المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المقدّمة المقَدِّمة -بكسر الدّال- من قدَّم؛ بمعنى: تقدَّم (1)، مثل: نبَّه - تحقيق الفوائد الغياثية - جـ ١

[الكرماني، شمس الدين]

فهرس الكتاب

- ‌التّمهيد: التّعريف بالعضد الإيْجيّ وكتابه "الفوائد الغياثيّة

- ‌المبحث الأول التعريف بعضد الدّين الإيْجي

- ‌المبحث الثّانِي: التّعريف بكتابه "الفوائد الغياثيَّة

- ‌عنوانه:

- ‌سبب تأليفه:

- ‌مضمون الكتاب:

- ‌الفصل الأوّل: التّعريف بشمس الدِّين الكرمانيّ

- ‌التّمهيد: نبذةٌ موجزةٌ عن عصر الكرمانِيّ

- ‌1 - الحالةُ السّياسيةُ:

- ‌2 - الحالةُ الإجْتماعيّة:

- ‌3 - الحالةُ العلميَّة:

- ‌المبحث الأوّل: حياة الكرمانيّ

- ‌المطلب الأوّل: اسمه، ونسبه، ولقبه، وكنيته

- ‌المطلب الثّاني:‌‌ مولده، ونشأته، ورحلاته

- ‌ مولده

- ‌نشْأته ورحلاته:

- ‌المطلب الثّالث:‌‌ عقيدته، وأخلاقه، وصفاته

- ‌ عقيدته

- ‌أخلاقه وصفاته:

- ‌المبحثُ الثاني شُيوخُه، وتَلاميذُه، ومكانتُه العلميّة

- ‌المطلب الأوّل: شيوخه

- ‌المطلب الثّاني: تلاميذه

- ‌المطلب الثالثُ: في مَكانته العلميَّة

- ‌المبحث الثَّالثُ: مصنّفاتُه ووفاتُه

- ‌المطلب الأوّل: مصنّفاته

- ‌المطلب الثانِي: وفاته

- ‌الفَصلُ الثّاني: التَّعريف بكتاب "تحقيق الفوائد

- ‌المبحث الأوَّل: اسمُ الكتابِ، وتوثيقُ نسبتهِ للمؤلّفِ، ومنهجُ المؤلّف فيه

- ‌المطلب الأوّل: اسم الكتاب

- ‌المطلبُ الثَّاني: توثيقُ نسبته للمؤلِّف

- ‌المطلبُ الثَّالثُ: مَنْهج المؤلِّف فيه

- ‌المبحث الثَّاني: مصادرُ الكتاب وشواهدُه

- ‌المطلب الأوّل: مصادرُ الكتاب

- ‌المطلب الثّاني: شواهدُ الكتاب

- ‌المبحث الثّالث: تقويم الكتاب

- ‌المطلبُ الأَوَّل: مزايا الكتاب

- ‌1 - حسن التّبويب والتنظيم:

- ‌2 - التَّوسُّط والاعتدال:

- ‌3 - اشتمال الكتاب على بعض الفوائد المهمّة:

- ‌4 - ظهور شخصيّة المؤلّف العلميّة بشكل واضح:

- ‌5 - اشتمال تحقيق الفوائد على بعض آراء الإيجيّ الّتي لم ترد في مختصره:

- ‌6 - اشتمال تحقيق الفوائد على أصحّ نسخ المختصر:

- ‌7 - وضوح المعنى، وسلامة الأسلوب غالبًا:

- ‌المطلب الثّاني: المآخذ عليه

- ‌1 - أخطاء عقديّة:

- ‌2 - أخطاء منهجيَّة:

- ‌3 - خطأ علمي:

- ‌4 - أخطاء أسلوبيّة:

- ‌المبحث الرّابع: وصف مخطوطات الكتاب، ومنهج التّحقيق

- ‌المطلبُ الأوَّل: وصفُ مخطوطاتِ الكِتابِ

- ‌أوّلًا: النّسخ المعتمدة:

- ‌1 - النّسخة الأصل:

- ‌2 - النُّسخة (أ):

- ‌3 - النُّسخة (ب):

- ‌ثانيًا: النسخ المهملة:

- ‌1 - نسخة مكتبة شهيد:

- ‌2 - نسخة مكتبة مشهد:

- ‌3 - نسخة المتن:

- ‌المطلبُ الثاني: منهجُ التحقيق

- ‌المقدّمة

- ‌الفصل الأوّلُ: في علْمِ المعاني والكلامِ في الخَبر والطّلبِ

- ‌القانونُ الأوّلُ: في الخبر

- ‌الفنُّ الأوّلُ: في الإسنادِ:

- ‌الفنُّ الثَّاني: في الْمُسْنَدِ والْمُسْنَد إليه

- ‌النوعُ الأَول: في‌‌ الحذفوالإثباتِ

- ‌ الحذف

- ‌الإثباتُ

- ‌النوعُ الثاني: في‌‌ التَّعريفبأَقْسامه (*)، والتَّنْكير

- ‌ التَّعريف

- ‌تنبيه:

- ‌تنبيه:

- ‌تَذْنِيب

- ‌التَّنكيرُ

- ‌النُّوعُ الثَّالثُ: في التَّوابع

- ‌الوصفُ

- ‌التَّوكيدُ

- ‌البيانُ

- ‌البَدَلُ

- ‌العطفُ

- ‌خاتمةٌ:

- ‌تذنيبٌ:

- ‌الفَنُّ الثَّالثُ: في وضع الطَّرفين (*) كُلّ عند صاحبه

- ‌ التَّقديم

- ‌النَّوعُ الأَوَّل: في التَّقديم والتَّأخير

- ‌تذنيباتٌ

- ‌النَّوعُ الثَّاني في الرَّبطِ والتَّعلُّق

- ‌تنبيهاتٌ

- ‌أدواته)

- ‌النوع الثالث (*): في القصر

- ‌ طرق القصرِ

- ‌خاتمةٌ:

- ‌الفنُّ الرّابعُ (*): في وضعِ الجملتينِ، والكلامِ في الوصلِ والفصل، وفي الإيجازِ والإطنابِ، وفي جعلِ إحداهما حالًا

- ‌النّوعُ الأوّلُ: في الفصلِ والوصلِ

- ‌الوصلُ

- ‌الفصلُ

الفصل: ‌ ‌المقدّمة المقَدِّمة -بكسر الدّال- من قدَّم؛ بمعنى: تقدَّم (1)، مثل: نبَّه

‌المقدّمة

المقَدِّمة -بكسر الدّال- من قدَّم؛ بمعنى: تقدَّم (1)، مثل: نبَّه .. بمعنى: تنبَّه. وما يتوقّف عليه العلمُ إِمَّا أن يكون من حيث إِن تصوره موقوف عليه، أَوْ لا. الأوَّل: التَّعريف. والثاني: إِمَّا أن يكون من حيث الشُّروع فيه، أَوْ لا. الأوَّل: الغاية. والثاني: ما يتوقف عليه الكلام في مسائل العلم (2)، وقد يختصّ بعلم المبادئ؛ فوجب لكلِّ طالبِ علم أن يتصوّره (3) أوّلًا بمعرّفه (4) ليكون على بصيرة فيما يطلبُه؛ لثلّا يشتغل (5). بما لا يعنيه، وثانيًا بفائدته؛ ليعلم أن سعيه ليس عبثًا، وليزداد جدّه إذا كان مهما، وأن يُقَدِّم ما يتوقف المسائل عليه لِيتمّ بذلك مطالبه.

فلهذا قدَّم الثلاثة (6)؛ ذكر الأوَّلين في المقدِّمة، والثالث في أوائل الفصلين (7).

(1) وأصلها: مقدِّمة الجيش؛ وهم القوم الّذين يتقدّمونه. ينظر: اللّسان: (قدم): (12/ 468).

(2)

بهذا الترتيب جاءت عبارة الأصل. وفي بقية النسخ أُخّرت "عليه" إلى نهاية الجملة.

(3)

في الأصل: "يتصوّر" والصواب من: أ، ب.

(4)

في ب: "بمعرفته".

(5)

في ب: "يشغل".

(6)

أي: التَّعريف، الغاية، ما يتوقّف الكلام في مسائل العلم عليه.

(7)

استقى الشَّارحُ رحمه الله حديثه في هذه المقدِّمة من مفتاح المفتاح للشّيرازي. =

ص: 221

علمُ المعاني (1): تَتبّع ما يُفيده التراكيب لا بمجرَّد (2) الوضع (3): أَطْلق التَّتبّع وأَراد المعرفة الحاصلة منه (4)؛ للزوم بينهما؛ ليُعْلم أنَّه علمٌ يحصّل بالتَّمرّن والتَّتبّع. والقرينةُ ظاهرةٌ (5). وأَمثال هذه جائزة في التَّعريفات لظُهور المراد. والمفاد المذكور شاملٌ لقسميْه من الخواصِّ الخطابيَّة، (أي: الظّنيّة)، والاستدلاليَّة؛ (أي: العقليَّة)، لأَن ما يكون لا بمجرَّد (6) الوضع قد يكون باستعانة من العقل، كلزوم نفي الشَّكّ من قولنا:"إِن زيدًا لمنطلق"(7)، وقد يكون بمجرَّد العقل، كما يُفيد قولنا:"كُل إِنسَانٍ حيوانٌ": أَن كلٌّ ما لا يكون حيوانًا لا يكون إِنْسانًا.

= ينظر: ص (7).

(1)

سيأتي -بإذن الله- بيان السّبب في تقدم علم المعاني ص (239).

(2)

هكذا -أيضًا- في ف. وفي أ: "لا لمجرّد".

(3)

هذا التَّعريف خُلاصة موجزة لما حكاه السَّكاكيُّ؛ ولفظه (المفتاح: 161): "علم المعاني هو: تتبّع خواصّ تراكيب الكلام في الإفادة، وما يتّصل بها من الاسْتحسان وغيره؛ ليحترز بالوقوف عليها عن الخطأ في تطبيق الكلام على ما يقتضي الحال ذكره".

(4)

في ب: "عنه".

وإنَّما أطْلق اللَّازم "التَّتبّع" وأَراد اللزوم "المعرفة"؛ لأن التَّتبَّع حِسّي في الفعل، وعلم المعاني من الكيفيَّات التفسانية. فلا يصدق أحدُهما على الآخر. وقد ذكر طاش كبرى زاده في شرحه للفوائد الغياثيَّة:(10): أنّ هذا الإطلاق "يتضمّن فوائد: التنبيه على طريق وضع قواعد هذا العلم لتبصير الطالب. وعلى أن دلائل مسائله استقراءُ كلامِ البلغاء؛ للإرشاد إلى طريق إثباته، وعلى صعوبة المطلب؛ لترغيبه في الجدِّ والاجتهاد. وعلى خروج علم الله تعالى وملائكته، وعلم أرباب السَّليقة بالخواصّ؛ لأَن علمهم بها لا يُسمَّى علم المعاني".

(5)

وهي: أنّ التّتبّع سبب في حصول المعرفة.

(6)

في أ: "لا لمجرد".

(7)

وذلك لأنّ "إنّ" المؤكّدة، واللام الزَّائدة في "لمنطلق" تحملان معنى زائدًا على إفادة =

ص: 222

وإنَّما سُمِّي بعلم المعاني (1)؛ لأنَّه -بالحقيقة- عبارة عن معرفة المعنى المفاد من التَّركيب؛ كما أنَّ علم البيان سُمِّي به؛ لأنَّه [-بالحقيقة-](2) عبارة عن معرفة بيان المُفاد.

قال الأستاذ (3): محاسنُ الكلام وخواصُّه إمّا بحسب اللفظ؛ وهو البديع اللفظي، وإمَّا بحسب المعنى؛ وهو البديع المعنويّ، وإمَّا بحسب إفادة المُفاد؛ وهو علم المعاني، وإمَّا بحسب كيفيَّة إفادته؛ وهو علم البيان.

ويُسمَّى؛ أَي: ما يُفِيده التَّراكيب: خاصيَّة (4) التَّركيب. وإنَّما يُراعِيها البليغ؛ أي: من له فَضْل تمييزٍ ومعرفة (5)؛ لنُزوَل التَّراكيب

= الحكم؛ وهو: نفي الشَّكّ؛ فوجب حملُهما عليه.

(1)

في الأصل، ب:"وإنَّما سُمِّي العلمُ بعلم المعاني" ولا مُسوِّغ للزِّيادة.

(2)

ما بين المعقوفين غير موجود في الأصل، ب. ومثبت من أ؛ وهو الموافق لما قبله.

(3)

لم أعثر على كلام أستاذه الإيجي الذي نقله هُنا فيما تيسّر لي من مؤلَّفات الرّجل ولعل المنقول في مؤلف آخر ما زال مخطوطًا مثل: "المدخل في علم المعاني والبيان والبديع" الّذي يُنسبُ له.

وفي أ: جاء عقب كلمة: "الأستاذ" جملة دعائيّة، هي:"قُدِّس سرُّه".

(4)

في ب: "خاصّة". وخصَّه بالشَّيء: أفرده به دونَ غيره. ينظر: اللسان: (خصص): (7/ 24).

وخاصيَّة التَّراكيب: ما يُميّزه ممَّا يختصُّ به ولا يكون مشتركًا بينه وبين غيره. وإنمّا ألحقوا اليَاءَ المشدَّدة للمبالغة في قُوَّة اختصاص كل تركيب به؛ بحيث لا تتجاوزه إلى غيره من التَّراكيب.

(5)

وذلك "بأَن يُميّز في الاستعمال بين أجناس التَّراكيب؛ كالطبيِّ، والخبريِّ، وبين أنواع كل منهما؛ كالأمر والنَّهي والاستفهام والتَّمنِّي والنِّداء للطلبي، والإثبات والنفي للخبريِّ، وبين أصناف كلِّ نوعٍ منهما؛ كالابتدائيِّ والطبيِّ والإنكاري، ويعرف أنّ لكلِّ منهما خاصِّية هو يفيدها فلا يُستعملُ الكلامُ الابتدائيُّ في مقامِ يستدعي الطلبي أَوْ الإنكاريَّ ولا بالعكس

". شرح الفوائد الغياثيّة. لمجهول:=

ص: 223

الصَّادرةِ عمَّن سِواهُ -في صناعةِ البلاغة- منزلة (1) أصوات حيوانات تصدُر عن محالِّها بحسب ما يتَّفقُ (2). ويفهمُها ذو الطبع السليم (3)؛ لاعتبار ذوقه وصحَّة انتقال ذهنه.

وتنقسمُ إلى ما هُو كاللازم لِصُدوره عن البليغ، وإلى ما هو لازمٌ لما (4) هو (5) هو (6) حينًا: أي: تَنْقسم الخاصيَّةُ إلى قِسمين:

قِسمٍ ليس بِلازم؛ بلْ هوَ كاللَّازمِ لصُدوره عن البليغ (7)؛ وهي اللّوازمُ الخطَابيّة؛ كلُزوم نفي الشَّكِّ بقولنا (8): "إِن زيدًا منطلقٌ"؛ فإنّه

= (9 / أ - ب).

وقول الإيجيّ: "وإنما يراعيها البليغ

" أسلوب قصريٌّ؛ أي: رعاية هذه الخواصّ مقصورة على البليغ.

(1)

الأصل: "بمنْزلة"، والمثبت من: أ، ب.

(2)

لأن غير البليغ لا يراعي الخواصَّ، ولا يقصد إليها، بل قد يَستعمل تركيبًا مكان آخر لعدم تمميزه بين خواصِّ التَّراكيب.

(3)

قول الإيجي: "ويفهمُها ذو الطبع السّليم" معطوف على ما تقدّم، فهو أسلوبٌ قصري -أيضًا-؛ أي: فهْم هذه الخواصِّ مقصورٌ على ذي الطبع السَّليم.

ولم يقل على البليغ -كما تقدّم- منعًا للدّور.

(4)

اللام في "لما" للتّعليل؛ كما هو الحال في قوله: "لصدوره".

(5)

و (6) الضمير الأوّل راجع إلى الموصول قبله، والآخر راجع إلى التَّركيب، أي: لازم للتّركيب لأمر هو ذات التركيب. وسيتضح ذلك بجلاء من خلال شرح الكرمانيّ الآتي لهذه الفقرة.

(7)

قوله: "لصُدوره عن البليغ": تعليلٌ لقوله: "كاللازم"، فقد عرض للتَّركيب أمرٌ خارجيّ، وهو صدوره عن البليغ؛ غلب -بسببه- عدم انْفكاكه عن الخاصية؛ لا جرت به عادةُ البلغاء من عدم تخلف تراكيبهم عن خواصها. فكانت كاللَّازمة.

(8)

في الأصل: "لِقَوْلنا"، والصّواب من: أ، ب.

ص: 224

يلزمهُ لصدوره عن البليغ؛ إذ لوْ صدر من غيره لم يُفهم (1). وهذا القِسْمُ يقعُ كثيرًا؛ بلْ دائمًا في كلام البليغ.

وقسمٍ لازم لذاتِ التَّركيَب صدرَ عن البليغ أوْ لا؛ وإنْ لم يُعتبر إِلّا عند الصُّدورِ من البليغ؛ وَهي اللَّوازم الاستدلاليَّة؛ كعكسِ نقيضِ القضيَّة (2). وهذا القسمُ يقعُ في كلامه حِيْنًا لا كثيرًا وَلا دائمًا؛ أي: خَواصّ كلامِ البليغ أكثرها من الأوَّل، ومن الثّاني قليلٌ. فعلى هذا قوله:"حينًا" يتعلّقُ بمحذوفٍ؛ مثل: حاصلًا (3)، أَوْ حصل (4)، أَوْ يَقع، أَوْ يَصدر، إلى غَير ذلك.

ومَنْ تتبَّع كتابَ "المفتاح" عَلِم أن الخواصَّ الاسْتدلاليَّة -أَيضًا- ممّا فيه البحثُ؛ صرَّح بها (5) السَّكاكيُّ (6) في مَواضع من

(1) أي: لم يُفهم نفي الشَّكِّ.

(2)

عكسُ نقيض القضية: إحدى المقدِّمات المنطقيَّة إلى تُبنى عليها الحجَّة. وحاصله عند السَّكاكيِّ (المفتاح / 479 - 480):، يرجع إلى نفي الملزوم بنفي لازمه في عكس المثبت، وإلى إثبات اللَّازم بثبوت ملزومه في عكس المنفيّ" وعند أصحابه: "عبارة عن جعل نقيض الخبر مبتدأ، ونقيض المبتدأ خبرًا؛ مثل أن تقول في قولك: كلّ إنسان حيوان: كلّ لا حيوان لا إنسان

".

ومرادُ الشَّارح رحمه الله: أَن عكس النَّقيض خاصِّية ذات علاقة عقليَّة؛ لا تنفكّ عن ذات التّركيب؛ فهي لازمة له.

(3)

في أ: "حاصل". ولا وجه له.

(4)

في ب: "يحصل".

(5)

في ب: "به".

(6)

هو أبو يعقوب، يوسف بن أبي بكر بن محمّد السَّكاكيّ الخوارزميّ. إمام في العربية؛ بيانها، وأدبها، وعروضها، وشعرها. متكلّم فقيه. ومن أهمّ كتبه "مفتاح =

ص: 225

كتابه (1)، كما قال في أَوّل المنطق (2):"الكلامُ في تكمل"(3) علمِ المعاني؛ وهي: تتبُّع خواصّ تراكيبِ الكلَامِ في الاسْتِدلال".

واللام في قوله: "لصُدُوره" ظاهرٌ في التَّعليل، ويُحتمل كونُه من صلة اللّازم، وحينئذٍ يَكونُ اللازمُ والملزومُ مذكورين بالفعل.

واعلم: أن هذا الموضعَ (4) من مَزال الأَقْدام، وَمَضالِّ الأفهامِ، واشْتَغلَ بتوجيهِه جمٌّ غفيرٌ (5) من الأفاضل؛ كالتَّوجيهاتِ الّتي فِي شُرُوح "المفتاح" (6). وكمَا قِيل: المرادُ. مما هو كاللازمِ: اللازمُ الغيرُ البيِّن، وبِمَا

= العلوم"، وقد قسّمه إلى ثلاثة أقسام؛ أوَّلها في علم الصّرف، وثانيها في علم النَّحو، وثالثها في علمي المعاني والبيان، ثم ختمه. مما يكمل به علم المعاني، وبما يتمّ الغرض منه. ولد سنة 555 هـ، وتوفي سنة 626 هـ.

ينظر: بغية الوعاة: (2/ 364)، الأعلام:(8/ 222).

(1)

ينظر -على سبيل المثال- ص: (438، 491، 504).

(2)

المفتاح: (435). وأراد بالمنطق، "علم الاستدلال أو علم خواص تراكيب الكلام، كما عَنْوَنَهُ السَّكاكيُّ؛ وهو أحدُ العلوم المتعدَدة الّتى اشتمل عليها كتابه الآنف الذّكر.

(3)

في الأصل، ب:"تكلمة". والصّواب من: أ؛ مصدر القول "المفتاح".

(4)

يقصد به: الحديث عن أقسام خاصيّة التّركيب.

(5)

الجمُّ الغفير: الجمع الكثير. ينظر: اللِّسان: (غفر): (5/ 27).

والجم منفردًا: الكثير من كلّ شيء؛ وفي التّنْزيل: {وَتُحبُّونَ الْمَال حُبًّا جَمًّا} سورة الفجر: 20؛ أي: كثيرًا، وقيل: الكثير المجتمع. اللسان: (جمم): (12/ 104).

والغفير منفردًا: الجماعة الكثيرة. ينظر: اللِّسان: (غفر): (5/ 27).

(6)

ينظر -على سبيل المثال-: مفتاح المفتاح: (54 - 58).

ص: 226

هو لازُم: اللَّازمُ البيِّن. وَكَذا (1) قيل: إن "حِينًا" متعلّقٌ بقوله: "لازم"(2)؛ أي: الملازمة جُزْئيّة (3)؛ ولا مُنافاة بين كونه ذاتيا وبين الجزئيّة (4)؛ والكلُّ فيهِ ما فيه (5)، إلا ما ذكرنَا، فإنّه لا غُبارَ عَليه.

وغايتُه (6)؛ أي: غايةُ علمِ المعاني. تَطْبيقُ الكلام على مُقتضى الحال؛ وهو الأمرُ الدّاعى إلى التَّكلُّم على الوجه المخْصُوص؛ فإن المقاماتِ (7) مختلفةٌ (8)، كالجدِّ: أي: كمقامِ الجدِّ مع مقام الهزْلِ، ومقامِ التَّواضع مَع مقام الفخر، ومقامِ الشُّكرِ جمع مقامِ الشِّكَايةِ، ومقامِ التَّهنئةِ جمع مقام التَّعزية (9).

(1) في أ: "وكما".

(2)

في الأصل: "لازمًا"، والصّواب من: أ، ب. وهو الموافق للكلمة في سياقها المتقدّم.

(3)

ينظر: مفتاح المفتاح: (57).

(4)

لأنه قد يعترض على تعلق "حينًا" بـ"لازم": بأنّ ذلك مناقض لقوله: "لما هو هو" ولا منافاة؛ لأنَّه يمكن أن يجاب عنه بأن كونه حينًا بالنّظر إلى وصفه العنواني "الملازمة الجزئيّة"، وأنه كونه لا هو هو بالنظر إلى ذاته.

(5)

أي: جميع الآراء الواردة في توجيه المسألة لا تشفي العلة ولا تدفع الاعتراض.

(6)

غايةُ كلِّ شيءٍ: مداه ومنتهاه. ينظر: اللّسان: (غيا): (15/ 143).

(7)

في أ: زيد ضمن كلام الشّارح: "والأحوال".

(8)

لمّا كان غاية علم المعاني تطبيق الكلام على مقتضى الحال ناسب المقام أن يبيِّن السَّبب الدَّاعي إلى ذلك؛ وهو أن المقامات والأحوال الّتي يُورد عليها الكلام مختلفة متفاوتة.

(9)

إنّما تعرض المصنِّف "الإيجي" والشَّارح "الكرماني" لهذه المقامات المتضادّة لبيان إلاختلاف والتفاوت بين كلّ مقامٍ مذكور وضدِّه، ولم يهدفا بذلك إلى حصر=

ص: 227

وكل (1)؛ أي: كلُّ مقامٍ من المقامات، يَسْتَدعي تركيبًا يفيدُ ما يُناسبُه؛ أي: المقام، وحُسْن الكلام (2)، ولا حُسْنه؛ بمطابقته (3) [للمَقام] (4) وعدم مُطابقتِه له؛ وهذَا هو الذي يُسمَّى: مُقْتضى الحال؛ على أنَّه -أي: المقام- قَدْ يَقْتضي تأدية المعنَى بِمُجرَّد دلالاتٍ وضعيَّة وألفاظ مُسْتعملةٍ كيف كانتْ، ومجرّدِ تأليفٍ بينها (5)؛ يُخرجها عن حُكم النَّعيق (6)،

= المقامات، أوْ قصر خصوصيَّة المراعاة على كلّ مقام وضدّه، أوْ حتّى حصر الخصوصية على ذات المقام من حيث هو مقام؛ دون النَّظر إلى اعتبارات أُخرى ترتبط به كحال المخاطب أو السَّامع؛ بلْ قد يكون اختلاف المقام بالنَّسبة إلى حال المخاطب لذاته؛ كاختلاف الخطاب مع الغبيِّ مع الخطاب مع الذكيّ، واختلاف الخطاب مع الخائف مع الخطاب مع الآمن، وقد تتركّب بعض المقامات مع بعض مقامات بحسب اعتبارات الأحوال؛ فقد يجتمع مقام التهنئة مع مقام الجدِّ، ومقام الشُّكر مع التَّواضع، وغير ذلك مما يشق حصره. وكلُّه مندرج تحت غاية علم المعاني.

(1)

التّنوين في "كلّ" عوضٌ عن مضاف إليه؛ وضَّحه ما جاءَ بعده من كلام الشَّارح.

(2)

في الأصل: "المقام"، والصَّواب من: أ، ب.

(3)

في أ: "لمطابقته".

(4)

ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، ومثبت من: أ، ب.

(5)

من غير نظرٍ في الاعتبارات اللَّاحقة للمفردات؛ من الإثبات، والحذف، والتَّعريف، والتَّنكير، وغير ذلك وكذا الاعتبارات المتعلِّقة بالتَّأليف سواء ما يتعلّق بالطرفيِن؛ كالتَّقديم والتَّأخير والرَّبط بينهما والقصر، أو ما يتعلّق بالجمل أو الجملية كالفصل والوصل، وقد أشارَ السكاكيُّ رحمه الله إلى هذا المعنى في أثناء حديثه عن تفاوت مقتضى الحال. ينظر: المفتاح: (163).

(6)

النعيق: الصِّياح. وأصله: دعاء الرَّاعي الشَّاءَ؛ يُقالُ: نعق الرَّاعي بالغنم نُعاقًا ونعيقًا ونعقانًا: إذا صاح بها وزجرها. ينظر: اللسان: (نعق): (10/ 356).

وفي الذّكر الحكيم: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً=

ص: 228

وهو الذي يُسَمَّى في علمِ النحو: أصلُ المَعنى، كما إِذَا كانَ الْمُخاطبُ غَبيًّا غيرَ ذكِي يستوي بالنِّسبة إليه كُلُّ التَّراكيبِ، وحينئذٍ يكونُ المطابقُ للحالِ ما يُفيدُ أصلَ المعنى لا غير؛ وهذا -أيضًا- نوعٌ من الخاصيَّة يُراعيها البليغُ.

والحاصلُ: أنَّ كل علمٍ يتحصَّل بمتعلّقه (1)، ويُحصَّل لغرضه، ويستحصل بطريقه. ومتعلقُ (2) علمِ المعاني: خواصُّ التَّراكيب. وغرضه: تطبيقُ الكلامِ على مُقتضى الحال، فمن المتكلِّم: بأن يُوردَ تركيبًا يُفيدُ مَعنًى مُنَاسبًا، وَهُو البليغ، ومن السَّامع (3): بأن يَحمِله عليه؛ وهو لِذِي الطبع السَّليم، وطريقُه: الاستقراءُ والتَّتبُّعُ.

وعلمُ البيان: معرفةُ مراتبِ العبارات الدَّالة على معنًى وَاحدٍ في الجلاء (4)؛

= وَنِداء} سورة البقرة: من الآية 171.

ومراده بـ "يُخرجها عن حُكْمِ النّعيق": تجاوز ما يفقه من مجرَّد الصَّوت إلى ما يخرج المعنى من أدنى درجات التّأليف.

(1)

في ب: "المتعلقة".

(2)

في الأصل: "فمتعلق"، والمثبت من: أ، ب؛ وهو الأنْسب.

(3)

"ومن" ساقطة من: أ.

(4)

الجلاء: الوضوح. ينظر: الصّحاح (جلا): (5/ 1839)، وأَراد به: وضوح المعنى المراد بحسب الطُّرق المختلفة الكاشفة عنه.

ويبدو للمتأمل في ثنايا هذا التعريف جودة سبكه، وإيجازه؛ فقد توارد عليه عقلان =

ص: 229

أهي (1): بطريق التَّمثيلِ، أو الكناية، أو الاستعارةِ، أَوْ غيرها (2). [وإنّما أهملَ ذكرَ الخفاء؛ لأنه إذا عُلم مراتب العبارات في الجلاء عُلم مراتبُها في الخفاء - أيضًا (3)](4).

= (الإيجي والكرماني)؛ استدرك التّلميذ بقوله: "الدّالة على معنى واحد"، ما غفل عنه إيجاز الشيخ:"معرفة مراتب العبارات في الجلاء"؛ فغدا بذلك قريبًا من أَن يكون جامعًا مانعًا مع جمال العبارة وحسن الصياغة. وكان الأَجْدر بهما أن ينصَّا على قيد "بحسب الدَّلالة"، ليحترز به عن المعاني والمفردات المترادفة.

ومع أن التَّعريف المتقدّم مبني أصلًا على تعريف السَّكاكيّ رحمه الله إلا أنَّه اشتمل عليه وأحاط به إحاطة الرَّحم بالجنين، وكأنَّما تولّد تعريف السَّكاكيّ منه موضحًا له؛ إذ قال (المفتاح: 162): "وأمَّا علم البيان: فهو معرفة إيراد المعنى الواحد في طرق مُختلفة، بالزيادة في وضوح الدَّلالة عليه، وبالنقصانِ ليُحترز بالوقوف على ذلك عن الخطأ في مطَابقة الكلام لتمام المراد".

(1)

في الأصل: "أي"، والصواب من: أ، ب.

(2)

فالمعنى الواحد "كالجود" -مثلًا- يمكن أَن يُؤدَّى بطرق مختلفة في وضوح الدِّلالة عليه: فتارة يُؤدَّى بطريق التَّشبيه؛ فتقول: "محمّد كالبحر".

وتارة يُؤدَّى بطريق الكناية؛ فتقول: "محمد كثير الرّماد".

وتارة ثالثة بطريق الاستعارة، فتقول:"رأيت بحرًا في دارنا".

(3)

ليس هذا الكلام على إطلاقه؛ "لكون (الخفاء) مردودًا أصلًا في البلاغة، وإن كان بعض مراتب الوضوح خفيّة بالنِّسبة إلى ما هو أوضح منه، وما قيل: إنّما أهمل الخفاء لانفهام مراتبها من مراتب الجلاء -إنْ أراد قائله مراتب الخفاء الحقيقيّ فغير صحيح، وإن أراد مراتب الخفاء الإضافيّ -كما ذكرناه- فصحيح لكنّه لم يهملها؛ إذ هي داخلة في مراتب الجلاء". شرح الفوائد الغياثية. طاش كبرى زاده: (15).

(4)

ما بين المعقوفين سقط من الأصل، وأثبت من: أ، ب. وقد سقط من العبارة المثبتة قوله:"إذا علم" من أ، كما سقطت كلمة:"أيضًا" في نهاية العبارة من ب.

ص: 230

قال الشّيخُ (1) - في "دلائل الإعجازِ": لنا معنى، ومعنى معنى؛ أَمَّا المعنى؛ فهُو: ما يُفهمُ من ظاهرِ اللفظِ بلا واسطة (2)، وأمَّا معنى المعنى؛ فهو: أن يُفهمَ من لفظٍ معنى، ثُمَّ يُفيدُ ذلك المعنى معنى آخر لتعلُّقٍ بينهُمَا؛ كدلالة:"زيدٌ طويلُ النَّجاد" على أنه طويلُ القامة (3). ولاخْتلافِ التَّعلُّق بَيْن المعنَيين؛ في: الظّهُوَر والخفاء، و [بسبب](4) كثرةِ اللوازِم وقِلَّتها - اخْتلفت طُرُقُ تأديةِ المعنى الواحدِ بأساليبَ مختلفةٍ بالجلاءِ والخفاءِ.

وهذا العلمُ -أيضًا- تتبُّعيٌّ، لكنّه لَمَّا كان شُعبةً مِنْ علم (5) المعاني -وهو تتبُّعيّ- لم يَحتَجْ ها هنا (6) إلى التِّكرار (7).

(1) يقصد بالشّيخ: الإمام عبد القاهر الجرجانيّ؛ وهو أبو بكر؛ عبد القاهر بن عبد الرّحمن بن محمّد الجرجانيّ، الشافعيّ. أديبٌ من أعلام اللّغة، وواضع أسس البلاغة، له عدّةُ مُصنّفات؛ منها:"أسرار البلاغة"، و"دلائل الإعجاز"، و"الشافية"؛ رسالة في إعجاز القرآن، اختلف في سنة وفاته على أقْوال أشهرها 471 هـ.

ينظر في ترجمته: نزهة الألباء في طبقات الأدباء للأنباري: (363 - 364)، سير أعلام النُّبلاء:(18/ 432، 433)، فوات الوفيات:(2/ 369 - 370)، بغية الوعاة:(2/ 106). وللدكتور محمد عبد المنعم خفاجي كتاب: "عبد القاهر والبلاغة العربيّة".

(2)

كدلالة: "زيد خرج" على مجرد ثبوت الخروج لزيد.

(3)

ينظر: دلائل الإعجاز: (263) حيثُ نقلَ الشَّارح قولَ الجرجانيّ بالمعنى.

(4)

ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، ب. ومثبت من: أ.

(5)

كلمة: "علْم" ساقطة من ب.

(6)

في الأصل."هنا" والمثبت من: أ، ب. وعلى مثلها درج الشّارح.

(7)

خالف طاشكبرى زاده هذا القول. وصرَّح بما يدل على أن إهمال المصنف للتّتبّع في تعريف علم البيان مقصود، وعلل ذلك بقوله (شرح الفوائد الغياثية: 15):=

ص: 231

وهذا (1) كشعبة (2) للمعاني؛ لأنَّها مَعرفةُ العبارات بحسبِ الإفادةِ؛ وهذا معرفةُ مراتبها بحسبِها، ومعرفةُ مرتبة الشَّيءِ مُتأخّرةٌ عَن معرفةِ الشَّيءِ؛ لأنَّها متفرِّعةٌ عليه ومُنْشَعِبَةٌ (3) مِنْه (4). وهذا المعنى في

= "وإنَّما لم يذكر التَّتبُّع ها هنا إشارة إلى أن دلائل علم البيان -لكونه باحثًا عن الملازمات العقلية- هي العقل؛ بخلاف علم المعاني فإنّه -لكونه باحثًا عن الملازمات العرفيّة والذوقِيَّة- يحتاج إلى ممارسات طويلة، واستقراءِ صورٍ كثيرة. ومن قال: إنّ التّتبع مراد ها هنا كما أن المعرفة مرادة هناك فقد غفل عن الإشارة المذكورة

".

(1)

أي: علم البيان.

(2)

الشُّعبةُ من الشَّجر: ما تفرق من أَغْصانِها. اللِّسان: (شعب): (1/ 499).

وإنّما لجأ إلى التشبيه فقال: "وهذا كشعبة" ولم يقل: "وهذا شعبة" لأن ما تشعَّبَ عن الشَّيء يكون -حقيقة- منه. وعِلْم البيان -في حقيقة أمره- ليس جزءًا من علم المعاني.

وبيدو لي أن تعبير الإيجيّ أدقّ من تعبير الكرمانيّ الذي جعل علم البيان شعبة من علم المعاني، وذلك لأن أسلوب التّشبيه لم يلغ استقلالية علم البيان عن علم المعاني. وقد وفّق الإيجي في ذلك؛ لأن كلا من العلمين له وظيفته الخاصّة به وإن كانا معًا يمثلان علم البلاغة.

(3)

في أ: "ومُتشعِّبة" والمعنى واحد. يقال: تشعّبت أغصانُ الشّجرة.

وانْشَعبت: انتشرت وتفرقت. اللسان: (شعب): (1/ 499).

(4)

قال ابن يعقوب (مواهب المفتاح في شرح تلخيص المفتاح؛ كتاب ضمن شروح التّلخيص، 3/ 256): "وفيه نظر؛ لأنّ إيراد المعنى الواحد بطريق من الطّرق الّتي يقبلها لا يستلزم المطابقة لذاته، فلا توقّف؛ بل المتبادر أنّ مفاد البيان هو الّذي يتنزل من مفاد المعاني منْزلة الجزء من الكلِّ؛ لأنه للاحتراز عن التعقيد المعنويِّ؛ الّذي تتحقّق به الفصاحة؛ الّتي هي جزء من البلاغة".

ولا تعارض عندي بين الرأيين؛ لوجود الخصوصيّة التي نظر إليها كل رأي وتحققها بحسب كل وجهة.

ص: 232

الحقيقةِ (1) راجعٌ -أيضًا- إلى الإفادةِ، وكيفيَّةِ الإِفادة فَجَرى (2) مجرى المُركبِ من المُفْرد؛ ولِهذا قُدِّم وضعًا ليُوافق الطبْع؛ لأن المفردَ مقدّمٌ على المركبِ بالطبع.

ومَا أفقرَ؛ صيغةُ فعلِ التَّعجّبِ: طالبَ الوقوفِ على تمامِ الْمُرادِ مِنْ كلامِ الله -تعالى - (3) إلى هذَيْن العلْمين (4)!.

المراد؛ أي: ما يُراد بَيَانُه مِن التَّكلَّم (5).

(1) في أ، ب:"بالحقيقة".

(2)

في الأصل: "تجرى"، والصّواب من: أ، ب.

(3)

"تعالى" ساقطة من: أ.

(4)

أي: علمي: المعاني والبيان.

وتعبيرُ السَّكاكيّ رحمه الله قريب من هذا. ينظر: المفتاح: (162). ويؤخذ عليه عدم تنبّهه لمغزى قوله: "الواقف على تمام المراد

مفتقرٌ إلى

"؛ حيث أجرى العِبارةَ على المجاز. وكان الأولى أن يقول: "طالب الوقوف" كما ذكر المصنّف.

وإنما افتقر طالبُ الوقوف على تمام المراد إلى هذين العِلْمَين لأنه لا يمكن تعاطي تفسير كلام الله تعالى وفَهْمِ مراده إلا بعد فهمِهما واسْتيعاب قواعدِهما. من خلال معرفة الخواصِّ الدّقيقة للتّراكيب المختلفة في المقامات التفرقة. ومن تجرّأَ على الخوض في كلام الله وهو راجل فيهما فقد دخل في زمرة من توعّدهم الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: "مَنْ قال في القرآنِ برأيِه فلْيتبوّأ مقعدَه من النار"[سنن التّرمذي: 5/ 183].

(5)

ويجب قصره في كلام الله تعالى؛ على ما يمكن الاطّلاع عليه مما مكن منه البشر؛ لا بحسب نفس الأمر.

ص: 233

وذلك (1) المعنى الواحد الذي اخْتَلفت (2) فِيه العباراتُ؛ كمعنَى: "زيدٌ شُجاعٌ"؛ فَإنَّه واحدٌ فِي قَوْلنَا: "زيدٌ كالأسدِ في الشَّجاعةِ"، و"زيدٌ كالأسدِ"؛ بحذفِ وجه الشَّبهِ (3)، و"زيدٌ أسدٌ" بحذفِ حرفِ التّشبيه -أيضًا-.

وتمام الْمُرادِ: كون العبارةِ الدَّالة على ذلك المعنى على ما يَنْبغي من مراتب الجلاءِ؛ وهي (4) ما يُفيدُه الصَّرفُ عن الحقيقةِ وعن التَّصريح إلى المجازِ والكنايةِ والتَّشبيهِ والاستعارةِ (5) وغير ذلكَ. وهذَا القدر -أي: تمام ما يُرادُ من العبارةِ- مِمَّا لا اختلافَ في إمكانِ الوقوفِ عليهِ.

وعلى الوَجْهِ الذي وَجَّهناه (6) لا وُرودَ لِمَا يُقالُ: إن الاطِّلاعَ على تمام مُرادِ الله -تعالى- لا يَصِحُّ إذا كان مُمتَنعًا (7) -كَمَا في

(1) في ب: "ذلك" بحذف الواو. والعطف أَوْلَى.

(2)

في أ، ب:"اختلف".

(3)

في أ: "التشبيه".

(4)

في الأصل: "وهو"، والصّواب من: أ، ب.

(5)

جَعَل الكرمانيُّ الاستعارة -في هذه العبارة- قسيمًا للمجازِ. والمَعلُوم من المدرسة السَّكاكيَّة أن الاستعارة قسم من أقسام المجاز وليست قسيمًا له؛ إذ أنَّ المجاز عقليّ ولغوي، واللُّغويّ مجاز مرسل واستعارة. ولعل صاحبنا تسامح في عبارته من أجل التّوضيح فأراد بالمجاز المجاز المرسل الّذي هو قسيم للاستعارة.

(6)

أي: إيضاحه المتقدّم لتمام المراد؛ إذ قال: "وتمام المراد

الوقوف عليه".

(7)

هكذا وردت العبارة في الأصل. وفي أ، ب:"إنّ الاطّلاع على تمام مراده إذا كان ممتنعًا"، وزيد في أ:"محالًا".

ص: 234

المُتَشابهاتِ (1)؛ فَكَيْف يَفْتقِرُ طالبُ الوقوفِ على تمامِه إلى هذين العِلْمَين؟!؛ وإنَّمَا يَصِحُّ لو كانَ الوقوفُ مُمكنًا، فَلَا حاجة إلى الجوابِ: بأنَّ المدّعى أنَّه لا يُمكنُ الوقوفُ على تمامِ المرادِ من غير هذينِ (2) العِلْمين، وهُو مُسلّم، وأَمَّا أنَّه لا يُمكِنُ مَعَهُما -أيضًا-؛ فلا يُنافِي ذلكَ. وأمَّا أنَّه لَوْ افتقرَ إليهما لَعلِمَ تمامه معهُما فغيرُ لازمٍ (3).

(1) المُتشابهات هنا ما يُقابل المحكمات في قوله سبحانه وتعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران: 7].

وقد اختلف العلماءُ رحمهم الله في بيان المراد بها على أقوال عدّة منها:

1 -

المتشابه المجمل.

2 -

المتشابه هو الّذي يغمض علمه على غير العلماء المحققين؛ كالآيات الّتي ظاهرها التّعارض.

3 -

المتشابه الحروف المقطّعة في أوائل السُّور.

4 -

المتشابه القصصُ والأمثال.

5 -

المتشابه ما ورد في صفات الله سبحانه وتعالى؛ ممّا يجب الإيمان به ويحرم التّعرّض لتأويله. وهذا الأخير هو ما رجّحه ابن قدامة المقدسيّ.

ينظر: المستصفى من علم الأصول؛ للغزالي: (1/ 202 - 204)، روضة الناظر وجنة المناظر؛ لابن قدامة:(1/ 185 - 186)، والإحكام في أصول الأحكام؛ للآمدي:(1/ 153).

(2)

كلمة: "هذين" ساقطة من أ، ب.

(3)

ينظر ما تقدّم من الاعتراض والإجابة عليه في مفتاح المفتاح: (65). وليس ثَمَّة شكٌّ أن تلك الإجابات مع إجمالها وإيجازها شافية وافية؛ تحقق معها المراد، واندفع أمامها الاعتراض.

ص: 235

ولم يتعرَّضْ لغايةِ علمِ البيانِ لظهورها (1)؛ وهي: تطبيقُ الكلامِ على ما يَنْبغي مِنْ مراتبِ الجلاءِ، أي: على تمامِ المرادِ.

(1) حيث اتّضحت تلك الغاية من خلال تعريف علم البيان نفسه.

ص: 236

الفصلُ الأول في علْمِ المعاني والكلامِ في الخَبر والطَّلبِ

ص: 237