الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تنبيهاتٌ
وهي فوائدُ زائدةٌ على الأصل (1)؛ بل بعضُها ردٌّ عليه.
الأَوّل: (إن) لا تدلُّ على الجزمِ (2) لا أنَّها تدلُّ على عدمِ الجزم.
قال السَّكَّاكيّ: الأصلُ فيها عدمُ الجزم (3)[أي: تدل على عدم الجزم](4) بِحسب الأصل، وقال الأستاذ: ليسَ كذلك؛ بل الأصل أنَّها لا تدلُّ على الجزم. والفرقُ بين الدّلالةِ على عدم (5) الجزمِ وعدمِ الدّلالةِ على الجزمِ ظاهرٌ (6)؛ بدليل قوله -تعالى-: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا} (7)؛ حيث استعملَ "إنْ" في مقامِ الجزمِ بالعدمِ لتعقيبه بـ "لن
(1) مراده بالأصل: "مفتاح العلوم" للسَّكّاكيّ.
(2)
أي: بوقوع الشَّرط.
(3)
ينظر: مفتاح العلوم: (240) ويلحظ أنَّ لفظ السّكّاكيّ في المفتاح لا يصدق تمامًا على ما ذكر الكرمانيّ عنه. بل إن الكرمانيّ رحمه الله حمّله ما لا يحتمل عندما فهم منه أنَّ (إن) للدّلالة على عدم الجزم. ويبدو الأمر -في نظري- على العكس ممَّا ذكره الكرمانيّ، حيث إنّ ما صرّح به السَّكّاكي قريب جدًّا من أنَّها لا تدل على الجزم، ولك أن تمعن النَّظر في قوله لتستبين ذلك؛ يقول (المفتاح: 240): "أمّا (إن) فهي للشَّرط في الاستقبال، والأصل فيها الخلو عن الجزم بوقوع الشَّرط". (المفتاح: 240).
(4)
ما بين المعقوفين غير موجود في الأصل. ومثبت من أ، ب.
(5)
كلمة: "عدم" ساقطة من ب، ولا بدّ منها لتمام المعنى.
(6)
حيث إنّ الأَولى أعمُّ من الثَّانية.
(7)
سورة البقرة؛ من الآية: 24.
تفعلوا" الدَّالِ على الجزمِ بالعدمِ؛ فصحَّ أنَّه لا يقتضي عدم الجزمِ بأحد الطّرفين.
والحقّ: أنَّه بحثٌ لغويّ، والتَّعويلُ على النّقل، فالتَّخصيصُ بدونه تحكّمٌ.
الثَّاني: قد تُربطُ النِّسبةُ بالنِّسبة أو صدقُها بصدقها؛ ربطُ النِّسبةِ بالنِّسبة (1)، بأن يكون ثُبوتُ (2) نسبةٍ على تقديرِ ثبوت نسبةٍ أخرى؛ فيتقارنان في الوجود؛ نحو:(كلَّما طلعت الشَّمس أشرقَ (3) وجهُ الأرض)، وربطُ صدقها بصدقها؛ بأن يكون صدقُ النِّسبةِ على تقديرِ صدقِ نسبةٍ أخرى؛ نحو:(كلَّما طلعت الشَّمسُ بلغت نصفَ النّهار)؛ فإنَّه إذا صدقَ المقدّم صدقَ التّالي بالإطلاق؛ وليسَ إذا ثبتتْ (4) هذه النِّسبةُ ثبت تلك النِّسبة. وهذا قريبٌ ممَّا قيل في المنطقِ في تعريف المتّصلة: أنَّها ما حُكِمَ فيها [بصدقِ قضيّةٍ أو صِدقها على تقديرِ صدق أخرى، أو ما حُكِمَ فيها](5) بثبوتِ قضيّةٍ على تقديرِ (6) أُخرى.
(1) كلمة: "بالنِّسبة" ساقطةٌ من ب.
(2)
كلمة: "ثبوت" ساقطة من ب.
(3)
في الأصل: "أشرقت" وفي ب "أبرقت"؛ والمثبت من: أ.
(4)
في أ، ب:"ثبت".
(5)
ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، ومثبت من أ، ب. ولعلّه سقط من انتقال النّظر.
(6)
في أزيد: "قضية"، والمعنى تامٌّ بدونها.
وحيثُ يضعفُ الارتباطُ المعنويُّ؛ نحو: (إن تكرمني فأنا أخوك)، أو (فقد أكرمتكَ) - يحتاجُ إلى الفاءِ رابطةً لفظيّةً؛ لمّا كان الجزاءُ مربوطًا بالشَّرط فحيث يقوى (1) الارتباطُ المعنويُّ بحيث يحكمُ العقلُ أو العادةُ بمجرّد سماع اللّفظِ لا يُحتاجُ إلى الارتباطِ اللَّفظي؛ نحو:(إن تكرمني أكرَمك (2)، وحيث يضعف الارتباطُ المعنويُّ اُحتيج إلى رابطة لفطة، وهي:"الفاءُ المعقّبة"؛ نحو: (إن تكرمني فأنا أخوك)؛ في الجملةِ الاسميّةِ، و (3)(إِنْ تكرمني فقد أكرمتُك أمس)؛ في الجملةِ الفعليّةِ.
الثَّالثُ: "لو" لعدمِ الشَّرطِ جزمًا، ولعدمِ الجزاءِ غالبًا؛ لأنَّ عدمَ الشَّرطِ لا يثبتُ باعتبارِ اللُّزومِ إلَّا به؛ فيُصارُ إليه إلَّا إذا امتنعَ الجزاءُ لترتُّبه (4) على النَّقيضين؛ أي:"لو" تدلُّ على عدمِ الشَّرطِ جزمًا ووضعًا أعمُّ من أن يكون ذلكَ العدمُ (5) لعدم الجزاء أو لا.
وتدلُّ على عدمِ الجزاءِ -أيضًا- لا وضعًا وجزمًا؛ بل عقلًا وغالبًا (6)؛
(1) في الأصل: "يقول" وهو تحريف. والصَّواب من أ، ب.
(2)
في ب: "أكرمتك" وهو تحريف بالزِّيادة، وبه يضعف الارتباط.
(3)
في الأصل: "أو" والمثبت من أ، ب. وهو الأَولى.
(4)
في الأصل: "لترتيبه". وفي ب: "كترتبه". والصَّواب من: أ، ف.
(5)
كلمة: "العدم" ساقطة من ب.
(6)
في الأصل: "غالبًا وعقلًا" والمثبت من أ، ب. وهو الملائم - ترتيبًا - لقوله قبله:"لا وضعًا وجزمًا".
لأنَّ عدمَ الشَّرط في الملازماتِ لا يثبتُ ولا يعلمُ إلّا بعدمِ (1) الجزاءِ؛ كما تقول في قولنا: (لو كانَ إنسانًا لكانَ حيوانًا. لكنّه (2) ليس بإنسان لأنَّه ليس بحيوانٍ)؛ استدلال بانتفاءِ اللّازمِ على انتفاء الملزومِ، ولمّا لم يتعيَّن انتفاءُ الشّرطِ بهذا الطّريق؛ كما في غير اعتبار اللُّزومِ لم يكن لانتفاءِ الجزاءِ جزمًا وقطعا بلْ غالبًا؛ فيُصارُ إلى ما هو الغالب، ويقال: إنّه لعدمِ الجزاءِ المستلزمِ لعدم الشَّرط، وهو معنى ما يقال: إنه لامتناع الشّيء -أي: الشَّرط- لامتناع غيرِه؛ أي: الجزاء (3). هذا إذا لم يمتنع نفي الجزاءِ وعدمِه، وأمَّا إذا امتنع نفيُ الجزاء؛ كما لو كان الجزاءُ لازمًا للنَّقيضين - أي: الشّرط وعدمه- ومترتّبًا عليهما، ولم يلزمْ من عدم الشّرطِ عدم الجزاءِ؛ فلا يكونُ لعدمِ الجزاءِ، ولامتناع الشيء لامتناع غيره.
وحينئذٍ؛ أي: حين إذ كان الجزاءُ مُترتّبًا على النّقيضين (4)، يذكرُ الشّرطُ بالواو ليدلَّ على ما لم يُذكر وهو نقيضُه؛ وذلك فيما لمْ يكن المتروك أَوْلَى بترتّب الجزاء عليه؛ نحو:(أحبّكَ ولو كنتَ قاتلي) أي: أُحِبُّك لو لم تكن قاتلي ولو كنت قاتلي (5).
(1) في الأصل، ب:"لعدم". والمثبت من أ.
(2)
كلمة: "لكنّه" ساقطة من أ، ب.
(3)
وهو قول ابن الحاجب وقد تقدَّم في هامش (1) ص: (466) قسم التحقيق.
(4)
عبارة: "أي: حين
…
النقيضين" ساقطة من ب.
(5)
فقد دلّ المعطوف على معطوف عليه، وبهما عرف أن المحبَّة دائمة الثّبوت لترتّبها =
أو بدونها لكونِ (1) المتروكِ أَوْلَى؛ أي: وقد يذكر بدون الواو، وذلك فيما كان المتروك أَوْلَى بترتّبِ الجزاءِ عليه لدلالةِ العقلِ حينئذ عليه؛ نحو:(نعمَ العبدُ صُهَيْبٌ (2) لو لم يخفِ الله لمْ يَعْصه) (3)؛ إذ يلزم منه بالطريقِ الأَوْلَى أنَّه لو خافه لم يعصه- أيضًا.
= على النّقيضين؛ وجيء بالواو وإن المتروك منهما "لو لم تكن قاتلي"، لم يكن أولى بترتب الجزاء عليه.
هكذا -أيضًا- في ف. وفي ب: "لو كان" وهو خطأ ظاهر.
(2)
هو أبو يَحْيَى؛ صهيب بن سنان النّمريّ الرّوميّ، صحابيّ جليل، أحد السّابقين إلى الإسلام. سبي وهو صغير ثمّ أعتق؛ فاحترف التّجارة فأدرّ الله عليه مالًا وفيرًا؛ تركه كلّه عندما همّ بالهجرة، شهد المشاهد كلّها. توفّي بالمدينة في شوّال سنة 38 هـ.
ينظر في ترجمته: طبقات ابن سعد: (3/ 226 - 230)، الجرح والتّعديل؛ لعبد الرّحمن الرازي:(4/ 444)، الاستيعاب في معرفة الأصحاب؛ لابن عبد البرّ:(2/ 726 - 733)، أسد الغابة في معرفة الصّحابة؛ لابن الأثير:(3/ 38 - 41)، سير أعلام النّبلاء:(2/ 17 - 26).
(3)
أُسندَ هذا القول إلى عمر رضي الله عنه في النِّهاية في غريب الحديث: (2/ 88) برواية: "نعم المرء" والبرهان الكاشف عن إعجاز القرآن؛ لكمال الدِّين الزملكاني: (191 - 192).
وأوردَه ملّا علي قارئ في الموضوعات الكبرى (274) ذاكرًا أَنَّه اشتهر في كلام الأصوليّين وأصحاب المعاني وأهل العربيّة. ولم يوقف له على إسناد قط في كتب الحديث.
اعلمْ: أن المشهورَ [أن](1)"لو" لامتناع الشَّيءِ لامتناع غيره، وقد وقعَ في بعض العبارات: أَنّه لامتناع الثَّاني لامتناع الأوّل (2)؛ كما يُقال في نحو: (لو جئتني أكرمتك): أن انتفاءَ إكرامك لانتفاءِ مجيءِ مخاطبك، وفي بعضها: إنّه لامتناع الأَوَّل لامتناع الثَّاني؛ كما قال ابن الحاجب في قوله -تعالى-: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} (3): إنّه نفى التعدُّد لانتفاء الفساد (4).
وَالتَّحقيقُ فيه: أنَّه يُستعملُ (5) في كلا المعنيين؛ لكن بالاعتبارين: باعتبار الوجودِ والتَّعليلِ، وباعتبارِ العلمِ والاستدلالِ؛ فيقول: لَمَّا كان المجيءُ عِلّةً للإكرامِ بحسب الوجودِ فانتفاءُ الإكرامِ لانتفاءِ االمجيءِ (6) انتفاءٌ
(1) ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، ومثبت من أ، ب. ولا بد منه لتمام السياق.
(2)
وعلى هذا القول درج جمهور النحاة. كما سبق أن أشرت ص: (466).
(3)
سورة الأنبياء؛ من الآية: 22.
(4)
وبيانه: أنّ الآية سيقت ليستدلّ بامتناع الفساد على امتناع تعدّد الآلهة دون العكس؛ إذ لا يلزم من انتفاء تعدد الآلهة انتفاء الفساد؛ لجواز وقوعه بإرادة الواحد الأحد لحكمة تقتضيه، ولأنّ المعلوم هو انتفاء الفساد لكونه مشاهدًا، والمجهول هو انتفاء التعدد لكونه غير مشاهد، وإنَّما يستدلّ بالمعلوم على المجهول دون العكس.
وعليه فإن امتناع الأوَّل؛ وهو (التعدد) حاصل بسبب امتناع الثَّاني؛ وهو (الفساد).
فـ (لو) حينئذ تفيد: امتناع الأوَّل لامتناع الثّاني.
ينظر: الإيضاح في شرح المفصل: (2/ 242).
(5)
في ب: "ليستعمل".
(6)
في ب زيادة: "ظاهر".
للمعلولِ لانتفاءَ علّته (1). و -أيضًا-: لَمَّا يُعلم انتفاءُ الإكرامِ فقد يُستدل منه على انتفاءِ المجيء؛ استدلالًا من انتفاءِ اللازمِ على انتفاء الملزومِ. وهكذا في الآيةِ الكريمةِ (2)؛ تقولُ في مقامِ التَّعليلِ: انتفاءُ الفسادِ لانتفاء عِلّته -أي: التَّعدُّد-، وفي مقامِ الاستدلالِ: يُعلم انتفاء التَّعدّدِ لانتفاءّ الفسادِ؛ فمن قال بالأوّلِ (3) نظرَ إلى الاعتبارِ الأوّلِ، ومن قال بالثاني (4) نظرَ إلى الاعتبار (5) الثَّاني؛ هذا إذا لم يمتنعْ نَفيُ الجزاء، أمَّا إذا امتنع فليس لامتناع الشّيءِ لامتناع غيره؛ بلْ لبيان الملازمةِ وإثباتِ الجزاءِ مطلَقًا؛ أمّا عند وجودِ الواو فلاقتضائه معطوفًا عليه؛ كأنه في حكمِ شرطين؛ أي: أحبّك لو لم تكن قاتلي ولو كنت قاتلي، وأمّا عند عدمِ الواو فلأنّه إذا كان المتروك أولى يَدل عليه بمفهومِ الموافقةِ (6)؛ كما
(1) في أوردت العبارة هكذا: "فانتفاء الإكرام لانتفاء المجئ ظاهر لانتفاء المعلول لانتفاء العلة" وهما بمعنى.
(2)
أي: المتقدّمة؛ وهي قوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} .
(3)
وهم الجمهور.
(4)
وهو ابن الحاجب.
(5)
في الأصل: "اعتبار" والمثبت من أ، ب. وهو الملائم لما قبله.
(6)
مفهوم الموافقة هو: "فهم الحكم في المسكوت من المنطوق بدلالة سياق الكلام ومقصوده، ومعرفة وجود المعنى في المسكوت بطريق الأَوْلَى؛ كفهم تحريم الشّتم والضّرب من قوله: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء، من الآية: 23] " روضة النّاظر وجنّة المناظر لابن قدامة (طبعه مكتبة الرّشد): (2/ 772)، =
في: (لو لم يخفِ الله لمْ يعصه)؛ فإن فحوى الخطاب: أنَّه إذا خافَ لم يعصه- أيضًا؛ وذلك بالطّريق الأَوْلَى، ويدلُّ بمفهومِ المخالفةِ (1): أنَّه إذا خافَ عصى؛ لكنّه غير معتبر (2)؛ لأنَّ شرطَ اعتبارِ مفهومِ المخالفةِ -كما علم في علم (3) الأصول- عدم مفهوم الموافقة (4)؛ وهذا تحقيق لم ينقّح إلى السّاعةِ.
الرّابع: الظّرفُ؛ نحو: (أين) في المكانِ، و (إذا) في الزّمان. والكيفُ؛ كـ "أنّى". وغيرهما من الأحوالِ؛ أي: ممّا يُفيدُ حالًا للحكم؛ كـ "ما" و "أي" وكسائر الأسماء المُعمّمةِ في الزَّمانِ أو المكان
= ويسمى -أيضًا-: التَّنبيه، وفحوى اللَّفظ، ولكن الخطاب. والتسمية إلى أوردها الشَّارح هي تسمية الشّافعيّة وكثير من المتكلّمين.
ينظر تعريفات الأصوليين له وأسماؤه في: العدّة في أصول الفقه، للقاضي أبي يعلى:(1/ 152)، والإحكام للآمديّ:(3/ 66)، وإرشاد الفحول للشوكاني:(2/ 37).
(1)
مفهوم المخالفة هو: (الاستدلال بتخصيص الشّيء بالذّكر على نفي الحكم، ومثاله: قوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا}
…
يدل على انتفاء الحكم في المخطئ
…
". روضة النّاظر: (2/ 775)، ويسمّى -أيضًا-: دليل الخطاب.
ينظر تعريفات الأصوليين له في: العدّة: (1/ 154)، الإحكام:(3/ 69)، إرشاد الفحول:(2/ 38).
(2)
في الأصل: "معين" وهو خطأ ظاهر. والصَّواب من أ، ب.
(3)
"في علم" ساقطة من ب.
(4)
ينظر: الإحكام: (3/ 69)، روضة النّاظر:(2/ 775).
أو غيرِهما وكغيره (1). قدْ تجمعُ نسبتين في جُمْلتين (2)؛ وإذا لُحظ فيه جِهةُ ارتباطِ؛ إحداهما بالأخرى وتعلّقها بها (3)؛ كما يُلاحظ في مثل: (ما تصنعُ أصنع)؛ فتجعلَ صنعكَ مربوطًا بصُنع مخاطبك؛ بل مُسبّبًا له؛ صارَ المجموعُ شرطًا وجزاءً؛ فيُقال: يتضمَّنُ معنى الشّرطِ؛ وهذه قاعدةٌ كليّةٌ فاحفظها.
الخامسُ: الاستفهامُ، إذا بُني عليه أمرٌ قبلَ الجواب؛ أي: قبلَ ذكرِ الجواب، فهم ترتُّبه؛ أي: ذلك الأمرُ على جوابهِ أيًّا (4) كانَ؛ أي: أيّ جوابٍ كان؛ لأنَّ سَبْقَه (5) على الجوابِ مشعرٌ بأن ذلك حالُ من يُذكرُ في الجوابِ؛ لئلّا (6) يكون إيراده قَبلَه عبثًا. فأفادَ تعميمًا؛ أي: حينئذ يفيدُ تعميمًا؛ نحو: منْ جاءك؟ فأُكرمَه (7) بالنَّصبِ، فإنَّه لَمّا قال قبلَ ذكرِ جواب الاستفهام (8): أكرمه؛ عُلمَ أنَّه يكرم من يقولُ المجيبُ: إنّه جاء؛ أي جاء كان (9). وكذا حُكمُ: من ذا جاءك؟ أكرمْه بالجزم.
(1) كلمة "وغيره" ساقطة من أ.
(2)
في أ، ب:"في الجملتين".
(3)
أي: على جهةِ المجازاة -كما هو الحال في الشَّرط-.
(4)
هكذا -أيضًا- في ف. وفي ب: "أيما" وهو تحريف بالزِّيادة.
(5)
أي: ذلك الأمر.
(6)
في أ، ب:"لكيلا" والمعنى واحد.
(7)
في أتكرَّرت: "فأكرمه" لكنَّ الثَّانية ضمن كلام الشَّارح.
(8)
بأنه زيدٌ أو عمرو -مثلًا-.
(9)
فيكون قوله عندئذ في حكم: "كلّ إنسان جاءك أكرمه".
وإنّما جاءَ بمثالين تنبيهًا على عدمِ الفرْقِ بين مجيئه بالفاءِ السَّببيّة وعدمِه، وبين نصبِه وجزمه. وجاء بلفظِ (ذا) بَعْدَ (من) تحقيقًا لعدمِ شرطيَّتها.
ثمَّ قدْ يُجرّد المتضمِّنُ لمعنى الاستفهام عن الاستفهام؛ كما جُرِّدَ حرفُ الاستفهامِ (1) في قوله -تعالى- (2): {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} (3) عن الاستفهامِ؛ حيثُ صارَ لمجرّدِ التّسوية؛ مضمحلًّا (4) عنه بالكُّليّةِ معنى الاستفهام.
ومعنى الاستواءِ فيه استواؤُهما في علم المستفهمِ عنهما؛ لأ [نه](5) قدْ عُلمَ أن أحدَ الأَمرين كائنٌ؛ إمَّا الإنذار وإمّا عدَمُه؛ ولكن لا بعَيْنِه؛ فكلاهما (6) معلومٌ بعلمٍ غيرِ مُعيَّنٍ.
فإن قيلَ: الاستواءُ يُعلمُ (7) من لفظة (سواءٌ) لا منه؛ أي: من
(1) أي: الهمزة.
(2)
هكذا -أيضًا- وردت كلمتا: "قوله تعالى" ضمن ف، وفي أ، ب وردتا ضمن كلام الشَّارح.
(3)
سورة البقرة؛ من الآية: 6.
(4)
مضْمَحِلًّا: أي؛ ذاهبًا. اضمَحلّ الشَّيءُ: إذا ذهب. ينظر: اللِّسان: (ضحل): (11/ 390).
(5)
ما بين المعقوفين ساقط من الأصل. ومثبت من أ، ب. ولا بدّ منه.
(6)
في أ، ب:"وكلاهما" وهما بمعنى.
(7)
كلمة: "يعلم" ساقطة من ب.
حرفِ الاستفهامِ (1)، مع (2) أنَّه لو عُلم منه -أيضًا- لزِمَ التّكرَار.
قُلْنا: هذا الاستواءُ (3) غيرُ ذلك الاستواءِ المستفادِ من لفظةِ السَّواء.
وحاصله: أنَّه (4) كانَ للاستفهامِ عن مُستويين؛ فجُرِّدَ عن الاستفهامِ فبقي (5) أنَّه لمستويين (6)، ولا تكرّر (7) في إدخالِ (سواء) عليه لتغايرهما؛ لأنَّ المعنى: إن المستويين في العلم مستويان في عدمِ الإيمانِ.
وهذا النَّوعُ؛ أي: حذفُ قيدٍ واستعمالُه فيما بقي كثيرٌ في كلامِ العربِ، كما في النّداء، فإنَّه لتخصيص المنادى وطلب إقباله، فيُحذفُ قيدُ الطّلب، ويُستعملُ لمطلقِ الاختصاص، نحو:(اللَّهمَّ اغفِر لنا أيتها العصابة)؛ فإنّهُ منسلخٌ عن معنى الطّلبِ، وإن معناه: مخصوصين من بين العصائبِ. وكالمرسِنِ؛ فإنَّه لأنفِ البعيرِ ويُستعملُ في مطلقِ الأنف؛ [كقوله:](8).
(1) قوله: "من حرف الاستفهام" ساقط من أ.
(2)
في أ: "ومع".
(3)
أي: المنسلخ من الاستفهام.
(4)
أي: حرف الاستفهام.
(5)
في الأصل، ب:"بقي". والمثبت من أ. وهو الأَولى.
(6)
في الأصل: "آية المستويين"، والصَّواب من أ، ب.
(7)
في ب: "ولا يكون" وهو تحريف ظاهر.
(8)
ما بين المعقوفين ساقطٌ من الأصل، ومثبت من أ، ب. وبه يستقيم السِّياق.
.........
…
وفَاحِمًا وَمَرْسِنًا مُسَرَّجَا (1).
وكم مثلها!.
فيصيرُ؛ أي: بعدَ التَّجريدِ عن الاستفهامِ يصيرُ للشّرطِ المحض، وحكمه (2) حينئذٍ حُكمُه بلا تفاوتٍ.
وهو السِّرُّ؛ أي: ما ذكرنا من جوازِ تجريده، وصيرورتِه للشّرطِ المحضِ -هو السِّرُّ في اشتراكهما؛ أي: في (3) اشتراكِ الاستفهامِ والشّرطِ في كثيرٍ من الأَسماءِ؛ كما في (4): "مَا" و "مَن" و "متى" وغيرها.
(1) عحز بيتٍ من الرَّجز. قاله: رؤبة بن الحجاج ضمن أرجوزة طويلة له؛ منها:
أيَّام أَبْدت واضِحًا مفلَّجا
…
أغَرَّ برَّاقًا وطَرْفًا أبْرجا
ومُقْلةً وحَاجِبًا مُزجّجا
…
.........................
والبيتُ في ديوان الشّاعر: (2/ 13)، واسُتشهد به في أسرار البلاغة:(31)، والمفتاح:(364)، والمصباح:(123)، والإيضاح:(1/ 24)، وهو في معاهد التّنصيص:(1/ 14).
والفاحم: الأَسود. اللِّسان: (فحم): (12/ 449). وأراد: شَعْرًا أسودًا فحذف الموصوف وأقام الصِّفة مقامَه.
ومسرَّجًا مختلَفٌ فيه؛ فقيل: من سرّجه تسرجه؛ أي: حسَّنه وبهَّجه، وقيل: من قولهم: "سيوف سريجيَّة" منسوبة إلى سُرَيْج: قين معروف.
ينظر المعنيان في اللِّسان: (سرج): (2/ 298).
(2)
أي: حكم الشَّرط. وفي أ، ب:"حكم إن".
(3)
حرف "في" ساقطٌ من أ.
(4)
في الأصل زيد حرف العطف "و". ولا وجه له.