الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
17 -
بابُ: صلاةِ المسافر
قالَ اللهُ تَعالى: " وإذا ضربْتُم في الأرضِ فَليْسَ عليْكُم جُناحٌ أنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إنْ خِفْتُمْ أنْ يَفْتِنكُمُ الّذينَ كَفَروا ".
عن يَعْلى بن أُميَّةَ، قالَ:" قلتُ لعمرَ بنِ الخطّابِ: " فليْسَ عليْكُم جُناحٌ أنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إنْ خِفْتُمْ أنْ يَفْتِنَكُمُ الّذينَ كَفَروا "، وقد أمِنَ الناسُ؟ فقالَ: عَجِبْتُ مِمّا عَجِبْتَ منهُ، فسأَلْتُ عن ذلكَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال: صَدَقَةٌ تَصَدَّق اللهُ بها عَليْكُم، فاقْبَلوا صدَقتَهُ "
(1)
، رواهُ مسلم.
فأمّا مَنْ سافرَ في مَعْصيةٍ، فاستَدلَّ الأصحابُ على أنّهُ لا يَقْصُرُ بقولِهِ تعالى:" فَمَنْ اضطُرَّ في مَخمَصةٍ غيرَ مُتجانِفٍ لإثمٍ فإنّ اللهَ غفُورٌ رحيمٌ "، " فَمَنْ اضْطُرَّ غَيرَ باغٍ ولا عَادٍ "، قالوا: فلم يُرَخِّصْ لهُ في تناولِ المَيْتةِ عندَ الاضْطرارِ إلاّ عندَ عدمِ الإثْمِ والبَغْي، وكذا مَنْ سافَر سَفَرَ معصيةٍ لا يُرَخَّصُ ترخيصَ اللهِ من القَصْرِ والجمْعِ، وغيرِ ذلكَ.
وقد أورد ابنُ عَديٍّ في ترجَمةِ الحكَمِ بنِ عبدِ اللهِ الأَيْليِّ عن الزُّهْري عن سعيدِ بنِ المُسَيَّبِ عن عائشةَ: أنّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: " ثلاثةٌ لا يَقْصُرونَ الصّلاةَ: التاجرُ في أُفقِهِ، والمرأةُ تزورُ غيرَ أهلِها، والراعي "
(2)
، والشاهدُ في هذا المرأةُ تزورُ غيرَ أهلِها لا تَقصُرُ، لأنّها عاصيةٌ بسَفَرِها، لكنَّ الحكَمَ هذا كذابٌ، مُتَّهمٌ بالوَضْعِ.
عن ابنِ عباسٍ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قالَ: " يا أهلَ مكّةَ، لا تَقْصُروا الصلاةَ في أدنى
(1)
رواه مسلم (2/ 143).
(2)
ابن عدي (3/ 622)، ذكره الذهبي في الميزان نقلاً عن الكامل (1/ 573) في ترجمة الحكم بن عبد الله الأيلي في جملة من أحاديثه المنكرة.
من أربعةِ بُرُدٍ، من مَكّةَ إلى عُسْفان "
(3)
، وكذا رواهُ الدارَقُطنيُّ من حديثِ إسماعيلَ بنِ عَيّاشٍ عند عبدِ الوهّابِ بنِ مُجاهدِ بن جَبْر المَكّيّ عن أبيهِ وعطاءٍ عن ابنِ عباسٍ، وإسماعيل بنُ عيّاشٍ عن غير الشاميين ليسَ بشيءٍ عندَ الجمهورِ، ثمّ عبدُالوهّاب هذا مَتروكٌ بمرَّةٍ، وكذَّبَهُ الثَّوريُّ، ومع هذا لمْ يسمعْ من أبيهِ، فهذه ثلاثٌ عِلَلٍ قادِحةٌ، ورابعةٌ وهي أنَّ الصحيحَ في هذا أنهُ موقوفٌ على ابنِ عباسٍ كما رواه الشافعيُّ، والبخاريُّ تَعْليقاً مَجْزوماً بهِ.
قالَ الشافعيُّ: وهو قولُ ابنِ عمرَ، وبهِ نأْخذُ.
عن ابنِ عمرَ، قالَ:" صحبْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فكانَ لا يزيدُ في السفرِ على ركْعتينِ، وأبا بكرٍ، وعمرَ، وعثمانَ كذلكَ "
(4)
، أخرجاهُ، ولفظُهُ للبخاري. فأمّا المغربُ فَمُجْمَعٌ على عدمِ قصرِها.
وفي حديثِ عِمرانَ بنِ حُصَيْنٍ: " أنهُ عليه السلام أقام بمكّةَ ثماني عَشرةَ ليلةً يُصلّي رَكْعتينِ ركْعتينِ إلاّ المَغربَ "
(5)
، رواهُ أحمدُ، وأبو داود من حديثِ عليٍّ بنِ زَيْدِ بنِ جُدْعانَ.
عن أنسٍ، قال: صلَّيْتُ معَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم الظهْرَ بالمدينةِ أربعاً، والعَصْرَ بذي الحُلَيْفةِ ركْعتينِ "
(6)
، أخرجاهُ.
عن ابنِ عمرَ، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " إنَّ اللهَ يُحبُّ أن تُؤْتى رُخَصُهُ كما يكرهُ أن تُؤْتى مَعْصيتُهُ "
(7)
، رواهُ أحمد، وابنُ خُزَيمةَ في صحيحهِ.
(3)
الدارقطني (1/ 387) والشافعي (1/ 162) والبخاري (2/ 54) معلقاً لكنه عن ابن عمرو وابن عباس: " أنهما كانا يقصران ويفطران في أربعة بُرُد " وليس بلفظ رواية الشافعي من قول ابن عباس.
(4)
رواه البخاري (7/ 144)، ومسلم (2/ 149).
(5)
أبو داود (1/ 280) وأحمد (4/ 430) بزيادة إلا المغرب.
(6)
البخاري (7/ 131) ومسلم (2/ 144).
(7)
أحمد (2/ 108) وابن خزيمة (950).
وتقدَّمَ قولُهُ عليه السلام: " فاقْبَلوا صَدَقتَهُ "
(8)
، وفي ذلك أنّ القصْر أفضلُ من الإتمامِ في السفر الطويلِ، فأمّا جوازُ الإتْمامِ.
فعن عائشةَ: " أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يَقْصرُ في السفَرِ، ويُتمُّ، ويُفطرُ، ويَصومُ "
(9)
، رواهُ الشافعيُّ عن ابنِ أبي يحيى عن طَلْحةَ بنِ عَمْرو الحَضْرَمي، وكلاهُما ضعيفٌ عن عطاءٍ عنها، رواهُ الدارَقُطنيُّ، والبَيْهقيُّ، وقالا: إسْنادٌ صحيحٌ.
وعنها: " أنّها اعتَمرَتْ معَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم من المدينةِ إلى مكّةَ، حتى إذا قَدِمَتْ مكّةَ قالَتْ: يا رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بأبي أنتَ وأُمّي، قصَرْتَ وأتمَمْتُ، وأفطرتَ وصُمْتُ. قالَ: أحسنتِ يا عائشةُ، وما عابَ عليَّ
(10)
، رواهُ النسائيُّ من حديثِ عبد الرحمن بنِ الأسودِ عنها، قالَ البيهقيُّ: إسنادٌ صحيحٌ موصولٌ، وكانَ عبدُالرحمن بنُ الأسودِ سمعَ من عائشةَ.
ورواهُ الدارَقُطنيُّ من حديثِ عبدِ الرحمنِ بنِ الأسودِ عن أبيهِ عن عائشةَ، ولَفْظُهُ:" قالتْ: خرجتُ معَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في عُمْرةٍ في رمضانَ، فأفطرَ وصمتُ، وقَصَرَ وأتْمَمْتُ. . فذكرَهُ "
(11)
، وقولُهُ:" في رَمضانَ " غريبٌ جدّاً، لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لمْ يَعْتمرْ قَطُّ في رمضانَ، وإنّما كانتْ عُمَرُهُ كلُّها في ذي القَعْدَةِ كما في " الصحيحينِ ".
عن العَلاءِ بنِ الحَضْرَمِيِّ: أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: " يَمكُثُ المهاجرُ بعدَ قضاءِ نُسكِهِ ثَلاثاً "
(12)
، أخرجاهُ.
وقد عُلِمَ أنهُ كانَ يَكره
(13)
الإقامةَ في البلدِ الذي هاجرَ منهُ إلى اللهِ تَعالى، ولهذا
(8)
تقدم تخريجه برقم (1).
(9)
الدارقطني (2/ 189)، والبيهقي (3/ 141 و 142).
(10)
النسائي (3/ 122)، والبيهقي (3/ 142) وصححه.
(11)
الدارقطني (4/ 188)، وأخرجه البيهقي (3/ 142) من طريقه في الكبرى، وذكر تحسينه له وجعله موصولاً على الوجهين، لكن شيخه أبا بكر النيسابوري جعل من قال:" عن أبيه " خطأ، والله أعلم.
(12)
البخاري (17/ 65)، ومسلم (4/ 109).
(13)
قوله: " البائس سعد بن خولة " أخرجه البخاري في حديث أطول (2/ 103) من حديث =
قالَ عليه السلام: " لكن البائِسُ سعدُ بنُ خَوْلة "
(14)
يرثي لهُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أن ماتَ بمكّةَ، وقدِمَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عامَ حجّةِ الوَداعِ صبيحةَ رابعةِ ذي الحِجّةِ
(15)
، فأقامَ إلى يومِ الترْويةِ، وهو اليومُ الثامنُ يقصرُ الصلاةَ، وذلكَ ثلاثةُ أيامٍ غيرَ يومِ الدخولِ، قالَ: ويومِ الخروجِ.
تقدّمَ حديثُ عِمْرانَ بنِ حُصَيْنٍ: " أنهُ عليه السلام أقامَ عامَ الفتحِ ثمانيَ عَشرةَ يَقْصرُ الصلاةَ "
(16)
.
وقالَ ابنُ عباسٍ: " أقامَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم تِسْعَ عَشرةَ يقصرُ، فنحنُ إذا سافَرنا تِسْعَ عَشرةَ قَصَرْنا، وإن تأخَّرنا أتْمَمْنا "
(17)
، رواهُ البخاريّ.
ولأبي داود، والترمِذِيِّ على شرطِ " الصحيحين " عن ابنِ عباسٍ، قالَ:" أقامَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بمكة سبعَ عشرةَ يقصُرُ الصلاةَ، قالَ ابنُ عباسٍ: ومَنْ أقامَ سَبْعَ عشرةَ قَصَرَ، ومن أقامَ أكثرَ أتمَّ "
(18)
.
وعن ابنِ عمرَ، قالَ:" كانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا جدَّ بهِ في السيْرُ جمعَ بينَ المغربِ والعِشاءِ "
(19)
، أخرجاهُ.
ولمسلمٍ عن مُعاذٍ، قالَ: " جمَعَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في غَزوةِ تَبوكَ بينَ الظهرِ والعَصْرِ،
= سعد بن أبي وقاص، وثبت عنه أنه جوز للمهاجر الإقامة ثلاثاً في مكة وذلك لأنه خرج منها لله تعالى فلا يستحب أن يعود في شيء تركه لله، وقد دعا أن لا يجعل منيته فيها لهذا السبب.
(14)
رواه أحمد (1/ 107) وسعيد بن منصور (330)، بل أخرجه البخاري بهذا اللفظ (2/ 103) نواوي في حديث أطول.
(15)
مسلم (4/ 33) عن عائشة.
(16)
تقدم تخريجه.
(17)
رواه البخاري (7/ 114).
(18)
رواه أبو داود (1/ 280)، والترمذي (2/ 31).
(19)
البخاري (7/ 148)، ومسلم (2/ 150).
وبينَ المَغربِ والعِشاءِ "
(20)
.
عن مُعاذٍ: " أنّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كانَ في غَزْوةِ تَبوكَ إذا زاغتِ الشمسُ قبلَ أن يَرْتحِلَ جمعَ بينَ الظهرِ والعَصْرِ، وإن ارْتحلَ قبلَ أن تَزيغَ الشمسُ أخَّرَ الظهرَ حتى أوّلِ العَصرِ، وقالَ في المَغربِ مِثلَ ذلكَ "
(21)
، رواهُ أحمد، وأبو داود، والترمِذِيُّ، وقالَ: حسَن غَريب، ورجال إسْنادِهِ على شَرْطِ " الصحيحين "، لكنّهُ فَردٌ من الأفرادِ، لمْ يَرْوهِ أحدٌ سوى قُتيبَةَ عن الليْثِ، وقال أبو داود: ليسَ في تقديمِ الوقتِ حديثٌ قائمٌ، وقد تكلَّمَ الحُفّاظُ في هذا الحديثِ كثيراً، حتى قالَ الحاكمُ أبو عبدِ اللهِ: نظَرنا فإذا الحديثُ موضُوعٌ، ثمّ حكى عن البخاري ما يدُلُّ على أنَّ خالدَ بنَ القاسمِ المَدائِنيِّ كذّابٌ أدْخلَهُ على قُتَيْبةَ حيثُ سمعاهُ من اللّيْثِ، قلتُ: لكن قد رويَ لهذا الحديثِ شواهدُ من طرُقٍ عن ابنِ عبّاسٍ وأنسٍ.
وأخرجا في " الصّحيحينِ ": أنّهُ عليه السلام جمَعَ يومَ عَرَفةَ العَصْرِ إلى الظهرِ
(22)
، وما ذاك إلا كما قالَ الشافعيُّ: إنّهُ أرادَ الرّفق، وقد حرَّرتُ هذا في الأصلِ.
عن جابرٍ في حديثِ المناسكِ الطويلِ الذي رواهُ مسلم، قال فيه:" ثمَّ أذَّنَ ثُم أقامَ، فصلّى الظهرَ، فصلّى العَصْرَ، ولمْ يُصلِّ بينَهما شيئاً "
(23)
.
اسْتَدلّوا بهذا على وجوبِ تقديمِ الأُولى في وَقْتِ الأُولى، والمُولاةِ، فأمّا في وقتِ الثانيةِ.
فَعن أُسامَةَ بنِ زيدٍ، قالَ:" دفَعَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم من عَرفةَ فنزَلَ الشّعْبَ، قالَ: ثمَّ توضّأ ولمْ يُسْبِغِ الوضوءَ، فقلتُ لهُ: " الصلاةُ، فقالَ: الصلاةُ أمامَك، فجاءَ المُزْدَلِفةَ فتَوضَّأ فأسبَغَ، ثُمّ أُقيمتِ الصّلاةُ فصلّى المَغربَ، ثُمَّ أناخَ كلُّ إنسانٍ بعيرَهُ في منزِلِهِ،
(20)
رواه مسلم (2/ 152).
(21)
رواه أحمد (5/ 241) وأبو داود (1/ 278) والترمذي (2/ 33).
(22)
رواه البخاري (1/ 199 نواوي) ومسلم (4/ 41).
(23)
رواه مسلم (4/ 41).
ثمّ أُقيمتِ الصّلاةُ فصلّى العِشاءَ، ولمْ يُصلِّ بينَهما "
(24)
، أخرجاهُ.
عن ابنِ عباسٍ: " أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم صلّى بالمدينةِ سَبْعاً وثمانياً، الظهرَ والعَصرَ، والمَغربَ والعِشاءَ "
(25)
، أخرجاهُ.
وقال أيّوبُ السَّخْتِيانيُّ، ومالكٌ، والشافِعيُّ: نَرى ذلكَ كانَ في مَطَرٍ.
وروى مُسلمٌ هذا الحديثَ من وجهٍ آخرَ فقالَ فيه: " من غيرِ خوفٍ ولا مَطَرٍ "
(26)
، وقد حاوَلَ الحافظُ البَيْهقيُّ توهينَ هذهِ الرّوايةِ، وعلى كلِّ تقديرٍ، فيهِ دليلٌ على جَوازِ الجمعِ لعذرِ المَطرِ، واللهُ أعلمُ.
(24)
رواه البخاري (2/ 258)، ومسلم (4/ 73).
(25)
رواه البخاري (5/ 30) ومسلم (2/ 152).
(26)
رواه مسلم (2/ 152).