الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُمَا، وَقَبِلَهُمَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فِيمَنْ تَزَوَّجَ فِي الْعِدَّةِ، وَهُوَ يَعْلَمُ: يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَلَا تَحِلُّ لَهُ أَبَدًا، وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ؛ فَمُعَاقَبَةُ الْمَرْأَةِ هَاهُنَا بِنَقِيضِ قَصْدِهَا هُوَ مَحْضُ الْقِيَاسِ وَالْفِقْهِ، وَلَا يُنْتَقَضُ هَذَا عَلَى أَشْهَبَ بِمَسْأَلَةِ الْمُخَيَّرَةِ وَمَنْ جَعَلَ طَلَاقَهَا بِيَدِهَا؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ قَدْ مَلَّكَهَا ذَلِكَ وَجَعَلَهُ بِيَدِهَا بِخِلَافِ الْحَالِفِ فَإِنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ طَلَاقَهَا بِنَفْسِهِ، وَلَا جَعَلَهُ بِيَدِهَا بِالْيَمِينِ، حَتَّى لَوْ قَصَدَ ذَلِكَ فَقَالَ:" إنْ أَعْطَيْتنِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ " أَوْ " إنْ أَبْرَأَتْنِي مِنْ جَمِيعِ حُقُوقِك فَأَنْتِ طَالِقٌ " فَأَعْطَتْهُ أَوْ أَبْرَأَتْهُ طَلُقَتْ.
وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا الَّذِي قَالَ أَشْهَبُ أَفْقَهُ مِنْ الْقَوْلِ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ؛ فَإِنَّ الزَّوْجَ إنَّمَا قَصَدَ حَضَّهَا وَمَنْعَهَا، وَلَمْ يَقْصِدْ تَفْوِيضَ الطَّلَاقِ إلَيْهَا، وَلَا خَطَرَ ذَلِكَ بِقَلْبِهِ، وَلَا قَصَدَ وُقُوعَ الطَّلَاقِ عِنْدَ الْمُخَالَفَةِ، وَمَكَانُ أَشْهَبَ مِنْ الْعِلْمِ وَالْإِمَامَةِ غَيْرُ مَجْهُولٍ؛ فَذَكَرَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِ الِانْتِقَاءِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَيِّ قَالَ: أَشْهَبُ أَفْقَهُ مِنْكُمْ وَمِنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مِائَةَ مَرَّةٍ، وَأَنْكَرَ ابْنُ كِنَانَةَ ذَلِكَ، قَالَ: لَيْسَ عِنْدَنَا كَمَا قَالَ مُحَمَّدٌ، وَإِنَّمَا قَالَهُ لِأَنَّ أَشْهَبَ شَيْخُهُ وَمُعَلِّمُهُ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: أَشْهَبُ شَيْخُهُ وَمُعَلِّمُهُ، وَابْنُ الْقَاسِمِ شَيْخُهُ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمَا لِكَثْرَةِ مُجَالَسَتِهِ لَهُمَا، وَأَخْذِهِ عَنْهُمَا.
[فَصْلٌ هَلْ الْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ يَمِينٌ أَوْ لَا]
فَصْلٌ:
[هَلْ الْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ يَمِينٌ أَوْ لَا؟]
الْمَخْرَجُ الثَّامِنُ: أَخْذُهُ بِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ إنَّ الْحَلِفَ بِالطَّلَاقِ لَا يَلْزَمُ، وَلَا يَقَعُ عَلَى الْحَانِثِ بِهِ طَلَاقٌ، وَلَا يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ وَلَا غَيْرِهَا، وَهَذَا مَذْهَبُ خَلْقٍ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، صَحَّ ذَلِكَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ. قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ، وَأَهْلُ الظَّاهِرِ: وَلَا يُعْرَفُ لِعَلِيٍّ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، هَذَا لَفْظُ أَبِي الْقَاسِمِ التَّيْمِيِّ فِي شَرْحِ أَحْكَامِ عَبْدِ الْحَقِّ، وَقَالَهُ قَبْلَهُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ، وَصَحَّ ذَلِكَ عَنْ طَاوُسٍ أَجَلُّ أَصْحَابِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه، وَأَفْقَهُهُمْ عَلَى الْإِطْلَاقِ.
قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ: أَنْبَأَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ لَيْسَ شَيْئًا، قُلْت: أَكَانَ يَرَاهُ يَمِينًا؟ قَالَ: لَا أَدْرِي، وَهَذَا أَصَحُّ إسْنَادٍ عَمَّنْ هُوَ مِنْ أَجَلِّ التَّابِعِينَ، وَأَفْقَهِهِمْ، وَقَدْ وَافَقَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِمِائَةِ عَالِمٍ مِمَّنْ بَنَى فِقْهَهُ عَلَى نُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ دُونَ الْقِيَاسِ، وَمِنْ آخِرِهِمْ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ.
قَالَ فِي كِتَابِهِ الْمُحَلَّى: مَسْأَلَةٌ الْيَمِينُ بِالطَّلَاقِ لَا يَلْزَمُ، سَوَاءٌ بَرَّ أَوْ حَنِثَ، لَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ، وَلَا طَلَاقَ إلَّا كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا يَمِينَ إلَّا كَمَا شَرَعَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ، ثُمَّ قَرَّرَ
ذَلِكَ، وَسَاقَ اخْتِلَافَ النَّاسِ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: فَهَؤُلَاءِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ، وَشُرَيْحٌ وَطَاوُسٌ لَا يَقْضُونَ بِالطَّلَاقِ عَلَى مَنْ حَلَفَ بِهِ فَحَنِثَ، وَلَا يُعْرَفُ فِي ذَلِكَ لِعَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم.
قُلْت: أَمَّا أَثَرُ عَلِيٍّ رضي الله عنه فَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً، وَأَرَادَ سَفَرًا، فَأَخَذَهُ أَهْلُ امْرَأَتِهِ، فَجَعَلَهَا طَالِقًا إنْ لَمْ يَبْعَثْ بِنَفَقَتِهَا إلَى شَهْرٍ، فَجَاءَ الْأَجَلُ، وَلَمْ يَبْعَثْ إلَيْهَا بِشَيْءٍ، فَلَمَّا قَدِمَ خَاصَمُوهُ إلَى عَلِيٍّ، فَقَالَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: اضْطَهَدْتُمُوهُ حَتَّى جَعَلَهَا طَالِقًا، فَرَدَّهَا عَلَيْهِ، وَلَا مُتَعَلِّقَ لَهُمْ بِقَوْلِهِ " اضْطَهَدْتُمُوهُ " لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ إكْرَاهٌ، فَإِنَّهُمْ إنَّمَا طَالَبُوهُ بِحَقِّ نَفَقَتِهَا فَقَطْ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ عَلَى الطَّلَاقِ وَلَا عَلَى الْيَمِينِ، وَلَيْسَ فِي الْقِصَّةِ أَنَّهُمْ أَكْرَهُوهُ بِالْقَتْلِ أَوْ بِالضَّرْبِ أَوْ بِالْحَبْسِ أَوْ أَخْذِ الْمَالِ عَلَى الْيَمِينِ حَتَّى يَكُونَ يَمِينُ مُكْرَهٍ، وَالسَّائِلُونَ لَمْ يَقُولُوا لِعَلِيٍّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ أَلْبَتَّةَ، وَإِنَّمَا خَاصَمُوهُ فِي حُكْمِ الْيَمِينِ فَقَطْ، فَنَزَّلَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ ذَلِكَ مَنْزِلَةَ الْمُضْطَهَدِ حَيْثُ لَمْ يُرِدْ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ التَّخَلُّصَ إلَى سَفَرِهِ بِالْحَلِفِ، فَالْحَالِفُ وَالْمُضْطَهَدُ كُلٌّ مِنْهُمَا لَمْ يُرِدْ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ، فَالْمُضْطَهَدُ مَحْمُولٌ عَلَى الطَّلَاقِ تَكَلَّمَ بِهِ لِيَتَخَلَّصَ مِنْ ضَرَرِ الْإِكْرَاهِ، وَالْحَالِفُ حَلَفَ بِهِ لِيُتَوَصَّلَ إلَى غَرَضِهِ مِنْ الْحَضِّ أَوْ الْمَنْعِ أَوْ التَّصْدِيقِ أَوْ التَّكْذِيبِ وَلَوْ اخْتَلَفَ حَالَ الْحَالِفِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُكْرَهًا أَوْ مُخْتَارًا لَسَأَلَهُ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنْ الْإِكْرَاهِ وَشُرُوطِهِ وَحَقِيقَتِهِ، وَبِأَيِّ شَيْءٍ أُكْرِهَ، وَهَذَا ظَاهِرُ بِحَمْدِ اللَّهِ، فَارْضَ لِلْمُقَلِّدِ بِمَا رَضِيَ لِنَفْسِهِ.
وَأَمَّا أَثَرُ شُرَيْحٍ فَفِي مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ خُوصِمَ إلَيْهِ فِي رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ إنْ أَحْدَثَ فِي الْإِسْلَامِ حَدَثًا، فَاكْتَرَى بَغْلًا إلَى حَمَّامِ أَعْيَنَ، فَتَعَدَّى بِهِ إلَى أَصْبَهَانَ فَبَاعَهُ وَاشْتَرَى بِهِ خَمْرًا، فَقَالَ شُرَيْحٌ: إنْ شِئْتُمْ شَهِدْتُمْ عَلَيْهِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا، فَجَعَلُوا يُرَدِّدُونَ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ وَيُرَدِّدُ عَلَيْهِمْ، فَلَمْ يَرَهُ حَدَثًا، وَلَا مُتَعَلِّقَ لِقَوْلِ الرَّاوِي - إمَّا مُحَمَّدٌ، وَإِمَّا هِشَامٌ - فَلَمْ يَرَهُ حَدَثًا، فَإِنَّمَا ذَلِكَ ظَنٌّ مِنْهُ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَيُّ حَدَثٍ أَعْظَمُ مِمَّنْ تَعَدَّى مِنْ حَمَّامِ أَعْيَنَ، وَهُوَ عَلَى مَسِيرَةِ أَمْيَالٍ يَسِيرَةٍ مِنْ الْكُوفَةِ إلَى أَصْبَهَانَ ثُمَّ بَاعَ بَغْلَ مُسْلِمٍ ظُلْمًا وَاشْتَرَى بِهِ خَمْرًا؟ .
قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ شُرَيْحًا لَمَّا رُدَّتْ عَلَيْهِ الْمَرْأَةُ ظَنَّ مَنْ شَاهَدَ الْقِصَّةَ أَنَّهُ لَمْ يَرَ ذَلِكَ حَدَثًا؛ إذْ لَوْ رَآهُ حَدَثًا لَأَوْقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ، وَشُرَيْحٌ إنَّمَا رَدَّهَا لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ، وَإِنَّمَا قَصَدَ الْيَمِينَ فَقَطْ، فَلَمْ يُلْزِمْهُ بِالطَّلَاقِ، فَقَالَ الرَّاوِي فِيهِمْ: فَلَمْ يَرَ ذَلِكَ حَدَثًا، وَشُرَيْحٌ أَفْقَهُ فِي دَيْنِ اللَّهِ أَنْ لَا يَرَى مِثْلَ هَذَا حَدَثًا.
وَمِمَّنْ رَوَى عَنْهُ عَدَمَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَى الْحَالِفِ إذَا حَنِثَ عِكْرِمَةُ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، كَمَا ذَكَرَهُ سُنَيْدُ بْنُ دَاوُد فِي تَفْسِيرِهِ فِي أَوَّلِ سُورَةِ النُّورِ عَنْهُ بِإِسْنَادِهِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُ أَخَاهُ، فَكَلَّمَهُ، فَلَمْ يَرَ ذَلِكَ طَلَاقًا، ثُمَّ قَرَأَ:{وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} [البقرة: 168] .
وَمَنْ تَأَمَّلَ الْمَنْقُولَ عَنْ السَّلَفِ فِي ذَلِكَ وَجَدَهُ أَرْبَعَةَ أَنْوَاعٍ: صَرِيحٌ فِي عَدَمِ الْوُقُوعِ، وَصَرِيحٌ فِي الْوُقُوعِ، وَظَاهِرٌ فِي عَدَمِ الْوُقُوعِ، وَتَوَقَّفَ عَنْ الطَّرَفَيْنِ، فَالْمَنْقُولُ عَنْ طَاوُسٍ وَعِكْرِمَةَ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ الْوُقُوعِ، وَعَنْ عَلِيٍّ عليه السلام وَشُرَيْحٍ ظَاهِرٌ فِي ذَلِكَ، وَعَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ صَرِيحٌ فِي التَّوَقُّفِ.
وَأَمَّا التَّصْرِيحُ بِالْوُقُوعِ فَلَا يُؤْثَرُ عَنْ صَحَابِيٍّ وَاحِدٍ إلَّا فِيمَا هُوَ مُحْتَمَلٌ لِإِرَادَةِ الْوُقُوعِ عِنْدَ الشَّرْطِ، كَالْمَنْقُولِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، بَلْ الثَّابِتُ عَنْ الصَّحَابَةِ عَدَمُ الْوُقُوعِ فِي صُورَةِ الْعِتْقِ الَّذِي هُوَ أَوْلَى بِالنُّفُوذِ مِنْ الطَّلَاقِ، وَلِهَذَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ: الْقِيَاسُ أَنَّ الطَّلَاقَ مِثْلُهُ، إلَّا أَنْ تُجْمِعَ الْأُمَّةُ عَلَيْهِ، فَتَوَقَّفَ فِي الطَّلَاقِ لِتَوَهُّمِ الْإِجْمَاعِ.
وَهَذَا عُذْرُ أَكْثَرِ الْمُوقِعِينَ لِلطَّلَاقِ، وَهُوَ ظَنُّهُمْ أَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى الْوُقُوعِ، مَعَ اعْتِرَافِهِمْ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْقِيَاسِ الصَّحِيحِ مَا يَقْتَضِي الْوُقُوعَ، وَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ إجْمَاعٌ تَبَيَّنَ أَنْ لَا دَلِيلَ أَصْلًا يَدُلُّ عَلَى الْوُقُوعِ، وَالْأَدِلَّةُ الدَّالَّةُ عَلَى عَدَمِ الْوُقُوعِ فِي غَايَةِ الْقُوَّةِ وَالْكَثْرَةِ، وَكَثِيرٌ مِنْهَا لَا سَبِيلَ إلَى دَفْعِهِ، فَكَيْفَ يَجُوزُ مُعَارَضَتُهَا بِدَعْوَى إجْمَاعٍ قَدْ عُلِمَ بُطْلَانُهُ قَطْعًا؟ فَلَيْسَ بِأَيْدِي الْمُوقِعِينَ آيَةٌ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ وَلَا أَثَرٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا عَنْ أَصْحَابِهِ وَلَا قِيَاسٍ صَحِيحٍ، وَالْقَائِلُونَ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ إلَّا الِاسْتِصْحَابُ الَّذِي لَا يَجُوزُ الِانْتِقَالُ عَنْهُ إلَّا لِمَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ لَكَانَ كَافِيًا، فَكَيْفَ وَمَعَهُمْ الْأَقْيِسَةُ الَّتِي أَكْثَرُهَا مِنْ بَابِ قِيَاسِ الْأَوْلَى؟
وَالْبَاقِي مِنْ الْقِيَاسِ الْمُسَاوِي، وَهُوَ قِيَاسُ النَّظِيرِ عَلَى نَظِيرِهِ، وَالْآثَارُ وَالْعُمُومَاتُ وَالْمَعَانِي الصَّحِيحَةُ وَالْحِكَمُ وَالْمُنَاسِبَاتُ الَّتِي شَهِدَ لَهَا الشَّرْعُ بِالِاعْتِبَارِ مَا لَمْ يَدْفَعْهُمْ مُنَازِعُوهُمْ عَنْهُمْ بِحُجَّةٍ أَصْلًا؟ وَقَوْلُهُمْ وَسَطٌ بَيْنَ قَوْلَيْنِ مُتَبَايِنَيْنِ غَايَةَ التَّبَايُنِ:
أَحَدُهُمَا قَوْلُ مَنْ يَعْتَبِرُ التَّعْلِيقَ فَيُوقِعُ بِهِ الطَّلَاقَ عَلَى كُلِّ حَالٍ، سَوَاءٌ كَانَ تَعْلِيقًا قَسَمِيًّا يَقْصِدُ بِهِ الْحَالِفُ مَنْعَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ أَوْ تَعْلِيقًا شَرْطِيًّا يَقْصِدُ بِهِ حُصُولَ الْجَزَاءِ عِنْدَ حُصُولِ الشَّرْطِ، وَالثَّانِي قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: إنَّ هَذَا التَّعْلِيقَ كُلَّهُ لَغْوٌ لَا يَصِحُّ بِوَجْهٍ مَا، وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِهِ أَلْبَتَّةَ، كَمَا سَنَذْكُرُهُ فِي الْمَخْرَجِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَهَؤُلَاءِ تَوَسَّطُوا بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ، وَقَالُوا: يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي صُورَةِ التَّعْلِيقِ الْمَقْصُودِ بِهِ وُقُوعِ الْجَزَاءِ، وَلَا يَقَعُ فِي صُورَةِ التَّعْلِيقِ الْقَسَمِيِّ، وَحُجَّتُهُمْ قَائِمَةٌ عَلَى الْفَرِيقَيْنِ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْهُمَا حُجَّةٌ صَحِيحَةٌ عَلَيْهِمْ، بَلْ كُلُّ حُجَّةٍ صَحِيحَةٍ احْتَجَّ بِهَا الْمُوقِعُونَ فَإِنَّمَا تَدُلُّ عَلَى الْوُقُوعِ فِي صُورَةِ التَّعْلِيقِ الْمَقْصُودِ.
وَكُلُّ