الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالثُ: في مَكانته العلميَّة
تَسنَّم أَبو عبدِ الله الكِرمانيّ منْزلة علميّةً رفيعة، بزَّ بها أقرانَه، وفاقَ بها كثيرًا من علماء عصره، وقد هيَّأ لذلك ما تميَّز به من عُلوِّ الهمّةِ وسموِّ النّفسِ ويَكْفي شَاهِدًا عَلى رسوخِه في العلم وتمكنه منه ما نقله المترجمون أنَّه: "تصدَّى لنشرِ العلم بِبغدادَ ثلاثين سنة
…
" (1)، وبغدادُ آنذاك تمثِّل إِحدى أكبر حواضر المسلمين العِلْميّة، إليها يفدُ طلّابُ العلمِ من كلِّ فج، وفي رحابها تعقدُ الحلقاتُ وتُدارُ المحاوراتُ والمُنَاظرات.
ولَم يكن شَيْخُنا فيها كغيرِه من شيوخ عَصرِه ممَّن كانت تَقُوم بهم الحَلقات، بل كان مشارًا إليه فِيها، معقودًا له بناصية العِلْم بين عُلَمائها.
يقول عنه الدَّاوديّ (2): "وكان مُشَارًا إليه بالعراق وتلك البلادِ في العِلْم"، ويقول أُخرى (3):"ومهر وفاقَ أقرانَه وفضل غالبَ زَمانه".
وقد تقدَّم -في مطلب تلاميذه- مِمَّا يوضِّحُ مكانتَه العِلْميّة أن العلَّامةَ السَّرائِيّ؛ وهو مَن هُو في العلم؛ وقد زاملَه في الأخذ عن الإيجيّ يَنْكسرُ للعلمِ فَيأخذ عن الشَّمسِ ويتتلمذُ عَلى يَديه (4).
(1) إنباء الغمر: (2/ 182).
(2)
طبقات المفسرين: (2/ 286).
(3)
المصدر السّابق: (2/ 285).
(4)
راجع ما تقدّم ص (80) من هذا البحث. "قسم الدَّراسة".
أضف إلى ذلك أن تلاميذَه أصبَحوا -فيما بعدَ- من العلماءِ المَشَاهِير.
ويَبْدو أن الفَضْلَ في تبوّئه تلك المَكَانةَ المرموقةَ يعود -بعدَ توفيق الله- إلى تَنْشِئته الصَّالحة التي تعاهدها أبوه، ثم إِلى حرصهِ وإِخْلاصه في طَلبِ العلمِ، وأخيرًا إلى اهْتمامه بسنّةِ الرَّسول صلى الله عليه وسلم وَتبحُّره في علمِ الحديث (1).
(1) ذكر الزَّميلُ الباحثُ عيسى الجاموس في رسالته للماجستير التي حقق بها جزءًا من كتاب النّقود والرّدود: "أن مكانةَ الكِرمَاني العلميّةِ عَلَتْ، وازْدَادت شهرته في آخر عُمره، خاصَّةً بعد أَنْ شرحَ صحيحَ البُخاريِّ في زمان مجاورته. بمكةَ الكرمة". النّقود والردود. مخطوط (ص 43) بتصرف يسير؛ بالتَّقديم والتَّأخير في أَوَّل كلامه.