الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد يُوضع وضعًا خاصًّا لموضوع له خاصّ؛ (زيد)، وقد يُوضع وضعًا عامًّا لأمورٍ مَخْصُوصةٍ (هذا) فإِن وضْعه عامٌّ لكلِّ مشارٍ إليه مخصوص
…
".
4 - ظهور شخصيّة المؤلّف العلميّة بشكل واضح:
وبدا هذا الظّهور المتألّق عند المُختصر والشَّارح على حدٍّ سواء؛ كلّ بحسب طبيعة تناوله. فصاحب المختصر يكتفي بالإشارات الموجزة العابرة، وصاحب الشّرح يميل إلى الإيضاح والتّفصيل. وقد برزت شخصيّتهما من خلال آرائهما واختيارهما وتعليلاتهما ومناقشتها وردودهما التي ردّا بها على بعض العلماء.
ومن أمثلة ظهورها عند صاحب المختصر قوله (1): "الثَّاني: ألا يُعْرف منه إلا ذلك القَدْرُ حقيقةً أَوْ ادِّعاءً
…
وعليه حُمل قوله تعالى: {هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (7)} .
فتعبيره بقوله: "وعليه حُمل" إشارهٌ ظاهرة إلى عدم قبوله وجه الحمل، ولو قبله لما ساغ له الإتيان بلفظ زائد هو "حُمل"، ولكفاه أن يقول:"وعليه قوله"؛ فهو المتّسق مع منهج الاختصار الَّذي سار عليه. ولم يكن له أن يسلك هذا التّطويل بهذه الإشارة العابرة لو انساق خلف آراء الآخرين؛ يأخذها ويحكيها كما هي؛ دون أن ينصب عليها عقله ناقدًا ومقوّمًا.
(1) ص (362) قسم التَّحقيق.
يقول الكرمانيّ (1): "ولَمّا كانَ عند المصنِّف وجهٌ أَنسبَ منه لسياقِ الآية- قال: "وعليه حُمل" والمراد به صاحب "المفتاح". ولم يقل: (وعليه ورد) أَوْ (عليه قوله).
والوجهُ فيه: أَنَّهم نكَّروه لاعتقادِهم أنَّه لا يجوز أن يكون شخص هكذا موجودًا يقول كذا وكذا. ويدّعى: كذا وكذا، واستبعدوه، بل أحالوه، فكأنَّه للتّعجّب وبيان الاستحالة لذلك الخبر الَّذي يدّعيه؛ أي: هل ندلّكم على رجلٍ عجيبٍ، يقول كلامًا عجيبًا، متّصفٍ بصفة غريبة، يدّعي أمرًا غريبًا. ولو قال مقام (على رجل):(على محمّد): لم يكن مفيدًا لذلك".
ومن ظهورها عند صاحب الشّرح قوله بعد أن ساق الخلاف في "لو"؛ هل هي لامتناع الثّاني لامتناع الأوّل، أَوْ هي لامتناع الأوّل لامتناع الثّاني ممثّلًا بقوله:"لو جئتني أكرمتك" قال (2): "والتَّحقيقُ فيه أنَّه يُستعملُ في كلا المعنيين لكن بالاعتبارين؛ باعتبار الوجود والتّعليل، وباعتبار العلم والاستدلال؛ فيقول: لَمّا كان المجئُ علّة للإكرام بحعسب الوجود فانتفاء الإكرامِ لانتفاءِ المجيء؛ انتفاءٌ للمعلول لانتفاءِ علَّته. و -أيضًا-: لمّا يعلم انتفاء الإكرام فقد يُستدلُّ منه على انتفاء المجيء؛ استدلالًا من انتفاء اللّازم على انتفاء الملزوم
…
وهذا تحقيق لم ينقّح إلى السّاعة".
(1) ص (366، 367) قسم التَّحقيق.
(2)
ص (475 - 477) قسم التّحقيق.
هذا؛ وقد ظهر لي أنّ الكرمانيّ رحمه الله ينشد الحقَّ بعيدًا عن التّعصّب والهوى، ومتى تجلّى الحقُّ أمامه بدليله ذكره وإن أدّى ذلك إلى مخالفته القول السّائد الَّذي عليه أرباب الفنّ، أَوْ عليه شيخه "الإيجيّ" غير أنَّه لا يهمل وجهات نظر الآخرين أَوْ آراءهم. ولا يتعرّض لها بشيء من النّقد الجارح. وإنّما يقدّمها على رأيه ويوفيها حقّها من البسط والإيضاح ثمّ يعقّب -في النّهاية- عليها برأيه، وأسوق للدّلالة على هذا المثال الآتي (1):
"ويقبح (هل زيدًا عرفت) لإشعاره؛ أي: التّقديم بثبوت التّصديق بنفس الفعل، وإشعاره (هل) بعدم ثبوت التّصديق؛ لأنّه لطلب التّصديق.
وإنّما قال: (يقبح) ولم يقل: (يمتنع) لأنّه وإن احتمل التّقديم المنافي؛ كذلك يحتمل عدم التّقديم، وإن كان مرجوحًا بالنّسبة إلى احتمال التّقديم؛ وذلك بأن يقدّر: عرفت آخر قبل زيد، أَوْ تجعل مفعول (عرفت) المذكور محذوفًا، والتّقدير:(هل عرفت زيدًا عرفته).
بخلاف عرفته؛ أي: بخلاف (زيدًا عرفته) فإّنه لا يَقْبُح؛ لأن زيدًا لا يحتمل التّقديم؛ لأنّ (عرفته) قد أخذ مفعوله، وإذ لم يحتمل التّقدىم لا يستدعي ثبوت التّصديق بنفس الفعل؛ فلا ينافي (هل).
وهذا على ما هو كذلك لفظ المختصر وأصله، وعلى ما شرحه الشّارح للأصل؛ لكن الحقّ: أن (زيدًا عرفته) -أيضًا- يحتمل التّقديم؛ بأن
(1) ص (578) قسم التّحقيق.