الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَضَى صلى الله عليه وسلم «فِي وَلَدِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ أَنَّهُ يَرِثُ أُمَّهُ وَتَرِثُهُ أُمُّهُ، وَمَنْ قَذَفَهَا جُلِدَ ثَمَانِينَ، وَمَنْ دَعَاهُ وَلَدَ زِنًا جُلِدَ ثَمَانِينَ» ، ذَكَرَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد، وَعِنْدَ أَبِي دَاوُد «وَجُعِلَ مِيرَاثُ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ لِأُمِّهِ وَلِوَرَثَتِهَا مِنْ بَعْدِهَا» .
[فَتَاوَى تَتَعَلَّقُ بِالْعِتْقِ]
قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَلَمَّا وَصَفْتِ الْإِيمَانَ وَأَنَّ رَبَّهَا تبارك وتعالى فِي السَّمَاءِ، قَالَ " أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ " فَقَدْ سَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " أَيْنَ اللَّهُ ".
وَسَأَلَ صلى الله عليه وسلم أَيْنَ اللَّهُ؟ فَأَجَابَ مَنْ سَأَلَهُ بِأَنَّ اللَّهَ فِي السَّمَاءِ، فَرَضِيَ جَوَابَهُ، وَعَلِمَ بِهِ أَنَّهُ حَقِيقَةُ الْإِيمَانِ لِرَبِّهِ، وَأَجَابَ هُوَ صلى الله عليه وسلم مَنْ " سَأَلَهُ أَيْنَ اللَّهُ "، وَلَمْ يُنْكِرْ هَذَا السُّؤَالَ عَلَيْهِ، وَعِنْدَ الْجَهْمِيِّ أَنَّ السُّؤَالَ بِأَيْنَ اللَّهُ كَالسُّؤَالِ بِمَا لَوْنُهُ وَمَا طَعْمُهُ وَمَا جِنْسُهُ وَمَا أَصْلُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْئِلَةِ الْمُحَالَةِ الْبَاطِلَةِ.
«وَسَأَلَهُ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ: كَمْ أَعْفُو عَنْ الْخَادِمِ؟ فَصَمَتَ عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَمْ أَعْفُو عَنْ الْخَادِمِ؟ قَالَ اُعْفُ عَنْهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّةٍ» ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُد.
وَعِنْدَ مَالِكٍ: «إنَّ أُمِّي هَلَكَتْ فَهَلْ يَنْفَعُهَا أَنْ أُعْتِقَ عَنْهَا؟ فَقَالَ نَعَمْ» .
«وَاسْتَفْتَتْهُ صلى الله عليه وسلم عَائِشَةُ رضي الله عنها، فَقَالَتْ: إنِّي أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِيَ جَارِيَةً فَأَعْتِقَهَا، فَقَالَ أَهْلُهَا: نَبِيعُكَهَا عَلَى أَنَّ وَلَاءَهَا لَنَا، فَقَالَ لَا يَمْنَعُكَ ذَلِكَ، إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» . وَالْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحِ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَصِحُّ الشَّرْطُ وَالْعَقْدُ، وَيَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَهُوَ خَطَأٌ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَبْطُلُ الْعَقْدُ وَالشَّرْطُ، وَإِنَّمَا صَحَّ عَقْدُ عَائِشَةَ لِأَنَّ الشَّرْطَ لَمْ يَكُنْ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، وَإِنَّمَا كَانَ مُتَقَدِّمًا عَلَيْهِ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْوَعْدِ لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ فَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُعَلِّلْ بِهِ، وَلَا أَشَارَ فِي الْحَدِيثِ إلَيْهِ بِوَجْهٍ مَا، وَالشَّرْطُ الْمُتَقَدِّمُ كَالْمُقَارَنِ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: فِي الْكَلَامِ إضْمَارٌ تَقْدِيرُهُ: اشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ أَوْ لَا تَشْتَرِطِيهِ، فَإِنَّ اشْتِرَاطَهُ لَا يُفِيدُ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ، وَهَذَا أَقْرَبُ مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِظَاهِرِ اللَّفْظِ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: اللَّامُ بِمَعْنَى عَلَى، أَيْ اشْتَرِطِي عَلَيْهِمْ الْوَلَاءَ؛ فَإِنَّكِ أَنْتِ الَّتِي تَعْتِقِينَ، وَالْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ تَكَلُّفًا مِمَّا تَقَدَّمَ فَفِيهِ إلْغَاءُ الِاشْتِرَاطِ؛ فَإِنَّهَا لَوْ لَمْ تَشْتَرِطْ لَكَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هَذِهِ الزِّيَادَةُ لَيْسَتْ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، بَلْ هِيَ مِنْ قَوْلِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، وَهَذَا جَوَابُ الشَّافِعِيِّ نَفْسِهِ، وَقَالَ شَيْخُنَا: بَلْ الْحَدِيثُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَلَمْ يَأْمُرْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِاشْتِرَاطِ الْوَلَاءِ تَصْحِيحًا لِهَذَا الشَّرْطِ، وَلَا إبَاحَةً لَهُ، وَلَكِنْ عُقُوبَةً لِمُشْتَرِطِهِ؛ إذْ أَبَى أَنْ يَبِيعَ جَارِيَةً لِلْمُعْتِقِ إلَّا بِاشْتِرَاطِ مَا يُخَالِفُ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى وَشَرْعَهُ، فَأَمَرَهَا أَنْ تَدْخُلَ تَحْتَ شَرْطِهِمْ الْبَاطِلِ لِيُظْهِرَ بِهِ حُكْمَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ؛ لِأَنَّ الشُّرُوطَ الْبَاطِلَةَ لَا تُغَيِّرُ شَرْعَهُ، وَإِنَّ مَنْ شَرَطَ مَا يُخَالِفُ دِينَهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُوَفَّى لَهُ بِشَرْطِهِ، وَلَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ بِهِ، وَإِنَّ مَنْ عَرَفَ فَسَادَ الشَّرْطِ وَشَرَطَهُ أُلْغِيَ اشْتِرَاطُهُ وَلَمْ يُعْتَبَرْ، فَتَأَمَّلْ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ وَمَا قَبْلَهَا مِنْ الطُّرُقِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.