الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِنْ قِيلَ: هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ نَفْسَهُ؟ .
قِيلَ: نَعَمْ، إذَا كَانَ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ غَيْرَهُ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«اسْتَفْتِ قَلْبَكَ وَإِنْ أَفْتَاكَ الْمُفْتُونَ» فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ نَفْسَهُ بِمَا يُفْتِي غَيْرَهُ بِهِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ نَفْسَهُ بِالرُّخْصَةِ وَغَيْرَهُ بِالْمَنْعِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ إذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ قَوْلٌ بِالْجَوَازِ وَقَوْلٌ بِالْمَنْعِ أَنْ يَخْتَارَ لِنَفْسِهِ قَوْلَ الْجَوَازِ وَلِغَيْرِهِ قَوْلَ الْمَنْعِ، وَسَمِعْتُ شَيْخَنَا يَقُولُ: سَمِعْتُ بَعْضَ الْأُمَرَاءِ يَقُولُ عَنْ بَعْضِ الْمُفْتِينَ مِنْ أَهْلِ زَمَانِهِ يَكُونُ عِنْدَهُمْ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا الْجَوَازُ وَالثَّانِي الْمَنْعُ وَالثَّالِثُ التَّفْصِيلُ فَالْجَوَازُ لَهُمْ وَالْمَنْعُ لِغَيْرِهِمْ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ.
[الْفُتْيَا بِالتَّشَهِّي وَالتَّخَيُّرِ]
[لَا تَجُوزُ الْفُتْيَا بِالتَّشَهِّي وَالتَّخَيُّرِ] الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ وَالْعِشْرُونَ: لَا يَجُوزُ لِلْمُفْتِي أَنْ يَعْمَلَ بِمَا يَشَاءُ مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْوُجُوهِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ مِنْ التَّرْجِيحِ وَلَا يَعْتَدُّ بِهِ، بَلْ يَكْتَفِي فِي الْعَمَلِ بِمُجَرَّدِ كَوْنِ ذَلِكَ قَوْلًا قَالَهُ إمَامٌ أَوْ وَجْهًا ذَهَبَ إلَيْهِ جَمَاعَةٌ فَيَعْمَلُ بِمَا يَشَاءُ مِنْ الْوُجُوهِ وَالْأَقْوَالِ حَيْثُ رَأَى الْقَوْلَ وَفْقَ إرَادَتِهِ وَغَرَضِهِ عَمِلَ بِهِ، فَإِرَادَتُهُ وَغَرَضُهُ هُوَ الْمِعْيَارُ وَبِهَا التَّرْجِيحُ، وَهَذَا حَرَامٌ بِاتِّفَاقِ الْأُمَّةِ، وَهَذَا مِثْلُ مَا حَكَى الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيَّ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ زَمَانِهِ مِمَّنْ نَصَّبَ نَفْسَهُ لِلْفَتْوَى أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إنَّ الَّذِي لِصَدِيقِي عَلَيَّ إذَا وَقَعَتْ لَهُ حُكُومَةٌ أَوْ فُتْيَا أَنْ أُفْتِيَهُ بِالرِّوَايَةِ الَّتِي تُوَافِقُهُ، وَقَالَ: وَأَخْبَرَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ أَنَّهُ وَقَعَتْ لَهُ وَاقِعَةٌ فَأَفْتَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُفْتِيَيْنِ بِمَا يَضُرُّهُ، وَأَنَّهُ كَانَ غَائِبًا فَلَمَّا حَضَرَ سَأَلَهُمْ بِنَفْسِهِ، فَقَالُوا: لَمْ نَعْلَمْ أَنَّهَا لَكَ، وَأَفْتَوْهُ بِالرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الَّتِي تُوَافِقُهُ، قَالَ: وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مِمَّنْ يُعْتَدُّ بِهِمْ فِي الْإِجْمَاعِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ رحمه الله فِي اخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم مُخْطِئٌ وَمُصِيبٌ فَعَلَيْكَ بِالِاجْتِهَادِ.
وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ وَالْإِفْتَاءُ فِي دِينِ اللَّهِ بِالتَّشَهِّي وَالتَّخَيُّرِ وَمُوَافَقَةِ الْغَرَضِ فَيَطْلُبُ الْقَوْلَ الَّذِي يُوَافِقُ غَرَضَهُ وَغَرَضَ مِنْ يُحَابِيهِ فَيَعْمَلُ بِهِ، وَيُفْتِي بِهِ، وَيَحْكُمُ بِهِ، وَيَحْكُمُ عَلَى عَدُوِّهِ وَيُفْتِيهِ بِضِدِّهِ، وَهَذَا مِنْ أَفْسَقِ الْفُسُوقِ وَأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ، وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
[أَقْسَامُ الْمُفْتِينَ]
[أَقْسَامُ الْمُفْتِينَ أَرْبَعَةٌ] الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ وَالْعِشْرُونَ: الْمَفْتُونَ الَّذِينَ نَصَّبُوا أَنْفُسَهُمْ لِلْفَتْوَى أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: أَحَدُهُمْ الْعَالِمُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ وَأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ؛ فَهُوَ الْمُجْتَهِدُ فِي أَحْكَامِ النَّوَازِلِ، يَقْصِدُ فِيهَا مُوَافَقَةَ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ حَيْثُ كَانَتْ، وَلَا يُنَافِي اجْتِهَادُهُ تَقْلِيدَهُ لِغَيْرِهِ أَحْيَانًا، فَلَا تَجِدُ أَحَدًا مِنْ الْأَئِمَّةِ إلَّا وَهُوَ مُقَلِّدٌ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ، وَقَدْ قَالَ
الشَّافِعِيُّ رحمه الله وَرَضِيَ عَنْهُ - فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْحَجِّ: قُلْتُهُ تَقْلِيدًا لِعَطَاءٍ؛ فَهَذَا النَّوْعُ الَّذِي يَسُوغُ لَهُمْ الْإِفْتَاءُ، وَيَسُوغُ اسْتِفْتَاؤُهُمْ وَيَتَأَدَّى بِهِمْ فَرْضُ الِاجْتِهَادِ، وَهُمْ الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«إنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا» وَهُمْ غَرْسُ اللَّهِ الَّذِينَ لَا يَزَالُ يَغْرِسُهُمْ فِي دِينِهِ، وَهُمْ الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: لَنْ تَخْلُو الْأَرْضُ مِنْ قَائِمٍ لِلَّهِ بِحُجَّتِهِ.
فَصْلٌ:
النَّوْعُ الثَّانِي: مُجْتَهِدٌ مُقَيَّدٌ فِي مَذْهَبٍ مِنْ ائْتَمَّ بِهِ؛ فَهُوَ مُجْتَهِدٌ فِي مَعْرِفَةِ فَتَاوِيهِ وَأَقْوَالِهِ وَمَأْخَذِهِ وَأُصُولِهِ، عَارِفٌ بِهَا، مُتَمَكِّنٌ مِنْ التَّخْرِيجِ عَلَيْهَا وَقِيَاسُ مَا لَمْ يَنُصَّ مَنْ ائْتَمَّ بِهِ عَلَيْهِ عَلَى مَنْصُوصِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مُقَلِّدًا لِإِمَامِهِ لَا فِي الْحُكْمِ وَلَا فِي الدَّلِيلِ، لَكِنْ سَلَكَ طَرِيقَهُ فِي الِاجْتِهَادِ وَالْفُتْيَا وَدَعَا إلَى مَذْهَبِهِ وَرُتَبِهِ وَقَرَّرَهُ، فَهُوَ مُوَافِقٌ لَهُ فِي مَقْصِدِهِ وَطَرِيقِهِ مَعًا.
وَقَدْ ادَّعِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةَ مِنْ الْحَنَابِلَةِ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَالْقَاضِي أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي مُوسَى فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ الَّذِي لَهُ، وَمِنْ الشَّافِعِيَّةِ خَلْقٌ كَثِيرَةٌ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْحَنَفِيَّةُ فِي أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ بْنِ الْهُذَيْلِ، وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْمُزَنِيّ وَابْنِ سُرَيْجٍ وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَمُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ، وَالْمَالِكِيَّةُ فِي أَشْهَبَ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ وَهْبٍ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي أَبِي حَامِدٍ وَالْقَاضِي: هَلْ كَانَ هَؤُلَاءِ مُسْتَقِلِّينَ بِالِاجْتِهَادِ أَوْ مُتَقَيِّدِينَ بِمَذَاهِبِ أَئِمَّتِهِمْ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَمَنْ تَأَمَّلَ أَحْوَالَ هَؤُلَاءِ وَفَتَاوِيهِمْ وَاخْتِيَارَاتهمْ عَلِمَ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مُقَلِّدِينَ لِأَئِمَّتِهِمْ فِي كُلِّ مَا قَالُوهُ، وَخِلَافُهُمْ لَهُمْ أَظْهَرُ مِنْ أَنْ يُنْكَرَ، وَإِنْ كَانَ مِنْهُمْ الْمُسْتَقِلُّ وَالْمُسْتَكْثِرُ، وَرُتْبَةُ هَؤُلَاءِ دُونَ رُتْبَةِ الْأَئِمَّةِ فِي الِاسْتِقْلَالِ بِالِاجْتِهَادِ.
فَصْلٌ:
النَّوْعُ الثَّالِثُ: مَنْ هُوَ مُجْتَهِدٌ فِي مَذْهَبٍ مَنْ انْتَسَبَ إلَيْهِ، مُقَرِّرٌ لَهُ بِالدَّلِيلِ، مُتْقِنٌ لِفَتَاوِيهِ، عَالِمٌ بِهَا، لَكِنْ لَا يَتَعَدَّى أَقْوَالَهُ وَفَتَاوِيَهُ وَلَا يُخَالِفُهَا، وَإِذَا وُجِدَ نَصُّ إمَامِهِ لَمْ يَعْدِلْ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ أَلْبَتَّةَ، وَهَذَا شَأْنُ أَكْثَرِ الْمُصَنِّفِينَ فِي مَذَاهِبِ أَئِمَّتِهِمْ، وَهُوَ حَالُ أَكْثَرِ عُلَمَاءِ الطَّوَائِفِ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ يَظُنُّ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ بِهِ إلَى مَعْرِفَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْعَرَبِيَّةِ لِكَوْنِهِ مُجْتَزِيًا بِنُصُوصِ إمَامِهِ، فَهِيَ عِنْدَهُ كَنُصُوصِ الشَّارِعِ، قَدْ اكْتَفَى بِهَا مِنْ كُلْفَةِ التَّعَبِ وَالْمَشَقَّةِ، وَقَدْ كَفَاهُ الْإِمَامُ اسْتِنْبَاطَ الْأَحْكَامِ وَمُؤْنَةَ اسْتِخْرَاجِهَا مِنْ النُّصُوصِ، وَقَدْ يَرَى إمَامَهُ ذَكَرَ حُكْمًا بِدَلِيلِهِ؛ فَيَكْتَفِي هُوَ بِذَلِكَ الدَّلِيلِ مِنْ غَيْرِ بَحْثٍ عَنْ مُعَارِضٍ لَهُ.
وَهَذَا شَأْنُ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِ الْوُجُوهِ وَالطُّرُقِ وَالْكُتُبِ الْمُطَوَّلَةِ وَالْمُخْتَصَرَةِ، وَهَؤُلَاءِ لَا يَدَّعُونَ الِاجْتِهَادَ، وَلَا يُقِرُّونَ بِالتَّقْلِيدِ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ يَقُولُ: اجْتَهَدْنَا فِي الْمَذَاهِبِ فَرَأَيْنَا أَقْرَبَهَا إلَى الْحَقِّ مَذْهَبَ إمَامِنَا، وَكُلٌّ مِنْهُمْ يَقُولُ ذَلِكَ عَنْ إمَامِهِ، وَيَزْعُمُ أَنَّهُ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ مِنْ غَيْرِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَغْلُو فَيُوجِبُ اتِّبَاعَهُ، وَيَمْنَعُ مِنْ اتِّبَاعِ غَيْرِهِ.
فَيَا لِلَّهِ الْعَجَبُ مِنْ اجْتِهَادٍ نَهَضَ بِهِمْ إلَى كَوْنِ مَتْبُوعِهِمْ وَمُقَلَّدِهِمْ أَعْلَمَ مِنْ غَيْرِهِ، أَحَقَّ بِالِاتِّبَاعِ مِنْ سِوَاهُ، وَأَنَّ مَذْهَبَهُ هُوَ الرَّاجِحُ، وَالصَّوَابُ دَائِمًا مَعَهُ، وَقَعَدَ بِهِمْ عَنْ الِاجْتِهَادِ فِي كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَاسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ مِنْهُ، وَتَرْجِيحِ مَا يَشْهَدُ لَهُ النَّصُّ، مَعَ اسْتِيلَاءِ كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ عَلَى غَايَةِ الْبَيَانِ، وَتَضَمُّنِهِ لِجَوَامِع الْكَلِمِ، وَفَصْلِهِ لِلْخِطَابِ، وَبَرَاءَتِهِ مِنْ التَّنَاقُضِ وَالِاخْتِلَافِ وَالِاضْطِرَابِ، فَقَعَدَتْ بِهِمْ هِمَمُهُمْ وَاجْتِهَادُهُمْ عَنْ الِاجْتِهَادِ فِيهِ، وَنَهَضَتْ بِهِمْ إلَى الِاجْتِهَادِ فِي كَوْنِ إمَامِهِمْ أَعْلَمَ الْأُمَّةِ وَأَوْلَاهَا بِالصَّوَابِ، وَأَقْوَالُهُ فِي غَايَةِ الْقُوَّةِ وَمُوَافَقَةِ السُّنَّةِ وَالْكِتَابِ، وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
فَصْلٌ:
النَّوْعُ الرَّابِعُ: طَائِفَةٌ تَفَقَّهَتْ فِي مَذَاهِبِ مَنْ انْتَسَبَتْ إلَيْهِ، وَحَفِظَتْ فَتَاوِيهِ وَفُرُوعَهُ، وَأَقَرَّتْ عَلَى أَنْفُسِهَا بِالتَّقْلِيدِ الْمَحْضِ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ، فَإِنَّ ذَكَرُوا الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ يَوْمًا مَا فِي مَسْأَلَةٍ فَعَلَى وَجْهِ التَّبَرُّكِ وَالْفَضِيلَةِ لَا عَلَى وَجْهِ الِاحْتِجَاجِ وَالْعَمَلِ، وَإِذَا رَأَوْا حَدِيثًا صَحِيحًا مُخَالِفًا لِقَوْلِ مَنْ انْتَسَبُوا إلَيْهِ أَخَذُوا بِقَوْلِهِ وَتَرَكُوا الْحَدِيثَ، وَإِذَا رَأَوْا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا وَغَيْرَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم قَدْ أَفْتَوْا بِفُتْيَا، وَوَجَدُوا لِإِمَامِهِمْ فُتْيَا تُخَالِفُهَا أَخَذُوا بِفُتْيَا إمَامِهِمْ وَتَرَكُوا فَتَاوَى الصَّحَابَةِ، قَائِلِينَ: الْإِمَامُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنَّا، وَنَحْنُ قَدْ قَلَّدْنَاهُ فَلَا نَتَعَدَّاهُ وَلَا نَتَخَطَّاهُ، بَلْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ مِنَّا، وَمِنْ عَدَا هَؤُلَاءِ فَمُتَكَلِّفٌ مُتَخَلِّفٌ قَدْ دَنَا بِنَفْسِهِ عَنْ رُتْبَةِ الْمُشْتَغِلِينَ وَقَصُرَ عَنْ دَرَجَةِ الْمُحَصِّلِينَ، فَهُوَ مُكَذْلِكٌ مَعَ الْمُكَذْلِكِينَ، وَإِنْ سَاعَدَ الْقَدَرُ، وَاسْتَقَلَّ بِالْجَوَابِ قَالَ: يَجُوزُ بِشَرْطِهِ، وَيَصِحُّ بِشَرْطِهِ، وَيَجُوزُ مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ مَانِعٌ شَرْعِيٌّ، وَيَرْجِعُ فِي ذَلِكَ إلَى رَأْيِ الْحَاكِمِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْأَجْوِبَةِ الَّتِي يَسْتَحْسِنُهَا كُلُّ جَاهِلٍ، وَيَسْتَحْيِي مِنْهَا كُلُّ فَاضِلٍ.
[مَنْزِلَةُ كُلِّ نَوْعٍ مِنْ الْمُفْتِينَ] فَفَتَاوَى الْقَسَمِ الْأَوَّلِ مِنْ جِنْسِ تَوْقِيعَاتِ الْمُلُوكِ وَعُلَمَائِهِمْ، وَفَتَاوَى النَّوْعِ الثَّانِي مِنْ