل وأنّه غيرُك تقولُ في تأكيده: "لا غيري"، وفي الثاني في التَّعميم وأنَّ لك فيه شريكًا تقول في تأكيده:"وحدي".
فإنْ قلتَ: "أنا فعلته وحدي" في قوّة "أنا فعلته لا غيري"، وبالعكس؛
= لضمير مستتر والتَّقدير: "زيد قام هو".
أمّا الكوفيّون فقد أجازوا التَّقديم في ذلك كلّه". شرح ابن عقيل على ألفيّة ابن مالك: (2/ 422 - 423) بتصرّف يسير.
(1)
في أ، وردت كلمة: "نحو، ضمن كلام الشَّارح؛ وليست منه.
(2)
في ب: "المعنى".
(3)
في أ، ب:"مخطي" وكلاهما بمعنى.
(4)
في أ، ب:"لك شريكًا فيه" بتأخير "فيه".
(5)
وهذا يُسمّى: قصر القلب. وسيأتي.
(6)
وهذا يسمّى: قصر الإفراد. وسيأتي.
فَلِمَ اختصّ الأَوَّل بنحو "لا غيري". والثَّاني: بـ "وحدي (1) "؟!.
قلتُ: لأنّ فائدةَ التَّأكيد (2) إماطةُ الشُّبهة، وهي في الأَوَّل: أنَّ الفعلَ صدر عن غيرك؛ فأزلتها بـ "لا غيري"، وفي الثَّاني: أَنَّ الفعل صدر منك (3) بشركة الغير فأمطتّها بـ "وحدي"، ولو عكست -وإن أفاد ذلك- (4) لم يكن الكلام مُورَدًا على وجهه (5)؛ لأن التَّأكيد إنَّما يَحسُن بما يدلّ على المقصودِ بالمطابقة لا بالالتزامِ (6).
وكذا (7) زيدًا ضربتُ؛ مثالٌ لتقديمِ المفعول المتعدَّى إليه بلا واسطة (8).
(1) في ب: "وحدي"؛ بدون الباء.
(2)
في أ: "التّوكيد".
(3)
في أ: "عنك".
(4)
في ب زيادة: "لكن" والسِّياق تامٌّ بدونها.
(5)
في ب: "جهته".
(6)
مراده بالمطابقة دلالة اللفظ بالوضع على تمام ما وضع له، ويمثله في المثال المتقدّم:"لا غيري" فإنّها تصدق بالوضع على كل ما عدا المتكلّم.
أمّا دلالة الالتزام؛ فهي دلالة اللفظ على ما يلازم معناه في الذّهن ويمثّله في المثال المتقدّم "وحدي". فإنّ ما يلازمها في الذّهن يصدق كلّ ما عدا المتكلّم.
(7)
في ب: "وكذلك".
(8)
في ب: "لا بالواسطة"؛ وهما بمعنى.
وبه مررتُ مثالٌ لتقديم المفعولِ (1) المتعدَّى إليه بالواسطة.
وراكبًا جئتُ، مثالٌ لتقديم الحال.
ونفسًا طبتُ، مثالٌ لتقديم (2) التَّمييز.
فلا تقل (3) في (ما زيدًا ضربت): (ولا غيره)(4)، إلّا لمن يراك تظنّه ضرب عمرًا؛ فقال:(زيدًا ضربتُ)؛ أي: فلا تقل في مثل (5): (ما (6) زيدًا ضربتَ) -بفتح التّاء- لفظة: "ولا غيرَه"؛ لأَنَّ منطوقَ "لا غيره" يُنافي مفهومَ تقديمِ (زيدًا)؛ لأن مفهومه (7) أن يكون غيرُ زيدٍ مضروبًا لك -إلَّا لمن يراك أنَّك تظنّه ضرب عَمْرًا، فقال لك مدَّعيًا خطأ ظنِّك، وقاصدًا ردَّك إلى الصَّوابِ:"زيدًا ضربتُ"- بضمِّ التَّاءِ-؛ فإنّه يصحُّ منك أن تقولَ مثله؛ فإِنَّك لا تقصد فيه بالتَّقديمِ إلَّا مُطابقة الجوابِ؛ فقلتَ: "ما زيدًا ضربتَ" ردًّا لقوله: "زيدًا ضربتُ"،
(1) كلمة: "المفعول" ساقطة من أ.
(2)
كلمة: "لتقديم" تكرّرت في الأصل.
(3)
هكذا -أيضًا- في ف، وفي ب:"فلا يُقَال"، والفاء هي الفصيحة؛ جزاء لشرط محذوف، تقديره: إذا ثبت أن تقديم متعلّق الفعل للتخصيص فلا تقل.
(4)
قوله: "ولا غيره" مقول القول التقدّم.
(5)
في أ، ب:"نحو".
(6)
"ما" النَّافية ساقطة من أ، ولا بدّ منها لتمام السِّياق.
(7)
أي: التّقديم.
وقلتَ: "ولا غَيْرَه"، ردًّا لحُسْبانه في حقِّك (1).
ولا تَقُلْ فيه (2)؛ أي: في "ما زيدًا ضربتَ" كلمة (3): "ولكن أكرمتَه"؛ فتعقب الفعل المنفي بإثباتِ فعل [هو] ضدُّه (4)؛ لأنَّك إنَّما تُخَطِّئه في المفعول؛ لأنّ مبنى (5) الكلامِ ليسَ على أن الخطأ وقعَ في الضّرب؛ فتردّه (6) إلى الصَّوابِ في الإكرام، وإِنَّما مبناه على أنَّ الخطأ وقعَ في المضروب (7) حين اعتقد زيدًا فتردّه (8) إلى الصَّوابِ أن تقولَ:"ولكن عَمْرًا".
ولا تقلْ: ما أَنا قُلْتُ شعرًا إذا أنت تريدُ العمومَ؛ كما يفهم من
(1) في الأصل: "جعل ذلك" بدلًا من "حقّك" ولا يتَّضح به المعنى. والصَّواب من أ، ب.
ولا يلزم من ذلك التَّناقض؛ لأنّ تقديم زيد ليس لتخصيص عدم الضرب به؛ بل لنفى التّخصيص الَّذي بناه المخاطب باعتقاده الخاطيء أنَّك تظنّه ضرب عمرًا لا زيدًا.
(2)
"فيه" ساقط من ب.
(3)
في أ، ب:"لفظة".
(4)
ما بين المعقوفين غير موجود في الأصل، ومثبت من أ، ب. وهو الموافق لما في المفتاح.
(5)
في الأصل: "معنى" وهو تحريف، والصَّواب من أ، ب. وهو الموافق للفظ المفتاح، والملائم لقوله فيما بعد:"وإنّما مبناه".
(6)
في ب: "فيرد".
(7)
في الأصل: "الضّرب"، والصَّواب من أ، ب، المفتاح.
(8)
هكذا في الأصل، المفتاح. وفي أ:"فرده". وفي ب: "فيرده".
قول الشّيخ عبد القاهر (1)، إذ لا يُعتقدُ أنَّ: قلتَ كلَّ شِعْر؛ أي: لاسْتلزامه أن يكونَ قد اعتقد فيك (2) مُعْتقدٌ: أنَّك قُلتَ كل شعرٍ في الدُّنيا فنفيت أن يكون إِيَّاه. ووجهُ الاستلزامِ أنَّه في قُوَّةِ: قال غيري كلَّ شعرٍ، وهو في جواب: ما قال غيرُك كل شعرٍ، وفيه اعتقادٌ أَنَّك قلتَ كلَّ شعرٍ.
وأمَّا لو أردتَ التَّخصيص، كما تُريد شعرًا معيّنًا فلا مَنْع منه.
ولا في "مما أنما ضربتُ"؛ أي: لا تقلْ في [نحو](3)"ما أنا ضربتُ" كلمة: "إلا زيدًا" حتَّى يصير هكذا: "ما أنا ضربتُ إلّا زيدًا"؛ لأنّه يُفيد أنَّك ضَربته ولم تضربه، لأن نقضَ النَّفي بـ "إلّا" يقتضي أن
(1) أورد الإمام عبد القاهر الجرجانيّ رحمه الله صورتي التَّأخير والتَّقديم. ومثّل لهما بأكثر من مثال. من ذلك قوله في الصورة الأَولى -التّأخير- (دلائل الإعجاز 124): "أنَّك إذا قلتَ: (ما قلتُ هذا)، كنتَ نفيت أن تكون قد قلت ذاك، وكنت نوظرت في شيء لم يثبت أنّه مَقُول".
وقوله في الصورة الثانية -التَّقديم-: "وإذا قُلت: (ما أنا قلتُ هذا) كنتَ نفيتَ أن تكون القائلَ له، وكانت المناظرة في شيء ثَبَت أنّه مقُولٌ".
ثمَّ أردفَ ذلك بتقرير المسألة الّتي نحن بصددها؛ فصرَّح بالعموم في الصّورة الأَولى واستلزامه العطف عليها في الصُّورة الثانية. يقول (ص: 124): "ومن أجل ذلك صَلَحَ في الوجه الأَوَّل أن يكون المنفيُّ عامًا؛ كقولك: (ما قلتُ شعرًا قطُّ). . . ولم يصلح في الوجه الثّاني؛ فكان خَلْفًا أن تقول: (ما أنا قلت شعرًا قط). . . وذلك أنّه يقتضي المُحال، وهو أن يكون -ها هنا- إنسان قد قال كلَّ شعرٍ في الدُّنيا. . . فنَفيتَ أن تكونَه".
(2)
في الأصل: "قبل"، وهو تصحيف لحق أحرف الكلمة كلِّها، والصَّواب من أ، ب.
(3)
ما بين المعقوفين ساقطٌ من الأصل، ومثبت من: أ، ب. وهو الأَولى لتعميم النّهي.
تكون ضربت زيدًا، وتقديمُك ضميرك وإيلاؤُه حرفَ النَّفي يقتضي نفيَ أن تكونَ ضربته؛ هكذا في "المفتاح"(1)، وفي "دلائل الإعجاز" (2). وقال صاحبُ "الإيضاح" (3):"وفيه نظرٌ؛ لأنّا لا نُسلِّم أنَّ تقديمَ الضَّميرِ وإيلاءَ حرفِ النّفي يقتضي ذلك"؛ بل [عليه](4) أنّه يقتضي أن يكون ها هنا إنسانٌ غيرُ المتكلِّم قد ضرب من عدا زيدًا منهم؛ وهو مُحالٌ.
وقال (5) المصنِّفُ: إِنَّا (6) ندَّعي ذلك في مادَّةٍ خاصّةٍ؛ كما أنَّ التّخصيصَ بالتَّعميم مراد في قولك: (ما أَنا قلتُ شعرًا)، وهي [في](7)
(1) ص: (232 - 233).
(2)
ص: (126).
(3)
الإيضاح: (2/ 54 - 55) بزيادة كلمتي "تقدم الخبر" وحرف العطف "الواو" بعدهما.
وقد علّق الصّعيديّ على تعليل الخطب القزوينيّ دافعًا له بقوله: "لا يخفى أنّ المنفيَّ ليس الضّرب الواقع على كلّ واحد منهم سوى زيد؛ وإلّا كان من سلب العموم لا من عموم السَّلب. وإنَّما المنفيّ ضرب أيّ واحد سوى زيد؛ وعلى هذا يكون مفهوم المثال أنّ إنسانًا غير المتكلّم ضرب أيّ واحد سوى زيد، وهو صحيح لا شيءَ فيه. وإنّما الَّذي يؤدِّي إلى ما ذكره الخطيب أن يقال: ما أنا ضربت كلّ رجل إلَّا زيدًا" بغية الإيضاح: (92) بتصرّف.
(4)
ما بين المعقوفين ساقطٌ من الأصل، ومثبت من أ، ب.
(5)
في أ، ب:"قال"، بدون الواو.
(6)
في أ، ب:"إنَّما".
(7)
ما بين المعقوفين ساقطٌ من الأصل، ومثبت من أ؛ وهو المجانس لقوله فيما بعد:"ويكون النِّزاع في فاعل".
صورةٍ يكون الضَّربُ الواقعُ منحصرًا على زيدٍ، ويكون النِّزاعُ في فاعلِ ذلك الضَّرب المعيَّن؛ وحينئذٍ لزوم التّناقض ظاهرٌ؛ لأنْ النَّقضَ يقتضي أن تكون ضربته، والتَّقديمَ والإيلاءَ يقتضي صرفَ الضَّربِ عنك إلى غيرك، بلى (1) لو لم يحصر (2) لم يتناقض؛ لأن النَّقضَ يقتضي ضربَك إيَّاه، والتّقديمَ يقتضي صرف ضربٍ عنك (3) لا (4) ضربَ زيد؛ فلا يتناقض.
وقد يُقدَّمُ الفاعلُ؛ أي: بحسبِ التَّلفّظ لا على نِيَّةِ التّقديم والتَّأخيرِ؛ كما في التَّقديم التَّخصيصى، معنىً؛ أي: ما هو فاعلٌ معنىً لا لفظًا (5)، خاصَّة عليه. إنّما قال:"خاصةً"؛ لأنَّ سائرَ متعلِّقاتِ الفعل لا تتقدم عليه للتَّقوية؛ بل للتَّخصيص؛ كما مرَّ؛ نحو: (أنا عرفتُ) لتقويةِ الحكمِ؛ لأنَّ المبتدأ لاستدعائه (6) حكمًا يَصْرف ما يصلحُ له (7)؛ إلى نفسه (8). ولو بلا ضميرٍ؛ نحو: (زيدٌ غلامٌ)، فإذا وجدَ الضّميرُ
(1) في ب: "نعم".
(2)
في أ، ب:"ينحصر" والمعنى واحد.
(3)
أي: ضربٍ مخصوصٍ.
(4)
في ب: "إلّا"؛ وهو تحريف بالزِّيادة.
(5)
في الأصل: "ولفظًا" وهو خطأ ظاهر. والصَّواب من ب. والكلمة ساقطةٌ من أ.
(6)
في الأصل: "للاستدعاء به". والصواب من أ، ب، ف.
(7)
المرادُ بالضّمير هنا: ضميرُ الفاعل المعنويّ، وهو الضّمير الَّذي هو فاعل لفظيّ للفعل لا مطلق الضَّمير.
(8)
هكذا -أيضًا- ورد قوله: "إلى نفسه" ضمن ف. ولم يرد في بقيّة النُّسخ.
صرفَه (1) إليه ثانيًا.
اعلمْ (2): أنَّك إذا قُلت: (عرفتُ أنا)؛ "فأنا" فاعلٌ معنى؛ لأنّه تأكيدٌ للفاعل، فإذا قُلت:(أنا عرفتُ) يحتمل أن يقال: أصلُ النَّظمِ: (عرفتُ أنا)، ثُمّ قدّمَ (أنا)، ويحتمل أن يُجرى الكلامُ على الظَّاهرِ، ويقال:(أنا) مُبتدأٌ و (عرفتُ) خبرُه؛ ولا يُقدّر تقديمٌ وتأخيرٌ. فنظمُ الكلامِ بالاعتبارِ الأَوَّل يفيدُ التَّخصيصَ، وبالاعتبارِ الثَّاني يكونُ مُفيدًا لتقويةِ الحكمِ، وسببُ تقوِّيه (3)؛ هو أنَّ المبتدأَ لكونه مُبتدأ واستدعائه (4) به حكمًا، وَأن يُسندَ إليه شيء -يصرف إلى نفسه ما يصلح له وللإسنادِ إليه إذا وردَ بعدَه؛ ولو كانَ ذلك الصَّالحُ الواردُ بلا ضميرٍ يرجعُ إلى المبتدأ؛ نحو:(زيدٌ غلامٌ)(5)؛ فإذا وُجد الضَّميرُ- بأن كانَ الخبرُ متضمِّنًا له (6) - صرفَ ذلكَ الضّميرَ إلى المبتدأ ثانيًا؛ فيكتسي الحكمُ قُوّةً لتكريرِ (7) الإسنادِ، فإذا قلت:(أنا عرفتُ) كان المرادُ تحقيق حُكمِ العرفةِ، وتقويته عند السَّامع؛ لا تخصيصه به.
(1) في الأصل: "صرف" وهو تحريف بالنّقص. والصَّواب من: أ، ب، ف.
(2)
في ب: "واعلم".
(3)
في أ، ب:"تقويته"، وكلاهما جائز.
(4)
في الأصل: "واستدعاء به"، والصَّواب من: أ، ب.
(5)
في أ: "غلامك".
(6)
نحو: "أنا عرفت".
(7)
في ب: "تكرر".