المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌التّمهيد: التّعريف بالعضد الإيْجيّ وكتابه "الفوائد الغياثيّة

- ‌المبحث الأول التعريف بعضد الدّين الإيْجي

- ‌المبحث الثّانِي: التّعريف بكتابه "الفوائد الغياثيَّة

- ‌عنوانه:

- ‌سبب تأليفه:

- ‌مضمون الكتاب:

- ‌الفصل الأوّل: التّعريف بشمس الدِّين الكرمانيّ

- ‌التّمهيد: نبذةٌ موجزةٌ عن عصر الكرمانِيّ

- ‌1 - الحالةُ السّياسيةُ:

- ‌2 - الحالةُ الإجْتماعيّة:

- ‌3 - الحالةُ العلميَّة:

- ‌المبحث الأوّل: حياة الكرمانيّ

- ‌المطلب الأوّل: اسمه، ونسبه، ولقبه، وكنيته

- ‌المطلب الثّاني:‌‌ مولده، ونشأته، ورحلاته

- ‌ مولده

- ‌نشْأته ورحلاته:

- ‌المطلب الثّالث:‌‌ عقيدته، وأخلاقه، وصفاته

- ‌ عقيدته

- ‌أخلاقه وصفاته:

- ‌المبحثُ الثاني شُيوخُه، وتَلاميذُه، ومكانتُه العلميّة

- ‌المطلب الأوّل: شيوخه

- ‌المطلب الثّاني: تلاميذه

- ‌المطلب الثالثُ: في مَكانته العلميَّة

- ‌المبحث الثَّالثُ: مصنّفاتُه ووفاتُه

- ‌المطلب الأوّل: مصنّفاته

- ‌المطلب الثانِي: وفاته

- ‌الفَصلُ الثّاني: التَّعريف بكتاب "تحقيق الفوائد

- ‌المبحث الأوَّل: اسمُ الكتابِ، وتوثيقُ نسبتهِ للمؤلّفِ، ومنهجُ المؤلّف فيه

- ‌المطلب الأوّل: اسم الكتاب

- ‌المطلبُ الثَّاني: توثيقُ نسبته للمؤلِّف

- ‌المطلبُ الثَّالثُ: مَنْهج المؤلِّف فيه

- ‌المبحث الثَّاني: مصادرُ الكتاب وشواهدُه

- ‌المطلب الأوّل: مصادرُ الكتاب

- ‌المطلب الثّاني: شواهدُ الكتاب

- ‌المبحث الثّالث: تقويم الكتاب

- ‌المطلبُ الأَوَّل: مزايا الكتاب

- ‌1 - حسن التّبويب والتنظيم:

- ‌2 - التَّوسُّط والاعتدال:

- ‌3 - اشتمال الكتاب على بعض الفوائد المهمّة:

- ‌4 - ظهور شخصيّة المؤلّف العلميّة بشكل واضح:

- ‌5 - اشتمال تحقيق الفوائد على بعض آراء الإيجيّ الّتي لم ترد في مختصره:

- ‌6 - اشتمال تحقيق الفوائد على أصحّ نسخ المختصر:

- ‌7 - وضوح المعنى، وسلامة الأسلوب غالبًا:

- ‌المطلب الثّاني: المآخذ عليه

- ‌1 - أخطاء عقديّة:

- ‌2 - أخطاء منهجيَّة:

- ‌3 - خطأ علمي:

- ‌4 - أخطاء أسلوبيّة:

- ‌المبحث الرّابع: وصف مخطوطات الكتاب، ومنهج التّحقيق

- ‌المطلبُ الأوَّل: وصفُ مخطوطاتِ الكِتابِ

- ‌أوّلًا: النّسخ المعتمدة:

- ‌1 - النّسخة الأصل:

- ‌2 - النُّسخة (أ):

- ‌3 - النُّسخة (ب):

- ‌ثانيًا: النسخ المهملة:

- ‌1 - نسخة مكتبة شهيد:

- ‌2 - نسخة مكتبة مشهد:

- ‌3 - نسخة المتن:

- ‌المطلبُ الثاني: منهجُ التحقيق

- ‌المقدّمة

- ‌الفصل الأوّلُ: في علْمِ المعاني والكلامِ في الخَبر والطّلبِ

- ‌القانونُ الأوّلُ: في الخبر

- ‌الفنُّ الأوّلُ: في الإسنادِ:

- ‌الفنُّ الثَّاني: في الْمُسْنَدِ والْمُسْنَد إليه

- ‌النوعُ الأَول: في‌‌ الحذفوالإثباتِ

- ‌ الحذف

- ‌الإثباتُ

- ‌النوعُ الثاني: في‌‌ التَّعريفبأَقْسامه (*)، والتَّنْكير

- ‌ التَّعريف

- ‌تنبيه:

- ‌تنبيه:

- ‌تَذْنِيب

- ‌التَّنكيرُ

- ‌النُّوعُ الثَّالثُ: في التَّوابع

- ‌الوصفُ

- ‌التَّوكيدُ

- ‌البيانُ

- ‌البَدَلُ

- ‌العطفُ

- ‌خاتمةٌ:

- ‌تذنيبٌ:

- ‌الفَنُّ الثَّالثُ: في وضع الطَّرفين (*) كُلّ عند صاحبه

- ‌ التَّقديم

- ‌النَّوعُ الأَوَّل: في التَّقديم والتَّأخير

- ‌تذنيباتٌ

- ‌النَّوعُ الثَّاني في الرَّبطِ والتَّعلُّق

- ‌تنبيهاتٌ

- ‌أدواته)

- ‌النوع الثالث (*): في القصر

- ‌ طرق القصرِ

- ‌خاتمةٌ:

- ‌الفنُّ الرّابعُ (*): في وضعِ الجملتينِ، والكلامِ في الوصلِ والفصل، وفي الإيجازِ والإطنابِ، وفي جعلِ إحداهما حالًا

- ‌النّوعُ الأوّلُ: في الفصلِ والوصلِ

- ‌الوصلُ

- ‌الفصلُ

الفصل: ‌ طرق القصر

وهو كقولك: (زيدٌ شاعرٌ لا عمرو) لمن يعتقدُ أنّ أحدهما لا بعينه -من غير ترجيح- شاعرٌ.

وطُرُقُه؛ أي:‌

‌ طرق القصرِ

، أَربعَةٌ:

الأوّلُ: العطف (1)؛ كقولك: (زيدٌ شاعرٌ لا منجّم) في قصرِ الموصوفِ على الصِّفةِ؛ إفرادًا أو قلبًا بحسبِ اعتقاد السّامع.

أو لا عمرو؛ أي: كقولك: (زيدٌ شاعرٌ لا عمرو) في قصرِ الصّفةِ على الموصوف بالاعتبارين بحسبِ المقام (2).

وإذا كثر المنفيُّ؛ أي: من الصِّفات في قصرِ الموصوفِ على الصِّفةِ، أَوْ من (3) الموصوفاتِ في قصرِ الصِّفةِ على

= يصرّح بهذا القسم لكنّه صرّح بقسيمه؛ وهو كون الموصوف على أحد الوصوفين لا على التّعيين من غير ترجيح؛ كما سبق إيرادُه في القصر الإفرادّي. وليس ثمّة مانع من تحقق القسيم، ولعلّ السَّكّاكيّ استغنى بأحدهما عن الآخر.

(1)

ذكر بعض متأخري البلاغيّين أنَّ السَّبب في تقديم طريق العطف على غيره من الطّرق الأخرى -كونه أقوى دلالة على القصر؛ للتّصريح فيه بالإثبات والنّفي. ينظر: حاشية الدّسوقيّ على السّعد (ضمن شروح التّلخيص): (2/ 186)، بغية الإيضاح:(2/ 9)، دلالات التَّراكيب. دراسة بلاغيّة. محمّد أبو موسى:(88).

(2)

يتضمّن طريق العطف ثلاث صور؛ العطف بـ (لا) أو بـ (بل) أو بـ (لكن) ولم يمثّل المصنّف والشّارح -رحمهما الله - إلا للعطف بـ (لا) اختصارًا، بينما مثّل السَّكاكيّ للعطف بـ (لا) و (بل) وظاهر كلامه صلاحيّة العطف بـ (لكن) وإن لم يمثّل لها. كما صرّح بذلك سعد الدّين في الطوّل:(211).

(3)

في الأَصل: "ومن" والمثبت من أ.

ص: 497

الموصوف (1) وريمَ؛ أي: طُلِبَ الاختصارُ قيلَ لا غيرُ (2)؛ أي: لا غير شاعر (3)، أَوْ لا غير زيد (4)؛ بتركِ الإضافةِ لدلالة (5) الحال عليه؛ وكذلك (6) ليسَ غيرُ، وليسَ إلّا؛ بتقدير: ليس غير شاعر، وليس إلّا شاعرًا؛ في قصرِ الموصوف على الصِّفة، وبتقدير: زيدٌ شاعرٌ لا غير زيدٍ، وليس شاعرٌ غيرَ المذكورِ، أو إلّا المذكَور؛ فتجعل النَّفي عامًّا ليتناولَ كَلّ شاعرٍ يعتقده (7) ممن عدا زيدًا (8)، في قصرِ الصِّفة على الموصوفِ.

(1) عبارة: "أي: من

الموصوف" ساقطة من ب.

(2)

مثالُ كثرةِ المنفيِّ من الصِّفات في قصر الموصوف على الصِّفة: قولك لمخاطب يعتقد أنّ زيدًا يعلم النَّحو، والصّرف، والعروض، وعلم المعاني، وعلم البيان-:"زيد يعلم النّحو لا غيرُ".

ومثال كثرة المنفيّ من الموصوفات في قصر الصِّفة على الموصوفِ: قولك لمخاطب يعتقد أنّ زيدًا يعلم النّحو وعمرو وبكر وخالد-: "زيد لا غير يعلم النّحو".

(3)

في قصر الموصوف على الصِّفة.

(4)

قصر الصِّفة على الموصوف.

(5)

في ب: "لذلك"؛ وهو خطأ ظاهر.

(6)

عبارة الشّارح: "أي: لا غير .. كذلك" ساقطة من أ.

(7)

أي: المخاطب.

(8)

يقول طاش كبرى زاده في شرحه للفوائد الغياثية: (132): "وأعلم أنّ إيراد (ليس غير) و (ليس إلّا) مع كونهما من طريق الاستثناء ليس لبيان طريق العطف؛ بل لبيان طريق الاختصار عند كثرة المنفيّ، وأمّا جعل (ليس) ها هنا للعطف فبعيد".

ص: 498

الثَّاني: "إلَّا" بعد النّفي (1)؛ أَيّ نفي كان: من: (ما) و (إن) و (ليس)؛ نحو: (ليسَ زيدٌ) أو (ما زيدٌ) إلَّا شاعرًا بالنّصب مع (ليس)، وبالرّفع مع (ما) في قصر الموصوف على الصِّفةِ، إفرادًا وقلْبًا بحسب اعتقاد السّامع، وكذا في قصر الصفة على الموصوف؛ تقول:(ما شاعرٌ إلّا زيدُ) إفرادًا وقلبًا بحسبِ المقام.

الثالث: "إنّما" ويتضمّنُ معنى: "ما وإلَّا" بدليلِ صحّةِ انفصالِ الضّميرِ معه؛ نحو: (إنَّما يضرب أنا)؛ كانفصاله معهما (2)؛ نحو: إما يضرب إلّا أنا)، ققال الفرزدق (3):

(1) وهذا الطّريق هو ما عبّر عنه السَّكاكيُّ بقوله (المفتاح: 289): "النَّفي والاستثناء" ويتجه على تعبير المصنّف حصره الطَّريق في "إلّا" دون غيرها من أدوات الاستثناء.

وكان الأوْلَى -في نظري- أن يقول: الاستثناء بعد النَّفي؛ معمّمًا الاستثناء في أدواته كما عمّم النَّفي في أدواته.

ومن أدوات الاستثناء الأخرى: غير، سوى. وقد يتحقّق الاستثناء بحتى، أو بدون. ونحوها.

(2)

أي: مع (ما وإلا).

(3)

سبقت ترجمتُه ص (343 - 344) قسم التّحقيق. والبيتُ من الطَّويل وهو في ديوان الشّاعر: (2/ 153) برواية: "أنا الضّامن الراعي عليهم وإنّما

... ".

واستُشهد به في دلائل الإعجاز: (328، 340)، والمفتاح:(292)، والمصباح:(96)، والإيضاح:(2713)، والتّبيان:(293). وهو في معاهد التّنصيص: (1/ 260).

ص: 499

أنَا الذّائدُ (1) الحامِي الذِّمارَ وإِنَّما

يُدافعُ عَنْ أَحْسَابِهِمْ أَنَا أَوْ مِثْلي

والذِّمارُ: ما وراء الرّجل ممّا يجبُ عليه أن يَحْمِيَه.

قال الرَّبْعيُّ؛ أي: عليُّ (2) بن عيسى الرَّبْعيّ، نحويُّ بغداد:(إنّ) للتحقيق [أي: كلمة إنّ للتّحقيق ولتأكيد إثباتِ المسندِ للمسند إليه](3) و (ما) مؤكِّدُه (4)؛ لا نافيةٌ كما قال من لا خبرة له بالنّحو؛ قيل: عَرَّضَ به للإمام الرّازي (5) [ومن قال مثل قول

(1) الذّائد: من الذّودِ؛ وهو الطرّدُ أو الدَّفعُ. ينظر: اللسان: (ذود): (3/ 167).

(2)

هو أبو الحسن البغداديّ؛ أحدُ علماء العربيّة؛ له عدّة تصانيف في النّحو؛ منها: "البديع" و "شرح مختصر الجرمي"، و "شرح الإيضاح لأبي عليّ الفارسيّ". مات في المحرّم سنة 420 هـ، وعمره 92 سنة.

ينظر في ترجمته: تاريخ بغداد: (12/ 17، 18)، معجم الأدباء:(14/ 78 - 85)، وفيات الأعيان:(3/ 295)، سير أعلام النّبلاء:(17/ 393).

(3)

ما بين المعقوفين ساقط من الأَصل، ومثبت من أ، ب. وعلى مثله درج الشّارح.

(4)

إلى هنا نهاية قول الرّبعيّ. وسيرد -عمّا قليل- ما يدفع وَهْم الشَّارح عندما أضاف إلى كلام الرّبعيّ ما ليس منه.

(5)

هو أبو عبد الله، محمّد بن عمر بن الحسن التّيميّ البكريّ فخر الدّين الرّازيّ. تبحَّر في المنقول والمعقول؛ فكان إمامًا مفسِّرًا أُصوليًّا فقيهًا، متكلِّمًا يتوقد ذكاءً. له مصنّفات كثيرة منها:"التَّفسير الكبير"، و "نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز"، و "شرح مفصّل الزّمخشريّ". توفي بهراة سنة 606 هـ.

ينظر في ترجمته: الكامل في التّاريخ: (10/ 350)، تاريخ الحكماء: (291 - =

ص: 500

الإمام الرّازي] (1). فيزيد (2) تأكيدها؛ فيتضمّن معنى القصرِ، إذ القصرُ يُقصد به هذا المقصودُ إذا وقع في جوابِ المتردِّد؛ أي: المقصودُ من القصرِ -أيضًا- تأكيدٌ للحكمِ على تأكيدٍ؛ لأنّك إذا قلتَ لمخاطبٍ يُردِّد المجيء الواقع بين زيدٍ وعمرو: (زيدٌ جاء لا عمرو)، ويكون قولُك:(زيدٌ جاء) إثباتًا للمجئ لزيدٍ صريحًا. وقولك: (لا عمرو) إثباتًا للمجئ لزيدٍ ضمنًا مُؤكّدًا لما عُلِمَ صريحًا.

والحاصلُ: أنَّ الإمام [وغيره](3) قال: إن (4)(إنّ) تدلُّ على الإثباتِ، و (ما) على النَّفي، والأصلُ بقاؤهما على ما كانا، وليسا متوجهين (5) إلى المذكورِ، ولا (6) إلى غير المذكور (7) للتَّناقضِ؛ بل أحدُهما للمذكورِ، والآخر لغير المذكور، وليسَ (إنّ) لإثباتِ ما عدا المذكور،

= 293)، ووفيات الأعيان:(4/ 82 - 86)، سير أعلام النبلاء:(21/ 500 - 501).

أمّا القِيل المتقدّم فقد نقله الكرمانيّ عن الشِّيرازيِّ في شرحه للمفتاح: (689).

(1)

ما بين المعقوفين غير موجود في الأَصل، ب. ومثبت من أ، وبه يتضح المعنى.

(2)

في الأَصل: "يزيد". والصَّواب من أ، ب، ف.

(3)

ما بين المعقوفين غير موجود في الأَصل، ومثبت من: أ.

(4)

"إن" ساقطة من أ.

(5)

في أ: "بمتوجّهين".

(6)

"لا" ساقطة من أ.

(7)

في أ: "غير مذكور".

ص: 501

و (ما) لنفي المذكور وفاقًا؛ فتعيّن عكسه (1) وهو معنى القصْر (2).

وقال الرّبعيّ: إنها قولُ من لا خبرةَ له بالنّحو (3)؛ لأنّها لو كانت نافيةً لَاقتضت التَّصدُّر، ولاجتمع حرفُ النّفي والإثبات بلا فاصلةٍ، ولجازَ نصبُ (إنّما زيدٌ قامٌ)؛ لأنَّ الحرفَ -وإن زيدَ- يعملُ، ولكانَ مع:(إنّما زيدٌ قائمٌ) يحقِّقُ عدمَ قيام زيدٍ، لأنَّ ما يلي "ما" النَّفي منفيٌّ؛ لكنَّ التّوالي الأربعةَ باطلةٌ؛ بل الوجهُ أنَّها مُؤكّدة -كما مرَّ.

وقال الأستاذُ -نصرةً للإمام-: مرادُه: أنَّ كلمةَ (إنّما) هكذا؛ للحصرِ كسائر الكلماتِ المركّبةِ الموضوعةِ لمعنًى، لا أن لفظة (إِنَّ) ولفظة (ما) رُكِّبتا وبَقَيتا على أصلهما، حتَّى لا يرد عليه الاعتراضات؛ وما ذكره هو بيانُ وجهِ المناسبة، ولئلّا يلزم النّقل الَّذي هو خِلاف الأصلِ (4).

(1) وهو أَنَّ (إنّ) لإثبات المذكور و (ما) لنفي غير المذكور.

(2)

ينظر: المحصول في علم الأصول؛ لفخر الدّين الرّازي: (1/ 211 - 212).

(3)

يبدو أنّ الشَّارح العلَّامة رحمه الله وهِمَ في هذا الموضع، حيث نسب إلى الرّبعي ما لم يقله. فحملة:"إنَّها قول من لا خبرة له بالنّحو" ليست من كلام الربعي؛ بل هي من كلام الإيجيّ تابع فيها السَّكاكيّ، الّذي عبّر عنها بقوله (المفتاح: 291): "على ما يظنّه من لا وقوف له بعلم النّحو، يعني بذلك الإمام الرّازيّ رحمه الله -كما أبان شرّاح المفتاح (ينظر: شرح الشّيرازيّ: 689، وشرح الجرجانيّ: 511) فهو صاحب القول المعترض عليه -كما نصّ على ذلك الشّارح - والربعيُّ تقدّم على الفخر الرّازي؛ فكيف يعترض متقدِّمٌ على متأخِّر؟!. ثم لم تنقل كتب النّحو أنّ أحدًّا قال بقول الرّازيّ ممَن يسبق الرَبعيّ حتّى يوجّه قوله إليه. والله أعلم.

(4)

لم أقف على كلامه في أيٍّ من مؤلّفاته -الّتي بين يديّ- ولعلّه ممّا نقله تلميذه عنه =

ص: 502

وأمّا المنقولُ من الرّبعيِّ فهو من باب إيهامِ العكسِ؛ فإنّه لَمَّا رأى أنَّ القصر تأكيدٌ على تأكيدٍ - ظنَّ أنَّ كلَّ ما كان تأكيدًا على تأكيدٍ كان قصرًا، و-أيضًا-: يلزم كون مثل: (والله إن زيدًا لقائم) فصْرًا؛ لأنَّه تأكيدٌ على تأكيد؛ و-أيضًا-؛ يلزم تخصِيص كونه للحَصْر بما وقعَ في جوابِ المتردّد (1)، لكنّه للحصر في جميع المواضع؛ فهو ممّن خَطّأَ فأخطأ؛ ومع إمكان أن يُحْملَ على محملٍ صحيحٍ (2) لا حاجة إلى مثل هذا التَّشنيع على مثلِ الإمامِ؛ ذلكَ الرَّجلِ الفاضلِ، والفحلِ البازلِ (3). نعم، يردُ عليهِ في بيانِ وجه المناسبة: إن (4) قولك: "ما" لنفي غير المذكور؛ كنفي غيرِ قيامِ زيدٍ في قولك: (إنّما زيدٌ قائمٌ) عمّ يتعيّن؟! لِمَ لا يجوزُ أن يكون لنفيِ قيامِ غير زيدٍ؟!

الرّابعُ: التَّقديم (5)؛ نحو: (أنا كفيتُ مهمّك

= عنه مباشرة.

(1)

لأنَّه بهذا التّصوّر -تصوّر الرّبعيّ- إنّما يصدق في جواب المترّدد؛ كما سبق أن أوضحه بقوله: "لأنّك إذا قلت لمخاطب يردّد المجيء الواقع بين زيد وعمرو: (زيد جاء لا عمرو) يكون من قولك: (زيد جاء) إثباتا للمجيء لزيد صريحًا.

وقولك: (لا عمرو) إثباتًا للمجيء لزيدو ضمنًا مؤكَّدًا لما علم صريحًا".

(2)

كالّذي حمل عليه الأستاذ - نصرةً للإمام -.

(3)

في أ، ورد تمام العبارة هكذا:"التّشنيع على الأئمّة الأفاضل، والفحول البَوازل".

(4)

في ب: "لأنّ"، وهو تحريف بالزِّيادة.

(5)

أي: تقديم ما حقّه التّأخير.

ص: 503

وحدِي) أو (لا غيري) إفرادًا (1) أو قلبًا (2) بحسبِ المقام؛ هذا في قصرِ الصِّفةِ على الموصوف. وتقولُ في قصرِ الموصوفِ على الصِّفةِ: (تَمِيميٌّ أنا)؛ قصرَ إفرادٍ (3) أو قلبٍ (4) حسبما يقتضيه المقامُ. وبحثُ شرائطِ التَّقديم له قد تقدَّم مرّة (5).

وللقصرِ طريقانِ آخران: توسُّطُ ضميرِ الفصلِ، وإيرادُ المسندين معرفَتين -كما صرّح به (6)؛ حيثُ قال (7):"وقد يقصدُ به الحصرَ في المبتدأ" في باب ضميرِ الفصلِ، وحيثُ قال (8):"مع أنّه إذا أُريد به الحقيقة أفاد حصرها في المبتدأ" في تعريف الطرفين، ولم يذكرهما ها هنا (9) اقتفاءً بالسَّكاكيِّ.

لا يقالُ: إنّما لَمْ يذكرهما السَّكاكيُّ ها هنا لتقدُّمهما. لاستلزامه عدم ذكرِ التَّقديم لتقدُّمِه أيضًا (10).

(1) لمن يعتقد أنك وزيدًا كفيتماه مهمّه.

(2)

لمن يعتقد أنّ كافي مهمّه غيرك.

(3)

لمن يرددك بين قيس وتميم.

(4)

لمن ينفيك عن تميم ويلحقك بقيس.

(5)

راجع ص (414) قسم التحقيق.

(6)

أي: المصنِّف.

(7)

(ص)(445) قسم التحقيق.

(8)

(ص)(359 - 360) قسم التحقيق.

(9)

في الأَصل: "هذا" ولا وجه له. والصَّواب من أ، وعلى مثلها درج الشَّارح.

والكلمة ساقطة من ب.

(10)

في أزيادة: "في الكتابين" أي: مفتاح العلوم، الفوائد الغياثيّة. ولم أثبتها لما =

ص: 504

بلى لو قيل في الجوابِ: لأنَّ الأربعةَ لا تكونُ إلّا للحصرِ، وهما قد يكونان لغيره لَاتَّجه.

لَكن يندفعُ السّؤالُ عن "المختصر" لا عن "المفتاح"؛ لأنَّ الفصل عنده مُستلزمٌ للتّخصيص -كما قال (1): "وأمّا الحالةُ إلى تقتضي الفصل فهي (2) إذا كان المرادُ تخصيصَه للمسندِ بالمسندِ إليه (3)؛ كقولك: (زيدٌ هو المنطلقُ).

واعلم (4): أنَّ الأربعةَ يشملُها أمرٌ واحدٌ يشترك في الأربعة؛ وهو أنَّك للمُخاطبِ تسلِّم صوابًا، وتَرُدُّ (5) خطأً؛ فالصّوابُ: الحكمُ. والخطأ: التَّخصيصُ؛ وهو أنَّ المخاطبَ في كُلِّ حكمٍ حاكمٌ بحكمٍ مشوب (6) بخطأٍ وصوابٍ، وأنت تُسلِّمُ صوابه وتردُّ خطأه. فالصّوابُ: الحكم؛ أي: نفسُ الإسنادِ المجرّدِ، والخطا هو: التّخصيص والتَّعيين.

أَمّا في قصرِ القلبِ؛ فالصّوابُ حكمُ المخاطبِ بحسبِ الاعتقادِ (7)

= يوحي به السِّياق حينئذٍ من أنّ الكتابين للسّكّاكيّ. وليس أحدهما كذلك.

(1)

المفتاح: (191).

(2)

هكذا -أيضًا- في مصدر القول. وفي أ: "وهي".

(3)

هكذا -أيضًا- في مصدر القول. وفي أ: "تخصيص المسند بالمسند إليه".

(4)

كلمة: "واعلم" ساقطة من ب.

(5)

في ب: "وتَرْدُد" والصَّواب الإدغام.

(6)

المَشُوبُ: المخْلوط. ينظر: اللسان: (شوب): (1/ 510).

(7)

في أ: "اعتقاد" وكلاهما يستقيم به المعنى المراد.

ص: 505

كون الموصوفِ على أحد الوصفين (1)، أو كون الوصفِ لأحد الموصوفين (2)، والخطأُ تعيين حكمه وتخصيصُه.

وأَمَّا في الإفراد؛ فالصَّوابُ مطلقُ الحكم بحسبِ الاعتقاد، والخطأ تعيينُه وتخصيصُه بالكلِّ [و](3) في "المفتاح"، لم يتعرّض بالصَّريحِ (4) للزوم تعين كون الصّوابِ هو الحكم، والخطأ هو التَّخصيص، ولعلّه (5) لمجالِ (6) المناقشة في قصر الإفراد من كون الخطأ فيه هو التَّخصيص أو لغيره (7) - والله أعلم -. هذا على ما في النُّسخةِ الَّتي قرأناها على المصنِّفِ. وفي بعض النسخ:(والخطأ التَّعميمُ أو التَّخصيصُ) فلا حاجةَ (8) إلى ما

(1) في قصر الموصوف على الصِّفة.

(2)

في قصر الصّفة على الموصوف.

(3)

ما بين المعقوفين ساقطٌ من الأصل. ومثبت من أ، ب.

(4)

هكذا في الأَصل، ب، وهو الصَّواب؛ لأنّ السَّكاكيّ لم يفصح عنه محضًا خالصًا بخلاف ما جاء في أ،:"بالتَّصريح" الَّذي ينبئ عن البيان والظُّهور.

ينظر: اللِّسان: (صرح): (2/ 510).

(5)

في الأَصل: "لعلمه" وهو تحريف بالزِّيادة. والصَّواب من أ.

(6)

في أ: "بمجال".

(7)

عبارة: "ولعلَّه

لغيره" ساقطة من ب. ومراد الشّارح بهذه العبارة: أنّ السَّكَاكيّ رحمه الله لم يُفْصح صراحة بتعيين كون الصَّواب هو الحكم، وكون الخطأ هو التَّخصيص خروجًا ممّا يمكن أن يتَّجهَ عليه في قصر الإفراد، إذ أنّ التخصيص فيه لا يسلم من اعْتراض.

(8)

في الأَصل: "ولا حاجة" والأولى من أ، ب.

ص: 506

ذكرناهُ (1).

ثمَّ يختصُّ كلٌّ من الطُّرقِ الأربعةِ بأمر:

فالأوّلُ (2): بأنَّه نصٌّ نفيًا وإثباتًا (3)؛ أي: التّعرّض في الطَّريقِ العطفي (4) للمُثْبت والمنفي منصوصٌ (5)؛ إمّا بخصوصه؛ نحو: [زيدٌ شاعرٌ لا مُنجِّم)، وإمّا بعمومه؛ نحو:(زيدٌ شاعرٌ لا غير). والطُّرقُ الأخيرة الأصل فيها النّصُّ بما يُثبت دون ما ينفي؛ نحو: (ما أنا إلَّا تَمِيميّ)، و (إِنَّما أنا تميمي)، و (تميميٌّ أنا).

والثّاني (6): بأنَّه لا يجتمعُ مع الأَوَّل بخلافِ الأخيرين (7)؛ فإنّهما يجتمعان مع الأَوَّل؛ فلَا تقول: (ما زيدٌ إلا قائم؛ لا قاعدٌ)؛ لكن تقول: (إنّما أَنا تميميٌّ لا قيسيٌّ)، و (تميميٌّ أنا لا قيسيٌّ) إذْ "لا"؛ أي:[لا](8) العاطفة: لا تدخلُ على ما دخله نفيٌّ لأنَّ من شرط منفيِّها أن

(1) من التّعليل لصنيع السَّكاكيِّ، لأنَّ عِبارةَ النسخ الأخرى:"والخطأ التَّعميم أو التّخصيص" لا يتّجه إليها نقدٌ.

(2)

أي: طريق العطف.

(3)

هكذا -أيضًا- في ف بالعطف بالواو. وفي ب: "أو إثباتًا، وهو خظأ ظاهر؛ لوجوب اجتماع النَّفي والإثبات.

(4)

باب: "القطعيّ" وهو تحريف مع تصحيف.

(5)

كلمة: "منصوص" ساقطة من ب.

(6)

أي: طريق النّفي والاستثناء.

(7)

أي: طريق (إنّما)، وطريق (تقديم ما حقّه التَّأخير).

(8)

ما بين المعقوفين ساقطٌ من الأصل، ومثبت من أ، ب.

ص: 507

لا يكون منفيًّا قبلها بغيرها من كلمات النّفي (1).

قال في "المفتاح"(2): "الأَوَّلُ: لا يجامعُ الثَّاني"، والأمرُ فيه سهلٌ (3)؛ لأنَّ المنافاةَ لا تكون إلَّا من الطّرفين، اللَّهمَّ إلّا أن يُقال: لَمّا كان عدمُ الاجتماعِ مع الثَّاني (4) لا يختصُّ بالأوّل؛ لأنّ الثّالثَ -أيضًا- لا يجتمعُ مع الثَّاني بخلافِ عدم اجتماعه مع الأَوَّل؛ فإنّه يختصُّ بالثّاني - عدلَ عنه إلى هذه العبَارة (5).

و"غير" حُكمُه في هذا حكمُ "إلا"؛ الظّاهرُ أنَّ هذا إشارةٌ إلى عدم اجتماعه -أيضًا- مع الأَوَّل. لكن قال في "المفتاح"(6): "واعلم: أنّ حكمَ "غَير" حكمُ "إلا" في إفادة القصرين وامتناعِ مُجامعة

(1) ينظر: شرح ابن عقيل: (2/ 216)، وشرح قطر النّدى وبلّ الصّدى:(264)، وإلى ذلك أشار ابن مالك في نظمه (171):

وَأَوْلِ (لكن) نَفْيًا أوْ نَهْيًا وَ (لَا)

نِدَاء أَوْ أَمْرًا أَوْ إِثْبَاتًا تَلَا

(2)

ص (293)؛ بتقديم "الأَوَّل" وجعله هو الَّذي لا يلزم "الثَّاني" وهذا بخلاف ما أورده المصنِّف الّذي جعل "الثَّاني" هو الَّذي لا يلازم "الأَوَّل".

(3)

أي: مخالفة المصنّف للسّكاكيّ؛ في عدوله عن عبارته.

(4)

عبارة: "اللهمّ

الثَّاني" ساقطة من ب.

(5)

وهي قول المصنّف: "والثّاني بأنَّه لا يجتمع مع الأَوَّل" ولا شك أنّ في هذا العدول من المصنّف، وما اقترن به من تعليل من الشّارح ما ينبئ عن عمق فهمهما، ودقّة تعبيرهما.

(6)

ص: (300) بحذف التّمثيل للإفراد والقلب.

ص: 508

"لا" العاطِفة؛ تقولُ: (ما جاءني غيرُ زيدٍ)؛ إمَّا إفرادًا (1)، أو قلبًا (2)، ولا تقول:(ما جاءني غيرُ زيدٍ لا عمرو) ".

بخلاف (إِنَّما)؛ فإنّها تجتمع (3) مع الأوّل؛ وإن كان -لكونِه (4) في معنى الثَّاني- مُقْتَضيًا أن لا تجتمع معه؛ لأنَّ النَّفي فيها ضمنيٌّ لا صَريحٌ (5)؛ كما يجوزُ أن يقال: (امتنعَ عن المجيء زيدٌ لا عمرو) مع عدم جوازِ أن يقال: (ما جاء زيدٌ لا عمرو)؛ لأنّ النَّفي فيه -أيضًا- ضمنيٌّ.

وأمّا جوازُ اجتماع التَّقديمِ مع الأوّلِ فظاهرٌ.

وهذا إذا لَمْ يكن المذكورُ بعده مُخْتصًا؛ أي: جواز اجتماع (إنّما) مع الأوَّلِ إذا لم يكن الوصفُ المذكورُ بعد (إنّما) ممّا له في نفسه اختصاصٌ بالموصوف المذكور (6)؛ كقوله -تعالى-: {إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ} (7)؛ فإنَّ كلَّ عاقلٍ يعلمُ أنَّ الاستجابةَ

(1) لمن يقول: جاء زيد مع جاءٍ آخر. المفتاح: (300).

(2)

لمن يقول: ما جاء زيد وإنّما جاء مكانه إنسان آخر. المصدر السّابق (300).

(3)

في الأَصل: "تجامع"، والمثبت من أ، ب؛ لأنّ كلمة (تجامع) تتعدّى بنفسها.

(4)

في أ: "كونه".

(5)

فتقول: "إنما أنا تميميّ لا قيسيّ".

(6)

لأنّ الاختصاصَ يَدفعُ تصوّر الشّركة؛ فلا حاجة في نفيها؛ لعدم تصوّرها أصلًا.

(7)

سورة الأنعام؛ من الآية: 36.

ص: 509

لا تكون إلّا ممن يسمعُ ويعقل؛ وهذا (1) عند السَّكاكَيّ (2)، لكن قال في "دلائل الإعجاز": ذلك شرط الحُسن (3). فلا يقال: إنّما يَعْجَل من يَخْشَى الفَوْتْ لا مَنْ يَأْمَنُه؛ لأنَّ التَّعجيل له اختصاصٌ بالموصوفِ المذكورٍ؛ أي: خاشي (4) الفوت لأن من (5) لم يخشَ الفوت لم يعجل.

و"إلَّا"؛ أي: وكلمة "إلَّا" تقابلُ الإصرار؛ أي: تُستعملُ في مقابلةِ اعتقادِ مُخاطبٍ يكون عند المتكلِّمِ مرتكبًا للخطأ مُصِرًّا عليه. إمّا تحقيقًا، وذلك إذا أُخرج الكلامُ على مُقتضى الظَّاهر؛ {مَا أَنْتُمْ إلا

(1) في ب: "هذا" بدون العطف. وفي أ: "هكذا".

(2)

ينظر: المفتاح: (293 - 294).

(3)

ينظر: ص: (353) ويخط ذلك بقول: "وممّا يجب أن يعلم: أنَّه إذا كان الفعل بعدها فعلًا لا يصحّ إلّا من المذكور ولا يكون من غيره؛ كالتّذكر الّذي يعلم أنَّه لا يكون إلّا في أُولي الألباب لم يحسن العطف بـ "لا" فيه؛ كما يحسن فيما لا يختصّ بالمذكور ويصحّ من غيره".

ويفسّر هذا بقوله: "تفسير هذا: أنّه لا يحسن أن تقول: (إنّما يتذكّر أولو الألباب لا الجهَّال)، كما يحسن أن تقول: (إنّما يجيء زيد لا عمرو) ".

وقد استوجب هذا الرّأيَ ومال إليه بعض من جاء بعدَه من البلاغِيِّين؛ كالخطيب القزويني في التّلخيص: (144)، والإيضاح:(3/ 34)، والجرجانيّ في المصباح:(519).

(4)

في الأَصل، ب، "يخاشي". والمثبت من أ.

(5)

في الأَصل: "لا من" بدلًا من "لأن من". وهو تحريف بالنَّقص. والصَّواب من أ، ب.

ص: 510

بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إلا تَكْذِبُونَ} (1)، فإنّه ما قال الكفّارُ للرُّسل؛ {إِنْ أَنْتُمْ إلا بَشَرٌ} (2) إلّا والرُّسلُ عندهم في معرض المنتفي (3) عنهمُ البشريّة، والمُنْسَلخ عنهمم حكمها؛ بناءً على جَهْلهم أنَّ الرّسولَ يمتنعُ أن يكون بشرًا؛ فجعلوا الرُّسلَ كأنَّهم بادِّعائهم النُّبوة قد أخرجُوا أنفسهم عن أن يكونوا بَشرًا مثلهم، فإصْرارهم على دعوى الرِّسالة: -بناءً على اعتقادِ الكُفَّار- إصرارٌ (4) على أن لا يكونوا بشرًا؛ فَقَلَبوا (5) وقالوا: {مَا أَنْتُمْ إلا بَشَرٌ} ، وكذا في قوله:{إِنْ أَنْتُمْ إلَّا تَكْذِبُونَ} .

وأمَّا [نحو](6){إِنْ نَحْنُ إلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} (7) فمن باب المجاراة (8)

(1) سورة يس؛ من الآية 15.

(2)

سورة إبراهيم، من الآية:10. وفي أ: {إِنْ أَنْتُمْ إلَّا بَشَرُ مِثْلُنَا}.

(3)

في ب "المنفيّ".

(4)

في الأصل: "إصرارًا" والصَّواب من: أ، ب.

(5)

في أ: "فغلبوا".

(6)

ما بين المعقوفين غير موجود في الأصل، أ، ف. ومثبت من: ب. وأثبتّها ليعمّ الحكم كلَّ آية مشابهة.

(7)

سورة إبراهيم؛ من الآية: 11.

(8)

المجارة: التَّماشي مع الغير، وجاراه مُجَارةً وجِراء، أي: جرى معه. ينظر: اللِّسان؛ (جري): (14/ 141).

ص: 511

مع الخصمِ للتَّبْكيت (1) في المَعْثر (2)؛ كط تقول: (أنت صادقٌ في كلِّ ما تقولُ؛ لكن ما حيلتُك في دعواي هذه)؛ هذا جواب سؤالٍ، تقديرُ السُّؤالِ: إنّه اسْتُعملُ حرفُ النَّفي، و (إلّا) هاهنا - لا في مُقابلةِ الإصرارِ؛ لأنَّ الكُفّارَ لا يقولون: إنهم ليسوا ببشر فضلًا عن الإصرارِ. الجوابُ: إنّه من باب المجاراة والتَّماشي مع الخَصْمِ، وإرخاءِ العنانِ معه؛ لتَبْكِيتِه؛ أي: إلزامه وإسكاتِه في المَعْثَر (3)؛ كما قد يقولُ من يخالفك فيما ادّعيت: أنَّك من شأنكَ كيت وكيت؛ فأنت تقول: نعم؛ إنِّي من شأني كيت وكيت، وأنت (4) صادقٌ في كلِّ ما تقول، لكن (5) ما حيلتُك في دعواي هذه؟؛ وكيف يقدحُ ذلك فيها؟ (6).

(1) التَّبكيتُ: التَّقْريعُ والتَّوبيخُ. اللِّسان: (بكت): (2/ 11).

(2)

المَعْثَرُ: موضع العثرة؛ وهي الزَّلَة. ومنه العاثور؛ وهو: ما يُعدّ ليُوقع فيه آخر.

ينظر: اللِّسان: (عثر): (4/ 539 - 540).

(3)

فكأنّ الرّسل قالوا: سلّمنا أننا بشر؛ فإنَّه حق، لكن لا نمنع أنَّها لا تجامع الرّسالة، فإن {اللهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [سورة إبراهيم، من الآية: 11].

المصباح للجرجاني: (1/ 523).

(4)

في ب: "فَأنت". وفي أ: "أنت".

(5)

كلمة "لكن" ساقطة من أ.

(6)

وهذا النَّوعُ من الكلام يُسمِّيه المنطقيّون بالقولِ الموجب، وهو من أساليب الكلام المنْصِف.

ص: 512

وفي "المفتاح" بدل قوله: "للتّبكيت في المعثر": "ليعْثُر حيثُ يُراد تبكيته"(1)، وبين العبارتينِ فرقٌ (2).

وإمَّا ادِّعاءً، قسيمٌ لقوله: إمّا تحقيقًا. وهذا فيما أُخرجَ الكلامُ لا على مُقتضى الظاهر، نحو:{إِنْ أَنْتَ إلا نَذِيرٌ} (3) كأنّه للمُبالغةِ؛ أي: لمبالغتِه عليه [السّلام](4) وشدّةِ حرصه على هدايتهم، وتهالُكه عليهم؛ حتَّى قيل:{فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ} (5) جُعل مِمَّن يظنُّ أنّه يملكُ هدايتَهم مصرًّا عليه، ونُزِّلَ صلى الله عليه وسلم منْزلته (6)؛ فجئَ بالنَّفي والإثبات؛ أي: أنت نذيرٌ لا هاد.

ثمَّ الأصلُ: ما ضربَ زيدٌ إلا عمرًا؛ بعدَ الفراغِ عن القصرِ بين

(1) ص: (294).

(2)

حيث إن التَّبكيتَ في عبارة المصنف متعلّقٌ تعلّقًا مباشرًا بالمجاراة وثمرةٌ لها، بخلافه في عبارة السَّكّاكيّ؛ إذ أنّ التَّبكيت فيها متعلِّق بالمعثر، والمعثر متعلّق بالمجاراة. وكلتا العبارتين ناسبتا مقامهما، فعبارة المصنّف بلا واسطة وهي أليق بـ "المختصر"، وعبارة السَّكّاكيّ منطقيّة التّسلسل. وهي أليق بـ "المفتاح"، حيث التفصيل والإيضاح.

وإذا كان في إيجاز عبارة المصنّف ما يحمد له، فإنّ في التّنبيه لما بين العبارتين من الفرق ما يحسب -أيضًا- للكرمانيّ.

(3)

سورة فاطر، الآية:23.

(4)

ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، ومثبت من أ، ب.

(5)

سورة الكهف، من الآية:6.

(6)

في أ: وردت الجملة هكذا: "وينَزّل منْزلته".

ص: 513

الصِّفة والموصوفِ شرعَ في غيرها، ولم يذكرْ منه إلَّا قصر الفعل على المفعول؛ لظهورِ الباقي. والأصلُ في قصرِ الفعل [على المفعول] (1) أن (2) تقول:(ما ضربَ زيدٌ إلا عمرًا)؛ أي: لم يقع ضربُه إلّا على عمر؛ فلا يمتنعُ (3) كونُ عمرو (4) مضروبًا لغيره، ويمتنعُ كونُ زيدٍ ضاربًا لغيره (5).

ويجوزُ: (ما ضربَ إلّا عمرًا زيدٌ)؛ بتقديم (إلّا عمرًا) علي (زيدٍ)؛ لكنه قليلٌ؛ لأنَّه قصرَ الشَّيءَ وهو الضَّرْب قبل تمامه؛ أي: قبل؛ تقييده بالفاعلِ؛ وهو خلافُ المرادِ؛ لأنَّ المقصورَ علي عمرو فيه هو الضّربُ المقيّدُ؛ أي: ضرب زيدٍ دون المطلقِ؛ أي: لا (6) الضّرب مُطلقًا، وعلى هذا.

(1) ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، ومثبت من أ، ب.

(2)

"أنْ" ساقطةٌ في أ.

(3)

في أ: "ولا يمتنع".

(4)

سقطت كلمتا: "كون عمرو" من أ.

(5)

سقطت عبارة: "ويمتنع

لغيره" من ب.

(6)

سقطت: "لا" من ب. ولا بدَّ منها.

ص: 514