الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهُوَ قَوْلُ شُرَيْحٍ وَطَاوُسٍ وَعِكْرِمَةَ، وَأَهْلِ الظَّاهِرِ وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ أَجَلُّ أَصْحَابِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، قَالَ بَعْضُ الْحُفَّاظِ: وَلَا يُعْلَمُ لِعَلِيٍّ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي الْمَسْأَلَةِ، إنْ شَاءَ اللَّهُ، إذْ الْمَقْصُودُ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ أَوْ حَلَفَ أَوْ وَهَبَ أَوْ صَالَحَ لَا عَنْ رِضًا مِنْهُ، وَلَكِنْ مُنِعَ حَقُّهُ إلَّا بِذَلِكَ، فَهُوَ بِالْمُكْرَهِ أَشْبَهُ مِنْهُ بِالْمُخْتَارِ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَلْزَمُهُ مَا عَقَدَهُ مِنْ هَذِهِ الْعُقُودِ.
وَمَنْ لَهُ قَدَمٌ رَاسِخٌ فِي الشَّرِيعَةِ، وَمَعْرِفَةٌ بِمَصَادِرِهَا وَمَوَارِدِهَا، وَكَانَ الْإِنْصَافُ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ التَّعَصُّبِ وَالْهَوَى، وَالْعِلْمُ وَالْحُجَّةُ آثَرُ عِنْدَهُ مِنْ التَّقْلِيدِ، وَلَمْ يَكَدْ يَخْفَى عَلَيْهِ وَجْهُ الصَّوَابِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ نَفَائِسِ هَذَا الْكِتَابِ، وَالْجَاهِلُ الظَّالِمُ لَا يَرَى الْإِحْسَانَ إلَّا إسَاءَةً، وَلَا الْهُدَى إلَّا الضَّلَالَةَ.
فَقُلْ لِلْعُيُونِ الرُّمْدِ لِلشَّمْسِ أَعْيُنٌ
…
سِوَاكِ تَرَاهَا فِي مَغِيبٍ وَمَطْلَعِ
وَسَامِحْ نُفُوسًا بِالْقُشُورِ قَدْ ارْتَضَتْ
…
وَلَيْسَ لَهَا لِلُّبِّ مِنْ مُتَطَلَّعِ
[الْمِثَالُ الثَّالِثُ بَعْدَ الْمِائَة حَبْسُ الْعَيْنِ عَلَى ثَمَنِهَا وَأُجْرَتِهَا]
[حَبْسُ الْعَيْنِ عَلَى ثَمَنِهَا وَأُجْرَتِهَا] الْمِثَالُ الثَّالِثُ بَعْدَ الْمِائَةِ: اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ هَلْ يَمْلِكُ الْبَائِعُ حَبْسَ السِّلْعَةِ عَلَى ثَمَنِهَا؟ وَهَلْ يَمْلِكُ الْمُسْتَأْجِرُ حَبْسَ الْعَيْنِ بَعْدَ الْعَمَلِ عَلَى الْأُجْرَةِ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: يَمْلِكُهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَالثَّانِي: لَا يَمْلِكُهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ عِنْدَ أَصْحَابِهِ، وَالثَّالِثُ: يَمْلِكُ حَبْسَ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ عَلَى عَمَلِهَا، وَلَا يَمْلِكُ حَبْسَ الْمَبِيعِ عَلَى ثَمَنِهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْعَمَلَ يَجْرِي مَجْرَى الْأَعْيَانِ، وَلِهَذَا يُقَابَلُ بِالْعِوَضِ؛ فَصَارَ كَأَنَّهُ شَرِيكٌ لِمَالِكِ الْعَيْنِ بِعَمَلِهِ، فَأَثَرُ عَمَلِهِ قَائِمٌ بِالْعَيْنِ؛ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهُ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ عِوَضَهُ، بِخِلَافِ الْمَبِيعِ؛ فَإِنَّهُ قَدْ دَخَلَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي، وَصَارَ الثَّمَنُ فِي ذِمَّتِهِ، وَلَمْ يَبْقَ لِلْبَائِعِ تَعَلُّقٌ بِالْعَيْنِ، وَمَنْ سَوَّى بَيْنَهُمَا قَالَ: الْأُجْرَةُ قَدْ صَارَتْ فِي الذِّمَّةِ، وَلَمْ يُشْتَرَطْ رَهْنُ الْعَيْنِ عَلَيْهَا، فَلَا يَمْلِكُ حَبْسَهَا.
وَعَلَى هَذَا فَالْحِيلَةُ فِي الْحَبْسِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ حَتَّى يَصِلَ إلَى حَقِّهِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ رَهْنَ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ عَلَى أُجْرَتِهَا، فَيَقُولُ: رَهَنَتْك هَذَا الثَّوْبَ عَلَى أُجْرَتِهِ، وَهِيَ كَذَا وَكَذَا، وَهَكَذَا فِي الْمَبِيعِ يَشْتَرِطُ عَلَى الْمُشْتَرِي رَهْنَهُ عَلَى ثَمَنِهِ حَتَّى يُسَلِّمَهُ إلَيْهِ، وَلَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ أَصْلًا، وَلَا مَعْنًى، وَلَا مَأْخَذًا قَوِيًّا يَمْنَعُ صِحَّةَ هَذَا الشَّرْطِ وَالرَّهْنِ، وَقَدْ اتَّفَقُوا أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ رَهْنَ عَيْنٍ أُخْرَى عَلَى الثَّمَنِ جَازَ، فَمَا الَّذِي يَمْنَعُ جَوَازَ رَهْنِ الْمَبِيعِ عَلَى ثَمَنِهِ؟ .
وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقْبِضَهُ أَوْ لَا يَقْبِضَهُ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ، وَقَدْ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَى جَوَازِ اشْتِرَاطِ رَهْنِ الْمَبِيعِ عَلَى ثَمَنِهِ، وَهُوَ الصَّوَابُ وَمُقْتَضَى قَوَاعِدِ الشَّرْعِ وَأُصُولِهِ، وَقَالَ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ: لَا يَصِحُّ، وَعَلَّلَهُ ابْنُ عَقِيلٍ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ رَهَنَ مَا لَا يَمْلِكُ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ شَرَطَ أَنْ يَرْهَنَهُ عَبْدًا لِغَيْرِهِ يَشْتَرِيَهُ وَيَرْهَنَهُ، وَهَذَا تَعْلِيلٌ بَاطِلٌ؛ فَإِنَّهُ إنَّمَا حَصَلَ الرَّهْنُ بَعْدَ مِلْكِهِ، وَاشْتِرَاطُهُ قَبْلَ الْمِلْكِ لَا يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ رَهْنِ الْمِلْكِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ اشْتِرَاطِ رَهْنِ عَبْدِ زَيْدٍ أَنَّ اشْتِرَاطَ رَهْنِ عَبْدِ زَيْدٍ [غَرَرٌ] قَدْ يُمْكِنُ، وَقَدْ لَا يُمْكِنُ، بِخِلَافِ اشْتِرَاطِ رَهْنِ الْمَبِيعِ عَلَى ثَمَنِهِ، فَإِنَّهُ إنْ تَمَّ الْعَقْدُ صَارَ الْمَبِيعُ رَهْنًا، وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ لَا ثَمَنَ يُحْبَسُ عَلَيْهِ الرَّهْنُ، فَلَا غَرَرَ أَلْبَتَّةَ؛ فَالْمَنْصُوصُ أَفْقَهُ، وَأَصَحُّ، وَهَذَا عَلَى أَصْلِ مَنْ يَقُولُ " لِلْبَائِعِ حَبْسُ الْمَبِيعِ عَلَى ثَمَنِهِ " أَلْزَمُ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، وَبَعْضِ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَإِنْ كَانَ خِلَافَ مَنْصُوصِ أَحْمَدَ.
لِأَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ يَقْتَضِي اسْتِوَاءَهُمَا فِي التَّسَلُّمِ وَالتَّسْلِيمِ، فَفِي إجْبَارِ الْبَائِعِ عَلَى التَّسْلِيمِ قَبْلَ حُضُورِ الثَّمَنِ، وَتَمْكِينِهِ مِنْ قَبْضِهِ إضْرَارٌ بِهِ، فَإِذَا [كَانَ] مَلَكَ حَبْسَهُ عَلَى ثَمَنِهِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فَلَأَنْ يَمْلِكَهُ مَعَ الشَّرْطِ أَوْلَى وَأَحْرَى، فَقَوْلُ الْقَاضِي، وَأَصْحَابِهِ مُخَالِفٌ لِنَصِّ أَحْمَدَ وَالْقِيَاسِ، فَإِنْ شَرَطَ أَنْ يَقْبِضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ ثُمَّ يَرْهَنَهُ عَلَى ثَمَنِهِ عِنْدَ بَائِعِهِ فَأَوْلَى بِالصِّحَّةِ.
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: وَالرَّهْنُ أَيْضًا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُمَا شَرَطَا رَهْنَهُ قَبْلَ مِلْكِهِ، وَقَدْ عَرَفْت مَا فِيهِ، وَعَلَّلَهُ أَيْضًا بِتَعْلِيلٍ آخَرَ فَقَالَ: إطْلَاقُ الْبَيْعِ يَقْتَضِي تَسْلِيمَ الثَّمَنِ مِنْ غَيْرِ الْمَبِيعِ، وَالرَّهْنُ يَقْتَضِي اسْتِيفَاءَهُ مِنْ عَيْنِهِ إنْ كَانَ عَيْنًا أَوْ ثَمَنَهُ إنْ كَانَ عَرَضًا فَيَتَضَادَّا، وَهَذَا التَّعْلِيلُ أَقْوَى مِنْ الْأَوَّلِ، وَهُوَ الَّذِي أَوْجَبَ لَهُ الْقَوْلَ بِبُطْلَانِ الرَّهْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ، فَيُقَالُ: الْمَحْذُورُ مِنْ التَّضَادِّ إنَّمَا هُوَ التَّدَافُعُ بِحَيْثُ يَدْفَعُ كُلٌّ مِنْ الْمُتَضَادَّيْنِ الْمُتَنَافِيَيْنِ الْآخَرَ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَدْفَعْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَلَا مَحْذُورَ، وَالْبَائِعُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ ثَمَنَ الْمَبِيعِ، وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يُؤَدِّيَهُ إيَّاهُ مِنْ عَيْنِ الْمَبِيعِ، وَمِنْ غَيْرِهِ، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ وَيُقْبِضَهُ ثَمَنَهُ مِنْهُ.
وَغَايَةُ عَقْدِ الرَّهْنِ أَنْ يُوجِبَ ذَلِكَ، فَأَيُّ تَدَافُعٍ، وَأَيُّ تَنَافٍ هُنَا؟ : وَأَمَّا قَوْلُهُ " إطْلَاقُ الْعَقْدِ يَقْتَضِي التَّسْلِيمَ لِلثَّمَنِ مِنْ غَيْرِ الْمَبِيعِ " فَيُقَالُ: بَلْ إطْلَاقُهُ يَقْتَضِي تَسْلِيمَ الثَّمَنِ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ شَاءَ الْمُشْتَرِي، حَتَّى لَوْ بَاعَهُ قَفِيزَ حِنْطَةٍ بِقَفِيزِ حِنْطَةٍ، وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ مَلَكَ أَنْ يُوَفِّيَهُ إيَّاهُ ثَمَنًا كَمَا اسْتَوْفَاهُ مَبِيعًا، كَمَا لَوْ اقْتَرَضَ مِنْهُ ذَلِكَ ثُمَّ وَفَّاهُ إيَّاهُ بِعَيْنِهِ.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ: إذَا حَبَسَ السِّلْعَةَ بِبَقِيَّةِ الثَّمَنِ فَهُوَ غَاصِبٌ، وَلَا يَكُونُ رَهْنًا إلَّا أَنْ يَكُونَ شَرَطَ عَلَيْهِ فِي نَفْسِ الْبَيْعِ الرَّهْنَ، فَظَاهِرُ هَذَا إنْ شَرَطَ كَوْنَ الْمَبِيعِ رَهْنًا [فِي حَالِ الْعَقْدِ أَصَحُّ، قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا الْكَلَامُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَمَعْنَاهُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ فِي نَفْسِ الْبَيْعِ رَهْنًا] غَيْرَ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ رَهْنِ الْبَيْعِ اشْتِرَاطُ تَعْوِيقِ التَّسْلِيمِ فِي الْمَبِيعِ.
قُلْت: وَلَا يَخْفَى مُنَافَاةُ مَا قَالَهُ لِظَاهِرِ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، فَإِنَّ كَلَامَ أَحْمَدَ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فِي صُورَةِ حَبْسِ الْمَبِيعِ عَلَى ثَمَنِهِ، فَقَالَ:" هُوَ غَاصِبٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَرَطَ عَلَيْهِ فِي نَفْسِ الْبَيْعِ الرَّهْنَ " أَيْ: فَلَا يَكُونُ غَاصِبًا بِحَبْسِ السِّلْعَةِ بِمُقْتَضَى شَرْطِهِ، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ مَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ لَكَانَ مَعْنَى الْكَلَامِ إذَا حَبَسَ السِّلْعَةَ بِبَقِيَّةِ الثَّمَنِ فَهُوَ غَاصِبٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ شَرَطَ لَهُ رَهْنًا آخَرَ غَيْرَ الْمَبِيعِ يُسَلِّمَهُ إلَيْهِ، وَهَذَا كَلَامٌ لَا يَرْتَبِطُ أَوَّلُهُ بِآخِرِهِ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَدْخُلَ فِي الْأَوَّلِ ثُمَّ يُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَلِهَذَا جَعَلَهُ أَبُو الْبَرَكَاتِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ نَصًّا فِي صِحَّةِ هَذَا الشَّرْطِ، ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَصِحُّ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ " إنَّ اشْتِرَاطَ رَهْنِ الْمَبِيعِ تَعْوِيقٌ لِلتَّسْلِيمِ فِي الْمَبِيعِ " فَيُقَالُ: وَاشْتِرَاطُ التَّعْوِيقِ إذَا كَانَ لِمَصْلَحَةِ الْبَائِعِ، وَلَهُ فِيهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ قَدِمَ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي فَأَيُّ مَحْذُورٍ فِيهِ؟ ثُمَّ هَذَا يَبْطُلُ بِاشْتِرَاطِ الْخِيَارِ؛ فَإِنَّ فِيهِ تَعْوِيقًا لِلْمُشْتَرِي عَنْ التَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ، وَبِاشْتِرَاطِ الْمُشْتَرِي تَأْجِيلَ الثَّمَنِ؛ فَإِنَّ فِيهِ تَعْوِيقًا لِلْبَائِعِ عَنْ تَسَلُّمِهِ أَيْضًا، وَيَبْطُلُ عَلَى أَصْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَأَصْحَابِهِ بِاشْتِرَاطِ الْبَائِعِ انْتِفَاعَهُ بِالْمَبِيعِ مُدَّةً يَسْتَثْنِيهَا؛ فَإِنَّ فِيهِ تَعْوِيقًا لِلتَّسْلِيمِ، وَيَبْطُلُ أَيْضًا بِبَيْعِ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ.
فَإِنْ قِيلَ: إذَا اشْتَرَطَ أَنْ يَكُونَ رَهْنًا قَبْلَ قَبْضِهِ تَدَافَعَ مُوجِبُ الْبَيْعِ وَالرَّهْنِ، فَإِنَّ مُوجِبَ الرَّهْنِ أَنْ يَكُونَ تَلَفُهُ مِنْ ضَمَانِ مَالِكِهِ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ، وَمُوجِبُ الْبَيْعِ أَنْ يَكُونَ تَلَفُهُ قَبْلَ التَّمْكِينِ مِنْ قَبْضِهِ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ، فَإِذَا تَلِفَ هَذَا الرَّهْنُ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ قَبْضِهِ، فَمِنْ ضَمَانِ أَيِّهِمَا يَكُونُ؟ قِيلَ: هَذَا السُّؤَالُ أَقْوَى مِنْ السُّؤَالَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ، وَالتَّدَافُعُ فِيهِ أَظْهَرُ مِنْ التَّدَافُعِ فِي التَّعْلِيلِ الثَّانِي، وَجَوَابُ هَذَا السُّؤَالِ أَنَّ الضَّمَانَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْقَبْضِ كَانَ عَلَى الْبَائِعِ كَمَا كَانَ، وَلَا يُزِيلُ هَذَا الضَّمَانَ إلَّا تَمَكُّنُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْقَبْضِ، فَإِذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ قَبْضِهِ فَهُوَ