الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفنُّ الرّابعُ (*): في وضعِ الجملتينِ، والكلامِ في الوصلِ والفصل، وفي الإيجازِ والإطنابِ، وفي جعلِ إحداهما حالًا
.
النّوعُ الأوّلُ: في الفصلِ والوصلِ
.
وفي: تركُ العاطف (1) وإيرادُه (2) ويختصُّ، أي (3): الكلام في باب الفصلِ والوَصْل، بالواو؛ لأنّها للرّبطِ المْحضِ، والجمع المطلقِ بين المعطوفين. والرّبطُ [لا](4) يكونُ بينَ كلِّ شيئين، مع كثرةِ جهاتِ الرّبطِ وخفائها واختلافها قُرْبًا وبُعْدًا، بخلافِ مواضع استعمالِ سائرِ الحروفِ العاطفةِ (5)، فإنّها متميِّزةٌ معلومةٌ؛ لدلالةِ كلٌّ منها (6) على معنًى مُحصَّلٍ مستدعٍ من الجمل بَيْنًا (7) مخصوصًا بالوضع، فالمشكلُ موضعُ الواو،
(*) من القانون الأَوَّل، من الفصل الأَوَّل.
(1)
أي: في الفصل.
(2)
أي: في الوصل.
(3)
"أي" ساقطة من أ؛ وعلى مثلها درج الشّارح.
(4)
ما بين المعقوفين ساقطٌ من الأَصل، ومثبت من أ، ب.
(5)
كالعطف بالفاء، وثم، وحتّى، ولا، وبل، ولكن، وأو، وأمْ، وأمّا، وأي على قول السَّكاكيّ.
(6)
في الأَصل: "منهما"، والصَّواب أ، ب.
(7)
في الأَصل: "ببناء". وفي أ: "شيئًا". وفي ب: "بناء" والصَّواب مأخوذ من مفتاح العلوم وبه يستقيم السِّياق، ويتّضح المعنى. إذ البَيْن هو الوَسطُ.
ولهذا قصرَ بعضُ أئمّةِ الفنِّ البلاغةَ في معرفة الفصلِ والوصلِ بها (1).
فإن قيلَ: الاجتماعُ لا يُستفادُ مَن الواو (2)؛ بل هو معلومٌ في (3) نفسِ الكلام؛ كما تقولُ: (زيدٌ قائمٌ عمرو قاعدٌ)، بلا واو؛ فإنّه يعلمُ منهما اجتماعهما في الثُّبوتِ.
قلتُ: الفرْدقُ: أنّ في صُورةِ الواو قُصِدَ به إعلامُ ثبوتِ الاجتماعِ؛ فجئَ بلفظٍ يدلُّ عليه؛ بخلافِ صورةِ عدمه (4)؛ فإنّه فيها لم يقصد به الإعلامُ به وإن لزم الاجتماع منه عقلًا. فالأوّلُ بالوضع، والثَّاني بالعقل، وكان (5) الأوّلُ ثبوت الاجتماع، والثَّاني اجتماع الثُّبوتِ، وهما وإن تلازما لكنّهُما متغايران بحسبِ المفهومِ.
فحيثُ لا معطوفَ عليه، أي: لَمّا كان الوصلُ إيرادَ العاطفِ ولا بدَّ للموصولِ من موصولٍ به وللمعطوفِ من معطوفٍ عليه، فحيثُ
(1) في الأَصل: "بهما" ولا وجه للتّثنية؛ فالضّمير عائدٌ إلى (الواو). والصَّواب من أ، ب. وتجدر الإشارة إلى أنّ ما وقفت عليه من مصادر لم ينصّ على قصر البلاغة في معرفة الفصل والوصل بالواو. كما نصّ عليه الشّارح. وإنّما نصّ على حصر البلاغة في معرفة الفصل والوصل مطلقًا.
ينظر: دلائل الإعجاز: (222)، مفتاح العلوم:(251)، الإيضاح:(3/ 97).
(2)
اعتراضٌ -تصوَّره الشَّارحُ- على قوله المتقدّم: "والجمع المطلق بين المعطوفين".
(3)
في أ: "من" ولا اختلاف في المعنى.
(4)
أي: الواو.
(5)
في الأَصل زيادة: "إن" بعد الواو. ولا وجه يتطلّب إثباتها.
لا معطوفَ عليه لفظًا (1). يؤوّل بأنّه مقدّرٌ؛ كقوله: {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} (2) وتقديرُه: (وإيَّاي ارْهَبُوا فَارْهَبُونِ). وإنّما ساغَ ذلكَ لكونِ المعطوفِ عليه في حُكْمِ الملفوظِ به (3)؛ لكونه مُفسَّرًا (4)؛ وكقوله: {أَوَ كُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا} (5) تقديرُه:؛ (أكفروا وكلّما)؛ إذ حرفُ الاستفهامِ يستدعي فعلًا، فيقدّرُ فعلٌ يناسبُ المقام؛ وهو ما يدلُّ على معناه مساقُ الآية؛ وذلك مثل (كفروا).
(1) في أ: "لفظيًّا".
(2)
سورة البقرة؛ من الآية: 40.
(3)
"به" ساقطةٌ من ب.
(4)
أي: بقوله: {فَارْهَبُونِ} فإنَّه دالٌّ على عامل الضَّمير المنفصل {إِيَّايَ} وهو (ارهبوا) ومفسّرٌ له.
ويلحظ اُنّ العطف في الآية الكريمة لم يتحقّق بالواو الّتي عوَّل عليهما جمهور البلاغيّين في هذا الموطن، وإنَّما تحقّق بالفاء. ويبدو أنَّ السّبب في ذلك سلوك المصنِّف رحمه الله منهجَ شيخه السَّكَّاكيِّ الّذي يرى أنّ كلًّا من الوصل والفصل يأتي في العطف بالواو؛ كما يأتي في غيره من حروف العطف. على اختلافٍ في تعاطي القرب والبعد؛ فما كان بغير الواو فهو قريب وما كان به فهو بعيد.
ينظر: المفتاح: (249).
(5)
سورة البقرة؛ من الآية: 100.
وإنّما يَحسُنُ بينَ متناسبين (1) لا مُتّحدين ولا مُتباينين؛ أي: شرطُ كون العطفِ حسنًا مقبولًا أن لا يكون بين المعطوفين كمالُ الاتِّحادِ والاتِّصالِ؛ لامتناع عطفِ الشَّيء على نفسِه، ولا كمالُ الانقطاع؛ لعدمِ الارتباطِ والتَّعلّق بينهُما (2)؛ بل يكون بينهما مناسبةٌ حتى تكون مُتوسِّطةً بيْن كمالِ الاتِّصالِ وبيْن (3) كمالِ الانقطاعِ؛ كما ترى في نَحو:(الشَّمسُ والقمر، والسّماءُ والأرضُ، والجنُّ والإنسُ)(4) كلُّ ذلك محدثة؛ بخلافه في نحو: (الشَّمسُ ومرارةُ الأرنبِ والرِّجْلُ اليُسرى من الضِّفدع ودينُ المجوسِ وألف باذنجانة)(5)
(1) هكذا -أيضًا- في ف. وفي أ: "المتناسبين".
(2)
في أ: "بينهما".
(3)
كلمة "بين" ساقطة من أ.
(4)
ويلحظ أنَّ الشّارح رحمه الله أورد المثال من المفردات في حين أنّ مبحث الفصل والوصل معقود -أصلًا- بين الجمل. ويبدو أنه فعل ذلك إيضاحًا وتقريبًا من جهة، وإشعارًا باشتراط المناسبة في عطف المفردات - أيضًا. من جهة أخرى.
(5)
أورد المثال في المفتاح: (251)؛ هكذا: "الشّمس ومرارة الأرنب وسورة الإخلاص والرِّجل اليُسرى من الضّفدع، ودين المجوس وألف باذنجانة"؛ بالعطف بالواو بين كلّ مفردين -كما هو الحال في المثال السَّابق ولكنّ الكرمانيّ رحمه الله وأسكنه فسيح جنّاته - تأذّى من إقحام لفظ "سورة الإخلاص" مع ما عطف عليه فاستبعد اللّفظ، ورعًا وتأدُّبًا.
وإذا كان هذا الصّنيع ممّا يحسب للكرمانيّ، فإنّه - ولا شكّ - يسجّل على =
كلّها محدثة (1).
ولذلك (2)، أي: ولأنَّ الوصلَ بالواو لا يحسنُ إلّا بين المتناسبين، حُرِّم ومُنع في الصِّفة والبيانِ والتَّأكيد، لأنَّ التَّابعَ فيها هو المتبوعُ بعينهِ، وحُرّم في البدلِ؛ لأنَّ المبدل في حكمِ المطروح المنحّى؛ وإذ هو كالعدمِ فليس هناك شيئان فضلًا عن متناسبين.
والنّحاةُ صرّخوا به في الغلطِ؛ أيّ: بأنَّ البدلَ في حكم تنحية المبدل مطلَقًا في بدلِ الغلطِ (3).
وفي بعضِ النُّسح: ولهذا صرّحوا بِبَلْ في الغلطِ؛ وهذا المعنى أَوْلَى بالمقامِ وأوفقُ لِمَا في "المفتاح"(4).
= السَّكاكيِّ ولا يعذر -في نظري- بفقدان الجهة الجامعة الّتي استشهد بالمثال لها؛ فإنّ مجرد تجاور اللّفطين تأباهُ النَّفس، ويعافه الذَّوقُ، وكم أغناه عن ذلك من المفردات!!.
(1)
كلمة: "كلّها" ساقطةٌ من ب.
(2)
في الأَصل: "وكذلك"، والصَّواب من: أ، ب، ف.
(3)
ينظر -على سبيل المثال-: أوضح المسالك: (3/ 358)، وشرح ابن عقيل:(2/ 228).
(4)
مراده بما في المفتاح قول السَّكّاكيّ ص: (250): "وعلمت كون المتبوع في نوع البدل في حكم المنحى والمضرب عنه، بما تسمع أئمّة النّحو رضي الله عنهم يقولون: البدل في حكم تنحية المبدل منه، ويوصون بتصريح بل في قسمة الغلطيّ".