الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-
كلمةٌ لا بُدَّ منها
حولَ تحقيقِ اسمِ الكتابِ، وما قيلَ فيهِ مع إثباتِ صحّة نسبتهِ إلى مُؤَلّفِهِ -
بسم الله الرحمن الرحيم
وبهِ نستعينُ ولا حولَ ولا قوّةَ إلا باللهِ العَليِّ العظيمِ،
وبعد:
فلا يخفى على أهلِ العلمِ، وكلِّ مَنْ لهُ اطلاعٌ على كتبِ السَّلَفِ أنَّ كثيراً منهم يُؤَلِّفُ الكتابَ ويُطْلِقَ عليه اسماً يُسمّيهِ بهِ خاصّةً، ثُمَّ يَتطوّرُ الأمرُ من بعدِهِ، ويَصْطَلحُ المتأخرون على اسمٍ آخرَ لذلكَ الكتابِ يتَعارفونَ عَليهِ ويشتهرُ عندَهُمْ طَلباً للاختصارِ أو لغيرِ ذلكَ من الأسبابِ حتّى إنّهُ يُنسي ذكرَ الاسمِ الأَصليِّ لهُ الذي وضعَهُ لهُ مُؤَلّفُهُ، وقد جَرى ذلكَ لكثيرٍ من الكُتُبِ السابقَةِ، واعْتَبِرْ ذلكَ بكتابِ صَحيح ابنِ خُزَيْمةَ حيثُ تَعَارَفَ المتأخّرونَ عليهِ بهذا الاسمِ إذا أُطلِقَ ولا يَشُكُّ أحدٌ في المراد بهِ، بينَما كانَ اسمُهُ الذي أطْلَقَهُ عليهِ مصَنِّفُهُ الإمامُ ابنُ خُزَيْمةَ رحمه الله هو:" المُسْنَدَ المُخْتَصَرَ الصّحيحَ من حديثِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وأيّامِهِ "، وقِسْ على ذلكَ صحيحَ ابنِ حبّانَ تلميذِهِ، الذي تعَارَفَ المتأخّرون على هذا الاسم لهُ إذا أطلَقوهُ عُرِفَ المرادُ بهِ، وقد كانَ مُصَنّفُهُ الإمامُ أبو حاتمِ ابنِ حِبّان رحمه الله أطْلَقَ عليهِ - كما هو معروفٌ عندَ أهلِ العلمِ والاخْتصاصِ - اسمَ المُسْنَدِ الصّحيحِ على التَّقاسيمِ والأنواعِ، بل إنَّ صحيحَ البخاريّ ذاكَ الكتابُ العظيمُ القدرِ الذي هو أصحُّ الكتبِ بعدَ كتابِ اللهِ الكريمِ، الذي تعارَفَ الناسُ عليهِ بهذا الاسمِ قد كانَ سمّاهُ مُؤَلّفُهُ الإمامُ الهمامُ أبو عبد الله البُخاريُّ: الجامعَ الصّحيحَ المسندَ لأحاديثِ رسولِ اللهِ، وأيّامِهِ وسيرتِهِ.
قلتُ: ولا مُشاحَة في الاسمِ وما يُصْطلح عليه، ولا ضَررَ في ذلكَ إذا لمْ يُؤدِّ إلى
الاشتباهِ في تعيينِ حَقيقةِ المُسَمّى، فالمقصودُ من الاسمِ تعريفُ المُسمّى وتعيينُهُ حتى لا يَلْتبِسَ بغيرِهِ.
والذي دَعاني إلى هذهِ المقدّمةِ هو ما يَتَعلّقُ بكتابِنا هذا: شَرْحِ التنبيهِ للإمامِ ابنِ كَثيرٍ، وفيما إذا حدَثَ لهُ مثلُ ذلكَ أمْ لا، فالمعروفُ أنَّ اسمَهُ هذا قَدْ أَطْلَقَهُ عليهِ المُصَنِّفُ كما جاءَ في البدايةِ والنِّهايةِ (12/ 125) في ترجمةِ الإمامِ أبي إسْحاقَ الشِّيرازيِّ مُؤلِّفِ الأصلِ (التَّنْبيهِ)، حيثُ قالَ في تَرْجمتِهِ ما يَلي: -
" وتَرجمتُهُ مُسْتقصاةٌ مُطَوَّلَةٌ ذَكَرْتُها في أوّلِ شَرْحِ التنبيهِ ".
هكذا قال، وهو نَصٌّ منهُ صريحٌ في تَسْميتِهِ لكتابِهِ:(شرحَ التنبيهِ)، وهوَ الذي نختارُهُ لأنَّهُ المناسبُ واللائقُ بهِ الذي يَدُلُّ على حقيقةِ عملِهِ فيهِ، ومِمّا وَقَفْتُ عليهِ في هذا الأمرِ أنَّ الإمامَ ابنَ حَجرٍ أشارَ إلى كتابِنا في التلخيصِ (4/ 192)، ياسم " أدلّةِ التَّنبيهِ "، حيثُ قالَ في أثناءِ كلامِهِ على ما رُوي من قولهِ صلى الله عليه وسلم:" إنّما نحكمُ بالظّاهرِ واللهُ يَتولّى السَّرائِرَ "، قالَ: هذا الحديثُ اسْتنْكَرهُ المُزنيُّ فيما حَكاهُ ابنُ كثيرٍ عنهُ في " أدلّةِ التنبيهِ "، وأظنُهُ عنى بهِ كتابَنا فهو شرحٌ لأدِلّةِ التنبيهِ وتخريجٌ لها وحُكْمٌ عليها ببيانِ حالِها، وسمّاهُ كذلكَ الشيخُ محمدُ عبد الرزاق حمزة في ترجمتِهِ للإمامِ ابنِ كثيرٍ وذكرِهِ لمصنّفاتِهِ فقالَ: وخرَّجَ أحاديثَ أدِلّةِ التنبيهِ في فِقْهِ الشافِعيّةِ، لأنَّ شرْحَهُ هو تخريجٌ لها وبيانُ نِسْبتِها إلى مَنْ روَاها مُبيِّناً حالَها من الصِّحةِ أو الضّعفِ وذكرُ ما يُستفادُ منها من أحكامٍ، كما في " الباعثِ الحَثيثِ شَرْحِ اختصارِ علومِ الحديثِ "، لابنِ كثيرٍ رحمه الله، ص (17).
والذي حمَلني على النّظرِ في هذا الأمرِ والتَّأَمُّلِ بالنسبةِ لكتابِنا أمْران: أحدُهُما: ما أخبرني أحدُ طلبةِ العلمِ: أنَّ بعضَ المُعاصرين في بحثٍ لهُ عن الإمامِ ابنِ كَثيرٍ ذكرَ في جملةِ مُصنّفاتِهِ وآثارِهِ: هذا الكتابَ وسمّاهُ - الأحكامَ - ويعني طَبعاً غيرَ كتابِهِ الأحكامِ الكبيرِ الذي قُلنا في المقدّمةِ إنّهُ لم يُتِمَّهُ ووَصلَ فيهِ إلى الحَجِّ، وكثيراً ما يُحيل إليهِ في الكلامِ في تفسيرِهِ، وهذا لا أستطيعُ الجزمَ في قولِ الفَصلِ فيهِ، فإنْ كانَ ثابتاً في نفسِ الأمرِ، فلا يُستبعدُ ذلكَ، ولعلَّهُ أخَذَهُ من قولِ المؤَلّفِ الإمامِ ابنِ كَثيرٍ
كما في مُقدّمتِهِ للشرحِ: فاسْتَخرْتُ اللهَ في وَضْعِ أحكامٍ على أبوابِهِ ومسائلِهِ، يَعني التنبيهَ، فهو في الحقيقةِ أحكامٌ ومسائلُ وضَعها الإمامُ ابنُ كثيرٍ على التنبيهِ معَ إضافاتٍ وزياداتٍ من فِقْهِهِ واسْتنباطاتِهِ رحمه الله.
والأمرُ الثاني الذي دعاني إلى التفكّرِ والوقوفِ فيما يَتعلّقُ وذانكَ شيئان قد يَدلاّنِ على أنّ لكتابِنا هذا اسماً آخرَ إن لمْ يكنْ للإمامِ ابنِ كثيرٍ كتابٌ آخَرُ ذكَرَ فيهِ ما يُشبهُ ما في كتابِنا في مَوْضعين.
أوَّلُهما: ما ذكرَهُ الإمامُ الشَّوكانيُّ رحمه الله في نيْلِ الأوطارِ (2/ 68)، في أثناءِ كلامِهِ على حديثِ ابنِ عمرَ الذي رواهُ عنه هاشمٌ في بابِ الصّلاةِ في ثوبِ الحريرِ، والغصبِ من مُنْتَقى الأخبارِ، وقالَ فيهِ: وهاشمٌ هذا: لا يُعْرَفُ - قالَهُ الإمامُ ابنُ كثيرٍ في (إرشادِهِ)، قلتُ: وهذهِ نفسُ العبارةِ التي ذكَرَها الإمامُ ابنُ كثيرٍ في كتابِنا هذا " شرحِ التنبيهِ " حَوْلَ هذا الحديثِ، برقم (18) في بابِ طهارةِ البَدَنِ والثوبِ ومَوضعِ الصّلاةِ، البابِ الرابعِ.
وثانيهما: ما ذكرَهُ الإمامُ الشَّوكانيُّ رحمه الله (8/ 259) أيضاً في أثناءِ كلامِهِ على الشطرنجِ وحُكْمِهِ، فذكَرَ نفسَ الكلامِ للإمامِ ابنِ كثيرٍ في كتابِنا هذا حولَ الشطرنج وأصْلِهِ ومَنْ وَضَعَهُ، ومتى كانَ ذلكَ، فقالَ في أَثناءِ كلامِهِ ما نَصُّهُ أو مَعناهُ:
ورَوى الإمامُ ابنُ كثيرٍ في (إرْشادِهِ)، أنَّ الشطرنجَ لم يكنْ معروفاً في عهدِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ولكنّهُ عُرِفَ في عهدِ الصّحابةِ من قبلِ الهنودِ، وضَعَهُ رجلٌ منْهم يُقالُ:" صصَة "، فهذا الذي نَقَلَهُ الإمامُ الشوكانيُّ من (الإرشادِ) لابنِ كثيرٍ هو ما ذكَرَهُ بلَفْظِهِ أو معناهُ في كتابِ شَرْحِ التنبيهِ هذا، في كتابِ الشّهاداتِ، وبابِ مَنْ تُقبل شهادتُهُ ومَنْ لا تُقْبلُ، فهذان المَوْضعانِ يَستَحقّان الوقوفَ والنّظرَ والتأمّلَ فإنه إن لمْ يكنْ للإمامِ ابنِ كثيرٍ كتابٌ آخَرُ يُسمّى (الإرشادَ)، فلا شَكَّ أنّهُ هو كتابُنا هذا شَرحُ التنبيهِ، من أجلِ أن نفسَ الكلامِ في الموْضعين هو فيهِ، وإنْ كانَ لهُ كتاب آخرُ يسمّى (الإرشادَ)، فلا شَكَّ أنّ الأمرَ على غيرِ ذلكَ، واللهُ تعالى أعلمُ بالصّوابِ، وهو سبحانَهُ
يقولُ الحقَّ ويَهدي إلى سواءِ السّبيلِ، فهذا نَضَعُهُ أمامَ القارئِ الكريمِ من علماءَ وطلبةِ علمٍ، فمَنْ كانَ عندَهُ فضلُ علمٍ في هذا فليمُنَّ بهِ مأجوراً ومشكوراً، والحمدُ للهِ ربِّ العالمين. . . آمين (1).
وكتب: أبو محمد بهجة يوسف حمد آل أبي الطيِّب.
هيت - الأنبار - العراق.
تحريراً في: 23/ 10 / 1411 هـ.
8/ 5 / 1991 م الأربعاء.
بِسْمٍ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحَمْدُ للهِ مُنْزِلِ الأَحكامِ، مُبَيِّنِ الحَلالِ والحَرامِ، الّذي هَدانا للإسْلامِ، وخَصَّنا بأفْضَلِ إمامٍ، محمدٍ عليهِ أكمَلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ، أًحْمَدُهُ عَلى ما أَسْبَغَ مِنَ الإِنْعامِ، وأَشْهَدُ أَن لا إلهَ إلاّ اللهُ المَلِكُ العَلاّمُ، شَهادةً تُبوِّءُ قائِلَها مُخْلِصاً دارَ السَّلامِ، وأشْهَدُ أنّ مُحمّداً عَبْدُهُ ورَسولُهُ إلى الأَنامِ، صلى الله عليه وسلم تَسليماً كثيراً على الدَّوامِ، ورَضيَ اللهُ عن جَميعِ أَصْحابِهِ الغُرِّ الكِرامِ.
أمّا بَعْدُ: فلَمّا كانَ كتابُ (التنبيهِ) في الفِقْهِ للشيخِ أَبي إسْحاقَ الشِّيرازيٍّ رحمه الله عَلى مَذْهبِ الإمامِ الرَّبَّانيِّ أَبي عَبدِاللهِ: مُحَمَّدِ بن إدْريسَ الشَّافِعيِّ رضي الله عنه وعن سائِرِ أئِمَّةِ الدّينِ، مِن الكُتُبِ المَشهورَةِ النّافِعةِ، وكُنْتُ مِمّنْ مَنَّ اللهُ سُبْحانهُ عَليهِ بحِفْظِهِ، ورَأَيْتُ أنَّ الفائِدةَ لا تَتِمُّ بدونِ مَعْرفةِ أَدلِّتِهِ، استَخَرْتُ اللهَ تَعالى في جَمْعِ أَحكامٍ على أبوابِهِ ومسَائِلِهِ أوّلاً فأوّلاً حَسَبَ الإمْكانِ، فَعَلَّقْتُ مُسَوَّدَةً في ذلكَ، ثُمَّ انْتَخَبْتُ مِنْها هذا المُخْتَصَرَ، وشَرَطْتُ فيهِ أنّي أذْكُرُ دَليلَ المَسأَلةِ مِن حَديثٍ أو أثَرٍ يُحْتَجُّ بِهِ، وأعْزو ذلك إلى الكُتُبِ السِّتِّةِ، كالبُخارِيِّ، ومُسْلِمٍ، وأَبي داودَ، والنَّسائِيِّ، والتِّرْمِذِيِّ، وابنِ ماجَةَ، أَو غيرِها، فإنْ كانَ الحَديثُ في الصَّحيحينِ، أو أحَدِهِما، اكتَفَيْتُ بعَزْوِهِ إلَيْهِما، أو إلى أحَدِهِما، وإلاّ ذكَرْتُ مَنْ رواهُ مِن أهْلِ الكُتُبِ المَشهورَةِ، وبيَّنْتُ صِحَّتَهُ مِن سقَمِهِ، ولَسْتُ أَذْكُرُ جَميعَ ما وَرَدَ في المَسْأَلَةِ مِن الأحاديثِ خَشْيَةَ الإطالَةِ، بَلْ إن كانَ الحَديثُ أَو الأَثَرُ وافياً بالدِّلالَةِ عَلى المَسْأَلَةِ، اكْتَفَيْتُ بِهِ، عَمّا عَداهُ، وإلاّ عَطَفْتُ عَلَيْهِ ما يُقوّي سَنَدَهُ أَو مَعْناهُ، وإذا أَطْلَقَ المُصَنِّفُ الخِلافَ في المَسأَلَةِ، قَدَّمْتُ دليلَ الصَّحيحِ عندَ الأَصحابِ، وثَنَّيْتُ بدلالةِ الآخَرِ للفائِدَةِ، ولَمْ أَتَعرَّضَ لدليلِ قَوْل، أَو وَجْهٍ في مَسْأَلةٍ لَمْ يَحْكِهِ المُصَنّفُ إلا أَن يَكونَ هو الصّوابَ، أَو الرّاجحَ، وقدْ أُنبِّهُ على وجْهِ الدِّلالةِ مِن الحَديثِ إنْ كانَ فيها غُموضٌ، وباللهِ أَسْتَعينُ وعَلَيْهِ أتَوَكَّلُ، وهو حَسْبي، ونِعْمَ الوَكيلُ، وإيّاهُ أَسأَلُ أَن يَنْفَعَ بِهِ، إنَّهُ قَريبٌ مُجيبٌ.