الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مباشرة أنّ المعنيّ بذلك هو الإمام الرَّازي؛ فهو صاحب القول المعترض عليه.
وهنا يتجلّى الخطأ الَّذي وقع فيه الشّارح حيث فهم أنّ الاعتراض متّجه من الرّبعيّ إلى الرَّازي، وليس الأمر كذلك؛ إذ إِنّ الرّبعيّ متقدّم في الوفاة على الفخر الرّازي فالرّبعيّ توفّي سنة (420 هـ).
أمّا الفخر فتوفّي سنة (606 هـ). فكيف يعترض متقدّم على متأخّر؟! -كما يفهم من كلام الكرمانيّ-. ثمّ لم تنقل كتب النّحو أنّ أحدًا قال بقول الرَّازي ممّن سبق الرّبعيّ حتَّى يوجّه قوله إليه. والله أعلم.
4 - أخطاء أسلوبيّة:
ويمكن أن نقسمها إلى قسمين:
أ - ما يتعلّق بالمعنى:
ومن أمثلته: استطراد الشّارح رحمه الله في إيضاح قول المصنّف (1): "فإما أن لا يستدعي الإمكان" مشيرًا به إلى القسم الأوّل أقسام الطّلب بما يعدّ أقرب إلى الغموض والإلباس؛ إذْ بنى حديثه على كلمتين زاوج بينهما ثمّ أدارهما نفيًا وإثباتًا؛ قال: "أي: لا يستدعي في مطلوب إمكان الحصول؛ لا أنَّه يستدعى أن لا يمكن. والأوّل أعمّ؛ لأنَّه كلّما صدق: (يستدعى أن لا يمكن) صدق: (لا يستدعي أن يمكن) وإلّا لصدق (يستدعى أن يمكن) فيتجمع النّقيضان. وليس كلما صدق (لا يستدعي
(1) ص (563) قسم التّحقيق.
أن يمكن) صدق (يستدعي أن لا يمكن) لأن الأوّل يحتمل أن يجامع الإمكان وعدمه؛ لاحتماله منهما، بخلاف الثّاني فإنّه لا يجامع الإمكان لاستلزامه عدمه".
ولعلّ التوغّل في النطق عند بعض تلاميذ المدرسة السَّكاكيَّة هو الَّذي أدّى إلى مثل هذا التّعقيد.
ب - ما يتعلّق باللَّفظ:
ومن ذلك خطؤه في مخاطبة المؤنّث بصيغة المذكّر. ومثاله قوله (1): "الأوّل: عقد الهمّة به منك أَوْ من السَّامع ولو ادِّعاءً؛ أي تكون همّة المتكلّم أَوْ السَّامع معقودًا به؛ حقيقةً أَوْ ادِّعاء
…
".
فلفظة "معقودًا" وردت بصيغة التذكير، وحقّها أن ترد بالتّأنيث لكونها خبرًا لمؤنّث هو لفظة:"همّة".
وممّا يلفت إليه النّظر في هذا الجانب إقحام الكرمانيّ رحمه الله لبعض الألفاظ الفقهيّة معبّرًا بها عن بعض الأسرار البلاغيّة من مثل قوله (2): "فعلم أنّ الجملة بالنّسبة إلى الواو لها الأحكام الخمسة ما يجب دخولها فيها كالجملة الاسميّة، وما يستحبّ كالماضيّة، وما يحرم ويمتنع كالمضارع المثبت، وما يكره دخولها ويكون تركها أولى كالجملة المنفيّة، وما يستوي الأمران فيها كما في الظّرفيّة".
(1) ص (4165) قسم التّحقيق.
(2)
ص (561) قسم التّحقيق.
فالألفاظ: (يجب، يستحبّ، يحرم، يمتنع، يكره) ألفاظٌ شرعيّة يكثر استعمالها على السنة الفقهاء، وكان ينبغي على الكرمانيّ أن لا يزجّ بها في المباحث البلاغيّة؛ لأنّ البلاغة تقوم على الذّوق والتّحليل، وكلاهما لا يقبل الجزم أو القطع حتى تصدق عليهما تلك الألفاظ. ويبدو لي أنّ ثقافة الكرمانيّ الشّرعيّة هي السّبب وراء وجود مثل تلك الألفاظ.
وبعد؛ فهذه أبرز المآخذ التي تؤخذ على الكتاب، وهي -في نظري- لا تقلّل من قيمة الكتاب العلميّة، ولا تنقص من قدره إذا ما قوبلت بما له من حسنات، ولله درّ القائل:
وَمَنْ ذَا الذي تُرضَى سجاياه كلَّها
…
كَفَى المرءَ نُبْلًا أَنْ تُعدَّ معَايبُهْ (1)!!.
(1) ديوان علي بن الجهم: (118).