الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكان بإمكانه أن يمثّل لكل وجه بمثالين؛ أحدهما في باب المسند إليه، والآخر في باب المسند، كما فعل غيره ممّن رام البسط والتّوسّع.
وظاهر أنّ الَّذي هيّأ لهذا المسلك، أي مسلك "التّوسّط والاعتدال" هو الإيجيّ، صاحب الكتاب المختصر؛ حيث بنى كتابه على أسس منطقيّة لا تقبل الحشو والاسترسال.
ويبدو لي أنّ الكرمانيّ رحمه الله نشد هذا المسلك وهدف إليه قبل تأليف الكتاب، ولو أنه آثر منهج المطوّلات لعدل من أوّل الأمر عن ربط كتابه بمختصر شيخه، أَوْ حتَّى عدم تضمينه إيّاه بالطّريقة الدّقيقة المحكمة الَّتي سبق أن أشرت إليها (1) على أقلّ تقدير.
3 - اشتمال الكتاب على بعض الفوائد المهمّة:
تضمَّن كتاب تحقيق الفوائد فوائد جليلة؛ انفرد بها الكتاب عن سائر الكتب البلاغيّة التي سبقته، ويعود الفضل في إيرادها -في الدّرجة الأولى- إلى الإيجيّ صاحب المختصر. فهو الَّذى ضمنها كتابه صراحة، أَوْ قدح في ذهن الكرمانيّ إليها. وغالبًا ما يشير الشّارح إليها بقوله (2):"وهذا ممّا زاد على المفتاح"، وتبدو لنا قيمة تلك الزّيادات بجلاء إذا ما ربطا بينها وبين عنوان الكتاب المختصر:"الفوائد الغياثيّة" وتَذَكِّرْنا ما
(1) ينظر ص (303) من قسم التحقيق.
(2)
ص (245) قسم التَّحقيق. وينظر -على سبيل المثال- الصَّفحات: (250، 253، 276، 312، 448).
سبق أن أوردناه في سبب تأليف الكتاب (1). حيت نصّ ابن الكرمانيّ "أنّ الوزير (غياث الدّين) كان يقرأ المفتاح للسّكّاكيّ على الشّيخ عضدِ الدّين، وكان يفيد عند الدّرس فوائد زوائد على المفتاح؛ فسأله الوزير أن يجمع تلك الفوائد مفردة فجمعها
…
".
وقد تتبّعت المواطن التي صرّح الشّارح بأنها ممّا زاده شيخه على ما في "المفتاح" فوجدتها تقارب العشرين موطنًا وقد يكون في الموطن الواحد أكثر من فائدة.
وجدير بالذّكر أنّ تلك الفوائد لم تعرف مواطن معيّنة من الكتاب تلتزم الورود فيها، بل ترد بحسب المقتضى الدّاعى لها، فأحيانًا ترد في ثنايا المباحث الرّئيسة، وأخرى في خواتيمها، وثالثة خارجًا عنها في إطار التّنبيهات. وغالبًا ما يكون تصريح الشّارح بأنها من الفوائد الزّائدة على ما في "المفتاح" في بداية الحديث (2) عنها، بخلاف الفوائد الأخرى، فالتصريح بزيادتها يرد عقب إيرادها (3).
وللإيضاح أسوق المثال التّالي مشتملًا على كلام المصنّف والشّارح (4):
(1) ينظر ص (32 - 33) من قسم الدّراسة.
(2)
ينظر -على سبيل المثال- ص (312، 470، 748) من قسم التحقيق.
(3)
ينظر على سبيل المثال ص: (245).
(4)
ص (244 - 247) قسم التحقيق.
"وتعريفاتُه [أي الخبر] تَنْبيهات، فإنَّ التَّعريفَ قد لا يُرادُ بهِ إحداثُ تَصوّرٍ؛ بل الالتفاتُ إلى تصوُّرٍ حاصلٍ ليتميّز من بين التَّصوُّراتِ؛ فيعلَم أَنَّه المرادُ.
إشارةٌ إلى سؤالٍ وجواب.
تقديرُ السّؤال: لا يشتغلُ العقلاءُ بتعريفِ التَّصوُّرات البديهيَّة كما لا يُبَرهن على القَضايا البديهيّة؛ فلو كان الخبرُ ضروريًّا لما عَرَّفُوه ....
تقديرُ الجوابِ: أَنَّ هذه تنبيهاتٌ لا تعريفاتٌ تنافي الضَّرورة فإنّها ليست لإفادة تصوُّرٍ وإحداثِه؛ بل لتَمْيِيز ما هو المراد به مِنْ بين سَائِر التَّصوُّراتِ الحَاصِلة عنده ....
وهذا ممّا زاد على "المفتاح".
ومن أمثلة ذلك -أيضًا- ما أورده المصنِّف وعلَّق عليه الشّارح في التنبيه الَّذي جاء عقب النّوع الثّالث المعقود في التّعريف بأقسامه والتّنكير، قال (1): "تنبيه: ما في هذا التّنبيه من الفوائد ممّا زادها على الأصل وهي فوائد شريفة مهمّة لا بدّ من معرفتها:
التعريف: يقصد به معيّن عند السّامع من حيث هو معيّن كأنه؛
أي: التّعريف إشارة إليه؛ أي: إلى ذلك المعيّن بذلك الاعتبار، أي: باعتبار أنَّه معيّن عنده.
وأمّا النَّكرة: فيقصد بها التفات النّفس إلى المعيّن من حيث هو، من غير أن يكون في اللَّفظ ملاحظة تعيُّن، وإن كان لا يكون إلّا معيّنا؛
(1) ص (312 - 313) قسم التّحقيق.
فإن الفهم موقوف على العلم بوفع اللَّفظ له، أي: للمعنى الَّذي هو مفادٌ من اللَّفظ وذلك، أي: العلم بالوضع إنَّما يكون بعد تصوّره ذلك المعنى، وتميّزه عنده عمَّا عداه، لكنه لا يلاحظ في اللفظ أنه معيّن.
والحاصل: أنّ الخطاب لا يكون إلّا بما يكون معلومًا للمخاطب ومتصوّرًا له، سواءٌ كان اللَّفظ نكرة أو معرفة، لكن الفرق: أنّ في لفظ المعرفة إشارة إلى أنَّه يعرفه السّامع دون المنكر؛ فإذا قلت: ضرب الرّجل؛ فكأنَّك قلت: ضرب الرّجل الَّذي تعرفه؛ ففي اللَّفظ إشارة إلى أنَّه يعرفه بخلاف النّكرة".
وظاهرٌ أنّ ما في التّنبيه تكميلٌ مهمٌّ للمبحث البلاغيّ المعقود، بتحديد مصطلحين رئيسين وردا فيه يحوّل القصور في معرفة المراد بكلّ واحد منهما بدقّة دون الفهم المنشود؛ بل ربّما أدّى إلى الوقوع في خلافه؛ ممّا يتنافى مع أسس البلاغة كأن يسبق إلى الفهم من "التّعريف" مجرّد التعيّن لمعنى اللَّفظة المعرفة من غير ملاحظة تعينها بخصوص معيّن في ذهن السّامع وارتباط مدلولها -سلفًا- به. وكذا التّنكرِ بأن يسبق إلى الفهم منه مطلق النّكرة، أي: عدم العلم بمعنى اللَّفظة المنكرة أصلًا، الأمر الَّذي يؤول بالمتكلّم إلى مخاطبة السّامع بما لا يعلمه.
أمّا ما يتعلّق بالفوائد الواردة في شرح الكرمانيّ فهي الكثرة الكاثرة وإن لم ينصّ عليها إلّا في النّادر كقوله (1): "وهَا هُنا فائدةٌ جليلةٌ لا بدَّ من ذكرها؛ وهي: أنَّ اللَّفظ قد يُوضعُ وضعًا عامًّا لموضوع له عامّ؛ كـ (رجل)
(1) ص (284 - 285) قسم التّحقيق.