المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفن الأول: في الإسناد: - تحقيق الفوائد الغياثية - جـ ١

[الكرماني، شمس الدين]

فهرس الكتاب

- ‌التّمهيد: التّعريف بالعضد الإيْجيّ وكتابه "الفوائد الغياثيّة

- ‌المبحث الأول التعريف بعضد الدّين الإيْجي

- ‌المبحث الثّانِي: التّعريف بكتابه "الفوائد الغياثيَّة

- ‌عنوانه:

- ‌سبب تأليفه:

- ‌مضمون الكتاب:

- ‌الفصل الأوّل: التّعريف بشمس الدِّين الكرمانيّ

- ‌التّمهيد: نبذةٌ موجزةٌ عن عصر الكرمانِيّ

- ‌1 - الحالةُ السّياسيةُ:

- ‌2 - الحالةُ الإجْتماعيّة:

- ‌3 - الحالةُ العلميَّة:

- ‌المبحث الأوّل: حياة الكرمانيّ

- ‌المطلب الأوّل: اسمه، ونسبه، ولقبه، وكنيته

- ‌المطلب الثّاني:‌‌ مولده، ونشأته، ورحلاته

- ‌ مولده

- ‌نشْأته ورحلاته:

- ‌المطلب الثّالث:‌‌ عقيدته، وأخلاقه، وصفاته

- ‌ عقيدته

- ‌أخلاقه وصفاته:

- ‌المبحثُ الثاني شُيوخُه، وتَلاميذُه، ومكانتُه العلميّة

- ‌المطلب الأوّل: شيوخه

- ‌المطلب الثّاني: تلاميذه

- ‌المطلب الثالثُ: في مَكانته العلميَّة

- ‌المبحث الثَّالثُ: مصنّفاتُه ووفاتُه

- ‌المطلب الأوّل: مصنّفاته

- ‌المطلب الثانِي: وفاته

- ‌الفَصلُ الثّاني: التَّعريف بكتاب "تحقيق الفوائد

- ‌المبحث الأوَّل: اسمُ الكتابِ، وتوثيقُ نسبتهِ للمؤلّفِ، ومنهجُ المؤلّف فيه

- ‌المطلب الأوّل: اسم الكتاب

- ‌المطلبُ الثَّاني: توثيقُ نسبته للمؤلِّف

- ‌المطلبُ الثَّالثُ: مَنْهج المؤلِّف فيه

- ‌المبحث الثَّاني: مصادرُ الكتاب وشواهدُه

- ‌المطلب الأوّل: مصادرُ الكتاب

- ‌المطلب الثّاني: شواهدُ الكتاب

- ‌المبحث الثّالث: تقويم الكتاب

- ‌المطلبُ الأَوَّل: مزايا الكتاب

- ‌1 - حسن التّبويب والتنظيم:

- ‌2 - التَّوسُّط والاعتدال:

- ‌3 - اشتمال الكتاب على بعض الفوائد المهمّة:

- ‌4 - ظهور شخصيّة المؤلّف العلميّة بشكل واضح:

- ‌5 - اشتمال تحقيق الفوائد على بعض آراء الإيجيّ الّتي لم ترد في مختصره:

- ‌6 - اشتمال تحقيق الفوائد على أصحّ نسخ المختصر:

- ‌7 - وضوح المعنى، وسلامة الأسلوب غالبًا:

- ‌المطلب الثّاني: المآخذ عليه

- ‌1 - أخطاء عقديّة:

- ‌2 - أخطاء منهجيَّة:

- ‌3 - خطأ علمي:

- ‌4 - أخطاء أسلوبيّة:

- ‌المبحث الرّابع: وصف مخطوطات الكتاب، ومنهج التّحقيق

- ‌المطلبُ الأوَّل: وصفُ مخطوطاتِ الكِتابِ

- ‌أوّلًا: النّسخ المعتمدة:

- ‌1 - النّسخة الأصل:

- ‌2 - النُّسخة (أ):

- ‌3 - النُّسخة (ب):

- ‌ثانيًا: النسخ المهملة:

- ‌1 - نسخة مكتبة شهيد:

- ‌2 - نسخة مكتبة مشهد:

- ‌3 - نسخة المتن:

- ‌المطلبُ الثاني: منهجُ التحقيق

- ‌المقدّمة

- ‌الفصل الأوّلُ: في علْمِ المعاني والكلامِ في الخَبر والطّلبِ

- ‌القانونُ الأوّلُ: في الخبر

- ‌الفنُّ الأوّلُ: في الإسنادِ:

- ‌الفنُّ الثَّاني: في الْمُسْنَدِ والْمُسْنَد إليه

- ‌النوعُ الأَول: في‌‌ الحذفوالإثباتِ

- ‌ الحذف

- ‌الإثباتُ

- ‌النوعُ الثاني: في‌‌ التَّعريفبأَقْسامه (*)، والتَّنْكير

- ‌ التَّعريف

- ‌تنبيه:

- ‌تنبيه:

- ‌تَذْنِيب

- ‌التَّنكيرُ

- ‌النُّوعُ الثَّالثُ: في التَّوابع

- ‌الوصفُ

- ‌التَّوكيدُ

- ‌البيانُ

- ‌البَدَلُ

- ‌العطفُ

- ‌خاتمةٌ:

- ‌تذنيبٌ:

- ‌الفَنُّ الثَّالثُ: في وضع الطَّرفين (*) كُلّ عند صاحبه

- ‌ التَّقديم

- ‌النَّوعُ الأَوَّل: في التَّقديم والتَّأخير

- ‌تذنيباتٌ

- ‌النَّوعُ الثَّاني في الرَّبطِ والتَّعلُّق

- ‌تنبيهاتٌ

- ‌أدواته)

- ‌النوع الثالث (*): في القصر

- ‌ طرق القصرِ

- ‌خاتمةٌ:

- ‌الفنُّ الرّابعُ (*): في وضعِ الجملتينِ، والكلامِ في الوصلِ والفصل، وفي الإيجازِ والإطنابِ، وفي جعلِ إحداهما حالًا

- ‌النّوعُ الأوّلُ: في الفصلِ والوصلِ

- ‌الوصلُ

- ‌الفصلُ

الفصل: ‌الفن الأول: في الإسناد:

‌الفنُّ الأوّلُ: في الإسنادِ:

قدَّمَ الفنَّ الرَّاجع إلى الإسنادِ على الأخوات (1) -وإنْ كان بحسبِ الوُجود مُتأخّرًا لتأخُّرِ النِّسبةِ عن المُنْتسبين؛ لأنَّه هو المقْصُودُ من الخبرِ؛ فله التَّقَدُّم (2) بحسب الشَّرف.

قد يُريدُ بهِ المُتَكلِّمُ أن يُعلِمَ منه الحُكْمَ؛ نحو: "زيدٌ قائمٌ"، لِمَن لا يَعْلمه؛ أي: لمخاطَبٍ لا يعلمُ قيامَ زيدٍ. ويُسَمَّي: فائدةَ الخبرِ، وقدْ يُريدُ؛ أي: المتكلِّمُ به؛ أي: بالخبرِ، أن يُعلمَ أنَّه يَعْلمُه؛ أي: يُعْلم المخاطبَ أنَّ المتكلَّمَ يعلمُ ذلك الخبر؛ نحو قولك: حفظتَ التَّوراةَ؛ لمن قَد حفظها (3)؛ أي: لِمُخاطبٍ حفظَ التَّوراة؛ فإنَّه لا يُريد (4) به إعلامُ المخاطب بأنَّه (5) حافظٌ للتَّوراة لامتناع إعلامِ المعلوم؛ بلْ يُريدُ إعلامَه بأنَّه (6) يَعْلَمُ أنَّه حافظٌ للتَّوراة. ويسمّى (7): لازمَ فائدةِ الخبرِ.

(1) هكذا في الأصل ب. وفي أ: "الإخوان".

(2)

في أ: "التّقديم".

(3)

في ف، ب:"حفظه" بدون تأنيث الضّمير؛ على أنَّه بمعنى الكتاب. وكلا الوجهين جائز.

(4)

في الأصل: "يُراد" والمثبت من: أ، ب. وهو الموافق للسِّياق.

(5)

أي: المخاطَب.

(6)

أي: المتكلِّم.

(7)

في أ، زيادة؛ "العلم بعلم المتكلّم بالحكم؛ والسِّياق تامٌّ بدونها.

ص: 262

والأُولى (1) بدون هذه (2) تمتنعُ (3) من غير عكسٍ (4)؛ هذا [على](5) ما هو المشهور من القومِ؛ إذْ قالوا: من الضَّرُوريَّاتِ لكلِّ عاقلٍ أَنْ يقصدَ (6) بالخبرِ إفادة المخاطبِ، وإلَّا كان (7) الإخبارُ عَبَثًا، لكنَّ الحقَّ أنَّه بحسب مُقْتضى الظَّاهر، أوْ منْ حيثُ هو الخبر، أوْ بحسبِ (8) الغالب؛ لأن قَصْدَ (9) حَنَّة أمِّ

(1) في الأصل: "والأوّلُ". والمثبت من: أ، ب؛ وهو الموافق لما في الفتاح. والمراد بها: فائدة الخبر.

(2)

اسم الإشارة يعود إلى لازم الفائدة، وقد أنَّثه باعتباره فائدة -أيضًا-.

(3)

في الأصل: "يمتنع". والمثبت من: أ، ب؛ وهو الموافق لما في المفتاح.

(4)

والمعنى: أنَّ كلَّ من أفدتَّه فائدة الخبر أفدتَّه ضمنًا لازم الفائدة، وليس من أفدتَّه لازم الفائدة أفدتَّه فائدة الخبر.

وهو ما عبَّر عنه الخطيبُ القزوينيُّ رحمه الله بقوله (الإيضاح: 1/ 67): "أي: يمتنع أن لا يحصل العلم الثّاني من الخبر نفسه عند حصول الأَوَّل منه؛ لامتناع حصول الثَّاني قبل حصول الأَوَّل، مع أنَّ سماع الخبر من الخبر كافٍ في حصول الثَّاني منه. ولا يمتنع أن لا يحصل الأَوَّلُ من الخبر نفسه عند سماع الثاني منه، لجوازِ حصول الأوَّل قبل حصول الثَّاني، وامتناع حصول الحاصل".

(5)

ما بين المعقوفين ساقط من الأصل. ومثبت من: أ، ب.

(6)

في ب: "القصد"، ولا يستقيم معها ظاهر السِّياق.

(7)

في ب: "لكان"، ولا يستقيم معها السِّياق إلَّا بتأويل؛ هو تقدير إنْ قائمة مقام لو.

(8)

قوله: "مقتضى

بحسب" ساقط من: أ، ب، وليس مخلًّا بالمعني؛ لأنَّ ما تميّز به الأَصلُ من زيادة فضلة، مكرّرة للمعني الّذي أثبتته بقيةُ النُّسخ الأخرى.

(9)

في ب زيادة: "خبر" والمعنى تامٌّ بدونها.

ص: 263

مريم في قولها: {رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى} (1) ليسَ إلى إِفَادةِ فائدة الخبر، ولا إلى إِفادةِ لازمها؛ لشُمولِ علمِ الله -تعالى-؛ بلْ إلى إظهارِ التَّحسُّرِ، وإنشاء (2) التَّأسُّفِ، أوْ غيرِه (3)، وَكَم مِثلها فِي القرآن! (4).

ومن حقِّ الكلامِ عقلًا، أي: العقلُ يَحْكُم بأن حقَّ الكلامِ أن يكونَ بقدرِ الحاجةِ، مُفْرَغًا فِي قالب (5) المراد، لا أزْيَد وإلَّا كان (6) هَذَرًا (7)، ولا أنقصَ وإلَّا كان (8) حَصَرًا (9).

(1) سورة آل عمران، من الآية:36.

(2)

هكذا في الأصل. وفي أ: "إفشاء" وهو تحريفٌ ظاهر. والكلمة ساقطة في ب.

(3)

وهو بذلك يشير إلى أنَّ الخبر يأتي لغير الغرضين الأصليين -فائدة الخبر، لازم الفائدة-؛ بل يأتي لأغراض أخرى تُفهم من السِّياق وقرائن الأحوال، وتعرف بالأغراض النّوعيّة للخبر؛ منها: إظهار التحسّر وإنشاء التأسّف؛ الذي أشار إليه الشّارح في خبر أمِّ مريم عليها السلام.

(4)

خالف المصنِّف رحمه الله صاحبَ المفتاح بتأخيره الحديث عن أغراض الخبر وكان حقّه أن يُذكر حيث يُذكر مرجعُ الخبر والصِّدق واحتمالهما -كما فعل السَّكَّاكيّ-، وإنّما أخَّره -ها هنا- ليبني عليه الكلام في الاحتياج إلى تأكيد الإسناد وعدمه؛ وهو الّذي بدأه بقوله:"ومن حقِّ الكلام عقلًا".

(5)

القالِبُ والقالبُ -بدون إضافة-: الشَّيءُ الّذي تُفْرغ فيه الجواهر؛ ليكون مثالًا لما يُصاغ منها. اللسان: (قلب): (1/ 689).

(6)

في أ، ب:"لكان"، ولا يستقيم معها السِّياق إلا بتأويل، هو تقدير "إن" قائمة مقام لو.

(7)

الهَذَرُ: الكلامُ الَّذي لا يُعْبأُ به، والهَذَرُ: الكثيرُ الرَّدئ، وقيل: سقط الكلام.

اللِّسان: (هذر): (5/ 259).

(8)

في أ، ب:"لكان"، ولا يستقيم معها السِّياق إلا بتأويل؛ هو تقدير "إن" قائمة مقام لو.

(9)

الحَصَرُ: ضَرْبٌ من العِيِّ. اللِّسان: (حصر): (4/ 193).

ص: 264

فالخطابُ بالخبرِ إمَّا (1) مع خالي الذِّهن عن الحُكْمِ بأحدِ طرَفي الحبرِ على الآخرِ نَفْيًا (2) أَوْ إِثْبَاتًا، وعن (3) التَّرددِ فيه؛ فَيُجَرَّدُ عن المُؤَكِّداتِ، ولا يُشَمّ رَائحتُها، وَكَفى في انْتِقاشِ (4) ذِهْن المُخَاطبِ حِينئذٍ بالحُكْم مُجَرَّدُ الإسناد؛ لمصادفتهِ (5) خاليًا؛ فإنّ المحلَّ الخَالي (6) إذا كانَ فارِغًا تمكَّنَ فيه نقشٌ يَرِدُ عليه أشدّ تَمَكُّنٍ:

أَتَانِي هَوَاهَا قَبْلَ أَنْ أَعْرِفَ الْهَوَى

فَصَادَفَ قَلبي خَالِيًا فَتَمَكَّنَا (7)

(1) هذا شروع في بيان أنواع الخبر من حيث التَّأكيد وعدمه بالنَّظر إلى المخاطب، وهو ما يُعرف -بلاغة- بأضرب الخبر:"الابتدائيِّ، الطبيِّ، الإنكاريّ".

(2)

في أ، ب:"وإثباتًا" بالعطف بالواو؛ دون "أو".

(3)

في أ: "أو عن" بالعطف بأَوْ. و"عن" ساقطةٌ من ب.

(4)

الانتقاش- في الأصل: ما يحدثه النَّقَّاشُ على فصّ الخاتم. ينظر: اللِّسان: (نقش): (6/ 359)، واستعارته هنا لما يوقع في الذِّهن.

(5)

أي: ذهن المخاطب.

(6)

كلمة: "الخالي" ساقطة من: أ، ب، وحذفها هو الأنسب؛ للسَّلامة من التَّكرار؛ لأنَّ الخالي لا يكون إلَّا فارغًا.

(7)

البيتُ من الطَّويل، والاستشهاد به معنويّ. وقد اختلفت المصادرُ النّاقلة له في تحديد قائله، وفي روايته؛ حيث ورد عند الجاحظ منسوبًا إلى مجنون بني عامر؛ برواية:"قلبي فارغًا" في البيان والتّبيين؛ للجاحظ: (2/ 41 - 42)، ورواية:"قلبًا خاليًا" في الحيوان: (1/ 169، 4/ 167)، وبهذه الرّواية منسوبًا إلى ديك الجن؛ عبد السّلام بن رغبان في ديوانه:(108)، كما ورد في عيون الأخبار؛ لابن قتيبة:(3/ 9) منسوبًا إلى عمر بن أبي ربيعة؛ برواية: "قلبًا فارغًا"، ووردَ -أيضًا- منسوبًا إلى ابن الطّثريّة في الموازنة: =

ص: 265

نحو: "زيدٌ قائمٌ"؛ مثال المجرَّد (1) عن المؤكِّدات، ويُسمَّى: ابتدائيًّا؛ لأنَّه يقعُ غالبًا فِي ابتداء الكَلام (2). وقوله: لأنَّ المحلَّ الخالي يَتمكَّن فيه كلُّ نقْشٍ يَرد عليه: تَعْليلٌ لقوله: "فيُجرَّد".

وإِمَّا مع مُتَحيِّرٍ (3) طالبٍ (4) للحُكم، طَرَفاه -أي: طَرَفا الإسناد (5) - حاصلان عندَه دُونَ الحكمِ والإسناد؛ فهو -أي: المُتَحيِّر (6) - بَيْنَ بَيْن (7)؛ أي: بَيْن الإسنادِ وبينَ اللَّا إسناد؛ فيؤكّد للاحتياجِ إليه لزَوال التَّحَيُّر. نحو: "لزيدٌ قائمٌ"؛ مُؤكّدًا بلام الابتداءِ، و"إن زيدًا قائمٌ"؛ مُؤكّدًا بإِنَّ التَّحقيقيّة. ويُسَمّى: طَلَبيًّا؛ لكونِ المخاطبِ طالبًا لَه.

= (69) برواية عيون الأخبار، وفي محاضرات الأدباء ومحاورات الشّعراء؛ للأصفهانيّ:(2/ 29) برواية الحيوان. أَمَّا الرّواية الّتي استشهد بها الشّارح فقد وردت عند السَّكَّاكيّ في المفتاح: (170)، وتابعه فيها الطِّيبيّ في التِّبيان:(228)

(1)

في ب: "للمجرِّد".

(2)

أي: من عير سَبْق طلب أوْ إنكار.

(3)

المُتحيِّرُ: هو الّذي لم يهتد لأمره. ينظر: اللِّسان: (حير): (4/ 222).

(4)

كلمة: "طالب" أدرجت ضمن كلام الإيجيّ في أ. وليست موجودة في ف.

(5)

أي: المسند إليه والمسند.

(6)

في أ، ب:"فالمتحيِّرُ".

(7)

أصله كما ذكره الشّارح عقبه أي: "بين الإسناد وبين اللّا إسناد" أو "بين الإثبات وبين السَّلب"؛ فحذف المضاف إليه من كليهما ورُكِّب المضافان فجُعلا اسمًا واحدًا فبنيا.

ص: 266

وقولُه: "طرفاه عِنده" جملةٌ وقعت صِفة لقوله: "مُتَحيِّر".

وإِمَّا (1) مَع مُنْكرٍ يَحْكُم بخلافِه؛ أي: بخلافِ ما عِنْدَ المُتَكلِّم، فيُزادُ (2) توكيدُه بحسبِ قوَّةِ إنكارِه؛ أي: بِحَسبِ ما أُشْرِبَ (3) من الإنكارِ في اعتقادِه، ليَرُدّه -أي: المُتَكَلِّمُ المخاطبَ- (4) إلى حُكْم نفسه. نحو: "إنَّ زيدًا لَقَائمٌ"؛ لمن يُنْكرُ القيامَ، وَ "وَاللهِ إنَّ زيدًا لقائمٌ"؛ لمن يُبالغُ في إنكار القيامِ، ويُسمَّى إنكاريًّا. ويشهدُ له قولُ رُسُل عيسى عليه السلام -أوَّلًا:{إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ} (5)؛

وثانيًا: إذ بُولغَ في تكذيبهم: {رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ} (6).

(1) في ب: "فإما"؛ بالعطف بالفاء. ولا يتناسب مع مثيلاتها في القسمين المتقدّمين قبلها.

(2)

هكذا -أيضًا في ف-. وفي ب: "فيزداد".

(3)

الإشْراب: المخالطة. وأُشرب فلانٌ حُبَّ فلانة؛ أي: خالط قلبه. ينظر: اللِّسان: (شرب): (1/ 491).

(4)

في ب: "والمخاطب" ولا وجه له. ويظهر أنَّ الناسخ - عفا الله عنه - توهّم حركة الحرف السّابق: "الضّمّ" واوًا.

(5)

سورة يس: من الآية: 14.

(6)

سورة يس، من الآية 16. وفي أوردت الآية كاملة:{قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ} .

ص: 267

أَرْسل عيسى عليه السلام إلى أهلِ أَنْطَاكِيةَ (1) اثنين: شَمْعُون، ويُوحَنَّا؛ فكذَّبُوهُما؛ فقوَّاهُما برسول ثالثٍ هو بُولِسْ (2)، أَوْ حَبيب النَّجَّار، فقالُوا:{إِنَّا إِلَيْكُمْ مرْسَلُونَ} ، فأنْكَرُوا (3) بقولهم:{مَا أَنتُمْ إلا بَشَرٌ} (4) الآية؛ فأَجَابُوا بقَوْلهم: {رَبُّنَا يَعْلَمُ} (5) الآية. وَلَمَّا كانت الآيةُ مشتملةً على تكذيبِ الرُّسلِ من ثَلاثة أوجهٍ (6)

(1) أنْطاكية -بالفتح، ثمّ السّكون، واليَّاء مخفّفة-: مدينة من الثّغور الشّاميّة، شُهرت بطيب هوائها، وعذوبة مائها، وكثرة خيراتها. حاصرها أبو عبيدة بن الجرّاح وصالحَ أهلَها على الجزية.

ينظر: معجم ما استعجم، لأبي عبيد البكري:(1/ 200)، ومعجم البلدان؛ لياقوت الحمويّ:(1/ 266 - 270).

(2)

هكذا في الأصل. وفي أ: "فولس". وفي ب: "يونس".

(3)

في ب: "وأنكروا".

(4)

سورة يس: من الآية 15. وفي أ: {مَا أَنْتُمْ إلا بَشَرٌ مِثْلُنَا} وسيأتي تمام الآية ضمن ذكر الآيات قريبًا.

(5)

في أ: أُتّمت الآية كاملة: {رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ} .

ولمزيد إيضاح نسوق الآيات كاملة؛ قال تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14) قَالُوا مَا أَنْتُمْ إلا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إلا تَكْذِبُونَ (15) قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ} [يس: 13 - 16].

(6)

الوجه الأوّل: قوله: {مَا أَنْتُمْ إلا بَشَرٌ مِثْلُنَا} ، والوجه الثَّاني: قوله: {مَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ} ، والوجه الثّالث: قوله: {إِنْ أَنتُمْ إلا تَكْذِبُونَ} .

ص: 268

أكد إثبات رسالاتهم (1) -أيْضًا- بثلاثةِ أوجهٍ: "اللَّامِ، وإنَّ، وما في قُوَّة القَسَم (2) ".

(1) في أ، ب:"رسالتهم".

(2)

أورد المفسِّرون القصَّة بروايات مختلفة متفاوتة طولًا وقصرًا. فمن قائل بأنّ أولئك الرُّسلَ رسلُ الله سبحانه وتعالى، ومن قائل بأنّهم رسلٌ لعيسى عليه السلام، ومنهم من قال بأن أسماءهم: شمعون، ويوحنّا، وبولس. ومنهم من قال بأنّهم: صادق، ومصدوق، وشمعون، وقيل غير ذلك. وكما وقع الاختلاف في الرّسل وأسمائهم وقع الاختلاف في القرية المرسل إليها؛ هل هي أنطاكية أم غيرها؟.

وقد رجّح ابن كثير في تفسيره (3/ 576 - 577): "أنّ هؤلاء كانوا رسل الله عز وجل لا من جهة المسيح عليه السلام كما قال تعالى: {إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ

وَمَا عَلَيْنَا إلا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} ولو كان هؤلاء من الحواريّين لقالوا عبارة تناسب أنهم من عند المسيح عليه السلام، والله تعالى أعلم. ثمّ لو كانوا رسل المسيح لما قالوا لهم:{إِنْ أَنْتُمْ إلا بَشَرٌ مِثْلُنَا} ".

كما رجّح أنّ هذه القرية ليست أنطاكية "لأنّ أهل أنطاكية آمنوا برسل المسيح إليهم، وكانوا أول مدينة آمنت بالمسيح

فإذا تقرّر أن أنطاكية أول مدينة آمنت؛ فأهل هذه القرية ذكر الله تعالى أنهم كذّبوا رسله، وأنّه أهلكهم بصيحة واحدة

" ثمّ "إن قصّة أنطاكيَّة مع الحواريّين أصحاب المسيح بعد نزول التَّوراة، وقد ذكر أبو سعيد الخدريّ رضي الله عنه وغير واحد من السّلف أن الله تبارك وتعالى بعد إنزاله التّوراة لم يهلك أمّة من الأمم عن آخرهم بعذاب يبعثه عليهم

؛ فعلى هذا يتعيّن أنّ هذه القرية المذكورة في القرآن قرية أخرى غير أنطاكية

أو تكون أنطاكية إن كان لفظها محفوظًا في هذه القصّة مدينة أخرى غير هذه =

ص: 269

هذا كُلُّه (1) إخْراجُ الكلامِ على مُقْتَضى الظّاهر، وأنَّه في عِلْمِ البيانِ يُسَمَّى: بالتَّصْريحِ (2).

وإخراجُ الكلامِ على مُقْتضى الظَّاهرِ أخَصُّ من إخراجِ الكلامِ على مُقْتضى الحالِ (3)؛ لأن العُدولَ عن مُقْتَضى الظاهر -أيْضًا- مُقْتضى الحال، ولا يَنْعَكِس.

وقد يُعدلُ؛ أي: الكلام عَنْه؛ أي: عن مُقْتَضى الظَّاهرِ، ويُسمَّى حينئذٍ: إخراج (4) الكلامِ لا على مقتضى الظَّاهِر؛ فيُقامُ العالمُ بالفائدةِ ولازمِهَا مُقامَ الجاهل؛ لاعتباراتٍ خطابيَّةٍ (5) إقناعيَّةٍ؛ أي: مَظْنُوناتٍ

= المشهورة المعروفة؛ فإنّ هذه لم يعرف أنها أهلكت؛ لا في الملّة النّصرانيّة، ولا قبل ذلك والله سبحانه وتعالى أعلم".

ينظر القصّة في: تفسير الطّبريّ (22/ 155 - 156)، وفي كشّاف الزَّمخشريَّ:(4/ 10 - 11)، ومعالم التّنْزيل؛ للبغوي:(7/ 12)، الجامع لأحكام القرآن؛ للقرطبي:(15/ 14)، وتفسير ابن كثير:(4/ 574 - 577)، وفتح القدير؛ للشّوكاني:(4/ 363 - 366).

(1)

أي: الخِطاب المجرَّد مع خالي الذِّهن، والخطاب المؤكّد تأكيدًا طلبيًّا مع المتحيّر، والخطاب المؤكّد بأكثر من مؤكّد مع المنكر؛ بحسب درجات إنكاره.

(2)

سُمِّي بذلك لأنّ دلالته على الخاصيّة المرادة واضحة.

(3)

وعلى هذا فإنّ "معناه: مقتضى ظاهر الحال" شرح العلّامة سعد الدّين التّفتازانيّ على التّلخيص (ضمن شروح المفتاح): (1/ 208).

(4)

في الأصل: "بإخراج". والمثبت من: أ، ب، ف.

(5)

في أزيادة: "أي" والسّياق تامّ بدونها، بل إنّ في إثباتها تكرارًا لها؛ لورودها مرّة أخرى عقب ذلك، وليس من منهج الشّارح تكرارها في الجملة الواحدة.

ص: 270

ومَقْبُولاتٍ، لا بُرْهَانِيَّة. مَرْجعُها، أي: مَرْجِعُ تلك (1) الاعتباراتِ التَّجهِيلُ أي: تجهيلُ العالم؛ لوجوه (2) مُخْتَلفةٍ؛ كعدم العَمَل بِمُقْتَضى عِلْمه؛ كَمَا في قول [تعالى](3): {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (4)؛ ينفي العلمَ عنهم حيثُ لم يعمَلوا (5) به؛ بعلمهم، ولمْ يَجْروا عَلى سَنَن مُقتضاه بعد قوله في صَدْر الآية:{وَلَقَدْ عَلِمُوا} ؛ مؤكِّدًا باللَّامِ القسميَّة واصفًا لهم بالعلم على سبيلِ التّوكيد القسَميّ.

ونظيرُه؛ أي: نَظِيرُ قوله -تعالى- في النّفي والإثباتِ؛ في أنَّ المتَّصفَ بالشَّيءِ نُزِّل مَنْزلة الخالي عنه بوجهٍ خطابيّ؛ لا في تَنْزيل العالِم مَنْزلة الجاهل، قوله -تعالى-:{وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ} (6) أثْبَتَ الرَّمْيةَ لرسُولِ الله- صلى الله عليه وسلم؛ إذْ هو الرَّامِي بِحَسَبِ الصُّورةِ،

(1) كلمة: "تلك" ساقطة من ب.

(2)

هكذا -أيضًا- في ف. وفي أ: "بوجوه" وهو الموافق لما في المفتاح.

(3)

ما بين المعقوفين ساقط من الأصل. ومثبت من: أ، ف.

(4)

سورة البقرة: من الآية 102. والضّمير في قوله: {عَلمُوا} عائد إلى أهل الكتاب، وقيل: اليهود خاصّة، أمّا الضّمير في قوله: {اشْتَرَاهُ} فهو عائد إلى السِّحر المذكور في صدر الآية.

والخلاق: النَّصيب. ينظر: تفسير الطّبريّ: (2/ 541 - 453).

(5)

في ب: "يعلموا" وهو تحريف.

(6)

سورة الأنفال، من الآية:17. وفي أورد ضمن الاستشهاد قوله تعالى: {وَلَكِنَّ الله رَمَى} وليس في ف. ولا يستدعيه موضعُ الشّاهد.

ص: 271

ونفاها عَنْه بِحسبِ التَّأثيرِ، إذْ لا مُؤَثِّر إلَّا الله ولا سِيَّما (1) في الأثرِ العظيمِ الَّذي ليس في قُوَّةِ البشرِ.

رُوي أَنَّه عليه السلام لَمَّا طلعتْ قريشٌ (2) قال: "هذه قُريشٌ

(1) في أ، ب:"سيّما".

(2)

القصَّةُ بلفظ قريب جدًّا من هذا في الكشَّاف: (1/ 197) ولم أعثر في كتب الحديث على ما يدلُّ أن هذه القصَّة وقعت يوم بدر -كما هو الحال عند المفسّرين- بل إِنَّ ثَمَّة روايات متقاربة ورد بعضها في صحيح مسلم: (3/ 1402) وبعضها في مسند الإمام أحمد: (7/ 354 - 355) وبعضها في مسند الدّارميّ: (2/ 289، 290) تدلّ على أنَّ تلك الرّمية كانت يوم حنين. وهذا ما أكَّده الطِّيبيُّ في فتوح الغيب في الكشف عن قناع الرَّيب "مخطوط" رسالة دكتوراة بالجامعة الإسلامية: (330) إذ قال: "لم يذكر أحد من أئمّة الحديث أنّ هذه الرّمية كانت ببدر". غير أنَّ ابن حجر العسقلانيّ رحمه الله في كتابه: الكافي الشَّافي في تخريج أحاديث الكشّاف "طبع مستقلا عقب تفسير الكشّاف في طبعة دار المعرفة"- علّق على قول الطِّيبيّ رادًّا له؛ فقال ص (68): "وهو تعقيب غير مرضيّ". ثم ذكر ما يؤكّد أنّ هذه القصّة وردت ببدر مستشهدًا بعدّة روايات وردت عند الواقديّ والطّبريّ. ينظر: الصّفحة السّابقة. والحقُّ: أنَّ تلك الرّوايات -وإن قويت بمجملها وتعدُّد طرقها- لا تخلو من ضعف أو انقطاع. ومع ذلك لا أرى مانعًا من الجمع بين الرَّأيين؛ بأنَّ هناك رميتين إحداهما وقعت منه صلى الله عليه وسلم يوم بدر، والأخرى يوم حنين. والله أعلم.

ينظر تلك الرِّوايات في مغازي الواقديّ: (1/ 80 - 81)، وتفسير الطّبري:(3/ 444)، وسيرة ابن هشام:(2/ 668).

وفي مسند الإمام أحمد: (4/ 487)، (5/ 442)، وابن حبّان:(6502)، وأبو نعيم في الدَّلائل:(139)، والبيهقيّ في الدّلائل:(6/ 240) -أنّ هذه =

ص: 272

قَدْ جَاءت بخُيلائِها وفَخْرها (1) يُكذِّبون رَسُولك؛ اللهمَّ أسْألُك مَا وعدتَّني!؛ فأتاهُ جبريلُ، فقال: خُذْ قَبْضَةً منْ تُرابٍ فارْمِهم به؛ فقال النّبيُّ عليه السلام لعَليٍّ رضي الله عنه لما الْتَقى الجَمْعان: أَعْطِني قَبْضَةً من الحصبَانِ (2)؛ فَرمى بها فِي وُجوهِهم، وقال (3): شَاهَت الوُجُوه! (4)؛ فلم يَبْقَ كافرٌ إلّا شُغل بعينِه؛ فانهزَمُوا".

وقولُه -تعالى-: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ} (5) أثبتَ لهم الأيمانَ في صدر الآية، ونفى عنهم في عجُزها؛ إذْ لَمْ يَتَرتَّبْ عليها الغرضُ الَّذِي هو الاسْتِيثَاقُ والوفاءُ.

= الرّمية وما رافقَها من دعاء كانت قبل بدر- عندما تمالأت عليه قريش لقتله ضربة رجلٍ واحد- ولكنّ ثمرتها ظهرت ببدر "فما أصابَ رجلًا منهم من ذلك الحصَى حصاة إلا قُتل يوم بدرٍ كافرًا" مسند الإمام أحمد: (4/ 487).

(1)

في الأصل: "ومجدها". والمثبت من: أ، ب. مصادر القول السَّابقة. وهو الأولى؛ لإجماع مصادر القول عليه.

(2)

الحَصْبان: الحجارة الصّغيرة. ينظر: اللِّسان: (حصب): (1/ 319).

(3)

في ب: "وقالت" وهو تحريف بالزِّيادة.

(4)

شاهت الوجوه: أي: قبحت. النّهاية في غريب الحديث: (2/ 511)، غريب الحديث:(1/ 569)، وينظر: اللِّسان: (شوه): (13/ 508).

(5)

سورة التوبة: من الآية 12.

ص: 273

وقَدْ يُلقى؛ أي: وإذْ (1) يُعدل عن (2) الظَّاهر بناءً على أنَّهُ هُو مقتضى الحال قَدْ يلقى الخبرُ إلى المنكرِ مُجَرَّدًا عن المؤكِّداتِ؛ تَنْزيلًا لَهُ منْزلة من لا يُنكر (3)، إذا كان معه؛ أي (4): مع المُنْكر ما إذا تأمَّله؛ كالدَّلائل العَقْليَّة (5) ارْتَدع عن الإنكارِ؛ تَقُولُ للكافرِ: "الإسلامُ حَقٌّ" لوُضُوح دلائله؛ أي: لما مَعه مَن الدَّلائل الواضحةِ الَّتى لَوْ تَأَمَّلها (6) عَرفَ حَقِّيته (7).

ومِثْلُه: {لَا رَيْبَ فِيهِ} (8) مع كَثْرةِ المُرْتابين فِيه؛ لأنَّهُ كان في وُضوحِ الدِّلالة وسُطوع البُرهان بحيث لوْ تأمَّلوا فيه ارْتَدعُوا عن الارتياب.

وإلى غيْرِ السّائلِ؛ أي: يُلقى إلى غَيْرِ السَّائلِ. عَبَّرَ عن خَالي الذِّهن "بغَيْرِ السَّائل" ليُنبّه على أنَّ إلقاءَ الخبرِ إليه مُؤكَّدًا لتنزيلِه منْزلة السَّائلِ (9) مؤكّدًا؛ وذلك ليسَ كما اتَّفَق؛ بلْ إذا قُدِّم إليه؛ أي: إلى غَيرِ

(1) هكذا في الأصل. وفي أ، ب:"وإذا". والجملةُ شروعٌ في تنْزيل المنكر مقام الآخرين.

(2)

في أزيادة: "مقتضى".

(3)

في الأصل: "لا ينكره". والمثبت من: أ، ب، ف.

(4)

"أي" ساقطة من ب.

(5)

في أ، ب زيادة:"امتنع و" والمعنى تامّ بدونها.

(6)

الضّمير عائدٌ إلى الكافر.

(7)

في ب: "عن حقيقته". وهو خطأٌ ظاهر.

(8)

سورة البقرة: من الآية: 2.

(9)

في ب: "المسائل"، وهو تحريف بالزّيادة.

ص: 274

السَّائلِ، ما يُلوِّح (1)، كلام يُشير به بالخَبرِ (2)، ويُشعِر بِحُكم ذَلك الخبرِ ومَضْمُونِه؛ لأنَّه للنَّفسِ اليَقْظي (3) مظِنَّةُ الترَدُّد؛ لأنَّ تقديم (4) الملوّح للنَّفس اليَقظي مظِنَّةُ الطَّلبِ والتَّرَدُّد في تحققِ (5) مضمُونه للتَّلويحِ، وعدم تَحَقّقِه لعدمِ التَّصْريح. قال (6):{وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ} (7)، أي: لا تُراجعني يا نُوحُ في إهلاكِ الكُفَّارِ وإغراقهم.

ولَمَّا أوْرَثَ هذا النَّهيُ تحيُّرَ (8) نوحٍ عليه السلام في سبب عدمِ المراجعةِ، وأنَّهم مُغرَقون أمْ لا؟ - أُزيل هذا التَّحَيُّرُ بأنْ قيلَ:

{إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ} على سبيلِ التَّوكيدِ، أي: محكومُون (9) بغرَقِهم.

(1) التلويح لغة: الإشارة عن بعد.

وفي اصطلاح أهل البيان: ذكر لفظ يدلّ على معني يتوسّط لوازمه؛ كما في كثير الرّماد. شرح الفوائد: لمجهول: (ل: 26 / ب)، وينظر: مفتاح العلوم: (411)، الإيضاح:(5/ 176).

(2)

في أ، ب وردت العبارة هكذا:"ما يُلوّح به كلام يشير بالخبر".

(3)

أي: المُنْتَبِهة. واليَقظةُ نقيض النّوم. اللّسان: (يقظ)(7/ 466).

(4)

في أ، ب:"تقدُّم".

(5)

في ب: "تحقيق".

(6)

في أ: زيادة: "الله تعالى"، وليست في ف.

(7)

سورة المؤمنون: من الآية: 27.

(8)

في أ: "تردُّد"، وهما بمعني.

(9)

في ب: "محكمون" وهو تحريف بالنّقص.

ص: 275

وكذَا إلى غَيْر المُنْكر؛ أي: كما يُلقى إلى غَيْر السَّائل مُؤَكدًا؛ كذلك يُلْقى إلى غير المُنْكِر مُؤكدًا زيادةَ تأكيدٍ (1) عند شيءٍ؛ أي: إِذَا كان عليه شيءٌ من مخايل (2) الإنْكارِ وأَمَارَاتِه؛ قال (3):

جَاءَ شَقِيقٌ (4) عَارِضًا رُمْحَهُ

إِنَّ بَنِي عَمِّكَ فِيهِم رِمَاح

شقِيق: اسمُ رجلٍ حسِبَ تأَتي (5) المقاومة مع بَنَي عمِّه سهلًا؛

(1) في أ: "توكيد" وهما بمعنى.

(2)

المخايل: جمع مَخِيلة، وهي محلُّ الظَّنِّ؛ يقال: خلْتُ الشَّيءَ خَيلًا ومَخيلَةً أي: ظننته.

ومنه المثل: "مَن يَسْمَعْ يَخَلْ" أي: يظنّ. ينظر: اللّسان: (خيل): (11/ 226).

(3)

البيتُ من السَّريع. وقائله: جَحل بن نَضْلة؛ أحدُ بني عمرو بن عبد بن قتيبة بن أعصر.

وبعدَه:

هَلْ أَحْدثَ الدَّهرُ لنَا ذِلَّةً

أَمْ هَلْ رقَت أُمُّ شَقيقٍ سِلاح

وقد ورد البيت منسوبًا لقائله في البيان والتّبيين: (3/ 340)، والمؤتَلف والمختلف لأبي القاسم؛ الحسن بن بشر:(112)، ومعاهد التّنصيص:(1/ 72) وبدون نسبة في الموشّح في مآخذ العلماء على الشّعراء؛ للمرزبانيّ: (396)، ودلائل الإعجاز:(326)، ونهاية الإيجاز:(359)، ومفتاح العلوم:(174)، والإيضاح:(1/ 75)، والتِّبيان في البيان:(229).

والشّاهد فيه قوله: "إنّ بني عَمّك فيهم رِمَاح" حيث نزّل غير المنكر للشّيءِ منْزلةَ المنكرِ لظهور أمارات الإنكار عليه.

(4)

هو شقيق بن جزء بن رباح بن عمرو بن عبد شمس بن أعيا أحد بني قتيبة بن معن. المؤتلف والمختلف: (112).

(5)

في الأصل، ب:"بأن" والصّواب من: أ، ويشهد لصوابه وصفه بقوله:"سهلًا" في نهاية العبارة وهو ما لا يصدق مع "بأن" لضرورة أن يكون خبرها "سهلًا" مرفوعًا من ناحية، ومطابقًا للاسم "المقاومة" -من حيث التَّأنيث- من ناحية أخرى.

ص: 276

حينَ (1) جاء آخذًا رُمْحَه بالعَرْض؛ غير مُلتفِتٍ إلى القرْنِ المكافح (2)، حَتَّى يَجْعل طرفَ الرُّمح إليه، مغرُورًا بشجاعته؛ فنزَّلهُ الشَّاعرُ لهذا منْزلةَ من يُنكِرُ أنَّ في بني عمِّه أُهْبَةَ (3) الْحَرْب؛ من الرِّماح وسائرِ السِّلاح، ويعتقدُ كون كُلِّهم عُزْلًا (4).

والحاصلُ: أنَّه يجبُ أَنْ يكونَ لباسُ (5) الكلامِ على قَدِّ (6) المقام؛ لا زائدًا ولا ناقصًا، ووضعُ الخبر ليعتقدَ المخاطبُ مضمونَه؛ فحَقُّهُ أن يُخاطبَ به من لا يَعْتقدُه (7)؛ وهو إِمَّا غيرُ مُتَصوّرٍ له (8)، أَوْ مُتصوّرٌ مَع تجويزِ نقيضِه (9) أَوْ مع اعتقادِه (10).

(1) كلمة "حين" ساقطة من ب.

(2)

هكذا في الأصل، وفي أ، ب، مفتاح العلوم:"المكاوح". ولفظة الأصل أولى وأصدق على المقام؛ لأَنَّ المكافحة: "المضاربة والمدافعة تلقاء الوجوه". وهذا ما يتحقّق مع حمل الرُّمح ورأسه للخصم. أمَّا المكاوحة فإنَّها لا تتجاوز معنى المقاتلة والمغالبة.

ينظر: اللِّسان: (كفح): (2/ 573)، و (كوح):(2/ 575).

(3)

الأُهْبَةُ: العُدَّةُ. وأُهْبَةُ الحربِ: عُدّتها. اللِّسان: (أهب): (1/ 217).

(4)

في أزيادة: "لا سلاح لهم" والسِّياق تامّ بدونها لكونه تفسيرًا لقوله: "عزلًا".

(5)

في الأصل: "أساس" والصّواب من أ، ب. إذْ ربْطُ المطابقة بأساس الكلام يوحي بوجود فضلة لا يُعتدّ بها في مطابقة الكلام لمقتضى الحال. والبلاغةُ تمنعُ ذلك.

(6)

في الأصل: "قدر". والمثبت من أ، ب؛ إذ هو المناسب للِّباس المتقدّم.

(7)

في ب: "لا يعتقد".

(8)

وهو خالي الذّهن.

(9)

وهو التردِّد.

(10)

أي: اعتقاد النّقيض؛ وهو المنكر.

ص: 277

فمعَ الأوَّلِ يَكْفي أصلُ الخبرِ. ومع الثَّاني يجبُ زيادةُ تقويةٍ له لِمنع (1) تجويزِ نقيضِه. ومع (2) الثَّالث أَزْيد لِمَنع (3) اعتقادِ النَّقيضِ. ثُمَّ تَجْويزه.

وكلَّما كان اعتقادُه أقوى احتاجَ إلى مُزيل أَقْوى؛ لا جَرَمَ يُخاطَبُ الأوَّلَ به مُجَرَّدًا، والثَّاني مُؤكّدًا، والثَّالثَ أشدَّ تأكيدًا.

ثمَّ هذه الثَّلاثةُ قدْ تكون ادّعَاءً لا حقيقة، وتُسمَّى: إخراجَ الكلامِ لا على مقتضى الظَّاهِر، فيدَّعى خُلُوَّ الذِّهنِ للتَّجْهيلِ، أَوْ السُّؤال لسبق كلامٍ يوجبُه، أَوْ الإنكارَ لأمارته أَوْ عدمِه لظُهورِ الدّلائلِ.

ومنْ هُنَا (4)؛ أي: مِمَّا علِمتَه ها هنا (5)؛ من كيفيَّة إخراج الجُملِ الخبريَّةِ على مُقْتضى الحالِ، وأنواع تركيباتِها الأُوَل؛ أي: تركيباتها بحسبِ عقدِ الجُمْلةِ، ونسبةِ بَعْضها إلى بعضٍ. مَعْ ما سيأتِيكَ؛ في الفنِّ الرَّابع (6) من تركيباتها الثَّواني؛ أي: تركيباتها مع الجُمَل بعضها إلى بعض فَصْلًا وَوَصْلًا؛ تعرفُ تفاوتَ: "اعْبُدْ رَبَّكَ إِنَّ العادة (7)، أو العبادةُ (8)، أو فالعبادةُ حقٌّ له"(9)؛ بِحسبِ المقام؛ أي: تفاوت ما

(1) في ب: "تمنع".

(2)

في الأصل: "في" والمثبت من أ، ب. وهو الملائم لما قبلَه. والمعنى واحد.

(3)

في ب: "تمنع".

(4)

هكذا -أيضًا- في ف. وفي أ: "ها هنا" ومعناهما واحد. وفي ب: "هذا" وهو تحريف.

(5)

في أ: "هنا".

(6)

من بيان أحكام الفصل والوصل والإيجاز والإطناب.

(7)

بزيادة "إنّ" للتّأكيد.

(8)

بترك "إنّ" مع الفصل -كما تقدّم-.

(9)

بترك "إنّ" مع العطف بالفاء.

ص: 278

بينَ (1) هذه الجُمل الثَّلاث (2) على مُقْتضى المقام (3)، كما يُقال: إنَّ الأُوْلى (4) تُستعملُ حيثُ يُحتاجُ إلى التَّأكيد، ويُرادُ تحقيقُ العِلَّة (5)، والثَّانيةَ حيثُ يُخَاطبُ خالي الذِّهن، ولا يُرَادُ التَّعليلُ، والثّالثةَ حيثُ يُرَادُ التَّعليلُ، ولا يُرادُ التَّحقيق؛ لأَنَّ "الفاء" مُشْعِرٌ بالعلِّيَّة، و"إنّ" بالتَّحقيق، حتَّى لو أُريد (6) كلاهُما يُؤْتى بهما؛ فيُقالُ:"فإنَّ العَبادةَ حقٌّ".

وتقِفُ؛ أي: ومن هَذا (7) تقِفُ (8) على اعتباراتِ (9) النَّفي؛ لأن من أتقنَ الكلامَ في (10) اعتباراتِ الإثباتِ وقفَ على اعتباراتِ النَّفي بالقياسِ عليه (11)،

(1) في أ، ب:"أي: تفاوتًا بين".

(2)

في أزيادة: "بعضها إلى بعض"، والمعنى ظاهر بدونها.

(3)

في الأَصل: "الكلام". والصَّواب من أ، ب؛ فالمقام هو الَّذي يوجد التّفاوت؛ لا الكلام.

(4)

في الأَصل: "الأوَّل". والصّواب من: أ، ب؛ للتّأنيث المتقدّم.

(5)

في الأَصل: "التّحقيق". والمثبت من: أ، ب؛ لكونه أدقَّ في إبراز المعني بعيدًا عن الاحتمال.

(6)

في أ، ب:"يُراد". والمعنى هو المعني.

(7)

في الأَصل: "هنا". والمثبت من أ، ب. وسيأتي -عمّا قليل- في العبارة المعطوفة عليها ما يدل على أنَّها أولى بالإثبات.

(8)

في أاقحمت كلمة: "تقف" ضمن كلام المصنِّفِ مع سَبق ورودها فيه.

(9)

في الأَصل: "اعتبار". والصّواب من أ، ب، ف.

(10)

في الأَصل: "على". والصّواب من أ، ب.

(11)

فالمتكلِّم قد يريد أَنْ يُعْلِم الحكم السَّلبيّ؛ فيقول: "ليس زيدٌ قائمًا" لمن لا يعلمه، وقد يُريد أَنْ يُعْلِمَ أنَّه يعلمه، نحو:"ما حفظت القرآن" لمن لا يحفظه. =

ص: 279

وعلى سببِ؛ أي: ومن هذا تقفُ على سبب (1) نزولِ القُرآن على هذه المناهج المذكورةِ؛ من اعتباراتِ الإسنادِ الخبريِّ، إِمَّا على وفقِ الظّاهر، وإِمَّا لا على وفقِه بحسب المقاماتِ.

= وكذا الحالُ في إِلقاء الخبر على مقتضى الظَّاهر، فيُقال لخالي الذّهن:"ليس زيدٌ قائمًا". ويقال للشَّاك: "ليس زيد بقائم". ويقال للمنكر: "والله ليس زيد بقائم". وقد يُعدل عن ذلك الظّاهر، ويخرج الكلام على خلافه؛ فيقام كلُّ واحد من خالي الذّهن والمتردِّد والمنكر مقام الثّلاثة الباقية -كما سبق أن وضّح-.

(1)

في أ: قحم قوله: "على سبب" ضمن كلام المصنِّف مع سبق وروده فيه.

ص: 280