المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌1 - الحالة السياسية: - تحقيق الفوائد الغياثية - جـ ١

[الكرماني، شمس الدين]

فهرس الكتاب

- ‌التّمهيد: التّعريف بالعضد الإيْجيّ وكتابه "الفوائد الغياثيّة

- ‌المبحث الأول التعريف بعضد الدّين الإيْجي

- ‌المبحث الثّانِي: التّعريف بكتابه "الفوائد الغياثيَّة

- ‌عنوانه:

- ‌سبب تأليفه:

- ‌مضمون الكتاب:

- ‌الفصل الأوّل: التّعريف بشمس الدِّين الكرمانيّ

- ‌التّمهيد: نبذةٌ موجزةٌ عن عصر الكرمانِيّ

- ‌1 - الحالةُ السّياسيةُ:

- ‌2 - الحالةُ الإجْتماعيّة:

- ‌3 - الحالةُ العلميَّة:

- ‌المبحث الأوّل: حياة الكرمانيّ

- ‌المطلب الأوّل: اسمه، ونسبه، ولقبه، وكنيته

- ‌المطلب الثّاني:‌‌ مولده، ونشأته، ورحلاته

- ‌ مولده

- ‌نشْأته ورحلاته:

- ‌المطلب الثّالث:‌‌ عقيدته، وأخلاقه، وصفاته

- ‌ عقيدته

- ‌أخلاقه وصفاته:

- ‌المبحثُ الثاني شُيوخُه، وتَلاميذُه، ومكانتُه العلميّة

- ‌المطلب الأوّل: شيوخه

- ‌المطلب الثّاني: تلاميذه

- ‌المطلب الثالثُ: في مَكانته العلميَّة

- ‌المبحث الثَّالثُ: مصنّفاتُه ووفاتُه

- ‌المطلب الأوّل: مصنّفاته

- ‌المطلب الثانِي: وفاته

- ‌الفَصلُ الثّاني: التَّعريف بكتاب "تحقيق الفوائد

- ‌المبحث الأوَّل: اسمُ الكتابِ، وتوثيقُ نسبتهِ للمؤلّفِ، ومنهجُ المؤلّف فيه

- ‌المطلب الأوّل: اسم الكتاب

- ‌المطلبُ الثَّاني: توثيقُ نسبته للمؤلِّف

- ‌المطلبُ الثَّالثُ: مَنْهج المؤلِّف فيه

- ‌المبحث الثَّاني: مصادرُ الكتاب وشواهدُه

- ‌المطلب الأوّل: مصادرُ الكتاب

- ‌المطلب الثّاني: شواهدُ الكتاب

- ‌المبحث الثّالث: تقويم الكتاب

- ‌المطلبُ الأَوَّل: مزايا الكتاب

- ‌1 - حسن التّبويب والتنظيم:

- ‌2 - التَّوسُّط والاعتدال:

- ‌3 - اشتمال الكتاب على بعض الفوائد المهمّة:

- ‌4 - ظهور شخصيّة المؤلّف العلميّة بشكل واضح:

- ‌5 - اشتمال تحقيق الفوائد على بعض آراء الإيجيّ الّتي لم ترد في مختصره:

- ‌6 - اشتمال تحقيق الفوائد على أصحّ نسخ المختصر:

- ‌7 - وضوح المعنى، وسلامة الأسلوب غالبًا:

- ‌المطلب الثّاني: المآخذ عليه

- ‌1 - أخطاء عقديّة:

- ‌2 - أخطاء منهجيَّة:

- ‌3 - خطأ علمي:

- ‌4 - أخطاء أسلوبيّة:

- ‌المبحث الرّابع: وصف مخطوطات الكتاب، ومنهج التّحقيق

- ‌المطلبُ الأوَّل: وصفُ مخطوطاتِ الكِتابِ

- ‌أوّلًا: النّسخ المعتمدة:

- ‌1 - النّسخة الأصل:

- ‌2 - النُّسخة (أ):

- ‌3 - النُّسخة (ب):

- ‌ثانيًا: النسخ المهملة:

- ‌1 - نسخة مكتبة شهيد:

- ‌2 - نسخة مكتبة مشهد:

- ‌3 - نسخة المتن:

- ‌المطلبُ الثاني: منهجُ التحقيق

- ‌المقدّمة

- ‌الفصل الأوّلُ: في علْمِ المعاني والكلامِ في الخَبر والطّلبِ

- ‌القانونُ الأوّلُ: في الخبر

- ‌الفنُّ الأوّلُ: في الإسنادِ:

- ‌الفنُّ الثَّاني: في الْمُسْنَدِ والْمُسْنَد إليه

- ‌النوعُ الأَول: في‌‌ الحذفوالإثباتِ

- ‌ الحذف

- ‌الإثباتُ

- ‌النوعُ الثاني: في‌‌ التَّعريفبأَقْسامه (*)، والتَّنْكير

- ‌ التَّعريف

- ‌تنبيه:

- ‌تنبيه:

- ‌تَذْنِيب

- ‌التَّنكيرُ

- ‌النُّوعُ الثَّالثُ: في التَّوابع

- ‌الوصفُ

- ‌التَّوكيدُ

- ‌البيانُ

- ‌البَدَلُ

- ‌العطفُ

- ‌خاتمةٌ:

- ‌تذنيبٌ:

- ‌الفَنُّ الثَّالثُ: في وضع الطَّرفين (*) كُلّ عند صاحبه

- ‌ التَّقديم

- ‌النَّوعُ الأَوَّل: في التَّقديم والتَّأخير

- ‌تذنيباتٌ

- ‌النَّوعُ الثَّاني في الرَّبطِ والتَّعلُّق

- ‌تنبيهاتٌ

- ‌أدواته)

- ‌النوع الثالث (*): في القصر

- ‌ طرق القصرِ

- ‌خاتمةٌ:

- ‌الفنُّ الرّابعُ (*): في وضعِ الجملتينِ، والكلامِ في الوصلِ والفصل، وفي الإيجازِ والإطنابِ، وفي جعلِ إحداهما حالًا

- ‌النّوعُ الأوّلُ: في الفصلِ والوصلِ

- ‌الوصلُ

- ‌الفصلُ

الفصل: ‌1 - الحالة السياسية:

‌التّمهيد: نبذةٌ موجزةٌ عن عصر الكرمانِيّ

مِمَّا لا شكَّ فيه أَنَّ الإِنْسانَ قرينُ بيئتهِ، يتَأثَّر بها، ويُؤثِّر فيها، وبقطعِ النَّظرِ عن حجمِ التَّأثير وقوَّة التَّأثُّر بينهما؛ فإنَّنا لا نستطيعُ أنْ نتصوَّر أَحدَهما بدون الآخر، حتَّى باتَ في الظَّاهر أنَّ الحكمَ عَلى أحدِهما حكمٌ عَلى الآخر -في الغالب الأَعمِّ-.

ومن هنا يتحتّمُ علينا إن نلقىَ الضَّوء عَلى عصرِ مُؤلّفنا؛ وبخاصَّةٍ إذا أَردنا أَنْ نَسْبر غَوْره حقَّ السَّبر، ونَقْتفي حياتَه حقّ الاقْتِفاء.

وقبل البدءِ في تفْصيلات عصرِ المؤلِّف يجدرُ بي أَنْ أُشير إلى أَنَّ ما أعْنيه بعصرِ المؤلِّف هُو تلك الحقْبَة الزَّمنيَّة الَّتي شهدت مولِدَه، ورافقت حَيَاته حتَّى وفاتِه، بكلِّ ما تَحْمله من تأثيرٍ واضحٍ عَلى الفَردِ والمُجْتَمع والأُمَّة الإسلاميَّةِ آنذاك.

وقد جرت سُنَّةُ الدَّارسين لأيِّ عصرٍ من العصور أَنْ يتحدَّثوا عنه -في الغالبِ- من زوايا ثلاثة؛ تكشفُ أَسْتارَه وتُجَلِّي معالِمَه؛ وهي:

‌1 - الحالةُ السّياسيةُ:

تكشفُ لنا الكتبُ الموُرِّخة لعصرِ مصنِّفنا عن مَزيد من التُّفكُّكِ والانْقسامِ داخلَ البلاد الإسْلاميَّة، مِمَّا نتجَ عنه ظُهورُ إمارات جَديدةٍ لَمْ تَكُنْ قائمة من قبل، أَوْ قيام بعضِها عَلى أَنْقاضِ بعضِها الآخر (1).

(1) ينظر أهمّ تلك الإمارات، أسماؤُها، قيامُها، نهاياتُها، في "محاضرات في تاريخ الأُمم =

ص: 37

وهذا بدوره أَفْضى إلى نشوبِ الخلافاتِ واشتعالِ الحروبِ سَواءٌ فيما بين تلك الإمارات بعضها لبعض، أَوْ فيما بينهما وبين غَيْرها من الأُمم الأُخرى المجاورة.

وقد هَيَّأَ لذلك الانْقسام وما ترتَّب عليه عدَّةُ أسبابٍ سبقت عصر الكرمانيِّ، أُجْملها فيما يلي:

1 -

الحملاتُ الصَّليبيَّةُ الحاقِدة الَّتي شَنَّها النَّصارى الأوربِّيُّون عَلى الأَقاليم الإسلاميَّة (1)؛ بقصد النَّيل من المسلمين واستِغْلال ثَرواتِهم (2).

2 -

انْقِضاءُ دولةِ بني العبَّاس إِثر الهجوم التَّتري الغاشِم، الذي أَسْفر عن سقوطِ بغداد سنة 656 هـ (3)، وقتل الخليفة، واجْتياح أغلب البلاد الإسلاميّة.

= الإِسْلاميّة"؛ لمحمَّد الخضري: (483).

(1)

اختلف المؤرّخون في نشأَتِها على أَقوالٍ عدَّة؛ أَرْجحُها أَنَّها بدأت سنة (490 هـ)، واستمرّت حتَّى سنة (690 هـ) أي: قرنين كاملين.

ينظر: المرجع السَّابق: ص (440).

والحقُّ: أن خطر الصَّليب ما زال يُحْدق بالأُمَّة الإسلاميّة، ويتربّص بها الدَّوائر، وليس ثمَة فرق -في حقيقة الأمر- بين حملات الأَمس وحملاتِ اليوم؛ اللهم إلَّا بما اسْتترت خلفه حملاتُ اليوم من أقنعةٍ زائفة وشعاراتٍ برّاقة.

(2)

ينظر: الحركة الصليبيّة، د / سعيد عاشور:(1/ 21 - 25). ومن عجبٍ أَنْ يَرْجع بعضُ المؤرّخين أسباب تلك الحملات -مع ظهورها- إِلى دوافعَ أخرى لا تمتُّ إلى الحقيقةِ بصلة.

راجع تلك الآراء في: المرجع السَّابق (الصّفحات نفسها)، وأوروبا في العصور الوسطى للمؤلِّف نفسه:(1/ 424).

(3)

ينظر: البداية والنِّهاية: حوادث سنة (656): (13/ 226 - 243)، وتاريخ الخلفاء =

ص: 38

3 -

انتشارُ الخلافاتِ المذهبيَّة والطَّائفيَّة.

ومع أنَّ الأمَّةَ الإسلاميّةَ استطاعت بفضل الله ثمّ بفضلِ جُهودِ المخلصين للإسلام آنذاك تجاوز خطر السَّببين الأوَّلين؛ في القضاءِ عَلى الإسلامِ واقْتلاع جذُوره؛ بالتَّصدِّي لحملاتِ الصَّليبِ العَاتية؛ بلْ وتَوجيه ضَرباتٍ موجعةٍ لها عَلى أَيْدي الأَيُّوبيِّين، وبخاصَّةٍ صلاح الدِّين (1) الأيُّوبيّ الَّذي أَوقع بهم هزيمةً ساحقةً في معركةِ حطِّين سنة (583 هـ)؛ كسرَ من خلالها شوكتَهُم، واستردَّ بيت المقدِس بعدَ غيابٍ زاد عَلى تسعين عامًا (2).

وكذا هزيمة التَّتارِ عَلى أَيدي المماليك بقيادةِ الملك المُظفَّر قُطُز (3) في

= للسّيوطيّ: (471 - 473).

(1)

هو / أَبو المظفر، يوسفُ بن أيّوب بن شادي، الملقّب بالملك النَّاصر، أحدُ ملوك بني أيّوب؛ قائدٌ فذٌّ؛ أعاد الله به سيرة الفاتحين الأوّلين، وبه ردَّ كيد الحاقدين الصَّليبيِّين، وُلِد بتكريت سنة (532 هـ)، ونشأَ بالشَّام، وابتدأَ حكمُه بمصر، ثمّ توسَّعت أطرافُ مملكتِه. تُوفِّي - يرحمه الله - سنة (589 هـ).

ينظر في ترجمته: الكامل في التَّاريخ؛ لأبي الحسن عليّ بن الأثير: (10/ 224 - 225)، وسيرُ أَعلامِ النُّبلاء؛ لشمس الدِّين الذّهبي:(21/ 278 - 291)، الأَعلام:(8/ 220)؛ وقال مؤلّفه: "وللمصنّفين كتبٌ كثيرةٌ في سيرته؛ منها كتابُ: "الرَّوضتين" لأبي شامة

، و" النَّوادر السُّلطانيَّة"، و"المحاسن اليوسفيّة" لابن شدَّاد

".

(2)

ينظر: الكامل في التَّاريخ، أحداث سنة (583 هـ):(10/ 146 - 158).

(3)

هو / سيف الدِّين؛ قُطُز بن عبد الله المعزى: ثالثُ ملوك التُّرك الماليك، كان فارسًا شجاعًا، سائسًا، ديّنًا، محبّبًا إلى الرَّعية، قُتل غَدْرًا وهو في طريقه إلى مصر سنة (658 هـ) ولَمْ يُكمل سنةً في السَّلطنة.

ينظر في ترجمته: سيرُ أَعلامِ النُّبلاء: (23/ 200)، طبقاتُ السِّبكيِّ:(8/ 277)، =

ص: 39

عين جالوت سنة (658 هـ)(1)، وانْحسار نفوذِهم عن الشَّام إلى أَطْراف العراق.

أَقولُ: مع تجاوزِ خطر هذين السَّببين إلَّا أَن ثَلْمهما لَمْ يؤربْ بسهولة، وبقيت آثارُهما مع اسْتِفحال السَّببِ الثَّالثِ حائلًا دون توحيدِ البُلْدان الإسلاميَّة، أَوْ حتَّى بقائِها عَلى ما كانت عليه.

فهذه بلادُ العراقِ وفارس ما زالت تَرْزح تحت سُلطانِ المَغُول حيثُ استطاعَ هولاكو (2) أَنْ يُقِيمَ لنَفْسه وذُرِّيَّتِه دولةً عظيمةً اتخذ من إِيران مركزًا لها، وسُمِّيت فيما بعدُ بدولةِ (الإيلخانيّين)، وما زال خلفاؤه يَتَعاقبون رئاسَتها من منتصف القرنِ السَّابع الهِجريّ حتَّى منتصف القرن الثَّامن سنة (744 هـ) حيثُ توفِّي آخرُ ملوكِها (3)(أَبو سعيد)(4).

= البداية والنِّهاية: (13/ 256 - 258).

(1)

ينظر: البداية والنِّهاية (13/ 248 - 251)، جوامع التَّواريخ (الإيلخانيّون) م 2، ج 1، ص:(313 - 314) التَّرجمة العربيَّة.

(2)

هو / هولاكو خان بن تولي خان بن جنكيز خان؛ أحدُ أعتى قادة المغول جبروتًا، وأَشدُّهم غلظة، وهو أوَّل ملوك الدَّولة المغوليّة الإيليخائيّة، استمرَّ حكمُه عشر سنوات، وتُوفِّي إثر مرض أَلَمَّ به في شتاءِ سنة (663 هـ) عن عمر يناهز الثَّمانية والأَربعين عامًا.

ينظر في ترجمته: البداية والنِّهاية: (13/ 277)، تاريخ وصّاف لشهاب الدِّين عبد الله الشِّيرازيِّ الملقّب بـ (وصّاف) ص:(30).

(3)

إيران ماضيها وحاضرها، دونالد ولبر:(65).

(4)

هو / أَبو سعيد بن أولجايتو (محمَّد خدابندا) تولّى الملك بعد أبيه ونُصِّب وعمرُه ستة عشر عامًا، كان بينه وبين النَّاصر محمَّد قلاوون مكاتباتٌ ومراسلاتٌ وتودُّد، =

ص: 40

وبعد هذا الأَخِيرِ اضطربت الدَّولة، واستولى الطامعون عَلى بعضِ الأَقاليم، وبَقوا عَلى ذلك زَمنًا حتَّى تغلَّب عليهم محمَّدُ (1) بن المظفَّر الَّذي لَمْ يُوفّق في تَرْسيةِ قواعد متينةٍ لدولتهِ الفَتيَّة، وذلك عندما ارْتكب خَطأً فادحًا بتقسيمِ البلادِ بين ابْنيه المتنافِسين؛ حيثُ ولَّى أحدَهما مُلْكَ أَصْبهان، والآخَر مُلْكَ شيراز وكرمان؛ تَاركًا البابَ مفتوحًا لنشوبِ الخلافات المُستمرَّة بينهما؛ مِمَّا أدَّى إلى إِعلانِ الحربِ بينهما أَكْثر من مرَّة، وضعف أَمْرهما، وأَخيرًا اسْتيلاء تيمور لنك عَلى أَمْلاكِهما سنة (788 هـ)(2).

ولَمْ يكن الحالُ في مصر والشَّام آنذاك بأَفضل منه في بلادِ فارس والعراق؛ حيثُ وجدَ الْمَمَاليكُ الَّذين جاءَ بهم الملكُ الصَّالِحُ نجمُ الدِّين (3)

= وبموته سنة (746 هـ) انتهت دولةُ الإيليخانيّين.

ينظر: نهاية الأَرب: (27/ 419 - 420)، صبح الأَعْشى في صناعة الإنْشا؛ للقلقشنديّ:(4/ 420 - 421).

(1)

هو / مبارز الدِّين؛ محمّد بن مظفر؛ مؤسِّس دولة بني مظفّر. وكان أبوه قد هيّأ لقيام الدّولة عندما كان واليًا من قِبَلِ السّلطان أبي سعيد (آخر ملوك الإيليخانيين)؛ فلمّا مات خلفه ابنه محمّد واستطاع الانقلاب على أبي سعيد وسيطر على كرمان وفارس وكردستان، توفِّي سنة (765 هـ).

ينظر: كتاب "العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر

" المشهور بتاريخ ابن خلدون: (5/ 1177 - 1179)، و"الدُّول الإسلاميَّة"؛ لستانلي لين: (2/ 545).

(2)

ينظر: إيران؛ ماضيها وحاضرها: (127)، وتاريخ ابن خلدون:(5/ 1177).

(3)

هو أبو الفتوح، أيُّوب بن محمَّد بن أبي بكر بن أيُّوب. ولّاه والدُه بعضَ الدِّيار الشَّاميَّة، فَبقى فيها إلى أَنْ تملكَ الدِّيار المصريَّة بعد وفاةِ والدِه، تُوفِّي سنة (647 هـ). =

ص: 41

أيّوب للدِّفاع عن سَلْطَنته- فرصةً سانحةً للانْقضاضِ عَلى دَولةِ بني أيُّوب إِثر الخلافِ الشَّديدِ الَّذي دبَّ بين ملوكِها في آخر سنيِها. وسرعان ما غدا لأولئك المَمَاليك كلمة مَسْموعة -في مصر- بعدَ قَتْل تُوران شاه (1) سنة (648 هـ) وتسلُّم شَجرةِ الدُّرِّ (2) مقاليدَ الحُكم من بَعْده؛ تلك المرأة الَّتي اعتبرها المقريزيُّ (3): "أوَّل من مَلَكَ مصر من مُلوك التُّرك المَمَاليك".

ولَمْ يَلْبَث نُفُوذُهم في ازْديادٍ وشوكَتُهم في قُوَّةٍ حتَّى تَمَّ لهم الاسْتيلاءُ عَلى الشَّام ومزاحمةُ التَّتار في أَطراف العِراق؛ مُعْتمدين في ذلك عَلَى سِياسَةِ حكيمةٍ، تقومُ عَلى مُوادعةِ النَّاسِ والتَّودُّدِ إليهم ابْتداءً، ثمَّ أَخْذهم بالحزْمَ والصَّرامةِ بعدَ ذلك.

= ينظر في ترجمته: سيرُ أَعلامِ النُّبلاء: (23/ 187 - 193)، والنُّجوم الزَّاهرة؛ لابن تغرى برْدى:(6/ 319).

(1)

هو / غياثُ الدِّين؛ تُوران شَاه بن الملك الصَّالح: آل إليه الملك بعد وفاةِ أَبيه، ولَمْ يدم فيه طَويلًا، وقُتل على أَيْدى المماليك البَحريَّة.

يُنظر في ترجمته: ذيلُ الروضتين؛ لأبي شامة المقدسيّ: (185)، وسيرُ أَعلامِ النُّبلاء:(23/ 193 - 196).

(2)

هي شجرةُ الدُّر بنتُ عبد الله: كانت جاريةً تحت الملك الصَّالح فأَعْتقها وتَزَوَّجها، وأَنْجب مِنها. ولَّاها المماليكُ السُّلطةَ بعد وفاةِ تُوران شَاه بن الملك الصَّالح، ولَمْ تَدُمْ فيها أَكْثر مِن ثَمانين يومًا حيثُ قتلت سنة (648 هـ) بعد قتلِها زوجَها المملوكيّ الَّذي خلعَتْ عليه الحُكم.

ينظر في ترجمتها: الخطط؛ للمقريزيّ: (3/ 90 - 92)، والنُّجوم الزَّاهرة:(6/ 373 - 379)، وأعلام النِّساء؛ لعمر كحالة:(2/ 286).

(3)

السّلوك؛ للمقريزيّ: (1/ 361).

ص: 42

وهكذا ظل المماليكُ البحريَّة (1)"يحكمون مصر والشَّام نحو قرنٍ وثلث (648 - 784 هـ) اسْتطاعُوا فيها مواجهةَ المشاكل العَديدة الَّتي واجهت المسلمين في الشَّرق الأَدنى عندئذٍ، سواءٌ كانت هذه المَشَاكل خارجِيَّة من جانب الصَّليبيِّين والتَّتار، أَوْ داخليّة في صُورةِ ثوراتٍ أَوْ مؤامراتٍ أَوْ أَزماتٍ اقْتصادِيَّة"(2) حتَّى أَذِنَ الله لها بالزَّوالِ لتحلَّ محلَّها دَولةٌ أُخْرى من المماليك -أَيضًا-، هم المماليك الجَراكِسة أَوْ البُرجيَّة (3).

وجديرٌ بالذِّكر أَن هذه الدَّولة مع ما حَصل لها من التَّوسُّع والامْتداد والنُّفوذِ لَمْ تَعرفْ الاسْتقرارَ الدَّاخليَّ إلّا لِمَامًا من الزَّمن في عهد قادةٍ قلّة، عُرفوا بالدِّين والصَّلاح.

ويَبْدو لي أَن أهمَّ ما يُميّز سلاطينها: تشوّقُهم إلى السُّلطةِ، وتدافعُهم إلى كُرسيِّ الحكم حتَّى غدا شِعارهم -كَما نصَّ عليه بعضُ المحدثين (4) -:"مَنْ قتلَ ملكًا أصبحَ هُو الملك".

(1) يُرجِّحُ المؤرِّخون أنَّ السَّبب في تَسْمية المماليك بالبَحريَّة "يرجعُ إلى اخْتيار الصَّالح نجم الدِّين جزيرةَ الرَّوضة في بحر النِّيل مركزًا لهم". الأَيُّوبيُّون والمماليك في مصر والشَّام، د. سعيد عاشور:(177). وينظر: بدائع الزُّهور في وقائع الدُّهور؛ لمحمَّد الحنفيّ: (67).

(2)

الأَيُّوبيُّون والمماليك: (177 - 178).

(3)

سُمُّوا بالجراكسةِ نسبةً إلى أَصْلهم الجرْكسيِّ، وبالبُرجيَّةِ لاختيار السُّلطان قلاوون أَبراج القلعةِ سكنًا لهم. ينظر: الجوهر الثّمين في سير الخلفاء الملوك والسّلاطين؛ لابن دقمان: (306 - 308)، والأيّوبيّون والمماليك:(227).

(4)

الملك الظَّاهر ببيرس. د. عبد العزيز بن عبد الله الخويطر. ص (30).

ص: 43

أخلصُ من هذا كلِّه إلى القَوْل:

إنَّ الاضْطرابَ السِّياسيَّ كان سِمة مُمَيّزةً لهذا العصر؛ فلم تكن للك الدُّويلاتُ المتنَاثرةُ هنا وهناك داخلَ الرّقعة الإسْلاميّة عَلى وفاقٍ فيما بينها؛ بل إِنَّنا لا نكادُ نَظْفر بالاسْتقرار الدَّاخليِّ داخل أَسْوار الدَّولة الوحيدة المُسْتَقِلَّة، أَوْ حتَّى بين أَفْراد الأُسْرةِ الحاكمةِ الواحدة.

هذا، وإِنَّما تَركز حديثي حَوْل العراق وفارس ومصر والشَّام دون غيرِها من أَقْطار العالمِ الإسْلامي الممتدّ شرقًا وغربا آنذاك -لأَنَّ تلك البُلدان هي الَّتي نالت حظَّها من شمس الدِّين الكرمانيِّ، إِمَّا مولِدًا، أَوْ منْشأً، أُوْ هجرةً في طلبِ العلم، أَوْ اسْتيطانًا، أَوْ وفاةً.

ص: 44